النِّساء شقائِقُ الرِجال
خاطبَ النبيُّ ﷺ الرجلَ والمرأة بوصايا وتكاليف، وكل أمر ونهي عام في أوامر ووصايا النبي ﷺ فإنه شامل للرجل والمرأة، والمرأة داخلة فيه، وإنما يوجّه الخطاب للرجال تغليباً على النساء، إلا أن هناك أحكاماً ووصايا لا خلاف في اختصاصها بالمرأة دون الرجل..
- التصنيفات: قضايا المرأة المسلمة -
خاطبَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم الرجلَ والمرأة بوصايا وتكاليف، وكل أمر ونهي عام في أوامر ووصايا النبي صلى الله عليه وسلم فإنه شامل للرجل والمرأة، والمرأة داخلة فيه، وإنما يوجّه الخطاب للرجال تغليباً على النساء، إلا أن هناك أحكاماً ووصايا لا خلاف في اختصاصها بالمرأة دون الرجل..
عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إنما النساءُ شقائق الرجال} (رواه أبو داود). ومعنى (شقائق الرجال) كما قال ابن منظور والمناوي أنها نظائر الرجال وأمثالهم في الأخلاق والطباع والأحكام. وقال الطيبي: "أي نظائرهم في الخَلق والطباع، كأنهن شققن منهم". وقال ابن الأثير: "شقائق الرجال يعني نظائرهم، وأمثالهم". وقال الخطابي في "معالم السنن": "أي نظائرهم، وأمثالهم في الخلق، والطباع فكأنهن شققن من الرجال". وقال العيني: "أي: نظائرهم وأمثالهم في الأخلاق والطباع، كأنهن شققن منهم، ولأن حواء خلقت من آدم عليهما السلام". وقال الشيخ ابن باز: "فالمعنى - والله أعلم - أنهن مثيلات الرجال فيما شرع الله، وفيما منح الله لهن من النعم، إلا ما استثناه الشارع فيما يتعلق بطبيعة المرأة، وطبيعة الرجل، وفي الشؤون الأخرى خص الشارع المرأة بشيء، والرجل بشيء، والأصل أنهما سواء إلا فيما استثناه الشارع".
والنبي صلى الله عليه وسلم كان أحياناً يوجه للنساء خطاباً خاصاً بهن بعد حديثه للرجال، ومن ذلك موعظته صلوات الله وسلامه عليه للنساء في يوم العيد.. عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أضحى أو فِطْر إلى المُصَلَّى، فمرَّ على النساء فقال: «يا معشر النساء تصدقن، فإني أريتكن أكثر أهل النار» ، فقلنَ: لِمَ يا رسول الله؟ قال: «تُكْثِرنَ اللعن، وتكفرن العشير، ما رأيتُ من ناقصات عقل ودين أذهب للُبِّ (عقل) الرجل الحازم من إحداكن» ، قلن: وما نقصان عقلنا وديننا يا رسول الله؟ قال: «أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل» ؟ قلن: بلى، قال: «أليس إذا حاضت لم تصلَّ ولم تصُمْ» ؟! قلن: بلى، قال: «فذلك من نقصان دينها» (رواه البخاري). قال القاضي عياض: "الحديث فيه: حضٌّ على الأمر بالصدقة والاستغفار، وأمره بذلك دليل أن العصاة ليسوا بكفارٍ، وأنهم في مشيئة الله تعالى، وأن الحسنات يذهبن السيئات، وفيه دليل أن كفران العشير واللعن من الذنوب المتوعد عليها بالنار". وقال النووي: " قوله صلى الله عليه وسلم: (تكثرن اللعن) فيه التحذير الشديد من أن يلعن الإنسان شيئا.. واتفق العلماء على تحريم اللعن، فإنه في اللغة الإبعاد والطرد، وفي الشرع الإبعاد من رحمة الله تعالى، فلا يجوز أن يبعد من رحمة الله تعالى من لا يُعرف حاله وخاتمة أمره معرفة قطعية".
شبهة: نقصان العقل والدين:
كثيرا ما تثار شبهة اتهام الإسلام بأنه ينتقص من حق المرأة ويعتبرها ناقصة عقل ودين، ويستشهدون بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما رأيتُ من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن..» والرد على ذلك بأمرين:
الأول: هذا الحديث من أصح الأحاديث سندا ومتنا، فقد رواه الإمامان البخاري ومسلم في صحيحيهما، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «نَاقِصَات عَقْلٍ ودِين» فسره النبي صلى الله عليه وسلم في نفس الحديث.. ففسر نقصان العقل بأن شهادة امرأتين تعدل شهادة رجل، وذلك لعاطفتها وقلة ضبطها وهذا على سبيل الغالب، وأما خصوص الأحوال فقد تكون امرأة واحدة أكثر عقلا من بعض الرجال. قال النووي: "قال الإمام أبو عبد الله المازري - رحمه الله -: قوله صلى الله عليه وسلم: «أما نقصان العقل فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل» تنبيه منه - صلى الله عليه وسلم - على ما وراءه، وهو ما نبه الله - سبحانه وتعالى - عليه في كتابه بقوله: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} [البقرة:282] أي: إنهن قليلات الضبط".
وفسر النبي صلى الله عليه وسلم نقصان الدين بعدم الصلاة والصوم وقت الحيض، وليس بعد تفسير النبي صلى الله عليه وسلم تفسير.
وقال المباركفوري: "وليس نقصانُ العقل والدين في حقِّهنَّ ذمًّا لهنَّ، وإنَّمَا فيه تعجب من قدرة المرأة حيث تغلب الرجل الحازم الزكي تغلب مَنْ نقَصتَ عن درجته، ولم تبلُغْ كماله، وذلك هو صريح قول النبي صلى الله عليه وسلم: «وما رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عقل ودين أَغْلَبَ لِذِي لُبٍّ مِنْكُنَّ». وقال ابن حجر في "فتح الباري": "وليس المقصود بذكر النقص في النساء لومهن على ذلك، لأنه من أصل الخِلقة، لكن التنبيه على ذلك تحذيرا من الافتتان بهن، ولهذا رتب العذاب على ما ذكر من الكفران وغيره لا على النقص". وقال العيني في "عمدة القاري": "فَإِن قلتَ: أَلَيْسَ ذلك ذماً لَهُنَّ؟ قلتُ: لا وإِنَّما هو على معنى التَّعَجُّب بأنهن مع اتصافهن بِهَذِه الحالة يفعلن بِالرجل الحازم كَذا وكَذا".
الثاني: القرآن الكريم ساوى بين الرجل والمرأة في أصل الخِلقة والتكليف، والثواب والعقاب، إلا فيما اختصت به النساء عن الرجال لطبيعتها، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات:13]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِصَاصُ فِي القَتْلَى الحُرُّ بِالحُرِّ وَالعَبْدُ بِالعَبْدِ وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى} [البقرة:178]، وقال سبحانه: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللهِ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [المائدة:38].. فقد جعل الله سبحانه العدل ميزانا يحاسب به عباده، لا فرق بين رجل وامرأة، كما قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل:97]، وقال: {وَنَضَعُ المَوَازِينَ القِسْطَ لِيَوْمِ القِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا} [الأنبياء:47].
ومن ثم فلا تعارض بين الأحاديث النبوية في نقصان عقل ودين المرأة وبين ما قرره الله عز وجل في القرآن الكريم من المساواة بين الرجال والنساء إلا فيما اختصت به النساء عن الرجال لطبيعتها..
إن الناظر والمتأمل في سيرة وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم يجد أنه أعطى المرأة جانبا كبيرا من اهتمامه وأحاديثه ووصاياه، وكل وصية وأمر ونهي عام في أوامر ووصايا النبي صلى الله عليه وسلم فإنه شامل للرجل والمرأة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «إنما النساءُ شقائقُ الرجال»، إلا أن هناك أعمالا وأحكاماً ووصايا لا خلاف في اختصاصها بالمرأة دون الرجل.. وقد أحاط النبي صلى الله عليه وسلم المرأة بالرعاية والعناية، وخصَّها بالتكريم وحُسْن المعاملة: أُمًّا وزوجة وابنة، وقد بلغ من شدة اهتمامه صلوات الله وسلامه عليه وسلم بالمرأة أن أوصى بها في خطبته في حجة الوداع قبيل وفاته بقوله: «استوصوا بالنساء خيرا».