المنتقى من كتاب " إحياء علوم الدين " للإمام الغزالي - ذم البخل

منذ 2022-02-07

من الأدوية النافعة: كثرة التأمل في أحوال البخلاء, ونفرة الطبع عنهم, واستقباحهم له, فإنه ما من بخيل إلا ويستقبح البخل من غيره, ويستثقل كل بخيل من أصحابه.

بيان ذم البخل:

قال الله تعالى: {( ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون )} [الحشر:9] وقال تعالى: {( ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيراً لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ) } [آل عمران:180] وقال تعالى: {( الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله )} [النساء:37]

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «( اللهم إني أعوذ بك من البخل, وأعوذ بك من الجبن, وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر )» وقال عليه الصلاة والسلام: «( شر ما في الرجل شح هالع, وجبن خالع )»

«وقال جبير بن مطعم: بينما نحن نسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم, إذ علقت برسول الله صلى الله عليه وسلم الأعراب يسألونه, حتى اضطروه إلى سمرة فخطفت رداءه, فوقف صلى الله عليه وسلم: فقال: ( أعطوني ردائي, فوالذي نفسي بيده, لو كان لي عدد هذه العصاة نعماً, لقسمته بينكم, ثم لا تجدوني بخيلاً, ولا كذاباً, ولا جباناً) »

وقالت أم البنين أخت عمر بن عبدالعزيز: أف للبخيل, لو كان البخل قميصاً ما لبسته, ولو كان طريقاً ما سلكته.

وقال طلحة بن عبيدالله رضي الله عنهما: إنا لنجد بأموالنا ما يجد البخلاء, لكننا نتصبر.

وقال محمد بن المنكدر: كان يقال: إذا أراد الله بقوم شراً, أمر الله عليهم شرارهم, وجعل أرزاقهم بأيدي بخلائهم.

وقال بشر: لقاء البخلاء كرب على قلوب المؤمنين.

بيان الإيثار وفضله:

اعلم أن السخاء...ينقسم إلى درجات, فأرفع درجة السخاء: الإيثار, وهو أن يجود بماله مع الحاجة.

الأخلاق عطايا يضعها الله حيث يشاء, وليس بعد الإيثار درجة في السخاء, وقد أثنى الله على الصحابة رضي الله عنهم, فقال: {( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة )} [الحشر:9] وقد نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم ضيف, فلم يجد عند أهله شيئاً, فدخل عليه رجل من الأنصار, فذهب بالضيف إلى أهله, ثم وضع بين يديه الطعام, وأمر امرأته بإطفاء السراج, وجعل يمد يده إلى الطعام, كأنه يأكل ولا يأكل, حتى أكل الضيف, فلما أصبح, قال له النبي صلى الله عليه وسلم: ( لقد عجب الله من صنيعكم الليلة إلى ضيفكم ) ونزلت: {( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة )} [الحشر:9]

وقال عمر رضي الله عنه: أهدي إلى رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رأس شاة فقال: إن أخي كان أحوج مني إليه, فبعث به إليه, فلم يزل واحداً يبعث به إلى آخر, حتى تداوله سبعة أبيات, ورجع إلى الأول.

قال حذيفة العدوي: انطلقت يوم اليرموك أطلب ابن عم لي, ومعي شيء من ماء, وأنا أقول: إن كان به رمق سقيته, ومسحت به وجهه, فإذا أنا به, فقلت: أسقيك ؟ فأشار إلي أن نعم, فإذا رجل يقول: آه, فأشار ابن عمي إلي أن انطلق به إليه, فجئته فإذا هو هشام بن العاص, فقلت: أسقيك ؟ فسمع به آخر فقال: آه, فأشار هشام انطلق به إليه, فجئته فإذا هو قد مات, فرجعت إلى هشام فإذا هو قد مات, فرجعت إلى ابن عمي, فإذا هو قد مات, رحمة الله عليهم أجمعين.

علاج البخل:

اعلم أن البخل سببه: حب المال, ولحب المال سببان:

أحدهما: حب الشهوات, التي لا وصول إليها إلا بالمال, مع طول الأمل.

الثاني: أن يحب عين المال, فمن الناس من معه ما يكفيه لبقية عمره, إذا اقتصر على ما جرت به عادته بنفقته, وتفضل آلاف, وهو شيخ بلا ولد, ومعه أموال كثيرة, ولا تسمح نفسه بإخراج الزكاة, ولا بمداوة نفسه عند المرض, بل صار محباً للدنانير, عاشقاً لها, يلتذ بوجودها في يده, وبقدرته عليها, فيكنزها تحت الأرض وهو يعلم أنه تموت, فتضيع, أو يأخذها أعداؤه.

فهذه أسباب حب المال, وإنما علاج كل علة بمضادة سببها, فتعالج حب الشهوات بالقناعة باليسير, وبالصبر, وتعالج طول الأمل بكثرة ذكر الموت, والنظر في موت الأقران, وطول تعبهم في جمع المال, وضياعه بعدهم, وتعالج التفات القلب إلى الولد بأن خالقه خلق معه رزقه, وكم من ولد لم يرث من أبيه مالاً, وحاله أحسن ممن ورث؟ وبأن يعلم أنه يجمع المال لولده, يريد أن يترك ولده بخير, وينقلب هو إلى شر, وأن ولده إن كان تقياً صالحاً فالله كافيه, وإن كان فاسقاً فسيستعين بماله على المعصية, ويعالج قلبه أيضاً بكثرة التأمل في الأخبار الواردة في ذم البخل, ومدح السخاء, وما توعد الله به على البخل من العقاب العظيم.  

ومن الأدوية النافعة: كثرة التأمل في أحوال البخلاء, ونفرة الطبع عنهم, واستقباحهم له, فإنه ما من بخيل إلا ويستقبح البخل من غيره, ويستثقل كل بخيل من أصحابه.

ويعالج أيضاً قلبه بأن يتفكر في مقاصد المال ؟ فلا يحفظ من المال إلا بقدر حاجته, والباقي يدخره لنفسه في الآخرة, يحصل له ثواب بذله.

      كتبه/ فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ

 

  • 5
  • 0
  • 1,366
المقال السابق
ذم الدنيا
المقال التالي
المال

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً