أهمية صلاة الفجر

منذ 2024-12-10

بعدَ ظلام الليل الحالك يتنفَّس الصبح بضيائه، ويُرسل إلى الكون خيوط الصباح الأُولى مؤْذِنًا ببدء يوم جديد، ويَشهدُ الكون في تلك اللحظات المهيبة صراعَ النور والظلمة، واعتراكَ الليل والنهار، ويُبصِر ميلادَ يوم جديد، ويُقبل الفجر في زُهُوِّه وبهائه...

أهمية صلاة الفجر

وبعدَ ظلام الليل الحالك يتنفَّس الصبح بضيائه، ويُرسل إلى الكون خيوط الصباح الأُولى مؤْذِنًا ببدء يوم جديد، ويَشهـدُ الكون في تلك اللحظات المهيبة صراعَ النور والظلمة، واعتراكَ الليل والنهار، ويُبصِر ميلادَ يوم جديد، ويُقبل الفجـر في زُهُوِّه وبهائه يتهادَى اختيالاً، مِلء عينيه أسرارٌ وأخبار.

 

وفي هـذا الوقت البديع المبارك يُدوِّي في سماء الكون النداءُ الخالد، نداءُ الأذان لصلاة الفجر، فتهتف الأرض كلُّها: "الله أكبر الله أكبر"، "الصلاة خير من النوم". وتكون صلاةُ الفجر فاتحةَ اليوم في حياة المسلم، وكأنَّما يُعلِّم الإسلام أهلَه أن يبدؤوا كلَّ أمر بطاعة الله والإقبال عليه والإنابة إليه، وكأنما هي شكرٌ لله على نعمة الإصباح بعد الإظلام، ويبدأ وقت صلاة الفجر من ظهور الفجر الصادق إلى طلوع الشمس، والسُّنَّة فيها التعجيل، فيُصلِّيها بغَلَس قبل الإسفـار.

 

أيُّها المسلمون:

ما من جديد سأذكره عن صلاة الفجر، ولكنَّها كلماتُ نُصْح أُوَجِّهها لكم عن هذه الشعيرة بالذات؛ فنحن نعيش أيام الصيف حيثُ يقْصُر الليل ويطول النهار، وحيث يتمتع قطاعٌ عريض من مجتمعنا بإجازة لا عملَ فيها، فيكثُر السهـر؛ ومن ثَمَّ يكثُر النوم عن صلاة الفجر.

 

إنك لو وازنت بين عدد المصلين هذه الأيَّام في صلاة الفجر وفي غيرها من الصلوات لرأيت عجبًا! هل لي أن أطالب نفسي وإيَّاكم بأن يُحصيَ كلُّ فرد مقدارَ ما فاته من صلاة الفجر في جماعة منذُ بداية شهرنا هذا، هل حاولتَ إحصاء ذلك؟ كيف كانت النتيجة؟ أليست محزنة؟! وإذا كنتَ أدركت الفجر جماعة، فهل لي أن أسأل عن سُنَّتها القَبْلِية؟!

 

لقد جرى مرة استفتاءٌ محدودٌ شمل عددًا ممن نَحسبُهم راغبين في الخير فكانت النتيجةُ مرعبة؛ ستةَ عَشَرَ في المائة - فقط - هم الذين لم تفتْهم صلاةُ الفجر خلال أسبوعين!

 

فهل يسوغ لنا ويُقبل منا مثل هذا التفريط؟!

 

أيُّها المسلمون:

لقد سَمَّى الله هذه الصلاة العظيمة: {قرآن الفجر} فقال - سبحانه -: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78]، قال ابنُ كَثير - رحمه الله -: "يعني صلاة الفجر"، ورَوى البخاريُّ في "صحيحه" عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: «تجتمع ملائكةُ الليل وملائكةُ النهار في صلاة الصبح»، يقول أبو هريرة - رضي الله عنه -: اقرؤوا إن شئتم: «وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا».

 

وهكذا تكون صلاة الفجر مجتمعًا للملائكة، ومحفلاً من محافل الخير والطاعة والعبادة، لا يحضُرُه إلاَّ كلُّ طاهرٍ مطهر من الأبرار، يستحقُّ أن يكون في ضيافة الرحمن؛ عن أبي أُمَامَةَ - رضي الله عنه - عن النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: «مَن توضَّأ ثم أتى المسجدَ فصلَّى ركعتين قبل الفجر، ثم جلس حتى يُصلِّيَ الفجر، كُتِبت صلاتُه يومئذٍ في صلاة الأبرار، وكُتِب في وفد الرحمن» (رواه الطبراني - بإسناد حسن).

 

وليست هذه فضيلة صلاة الفجر الوحيدة، بل قد تكاثَرتِ النصوص بما لهذه الصلاة من فضائل، فهل تعلم - يا عبدَالله - أنَّ صلاة الفجر تعدِلُ قيام الليل؟! روى مسلم في "صحيحه" عن عثمانَ بنِ عفان - رضي الله عنه - قال: سمعت رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: «مَن صلَّى العشاءَ في جماعة، فكأنَّما قام نصف الليل، ومَن صلَّى الصبحَ في جماعة، فكأنَّما صلَّى الليل كلَّه»، ورَوى مالك - بسند صحيح -: أنَّ عمر بنَ الخطاب - رضي الله عنه - فَقَدَ سليمانَ بنَ أبي حَثْمَةَ في صلاة الصبح، فمَرَّ على الشِّفاء أمِّ سليمان فقال لها: "لم أرَ سليمان في الصبح!" فقالت: إنه بات يصلِّي فغلبتْه عيناه، فقال عمر: "لَأَنْ أَشْهدَ صلاةَ الصبح في جماعة أحبُّ إليَّ من أن أقوم ليلة"، رَحِمك الله يا عمر! ورحمك الله يا سليمان، بتَّ تُصلِّي فغلبتْكَ عيناك!

 

فكيف بالذين يغلبُهم النوم وهم أمام القنوات الفضائية ينتقلون من قناة إلى أخرى؟!

وكيف بالذين لا يغلبُهم النوم، ولكنْ تغلبهم الشهوات؟!

كيف بالذين يسهرون على الأرصفة أو في بطون الأودية والشِّعَاب لا يرجون لله وقارًا؟!

 

إن المحافظة على صلاة الفجر وصيَّةُ النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - والصحابة من بعده لأمة الإسلام؛ فعن أبي الدَّرْدَاءِ - رضي الله عنه - أنه لما حضرتْه الوفاةُ قال: أُحدِّثُكم حديثًا سمعتُه من رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: سمعت رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: «مَن استطاع منكم أن يشهدَ الصلاتين: العشاء والصبح ولو حبوًا، فليفعل» رواه الطبراني في "الكبير"، وهو حديث حسن.

 

إن خروجك للمسجد في صلاة الفجر نورٌ يكون لك يومَ القيامة؛ عن سهل بن سعدٍ السَّاعِدِيِّ - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: «بشَّرِ المشَّائين في الظُّلَم إلى المساجد بالنُّور التَّامِّ يوم القيامة»  (رواه أبو داود والترمذي وهو صحيح).

 

إن صلاة الفجر أمانٌ وحفْظٌ من الله لعبده؛ فعن سَمُرَةَ بنِ جُنْدُب - رضي الله عنه - عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: «مَن صلَّى الصبحَ في جماعة، فهو في ذمَّة الله - تعالى» (رواه ابن ماجه بسند صحيح).

 

إن محافظتَك على صلاة الفجر في الجماعة وملازمتَك على ذلك سببٌ يؤدِّي إلى نظَرِك إلى وجه ربِّك - تعالى - في دار كرامته، وهذا أعظمُ نعيمٍ أنْعَم الله به على أهل الجنة؛ ففي "الصحيحين" من حديث جريرِ بنِ عبدِالله البَجَلِيِّ- رضي الله عنه -: أن النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: «أمَا إنَّكم سَتَرَون ربَّكم كما ترون القمر لا تُضَامُّون في رؤيته؛ فإن استطعتُم ألاَّ تُغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها، فافعلوا» يعني: صلاة العصر والفجر، ثم قرأ: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} [طه: 130].

 

إن محافظتَك على صلاة الفجر في الجماعة أمْنٌ لك من عذاب الله، أمنٌ لك من سَخَط الله، سببٌ لرضا الله عنك؛ ففي "صحيح مسلم" من حديث جُندُب بن عبدالله - رضي الله عنه -: أن النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: «مَن صلَّى الصبح، فهو في ذمة الله، فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء، فإنه مَن يطلُبُه من ذمته بشيء يدركه، ثم يكبه على وجهه في نار جهنم».

 

إن صلاة الفجر سببٌ للفوز بجنَّات ربِّ العالمين؛ عن أبي موسى - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: «مَن صلَّى البَرْدَيْن دخل الجنة» رواه البخاري ومسلم، والبَرْدَان: هما الصبح والعصر.

 

إن صلاة الفجر في الجماعة سِترٌ لك من النار؛ فعن أبي زهير عِمَارة بن رويبة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: «لن يَلِجَ النارَ أحدٌ صلَّى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها»؛ يعني: الفجر والعصر؛ رواه مسلم.

 

أيُّها المسلمون:

ولمَّا كانت صلاة الفجر بهذه المنزلة العظيمة، كان التفريط فيها جرمًا كبيرًا وغفلة غير يسيرة؛ قال ابن عمر - رضي الله عنهما -: "كنا إذا فقدْنا الرجلَ في الفجر والعشاء أسأنا به الظنَّ"، وعن أُبَيِّ بنِ كعب - رضي الله عنه - قال: صلَّى بنا رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يومًا الصبح فقال: (( «أشاهِدٌ فلان» ؟)) قالوا: لا، قال: (( «أشاهدٌ فلان» ؟)) قالوا: لا، قال: «إن هاتين الصلاتين أثقلُ الصلوات على المنافقين، ولو تعلمون ما فيهما لأَتَيْتُمُوها ولو حَبْوًا على الركب» (رواه أحمد وأبو داود بسند حسن).

 

أيُّها المسلمون:

لقد تعلقَّتْ قلوبُ السلف - رضي الله عنهم - بهذه الصلاة؛ لِمَا علموا من جليل فضلِها وسوء عاقبة التخلُّف عنها، فكانوا أحرصَ الناس عليها، حتى لقد قال عبدالله بنُ مسعود: "ولقد رأيْتُنَا وما يتخلَّف عنها إلا منافقٌ معلومُ النفاق، ولقد كان الرجل يُؤتَى به يَتَهَادَى بين الرجلين حتى يُقامَ في الصف".

 

وها هو رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - نبي الأمة وهاديها يمرُّ بباب فاطمة ستة أشهر إذا خرج إلى صلاة الفجر، يقول: ((الصلاة يا أهلَ البيت، {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33]؛ رواه الترمذي، إنه حرْصٌ نبويٌّ وتربية لابنته على أن تحرص على صلاة الفجر في وقتها.

 

وكان عليُّ بنُ أبي طالب - رضي الله عنه - يمرُّ في الطريق مناديًا: "الصلاةَ، الصلاة"، يوقظ الناسَ لصلاة الفجر، وكان يفعل ذلك كلَّ يوم.

 

وحين اشتكى الإمام سعيدُ بنُ المُسَيَّبِ عينَه قالوا له: لو خرجت إلى العقيق فنظرت إلى الخضرة، لوجدْتَ لذلك خفَّة - يدعونه للتَّنَزُّه في ضواحي المدينة حيثُ الخضرة والجو الطليق - فقال لهم: "فكيف أصنع بشهود العَتَمَة والصبح"؟!

 

وتزوَّج الحارث بن حسَّان في ليلة من الليالي، فحضر صلاة الفجر مع الجماعة، فقيل له: أتخرج وإنما بَنَيْتَ بأهلك الليلة؟! فقال: والله إن امرأةً تمنعني من صلاة الغداة في جمع لامرأةُ سوء، وقام عبدالرحمن بن مهدي ليلة حتى جهد، فلما طلع الفجر رمى بنفسه على الفراش، فنام عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس، فقال: هذا مما جنى عليَّ الفراش، فجعل على نفسه ألا يجعل بينه وبين الأرض شيئًا شهرين، ومكث الإمام مدين بن أحمد الحِمْيَرِيّ دهرًا إلى حين وفاته لا تفوته التكبيرة الأولى من صلاة الصبح، ويمكث في مصلاَّه وهو على طهارة إلى أن يركع الضحى وربما جلس بعد ذلك، وبقي الشيخ الغرناطي نحوًا من عامين أو أزيد يخرج للصلوات الخمس يُهَادَى بين رجلين لشيءٍ كان برجله، حتى كان بعض أصحابه يقول: الغرناطي حجةُ الله على مَن لم يحضر الجماعة.

 

وكانوا يرون فَوْتَ صلاة الفجر في الجماعة خَطْبًا جَلَلاً يستحقُّ العزاء؛ قال حاتم الأصم: فاتَتْنِي صلاة الجماعة، فعزَّاني أبو إسحاق البخاري وحده، ولو مات لي ولد لعزَّاني أكثر من عشرة آلاف؛ لأنَّ مصيبة الدين أهونُ عند الناس من مصيبة الدنيا.

 

عبادَ الله:

إن هذا الكمَّ الهائل من النصوص والآثار في صلاة الفجر والجماعة - لهو رسالةٌ موجَّهة إلى النفس التي حجبَتْها الشهواتُ والشبهات عن طاعة الله، فتقاعست عن صلاة الفجر، وهي الشعار الصريح والفيصل الواضح بين الصالح والمنافق.

 

هل من محاسبةٍ للنفس قبل أن تُحَاسَب؟! هل تأمَّلْنا قولَ المؤذن: "الله أكبر"، وتساءْلنا: هل الله أكبر من كلِّ شيء؟! أكبر من السهر على المعصية؟! أكبر من متعة الفراش؟! أكبر من البيع والشراء؟! أكبر من الدنيا بأسرها ومشاغلها الفانية؟!

 

يا عبدَالله، يا عبدَالله:

ربما تُصلِّي الفجر في جماعة فيُصلَّى عليك في الظهر، فكن في ذمة الله وجواره ولا تنقض العهد؛ فكم من نفس أصبحت في الدنيا وأمست في الآخرة! وكم من نفسٍ أمست بفرح وأصبحت بحزن! اغتنمْ صحتك قبل مرضك؛ قيل لأحد المقعدين المشلولين نتيجة حادث: ماذا تتمنَّى؟ قال: صلاة الجماعة، فاحْمَدِ الله يا عبدَالله، واعمل قبل أن يُحال بينَك وبين العمل.

 

عباد الله:

إن هذا النداء نوجِّهُه إلى كلَّ مؤمن ممن لا يزال في قلبه خوفٌ من الله، ويُعلن صباحَ مساءَ أنه من أهل المساجد، وأنه يُحافظ على كثير من الصلوات، لكنه يتخلَّف عن صلاة الفجر، وإن هذا التخلُّف ظاهرةٌ سيئة، وبادرة خطيرة تُنْذِر بالعقوبة، وتبعث على الخوف، وتستدعي النصح والإرشاد، وتوجب بذل الأسباب المعينة لتلافيه وتعاطي العلاج قبل أن يستفحلَ المرض، ويعظُم الداء، ويعزُّ الدواء.

 

ولعلَّ أهمَّ خطوة في طريق العلاج: استشعارُ أهمية هذه الصلاة، وإدراكُ قيمتها، وأن تركَها والتهاونَ فيها سمةٌ من سمات المنافقين، وعلامةٌ من علامات الخاسرين. وعليك بأذكار النوم، ودعاء الله في الوتر أن يوفِّقك للقيام، وابتعدْ عن المعاصي جملةً وتفصيلاً؛ فإن المعاصي تقيِّد المرءَ عن الطاعة، وهي سلاسل وأغلال في عُنُق صاحبها تمنعه من العمل الصالح.

_____________________________________
الكاتب: الشيخ مراد عياش اللحيانـي

  • 22
  • 2
  • 7,771
  • عنان عوني العنزي

      منذ
    سوريا الحرة وسوريا الأسد! • هبَّ أن النظام النصيري سقط الآن، ما هو نظام الحكم الذي ستطبقه الفصائل في "سوريا الحرة؟" إن قلتَ الشريعة، فأنتَ لا تعرف الثورة! أو لا تعرف الشريعة! وإن قلت "مجلس انتقالي" و "دستور وطني"، فمع من كانت مشكلة "الثوار" إذن؟ مع عائلة الأسد؟! في السياسة البغيضة لا يمكن فهم الأحداث خارج نطاقها الزماني والمكاني، والتصعيد الأخير من قبل الصحوات، لا يمكن فهمه بمعزل عن سياقه الزماني بعد "اتفاق لبنان" وتولد رغبة دولية بإخراج إيران من المشهد السوري، وكذلك بعد تعثر الحوار السياسي بين الأسد وأتاتورغان، ما دفع الأخير إلى مخاطبة الأسد وحلفائه من خلف لثام الفصائل وبياناتهم السياسية، وعبر فوّهات بنادقهم المأجورة. كما لا يمكن فهم هذا التصعيد بمعزل عن سياقه المكاني ممثلا بالشمال السوري الذي تريد تركيا اقتطاع جزء منه منطقة عازلة تحمي حدودها وتمكنها من إعادة النازحين إليها. معلوم أن "التحالف الدولي" الذي تديره أمريكا، تشارك فيه تركيا كبيدق رئيس، وتدير بدورها بيادق أصغر، تتنافس فيما بينها في كسب رضا الراعي الدولي أو المشغل الإقليمي، ويحاول كل بيدق أن يقدّم نفسه فاتحا "محررا" للسوريين، وسياسيا "متحررا" للداعمين. إنها حرب بالوكالة بين "البيادق التركية" التي تحرك تركيا بعضها، وتغض الطرف عن بعضها، وبين "الأذرع الإيرانية" لتحصيل مكتسبات أفضل على طاولة "أستانا" أو "الدوحة" أو أي طاولة ترسم خارطة "سوريا المستقبل". "سوريا المستقبل" أو "الحرة" التي تسعى الصحوات إليها، سبق أن جلاها قادة الدولة الإسلامية في خطاباتهم قبل سنوات طويلة، واليوم تظهر معالمها الجاهلية واضحة في بيانات الهيئات المرتدة التي طغت عليها لغة الطمأنة للنظام الدولي، و "التعايش" مع "الأقليات" الوثنية والباطنية كالعلوية والإسماعيلية والإيزيدية!، ناهيك عن النصرانية، بل ذهبت هيئات الردة أبعد من ذلك عندما خاطبت روسيا الصليبية بصفتها "شريكا محتملا في بناء مستقبل مشرق لسوريا الحرة!" وخاطبت الحكومة العراقية الرافضية بلغة "التفاهم والتعاون الأخوي!". إنها ثورة جاهلية تسعى إلى" ترسيخ مفهوم الدولة"، وقطعا يقصدون بها "الدولة المدنية"، التي حاربوا لأجلها الدولة الإسلامية، إنها ثورة وليست جهادا في سبيل الله، ثورة تحرُّرية من "نظام قمعي" يستأثر بالسلطة، بغية الوصول إلى نظام آخر "ديمقراطي" يتقاسم السلطة، هذه هي مفاهيم وأبجديات الثورات، وهذه هي شكل "سوريا الحرة" بعد حقبة "سوريا الأسد!" تتلخص في إسقاط تمثال قبيح وبناء آخر على أنقاضه بوجه حسن! التفسير الشرعي لما يجري، لا يخرج عن سنة التدافع العادلة ، فكما رأينا التدافع في الصراع "اليهودي - الرافضي"، ها نحن نرى التدافع في الصراع "الوطني النصيري"، ولا شك أن هناك فرحة عارمة بين عامة المسلمين للتخلص من قبضة النظام النصيري وهذا طبيعي ومبرر حاليا، لكن خروج المناطق من قبضة النصيرية وسقوطها في قبضة تركيا العلمانية وفصائلها الوطنية لا يعني الانعتاق من شرنقة الجاهلية، وإنما الانتقال إلى حقبة جاهلية أخرى. بالمحصلة، فالحدث برمته لم يخرج عن نطاق الرغبة الدولية والنظام الدولي الذي صارت مصالح "الجهاديين والثوريين" لا تتقاطع إلا معه! لكن لما كان زحف الدولة الإسلامية قبل سنوات خلافا لرغبة النظام الدولي، سارعوا إلى تشكيل أكبر تحالف صليبي جاهلي في التاريخ لوقف زحف الخلافة الهادر الذي جاء على غير ما يتوقعون ويشتهون، ومع ذلك وصفوها بأنها "مؤامرة" عالمية كونية صنعتها أمريكا واليهود وإيران وروسيا وكل مخابرات العالم ولسنا في موضع نقارن به مشروع دولة الإسلام بمشاريع الجبهات والهيئات الوطنية القُطرية، فإن الذي بيننا وبينهم لمختلف جدا، ولكن نذكر بأن جيوش الخلافة في البوادي والأرياف لم توقف قتالها للنظام النصيري يوما، ولم تُذل خيولها. ولئن كان تحرك الصحوات متوافقا متقاطعا مع مصالح الحلف اليهودي الأمريكي، فإن الدولة الإسلامية يوم زحفت كان زحفها وما يزال مخالفا معارضا لكل الرغبات والمصالح الأمريكية اليهودية، حتى وصل زحفها نحو "أربيل" و "كوباني" حدائق اليهود الخلفية، فتداعى التحالف الجاهلي بكل أطرافه يتصارخون: اليهود اليهود أدركوا اليهود وانكبت طائرات الأرض تصب حممها لوقف هذا الزحف الهادر، وتكرر الأمر عندما زحف المجاهدون نحو أسوار بغداد، فانصهر الروم مع الفرس جيشا واحدا يقاتل ويذب عن بغداد خشية أن تعود دارا للخلافة، فكان زحف الدولة الإسلامية خلافا لكل الرغبات الدولية ومفارقة لا التقاء لكل المصالح الدولية ومع ذلك اتهمت بالعمالة لكل أقطاب الأرض! (سنوات خداعات.. يؤتمن فيها الخائن ويخوّن فيها الأمين). ◽ المصدر: مقتطف من افتتاحية صحيفة النبأ العدد 472 الخميس 4 جمادى الآخرة 1446 هـ
  • عنان عوني العنزي

      منذ
    سوريا الحرة وسوريا الأسد! • إنها ثورة جاهلية تسعى إلى" ترسيخ مفهوم الدولة"، وقطعا يقصدون بها "الدولة المدنية"، التي حاربوا لأجلها الدولة الإسلامية، إنها ثورة وليست جهادا في سبيل الله، ثورة تحرُّرية من "نظام قمعي" يستأثر بالسلطة، بغية الوصول إلى نظام آخر "ديمقراطي" يتقاسم السلطة، هذه هي مفاهيم وأبجديات الثورات، وهذه هي شكل "سوريا الحرة" بعد حقبة "سوريا الأسد!" تتلخص في إسقاط تمثال قبيح وبناء آخر على أنقاضه بوجه حسن! التفسير الشرعي لما يجري، لا يخرج عن سنة التدافع العادلة ، فكما رأينا التدافع في الصراع "اليهودي - الرافضي"، ها نحن نرى التدافع في الصراع "الوطني النصيري"، ولا شك أن هناك فرحة عارمة بين عامة المسلمين للتخلص من قبضة النظام النصيري وهذا طبيعي ومبرر حاليا، لكن خروج المناطق من قبضة النصيرية وسقوطها في قبضة تركيا العلمانية وفصائلها الوطنية لا يعني الانعتاق من شرنقة الجاهلية، وإنما الانتقال إلى حقبة جاهلية أخرى. بالمحصلة، فالحدث برمته لم يخرج عن نطاق الرغبة الدولية والنظام الدولي الذي صارت مصالح "الجهاديين والثوريين" لا تتقاطع إلا معه! لكن لما كان زحف الدولة الإسلامية قبل سنوات خلافا لرغبة النظام الدولي، سارعوا إلى تشكيل أكبر تحالف صليبي جاهلي في التاريخ لوقف زحف الخلافة الهادر الذي جاء على غير ما يتوقعون ويشتهون، ومع ذلك وصفوها بأنها "مؤامرة" عالمية كونية صنعتها أمريكا واليهود وإيران وروسيا وكل مخابرات العالم ولسنا في موضع نقارن به مشروع دولة الإسلام بمشاريع الجبهات والهيئات الوطنية القُطرية، فإن الذي بيننا وبينهم لمختلف جدا، ولكن نذكر بأن جيوش الخلافة في البوادي والأرياف لم توقف قتالها للنظام النصيري يوما، ولم تُذل خيولها. ولئن كان تحرك الصحوات متوافقا متقاطعا مع مصالح الحلف اليهودي الأمريكي، فإن الدولة الإسلامية يوم زحفت كان زحفها وما يزال مخالفا معارضا لكل الرغبات والمصالح الأمريكية اليهودية، حتى وصل زحفها نحو "أربيل" و "كوباني" حدائق اليهود الخلفية، فتداعى التحالف الجاهلي بكل أطرافه يتصارخون: اليهود اليهود أدركوا اليهود وانكبت طائرات الأرض تصب حممها لوقف هذا الزحف الهادر، وتكرر الأمر عندما زحف المجاهدون نحو أسوار بغداد، فانصهر الروم مع الفرس جيشا واحدا يقاتل ويذب عن بغداد خشية أن تعود دارا للخلافة، فكان زحف الدولة الإسلامية خلافا لكل الرغبات الدولية ومفارقة لا التقاء لكل المصالح الدولية ومع ذلك اتهمت بالعمالة لكل أقطاب الأرض! (سنوات خداعات.. يؤتمن فيها الخائن ويخوّن فيها الأمين). ولكن فليسمع جنودها وأنصارها قبل خصومها وأعدائها، إنه والله لا يضير دولتكم مدحها أو ذمها فقد استويا عندها، ولم تطلب يوما لقاء جهادها جزاء أو شكورا من أحد، ولئن كانت سجلات الأرض قد ظلمتها وجحدتها فإن سجلات الملك العدل سبحانه لا تفعل، وغدا كله تلقاه في كتاب لا يضل ولا ينسى. ولا ينقصها شهادة من أحد، وهذه ميادين الملاحم ما زالت قائمة وسيوفها ما زالت مشرعة، ولئن قاتل هؤلاء اليوم تثبيتا وتحسينا لاتفاقيات الطواغيت، فإن الدولة لن توقف قتالها أصلا، ولم ترهن قرارها لأحد، ولئن قاتلوا استجابة لأوامر الداعمين ومصالح الراعين لأنهم خالفوا مشاريعهم ومصالحهم جميعا، فإن الدولة قاتلت استجابة لأوامر الحق سبحانه وتحقيقا لمصالح المسلمين، ولئن طبقوا مواثيق الأمم المتحدة وقوانينها الكافرة في حربهم وسلمهم فإنها طبقت أوامر الخالق سبحانه في حربها وسلمها، ولم تخرج عن ميثاق النبوة ولا ميراثها. ولئن قاتل هؤلاء من خلال "الإستانة" و"سوتشي" وحدودها، فلم تقاتل إلا في ظلال الشريعة وحدودها، ولئن قاتلوا تماشيا مع المصالح الدولية والإقليمية، فلم تقاتل إلا مخالفة لها، فكانت دولتنا خلاف ما يحبون، تراغمهم وتغيظهم وما زالت ستبقى حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا. وقد عابوا عليها قديما أنها لم تحيّد عدوا، ولو استطاعت لفعلت، ولكنها حرب مفاصلة رموها فيها عن قوس واحدة، لأنها خالفت مشاريعهم ومصالحهم جميعا، وهذا كان اعترافا من حيث لا يشعرون أن دولة الإسلام لم توافق رغبة أحد ولم تقاتل لمصلحة أحد ولم تكن في جيب أحد. وهذه همسة إيمانية تربوية منهجية، إن الشام ستبقى بين الفتن والملحمة، وهذان السياقان لا يمكن الفصل بينهما، وهو ما يحتم على المسلم أن يصحح عقيدته لتقوى ويعزّز إيمانه ليثبته، {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}. ◽ المصدر: مقتطف من افتتاحية صحيفة النبأ العدد 472 الخميس 4 جمادى الآخرة 1446 هـ
  • عنان عوني العنزي

      منذ
    تدجين وتجنيد! لم تعد هناك حاجة مُلحة إلى تجنيد ميليشيات جديدة لحرب المجاهدين، فقد وصلت أساليب "مكافحة الإرهاب" إلى مرحلة متقدمة يتم فيها احتواء وتدجين "جهاديين سابقين" للقيام بالمهمة، بما يضمن مصالح النظام الدولي الكفري، ويشبع رغبة المفتونين بالحكم، رأينا ذلك في نسخ عديدة أبرزها "حكومة طالبان" وأحدثها "حكومة الإنقاذ" وكلاهما دخل القصور الرئاسية بموافقة الجهات المعنية. وكنا طرحنا قبل سنوات أن سبب عدم سقوط النظام النصيري "رسميا" رغم سقوطه "فعليا"، هو "غياب البديل"! لأن البديل كان آنذاك إما الدولة الإسلامية، أو الفوضى العارمة التي تهدد أيضا حدود اليهود، ولذلك حالت الجهود "الأمريكية اليهودية الروسية الإيرانية" مجتمعة دون إسقاطه، لكن يبدو أنه خلال هذه السنوات وعبر "إستراتيجية التدجين"، تم إنضاج البديل على نار هادئة بعد أن صنع من مقره في "إدلب" نسخة مصغرة لشكل "سوريا المستقبل" وصدّر صورة مقبولة دولية لنظام وطني "غليظ" مع الأكثرية المؤمنة "رقيق" مع "الأقلية" الكافرة. تدجين وترويض هذه الهيئات يتم عبر مسارات طويلة في أقبية مراكز الدراسات والاستخبارات، تمر بعمليات فحص واختبارات عديدة للتأكد من مدى جدية وتفاني هذه الهيئات في محاربة الجهاد وهدم العقيدة!، وتستمر في ذلك السقوط حتى تصل إلى "مرحلة نضج" تمكّنها من استلام التكاليف الحكومية الأمنية أو الإدارية، كما رأينا مؤخرا في سوريا ومن قبل في أفغانستان. وبناء عليه، توالت تصريحات مسؤولين يهود وأمريكيين وروس وإيرانيين وغيرهم حول "فتح قنوات اتصال" مباشرة وغير مباشرة مع "المعارضة السورية!" بعد تسلّمها الحكم خلفا للنظام النصيري، هذه الاتصالات لم تكن وليدة اللحظة الثورية، فلم يستيقظ قادة هذه الدول على أخبار سقوط المدن والبلدات بسرعة الآليات! ليقولوا يا للهول!، لقد سقط الأسد! علينا أن نتصل بقادة المعارضة الآن! وأن ننسق معهم قبل فوات الأوان! ليس هذا ما حدث، إن ما حدث عملية إبدال مدروسة للنظام النصيري بنظام جديد يحارب الشرع بـ"الشرع!". أما عن أسباب إذعان الحركات الجهادية إلى هذا المسار الجاهلي، ولماذا تنكث غزلها وتنقلب على أعقابها؟! فالأسباب والتفسيرات كثيرة طويلة طول مسارات الحرب على الجهاد التي ترعاها قوى الكفر، لكن لعل أبرزها: وصول هؤلاء "الجهاديين المدجنين" إلى نتيجة حاسمة أنه لا جدوى من سلوك سبيل الجهاد في إحداث التغيير المنشود، لأنهم سيصطدمون بكل قوى الكفر العالمي وسيدفعون أثمانا كبيرة لم تطقها قلوبهم المريضة ولا نفوسهم المروّضة فيجنحون إلى مداهنة ومسايرة الجاهلية الدولية بدلا من مصادمتها ومفاصلتها، وصارت تلك عندهم حنكة ونضجا بعد أن كانت ردة وخيانة ونكوصا. ولذلك بعد 13 عاما من "الجهاد الثوري" في الشام، أصبح الولاء والبراء "طائفية" وفُسّرت الثورة بأنها "قتال اضطراري" ضد "أسرة حاكمة" متسلطة رفضت الحوار وتقاسم السلطة! وليست حربا دينية ضد نظام نصيري كافر حتى بدون "صيدانيا" ومشتقاته، ولذلك خلت خطابات "مهووس السُّلطة واللَّقطة" من وصف النظام بــ"النصيري" خشية أن تُحسب عليه! وهو ما لا يقبله رعاة النظام الجديد ولا دستورهم الجاهلي المزمع تفصيله قريبا ليناسب مقاس "سوريا المستقبل" مع قرب أفول حدود "سايكس - بيكو" وبروز حدود "نتنياهو - ترامب". ◽ المصدر: صحيفة النبأ – العدد 473 الخميس 11 جمادى الآخرة 1446هـ مقال: تدجين وتجنيد!
  • عنان عوني العنزي

      منذ
    تدجين وتجنيد! وفي سياق النضج الجاهلي لم يغب عن هؤلاء الوطنيين وهم يشرحون معالم "سوريا المستقبل" أن يُظهروا تمايزهم عن الدولة الإسلامية مع أن هذا التمايز لا تخطئه العين، لكنهم حريصون على تذكير المعنيين بأنهم على منهاج النظام الدولي ومواثيقه الجاهلية! وليسوا بحال على منهاج النبوة الذي يكلفهم الكثير. على النقيض تماما، من سلوك دول الكفر المتلائم مع "الجهاديين المدجنين"؛ تقاطرت نفس هذه الدول الكافرة على إعلان خشيتها وتكرار تحذيراتها من استغلال الدولة الإسلامية للأحداث الجارية، وفي هذا السياق نفسّر سلسلة الغارات الكثيفة التي شنها التحالف الصليبي على مواقع الدولة الإسلامية في "وسط سوريا" قبيل الحدث بأسابيع قليلة، ثم كررها تزامنا مع الحدث رغم بعد "الوسط" عن حدود دويلة يهود. ولأن التحليلات تصيب وتخطىء، ولأن التقلبات والمتغيرات السياسية لا تهدأ؛ فإن من سياسة (النبأ) ربط المسلمين بالعقائد والمناهج فإنها لا تتبدل بمرور الأيام ولا بتغير الأحداث لأن ميزان الشرع ثابت، خلافا لسياسة الحركات والأحزاب الجاهلية ومناهجها المتغيرة. في البعد الإيماني للحدث، ظهر تدبير اللطيف الخبير وحكمته البالغة في دفع هؤلاء الشركاء المتشاكسين بعضهم ببعض، ما نتج عنه فكاك أسارى المسلمين بعد سنوات طويلة من التعذيب في سجون "الأقلية" النصيرية، وإن كانت الصورة التي جرى عليها الحال، لم تحقق للمسلمين شفاء وثأرا تاما من أئمة الكفر وجزاري النظام النصيري، لحكمة قدرها الله تعالى، ولعل شفاء صدور المؤمنين والمؤمنات واكتمال فصول ثأرهم يكون على أيدي الأُسد الغضاب الذين يعاقبون المعتدي بأحكام الشريعة لا أحكام الدستور، فلا تأخذهم في الله لومة لائم سلفهم محمد ﷺ وصحبه {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}. في السياق المنهجي، أظهرت الأحداث الأخيرة مجددا تشوّه مفهوم "التحرير" عند العامة والخاصة، فيوم سقطت المناطق في أيدي المليشيات الكردية قالوا تحررت! ويوم سقطت في أيدي النصيرية قالوا تحررت! ويوم سقطت في أيدي الصحوات التركية أو الأمريكية قالوا تحررت! والقاسم المشترك بين هذه الحالات المتباينة هو انحياز الدولة الإسلامية منها بعد أن حكمتها بالشريعة الإسلامية، فهل "التحرر" عند هؤلاء هو التحرر من حكم الإسلام؟! إن التحرير يعني أن يعلو المكان والإنسان أحكام الشريعة الإسلامية، فتحكم المسلم في أقواله وأفعاله، بل حتى في حبه وبغضه وموالاته ومعاداته، وبالنظر إلى واقع الشام، فلا شك أن التحرير بمفهومه الشرعي ما يزال مفقودا. وعليه، فمن كان خلافه مع الأسد وعائلته وحاشيته وصورته وتمثاله، فقد انتهت ثورته، ومن كان خلافه مع نظام مرتد يقوم على تعطيل الشريعة والاحتكام للمجالس الانتخابية والدساتير الكفرية وحماية المراقد الوثنية وموالاة الكافرين دولا وأقليات، بحجة "العلاقات الدولية" و"التنسيق الوطني"، فإن المشكلة ما زالت قائمة، بل ستتفاقم، ولذلك سيتواصل الجهاد على ثرى الشام لأن غايته سيادة الشريعة ونبذ الشرك، أما الثورة فتتوقف عند حدود صناديق الاقتراع؛ {وَمَنْ كَانَ فِي هَٰذِهِ أَعْمَىٰ فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَىٰ وَأَضَلُّ سَبِيلًا}. ◽ المصدر: صحيفة النبأ – العدد 473 الخميس 11 جمادى الآخرة 1446هـ مقال: تدجين وتجنيد!
  • عنان عوني العنزي

      منذ
    نصرة الدولة الإسلامية على أحزاب الكفر والردة والنفاق من أوثق عرى الإيمان «ومنزلة الولاء والبراء في الإسلام عظيمة، فالولاء والبراء قاعدة من قواعد الدين وأصل من أصول الإيمان والعقيدة، فلا يصح إيمان شخص بدونهما، فيجب على المرء المسلم أن يوالي في الله ويحب في الله ويعادي في الله، فيوالي أولياء الله ويحبهم، ويعادي أعداء الله ويتبرأ منهم ويبغضهم، فمن أحب في الله وأبغض في الله ووالى في الله وعادى في الله فهو ولي الله، أما من والى الكافرين واتخذهم أصدقاء وإخوانا فهو مثلهم، قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارىٰ أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين} [المائدة: 51]، والقرآن العزيز مشتمل على كثير من الآيات التي تحذر من اتخاذ الكافرين أولياء، مثل قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة} [الممتحنة: 1]». «فالبراء من الأسس التي تقوم عليها العقيدة الإسلامية وهو البعد من الكفار ومعاداتهم وقطع الصلة بهم، فلا يصح إيمان المرء حتى يعادي الكفار والمرتدين والمنافقين ويتبرأ منهم ولو كانوا أقرب قريب، قال سبحانه: {لا تجد قومًا يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولٰئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولٰئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون} [المجادلة: 22]، فقد تضمنت هذه الآية الكريمة أنه لا يتحقق الإيمان إلا لمن تباعد عن الكفار المحادين لله ولرسوله وتبرأ منهم وعاداهم ولو كانوا أقرب قريب، وقد أثنى -سبحانه وتعالى- على خليله إبراهيم حينما تبرأ من أبيه وقومه ومعبوداتهم حيث قال: {وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براءٌ مما تعبدون} [الزخرف: 26]». «وقد أمرنا سبحانه وتعالى بأن نتأسى بالخليل -عليه الصلاة والسلام- وبتوحيده الخالص وبراءته من المشركين حيث قال: {قد كانت لكم أسوةٌ حسنةٌ في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدًا حتىٰ تؤمنوا بالله وحده إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك وما أملك لك من الله من شيء ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير} [الممتحنة: 4]». «أما مظاهرة الكفار على المسلمين ومعاونتهم عليهم فهي كفر ناقل عن ملة الإسلام عند كل من يعتد بقوله من علماء الأمة قديما وحديثا، قال الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله: الناقض الثامن من نواقض الإسلام «مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين» ... وبناء على هذا فإن من ظاهر دول الكفر على المسلمين وأعانهم عليهم كأمريكا وزميلاتها في الكفر يكون كافرا مرتدا عن الإسلام بأي شكل كانت مظاهرتهم وإعانتهم...» «وهذا العداء والحقد على الإسلام والمسلمين من قبل هؤلاء الصليبيين واليهود لا يستغرب، لأن الكفر وإن كان مللا شتى إلا أنهم ملة واحدة بالنسبة لعداء المسلمين والحقد عليهم...» «وبهذه المناسبة فإننا ندعو جميع المسلمين أن يهبوا لنصرة إخوانهم المجاهدين بكل ما يستطيعون من عون بالنفس والمال والدعاء والدعاية، كما نوصي إخواننا المجاهدين بالصبر والثبات والاستماتة في مقاومة هذا العدوان، وكلنا أمل في الله أن تكون ديار المسلمين مقبرة لهؤلاء الصليبيين والمرتدين كما كانت مقبرة لمن قبلهم من الطغاة المستكبرين». «كما نذكر إخواننا المقاتلين في سبيل الله بحالة المسلمين يوم الأحزاب حينما تكالبت عليهم قوى الكفر وتحالفوا على غزو المدينة واستئصال شأفة المسلمين، إلا أن الله -سبحانه وتعالى- بقوته التي لا تقهر زلزلهم وفرق شملهم وأنجى نبيه ومن معه...» انتهى كلامه رحمه الله. واليوم يعيد التاريخ نفسه، وتعود نفس ملل الكفر والعمالة لحرب المسلمين من جديد، فالواجب على جميع المسلمين عموما، وعلى المسلمين الساكنين ديار الدولة الإسلامية خصوصا أن ينصروا دولتهم الإسلامية في كل مكان بكل ما يستطيعون من أنفس وأموال ودعوات، وأن يذبوا عن عرض إخوانهم المجاهدين ويوالوهم ويؤدوا لهم واجب النصرة والدعم ويفرحوا بظهورهم وانتصارهم وأن يرفعوا همم الناس ويلجموا أفواه المغرضين والمخذلين، فوالله الذي لا إله إلا هو إن ذلك من أوثق عرى الإيمان، كما أن ضده من الفرح بهزيمة المسلمين ومحبة ظهور الكفار وتمكنهم في الأرض لهو الردة الصريحة عن دين الإسلام. فاحذر أيها المسلم من مغبة تضييع ما أوجبه الله عليك، واسع في درب مرضاته وكن على يقين بموعود الله لعباده المؤمنين بأن العاقبة للمتقين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. ◽ المصدر: صحيفة النبأ – العدد 24 السنة السابعة - الثلاثاء 19 جمادى الآخرة 1437 هـ مقال: نصرة الدولة الإسلامية على أحزاب الكفر والردة والنفاق من أوثق عرى الإيمان
  • عنان عوني العنزي

      منذ
    نصرة الدولة الإسلامية على أحزاب الكفر والردة والنفاق من أوثق عرى الإيمان الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد: فلا يخفى عليك اليوم -أيها المسلم اللبيب- كيف اجتمعت ملل الكفر والردة والنفاق من العرب والعجم على حرب الدولة الإسلامية، فتراهم يتحشدون ويجمعون ويأتمرون ويتآمرون ويجيشون ويتوعدون، وتقودهم في ذلك حاملة الصليب أمريكا، حتى باتت المعركة الفاصلة بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان قاب قوسين أو أدنى. ورغم وضوح الرؤية وانكشاف الحقائق، تجد البعض يتساءل: مع من سأقف؟ وما هو موقفي؟ فاسمع هذه الكلمات أيها المسكين، فالخطب جلل والأمر عظيم، فوالله إنهما الفسطاطان اللذان أخبر عنهما الصادق المصدوق: (فسطاط إيمان لا نفاق فيه، وفسطاط نفاق لا إيمان فيه)! قال تعالى: {لا يتخِذِ المؤمِنون الكافِرِين أولِياء مِن دونِ المؤمِنِين ومن يفعل ذٰلِك فليس مِن اللهِ فِي شيءٍ إِلا أن تتقوا مِنهم تقاةً ويحذِركم الله نفسه وإِلى اللهِ المصِير} [آل عمران: 28]. وقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (أوثق عرى الإيمان الموالاة في الله والمعاداة في الله والحب في الله والبغض في الله) [حديث حسن رواه الطبراني]. وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: «من أحب في الله وأبغض في الله، ووالى في الله، وعادى في الله فإنما تنال ولاية الله بذلك، ولن يجد عبد طعم الإيمان وإن كثرت صلاته وصومه حتى يكون كذلك» [جامع العلوم والحكم لابن رجب الحنبلي]. يقول الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب في شرح قول ابن عباس الآنف: «قوله: «ووالى في الله»، هذا بيان للازم المحبة في الله، وهو الموالاة فيه، إشارة إلى أنه لا يكفي في ذلك مجرد الحب، بل لا بد مع ذلك من الموالاة التي هي لازمة الحب، وهي النصرة والإكرام والاحترام، والكون مع المحبوبين باطنا وظاهرا، وقوله «وعادى في الله»، هذا بيان للازم البغض في الله، وهو المعاداة فيه، أي إظهار العداوة بالفعل كالجهاد لأعداء الله، والبراءة منهم، والبعد عنهم باطنا وظاهرا، وإشارة إلى أنه لا يكفي مجرد بغض القلب، بل لا بد مع ذلك من الإتيان بلازمه، كما قال تعالى: {قد كانت لكم أسوةٌ حسنةٌ فِي إِبراهِيم والذِين معه إِذ قالوا لِقومِهِم إِنا برآء مِنكم ومِما تعبدون مِن دونِ اللهِ كفرنا بِكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدًا حتىٰ تؤمِنوا بِاللهِ وحده}» [تيسير العزيز الحميد شرح كتاب التوحيد]. لذا فقد تقرر في الشريعة المطهرة وعلم من الدين بالضرورة أن الولاء والبراء أصل من أصول الدين، لا دين ولا إسلام ولا إيمان بدونه! فما معنى الولاء والبراء؟ وما موقعهما من الدين؟ وماذا يجب على المسلم لكي يحقق الولاية والبراءة؟ قال الشيخ حمود بن عقلاء الشعيبي -رحمه الله- عندما سئل عن الموقف من «الحملة الصليبية على أفغانستان» باختصار وتصرف يسير: «الولاء في اللغة اسم مصدر من والى يوالي موالاة وولاء، ووالى فلان فلانا إذا أحبه واتبعه، والولاية معناها النصرة والحماية والاتباع، وولي فلان فلانا أي تقرب منه، أما معنى الولاء في الشرع فهو تولي العبد ربه ونبيه باتباع الأوامر واجتناب النواهي وحب ونصرة أولياء الله من المؤمنين». «أما البراء لغة فهو مصدر برى بمعنى قطع، ومنه برى القلم بمعنى قطعه، والمراد هنا قطع الصلة مع الكفار، فلا يحبهم ولا يناصرهم ولا يقيم في ديارهم، والبراء في الشرع هو البعد والخلاص والعداوة، يقال برى وتبرأ من الكفار إذا قطع الصلة بينه وبينهم فلا يواليهم ولا يحبهم ولا يركن إليهم ولا يطلب النصرة منهم». «ومنزلة الولاء والبراء في الإسلام عظيمة، فالولاء والبراء قاعدة من قواعد الدين وأصل من أصول الإيمان والعقيدة، فلا يصح إيمان شخص بدونهما، فيجب على المرء المسلم أن يوالي في الله ويحب في الله ويعادي في الله، فيوالي أولياء الله ويحبهم، ويعادي أعداء الله ويتبرأ منهم ويبغضهم، فمن أحب في الله وأبغض في الله ووالى في الله وعادى في الله فهو ولي الله، أما من والى الكافرين واتخذهم أصدقاء وإخوانا فهو مثلهم، قال تعالى: {يا أيها الذِين آمنوا لا تتخِذوا اليهود والنصارىٰ أولِياء بعضهم أولِياء بعضٍ ومن يتولهم مِنكم فإِنه مِنهم إِن الله لا يهدِي القوم الظالِمِين} [المائدة: 51]، والقرآن العزيز مشتمل على كثير من الآيات التي تحذر من اتخاذ الكافرين أولياء، مثل قوله تعالى: {يا أيها الذِين آمنوا لا تتخِذوا عدوِي وعدوكم أولِياء تلقون إِليهِم بِالمودةِ} [الممتحنة: 1]». ◽ المصدر: صحيفة النبأ – العدد 24 السنة السابعة - الثلاثاء 19 جمادى الآخرة 1437 هـ مقال: نصرة الدولة الإسلامية على أحزاب الكفر والردة والنفاق من أوثق عرى الإيمان

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً