حكم تهنئة النصارى بأعيادهم
فقد كثر في الآونة الأخيرة نقل بعض الفتاوى مفادها جواز تهنئة النصارى، متجاهلين في ذلك ما هو مقرر عند علماء المذاهب بعدم جواز توجيه التهنئة للنصارى بمناسبة أعيادهم - ومنها أعياد رأس السنة الميلادية -
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين؛ وبعد:
فقد كثر في الآونة الأخيرة نقل بعض الفتاوى منسوبة الى بعض العلماء المعاصرين مفادها جواز تهنئة النصارى بأعيادهم ولا سيما أعيادهم برأس السنة الميلادية متجاهلين في ذلك ما هو مقرر عند علماء المذاهب المعتبرة القائلين بعدم جواز التهنئة وهم يمثلون اتجاه جمهور أهل العلم مما أدى إلى إقدام كثير من المسلمين على المبادرة بنشر التهاني لغير المسلمين بهذه المناسبة؛ فأقول وبالله التوفيق:
عدم جواز توجيه التهنئة للنصارى بمناسبة أعيادهم - ومنها أعياد رأس السنة الميلادية - هو ما نص عليه أهل العلم في كتبهم؛ إليكم نصوصًا من الكتب الفقهية المعتمدة في عدم جواز تهنئة النصارى بعيدهم حتى إن الشافعية افتوا بمعاقبة من فعل ذلك عقوبة تعزيرية.
1. جاء في المدخل لابن الحاج (2/ 47): (وَمِنْ مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ سُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ الرُّكُوبِ فِي السُّفُنِ الَّتِي يَرْكَبُ فِيهَا النَّصَارَى لِأَعْيَادِهِمْ؟ فَكَرِهَ ذَلِكَ مَخَافَةَ نُزُولِ السُّخْطِ عَلَيْهِمْ لِكُفْرِهِمْ الَّذِي اجْتَمَعُوا لَهُ. قَالَ وَكَرِهَ ابْنُ الْقَاسِمِ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُهْدِيَ إلَى النَّصْرَانِيِّ فِي عِيدِهِ مُكَافَأَةً لَهُ. وَرَآهُ مِنْ تَعْظِيمِ عِيدِهِ وَعَوْنًا لَهُ عَلَى مَصْلَحَةِ كُفْرِهِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَبِيعُوا لِلنَّصَارَى شَيْئًا مِنْ مَصْلَحَةِ عِيدِهِمْ لَا لَحْمًا وَلَا إدَامًا وَلَا ثَوْبًا وَلَا يُعَارُونَ دَابَّةً وَلَا يُعَانُون). انتهى.
فهذا النص واضح في عدم مشاركة النصارى احتفالهم بعيدهم ومبادلتهم التهاني.
2. جاء في مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج (5/ 526): (ويعزر من وافق الكفار في أعيادهم، ومن يمسك الحية ويدخل النار، ومن قال لذمي يا حاج، ومن هنأه بعيده). انتهى.
3. وفي تحفة المحتاج في شرح المنهاج وحواشي الشرواني والعبادي (9/ 181): (خَاتِمَةٌ: يُعَزَّرُ مَنْ وَافَقَ الْكُفَّارَ فِي أَعْيَادِهِمْ وَمَنْ يَمْسِكُ الْحَيَّةَ وَمَنْ يَدْخُلُ النَّارَ وَمَنْ قَالَ لِذِمِّيٍّ يَا حَاجُّ وَمَنْ هَنَّأَهُ بِعِيدِهِ).
4. جاء في كشاف القناع عن متن الإقناع (3/ 131): ( (وَ) يُكْرَهُ (التَّعَرُّضُ لِمَا يُوجِبُ الْمَوَدَّةَ بَيْنَهُمَا) لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: ﴿ لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾... الآية [المجادلة: 22]، (وَإِنْ شَمَّتَهُ كَافِرٌ أَجَابَهُ)؛ لِأَنَّ طَلَبَ الْهِدَايَةِ جَائِزٌ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ، (وَيَحْرُمُ تَهْنِئَتُهُمْ وَتَعْزِيَتُهُمْ وَعِيَادَتُهُمْ)؛ لِأَنَّهُ تَعْظِيمٌ لَهُمْ أَشْبَهَ السَّلَامَ... (وَيَحْرُمُ شُهُودُ عِيدِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى) وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْكُفَّارِ (وَبَيْعُهُ لَهُمْ فِيهِ).
والناظر إلى قول من أجاز من العلماء المعاصرين تهنئة النصارى بعيدهم إنما اعتمد على ((أن ذلك من البر بهم والإحسان إليهم وهو أمر جائز شرعًا)).
وهو أمر فيه نظر: نعم مطلوب من المسلمين إحسان معاملة أهل الذمة والإحسان إليهم وعدم الاعتداء عليهم وهذا من البر إلا أننا نهينا شرعًا عن المودة إليهم فهناك فرق بين البر والمودة وقد حقق الفرق بينهما الإمام القرافي المالكي في كتابه الرائع الفروق (3/ 26) وجاء فيه ما نصه: (الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ بِرِّ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ التَّوَدُّدِ لَهُمْ].
(الْفَرْقُ التَّاسِعَ عَشَرَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ بِرِّ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ التَّوَدُّدِ لَهُمْ) مِنْ حَيْثُ إنَّ بِرَّهُمْ وَالْإِحْسَانَ إلَيْهِمْ مَأْمُورٌ بِهِ {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ} [الممتحنة: 8] الْآيَةَ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اسْتَوْصُوا بِأَهْلِ الذِّمَّةِ خَيْرًا» وَقَالَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ «اسْتَوْصُوا بِالْقِبْطِ خَيْرًا»، وَوُدُّهُمْ وَتُوَلِّيهِمْ مَنْهِيٌّ عَنْهُ قَالَ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ} .. الآية [الممتحنة: 1] إلى أن بين بالتفصيل ثم قال: (... وَذِمَّةَ دِينِ الْإِسْلَامِ تَعَيَّنَ عَلَيْنَا أَنْ نَبَرَّهُمْ بِكُلِّ أَمْرٍ لَا يُؤَدِّي إلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْن:
أَحَدُهُمَا: مَا يَدُلُّ ظَاهِرُهُ عَلَى مَوَدَّاتِ الْقُلُوبِ.
وَثَانِيهِمَا: مَا يَدُلُّ ظَاهِرُهُ عَلَى تَعْظِيمِ شَعَائِرِ الْكُفْر). انتهى.
وكلامه واضح أنه ليس من البر: الفعل الذي ظاهره مودة القلوب، أو تعظيم شعائرهم، ومعلوم أن أعظمها وقد اتخذوها عيدًا هي ولادة الابن وروح القدس تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا؛ فمبادلتهم التهنئة بأعيادهم إنما ذلك من المودة التي نهينا عنها بنص القرآن الكريم؛ وليس ذلك من البر والإحسان؛ وعليه ينبغي على المسلمين جميعًا - الامتناع عن تهنئة غير المسلمين بأعيادهم مطلقًا). انتهى.
تنبيه: ما تقدم ذكره من حكمٍ لا يشمل النشر بما حاصله التفكر بانقضاء الزمان الماضي وما فيه من أحداث والدعاء باستقبال زمان آت بالتوفيق والحفظ ونحو ذلك. والله أعلم.
____________________________________________________
الكاتب: أ. د. أركان يوسف حالوب العزي
- التصنيف: