رسائل إلى طلبة العلم

مع عودة الحياة العلميّة إلى المدارس والجامعات، وبعد انقطاعٍ دامَ لأكثر من سنةٍ ونصف على إثر جائحة كورونا، التي أوجدتْ أكبرَ انقطاعٍ عن التعليم في التاريخ

  • التصنيفات: طلب العلم - الإسلام والعلم -
رسائل إلى طلبة العلم

مع عودة الحياة العلميّة إلى المدارس والجامعات، وبعد انقطاعٍ دامَ لأكثر من سنةٍ ونصف على إثر جائحة كورونا، التي أوجدتْ أكبرَ انقطاعٍ عن التعليم في التاريخ؛ حيثُ تضرّر منه نحو 1,6 بليون من الطلبة في أكثر من 190 بلدا وفي جميع القارات، حسب تقرير الأمم المتحدة الصادر في شهر أغسطس 2020م.

 

أحببتُ أن يكون لي حديثٌ خاص من القلب إلى القلب مع الطلبة في مختلف المراحل الدراسية من شباب اليوم وقادة الغد المرابطين في ساحات التعليم والتربية، والمكبّين على كتبهم ودروسهم برُوح عاليةٍ وأملٍ جديدٍ.

 

يا طالب العلم.. أنتَ على ثغرةٍ كبيرةٍ من ثُغور الأمّة، وأنت الأمل والضياء والنور المشرق للمستقبل الواعد-إن شاء الله-، تنوطُ بك الواجبات والمسئوليات الكبيرة تجاه الدين والوطن، ولا ينتهي دورك في الذهاب إلى مقرّ الدراسة والعودة منها، بل يتعدى إلى العناية بالوقت، والتركيز على القراءة، والاستفادة من التقنية، وبذل الغالي والنفيس في الطلب والتحصيل، بعزمٍ ونشاطٍ وهمّة عالية.

تَهُونُ عَلَيْنَا في المَعَالي نُفُوسُنَا *** ومنْ خطبَ الحسناءَ لمْ يغلها المهرُ

 

يا طالب العلم.. أنتَ اليوم على مقعد الدراسة والتعليم، وغدا على مسند العمل والعطاء -إن شاء الله- فاستعد لحمل الأمانة وأداء الرسالة، وتسلّح بالعلم والمهارة، وحوّل المعرفة والبحث العلمي إلى ميادين للتجربة؛ حتى تكون لها قيمة مضافة في حياتك ومسيرتك.

يا جامع العلمِ نعمَ الذُّخرُ تجمعُهُ *** لا تعدِلَنَّ بِهِ دُرًّا ولا ذهبَا

 

يا طالب العلم.. الفهمُ والاستيعابُ أهمّ من الحفظ دون التطبيق، فلو حفظتَ مَتْنا دون فهم، لم يتجاوز إلا أن تضيف نسخة إلى نُسخ الكتاب، أمّا الحفظ الملازم للفهم والتطبيق فهو المطلوب والاستثمار الصحيح، فاقرأ بمنهجية، وادرس بذكاء، وتعرّف إلى آليات التميّز في الدراسة، وطُرق التفكير والفهم والاستيعاب.

 

يا طالب العلم.. إنّ مدرّسَك وأستاذك بمثابة والدك، فاحترمه واستمع إلى نصائحه وتوجيهاته، واستفد من خبراته في أساليب القراءة والكتابة والجمع والترتيب، والاختصار والتعليق، وليكن محلّ الإجلال والتقدير.

أرأيتَ أشرفَ أو أجلّ من الذي *** يَـبـْنـي ويُـنشئ أنفسًا وعقولا

 

يا طالب العلم.. الكتابُ مصدرٌ للسلام، وزينة للأنام، وهو أكرم مالٍ وأنفس جمال، فلا تقلّل من شأنه، أو تستغني عنه، أو تسيئ التعامل معه بشطب، وخطوط ورسومات، هو أنيسك ونديمُك في الليالي وصاحبُك وصديقك في السفر، ومن حقّه عليك التوقير وحسن التعامل، وصونُ الكتاب أولى من صون الثياب.

أعَزُّ مَكانٍ في الدُّنَى سَرْجُ سابحٍ *** جَليسٍ في الزّمانِ كِتابُ

 

يا طالب العلم.. أطلب العلم لله تعالى وأخلص النية في طلبه، تجد اللذة والسعادة في الدنيا والآخرة، ولا تتطلّع من وراء العلم إلى الشّهرة والمنصب والجاه والمال، وكلّ يُرزق على حسب نيّته.

إذا كانَ ما تَنْوِيهِ فِعْلًا مُضارِعًا *** مَضَى قبلَ أنْ تُلقى علَيهِ الجَوازِمُ

 

يا طالب العلم.. اختر تخصصك ومجالك بعناية تامة واستشر المتخصصين، فحاجات اليوم ليست كالأمس، وبعض التخصصات لم تعد الحاجة إليها، وابحث عن التخصصات والفنون التي يحتاج إليها بلدك ووطنك، وتجنّب المجالات التي وزْرُها أكثر من نفعها.

فَقُل رَبِّ وَفِّق لِلعَظائِمِ أُمَّتي *** وَزَيِّن لَها الأَفعالَ وَالعَزَماتِ

 

يا طالب العلم.. طلب العلم عبادة، وصرف الوقت فيه رياضة روحية، والإقبال عليه جهاد في سبيل الله، والنبوغ فيه منزلة عالية، فأنت تعيش في طاعة، وتنتقل من روضة إلى أخرى، وهنيئا لك بذلك.

 

يا طالب العلم.. حدّد مهامك وواجباتك اليومية بوضوحٍ، وقم بأدائها أولا بأوّل، لا تتكاسل ولا تتهاون، ولا تتردد ولا تتواني، فأنت المستقبل القادم، وأنت البطل القائد الملهم الذي تنتظره الأمّة.

 

يا طالب العلم.. العالمُ تقدّم بالعلم، وارتقى بالمعرفة، وصعدَ إلى الفضاء، واخترعَ الذكاء الاصطناعي، فجهزّ نفسك وحدّد مسارك لأداء الدور الريادي في رفع شأنِ الأمّة التي أنتَ فرد من أفرادها وفارسٌ من فوارسها، واعلم أن فرضيّة العلم في الإسلام تشمل جميع أنواع العلوم الشرعية والتطبيقية التي تنفع الإنسان.

 

يا طالب العلم.. ليكن لك أهداف واضحة موزعة على خطط مدروسة، لاتكن فوضويا، ولا متواكلا، كن منظما في حياتك، مرتّبا في خطتك الدراسية، جميلا في مظهرك، وأنيقا في تعاملك مع الآخرين.

 

يا طالب العلم.. النفس البشرية تعتريها حالات من الفتور والخمول والتراخي، ولذا حاول أن تقرأ في سير العظماء وقصص الناجحين ومآثر أعلام الإسلام الذين أفنوا حياتهم للعلم ونشر الخير والرحمة والقيم والمعالي في المجتمع.

أولَئِكَ آبائي فَجِئني بِمِثلِهِم *** إِذا جَمَعَتنا يا جَريرُ المَجامِعُ

 

يا طالب العلم.. تشتدّ حاجتك إلى بعضِ الدورات التطويرية التي تيسّر لك طرق العلم والتحصيل، وتعلّمك مهارات الكتابة والإلقاء وفنون التلخيص والتعليق والمراجعة والحفظ، فكلّ واحد من هذه الأمور لها أساليب وطرق إبداعية تسهّل عليك الوصول إلى هدفك بأقلّ مجهود وأيسر طريق.

 

يا طالب العلم.. لتكن من أقوى الناس صلة وعلاقة بالقرآن الكريم، فهو يقوي العقل ويشدّ العزيمة، ويضيئ الفهم، ويفتح الذّهن، ويشرح الصّدر، وينورّ الدّرب، وبكلّ حرف حسنةٌ والحسنةُ بعشرِ أمثالها.

 

شمعة أخيرة:

يا طالب العلم.. إنّ حركاتك محسوبة أمام الناس، فكن هيّنا لينا خافض الجناح مع والديك وأسرتك وأقاربك وجيرانك، رفيقا في التعامل، جميلا في القول، بعيدا عن الاستعلاء والتنمّر، والعُجب والرياء، فطالبُ العلم يُعرف بسمته وهديه قبل أن يعرف بعلمه وثقافته، وقد قيل: تعلّموا العلم، وتعلّموا للعلم السكينة والحلم.

_________________________________________________

الكاتب: د. سعد الله المحمدي