في الحث على تعلم العلم النافع وتعليمه

منذ 2022-01-24

العلم النافع نورٌ وحياة، والجهل مرض وموت، وبقدر ما يكون قُرب العلم من الله وشرائعه والالتزام به والنيَّة الصالحة فيه، يكون نفعه للناس

ويقول نبيُّنا - صلوات الله وسلامه عليه -: «مَن يرد الله به خيرًا يُفقِّهه في الدِّين»[1]؛ (متفق عليه).

 

وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: «إذا مات ابنُ آدم انقطع عمله إلاَّ من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالِح يدعو له».

 

فهذا الذي صلحت نيَّته وتعلَّم العلم النافع نفَع نفسه في دُنياه وأُخراه، وتعدَّى نفعه لغيره، وبقي له ذكرٌ حسنٌ، وجرَى له عملٌ بعدَ وفاته، فهذا هو العالِم حقيقةً، المرجو له الخير، والبعض قد يتعلَّم العلم الشرعي ولكن قد يكون مقصده الترفُّعَ به على الناس، والحصول على المراتب العالية والفخر والتطاول به، فلا يظهر له في خُلُقٍ ولا يلتزم به في عمل، بل ربما خالَفَه لهواه وشهواته، وما هو فيه مِن رئاسة قد تَفُوت عليه لو التزم أوامره وانتهى عن نواهيه، فهذا يكون العلمُ حجَّةً عليه؛ قال - تعالى -: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ} [الأعراف: 175-176].

 

فهذا مثَل عالم السوء يعمل بخلافِ عِلمه - عياذًا بالله من حال أهل السوء - والبعض يتعلَّم علومًا دنيويَّة يكون في بعضها مصالحُ للمسلمين كالطب والصناعات النافعة، واستخراج المعادن التي يتقوَّى بها المسلمون، ويستعينون بها على طاعة الله، ويدافعون بها عن دِينهم وأوطانهم، فهذا إنْ قصَد بهذا التعلُّم نفعَ الإسلام والمسلمين مع الاستفادةِ الدنيويَّة بما يتقوَّى به على طاعة الله، فهذا يُرجَى له خيرٌ ويُشكَر على فعله، وإنْ كان مقصده الدُّنيا فقط وما يُقال مِن تأمين المستقبل، ولم يصحبْ ذلك نيَّة خيرٍ للإِسلام والمسلمين، فهذا حَرِيٌّ ألاَّ يُوفَّق في عمله، وإنْ كان قد يُقال: لا له ولا عليه في العمل المباح الذي لا ضررَ فيه على الإسلام والمسلمين.

 

فينبغي للمتعلِّم أنْ يكون لديه نيَّة صالحة في تعلُّمه؛ لينال ثواب الدُّنيا والآخِرة، فإنَّ في تعلُّم العلوم النافعة فضلاً عظيمًا وثوابًا جزيلاً، ورفعةً في العاجل والآجل؛ في حديثٍ عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّه قال: «مَن سلك طريقًا يلتَمِس فيه علمًا سهَّل الله له به طريقًا إلى الجنَّة، وما اجتمع قومٌ في بيت من بيوت الله يتْلون كتابَ الله ويتدارَسونه بينهم إلا حفَّتهم الملائكة ونزلت عليهم السكينةُ وغشيتهم الرحمة، وذكَرَهم الله فيمَن عنده، ومَن بطَّأ به عمله لم يسرعْ به نسَبه»[2].

 

فلا بُدَّ مِن الاحتساب في طلب العلم وإرادة الخير والنفع للإسلام والمسلمين، كما أنَّه لا بُدَّ أنْ تظهر آثارُ العلم على المتعلِّم؛ ليكون منتفعًا بعلمه، وليُقبل منه ما يدعو إليه، فبقدْر التزام المتعلِّم بما يدعو إليه وتطبيق ما يعلم يكون القَبول منه وانتفاع الآخَرين بعِلمه، فمَن دعا الناس إلى خير ولم يعمله أو نهاهم عن شرٍّ وعمله لم يقبل منه لعدمِ الثقة به؛ حيث خالَف فعله قوله، فلا بُدَّ من تعلُّم العلم النافع؛ ليكون العبد على بصيرةٍ مِن أمره؛ لينال الخير ويسلَم من الشر.

 

ولا بُدَّ من الاحتساب وإرادة الخير للمسلمين على حسب علمه، وليحذر العبدُ مِن تعلُّم ما يضرُّه في دِينه ودُنياه، أو ما يضرُّ الإِسلام والمسلمين، فتعلُّم العلم النافع لا بُدَّ منه، فهو نورٌ يُستضاء به، وسعادة في الدُّنيا والآخرة؛ يقول - جلَّ وعلا -: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام: 122].

 

ويقول - سبحانه وتعالى -: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر: 9].

 

بارَك الله لي ولكم في القُرآن العظيم، ونفعني وإيَّاكم بما فيه من الآيات والذِّكر الحكيم، وتاب عليَّ وعليكم إنَّه هو التوَّاب الرحيم.

 

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين مِن كلِّ ذنب فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.

 

واعلَموا - رحمكم الله - أنَّ العلم النافع نورٌ وحياة، والجهل مرض وموت، وبقدر ما يكون قُرب العلم من الله وشرائعه والالتزام به والنيَّة الصالحة فيه، يكون نفعه للناس؛ قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: «مثَل ما بعثني الله به مِن الهدى والعلم كمثَل غيثٍ أصابَ أرضًا، فكانت منها طائفة طيِّبة قَبِلت الماء وأنبتت الكلأ والعُشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس، فشربوا منها وسقوا وزرعوا، وأصاب طائفةً أخرى منها، إنما هي قِيعان لا تمسك ماءً ولا تنبت كلأ؛ فذلك مثَل مَن فَقِه في دِين الله - تعالى - ونفعه ما بعثني الله به، فعَلِم وعلَّم، ومثل مَن لم يرفع بذلك رأسًا ولم يقبل هُدَى الله الذي أُرسلت به»[3].

 

فاتَّقوا الله أيها المتعلِّمون والمسلمون في تعلُّمكم وتعليمكم، تعلَّموا العلم النافع وعَلِّموه غيرَكم، واحتَسِبوا في ذلك الأجرَ والثواب، واعلَموا أنَّكم مسؤولون ومُحاسَبون في ذلك، فتمسَّكوا بكتاب الله وسُنَّة رسول الله.

 


[1] أخرجه البخاري رقم (71) - الفتح (1/164)، ومسلم (1037).

[2] أخرجه مسلم (2699).

[3] أخرجه البخاري رقم (79) - الفتح (1/175)، ومسلم (2282).

_____________________________________________________
الكاتب: الشيخ عبدالعزيز بن محمد العقيل

  • 1
  • 0
  • 1,308

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً