القوامة.. تكليف لا تشريف

منذ 2022-02-12

القَوامة تكليف وليست تشريف؛ فالزوج القيِّم على الأسرة مُطالب: بالإنفاق عليها، ورعايتها، والكد والسعي لجلب الرزق، والإنفاق، والتعليم، والكسوة، وغير ذلك من الاحتياجات الأساسية، لكن للأسف يعاني المسلمون من سوء فهم القَوامة

تثار بين الحين والآخر قضية القَوامة ويتنازعها بعض من الرجال والنساء، فما هي القَوامة؟ وما واجب النساء تجاهها؟ وهل البخل يُسقِط قَوامة الرجل على أسرته؟ وإذا كانت الزوجة مسرفة ماذا يفعل الزوج؟ هذه الأسئلة وغيرها سنحاول الإجابة عليها من خلال التحقيق التالي. 


أمور كثيرة في عصرنا أصبحت تُدفع باتجاه وضع من الندية بين الرجل والمرأة، فالظروف أتاحت أمام كل امرأة فرصاً أكبر للاستقلال المادي والمعنوي، فهي تخرج وتعمل وتشارك، لها مالها الخاص، وعندها حاسوبها الخاص، وهاتفها النقال، وحسابها البنكي، وعالمها الذي يتوسع، وغالباً ما يكون هذا التوسع على حساب الرجل وعلاقتها به، فهي أكثر برودة وزهداً تجاه زوجها؛ لأنها أقل احتياجاً له، وأقل رغبة في بذل الجهد لإرضائه، فيفقد الزوج ميزاته النسبية في الإنفاق والخصوصية، وتتسلل إلى نفسه مشاعر الحنق، وحين يستقر في ضميره أن زوجته ندٌ له يبدأ في معاملتها بالمثل؛ مما قد يحوِّل الحياة بينهما إلى جحيم.


العديد من الجمعيات النسائية العربية- التي تتبنى الأجندة الغربية في وجه ثوابتنا الإسلامية- تزعم أن القَوامة تسقط حال عدم الإنفاق؛ فقد ثبتت للرجل بالإنفاق؛ إلا أن علماء الإسلام وفقهاء الشريعة أكدوا أن قَوامة الرجل لا تسقط حتى مع عدم الإنفاق؛ لأنها قائمة بنص الآية بشرطين هما في قول الله تعالى: {بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ...} [النساء:34].


• تكليف لا تشريف:

يقول الشيخ سلمان العودة: القيِّم هو السيد، وسائس الأمر، وقيِّم المرأة: زوجها أو وليها؛ لأنه يقوم بأمرها وتدبير ما تحتاج إليه، فالمقصود إذاً بقوامة الرجل على زوجته: قيامُه عليها بالتدبير والحفظ والصيانة والنفقة والذبِّ عنها، والقَوامة تكليف بهذا الاعتبار أكثر من كونها تشريف، فهي تُحمِّل الرجل مسؤولية وتبعة خاصّة، وهذا يوجب اعتماد التعقّل والرَويّة والأَناة، وعدم التسرع في القرار، كما أنه لا يعني مصادرة رأي المرأة، ولا ازدراء شخصيتها.  


والمسلّم به ابتداءً أن الرجل والمرأة كلاهما من خلق الله، وأن الله - سبحانه - لا يظلم أحداً من خلقه، وهو يهيئه لوظيفة خاصّة ويمنحه الاستعدادات لإحسان الأداء في هذه الوظيفة. 


وجعل الله من خصائص المرأة: أن تحمل، وتضع، وترضع، وتكفل ثمرة الاتصال بينها وبين الرجل، وهي وظائف ضخمة أولاً، وخطيرة ثانياً، وليست هيّنة ولا يسيرة بحيث تُؤدَّى بدون إعداد عضوي ونفسي وعقلي عميق غائر في كيان الأنثى؛ فكان عدلاً أن ينوط بالرجل- الشطر الثاني- توفير الحاجات الضرورية والحماية، وأن يُمنح الرجل من الخصائص في تكوينه العضوي والعقلي والنفسي ما يعينه على أداء وظائفه، بالإضافة إلى تكليفه الإنفاق، وهو فرع من توزيع الاختصاصات.


ويؤكد الدكتور وهبة الزحيلي- عضو المجامع الفقهية العالمية والأستاذ بكلية الشريعة بجامعة دمشق- أن القَوامة لا تعني السلطة الاستبدادية، أو إعطاء الرجل صلاحيات ليكون كالوحش الضاري، ولكنها مُنحت للرجل لتسهيل إدارة هذه المؤسسة الاجتماعية - الأسرة -، وهي غرم وليست غنماً، ولكن تطبيقها الخاطئ هو الذي أساء لها.


وأضاف: ومع أن كل الأعمال تحتاج إلى رائد ومنظم ومدير إلا أن القَوامة في جوهرها ترتبط بالورع والخشية والعدل؛ وذلك لارتباطها بشرطي: التفضيل والإنفاق، وإذا حدث هناك خلل في شرط الإنفاق- سواء لعجز الرجل الجزئي، أو ضيق ذات يده، أو إعساره بعد يسر، أو إفلاسه- فستبقى القَوامة وفقاً للشرط الأول، وهو ما فضل الله به بعضهم على بعض.


ففي أثناء قيام الحياة الزوجية لابد من إنصاف المرأة وتكريمها، وصون شخصيتها وذاتيتها واستقلالها، فأوجب على الرجل- خلافاً للأعراف الغربية- منح المرأة صَداقاً (مهراً) على سبيل التكريم لا التعويض، لقوله تعالى: {وَءَاتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً...} [النساء: 4] كما أوجب عليه الإنفاق المعيشي المعتدل على امرأته، ولا تُكلف المرأة بالإنفاق على أحد، وإذا انفسخت الرابطة الزوجية لسبب اضطراري؛ وجب إكرام المرأة بمنحها هدية مناسبة وهي المسماة بالمتعة، لقوله تعالى: {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 236] وربما يدخل في المتعة توفير مسكن للمطلقة إذا لم يكن لها من أقاربها من يعيلها حتى لا تضيع.


إن بناء الأسرة المسلمة في كل عصر له ارتباط وثيق بمقاصد الشريعة وغاياتها الكبرى، لتحقيق الاستقرار والمحبة والوئام، وتقوية أواصر الأسرة على أساس من التعاون المثمر، والحفاظ على فضيلة العفة وطهارة النسب، وتكريم المرأة في وسط إنساني نسيجه الود والاحترام، وغايته مستقبل واعد مزدهر من أجل تربية الأجيال، وفاءً لحق الآباء ورسالة الأجداد، وإبقاء النوع الإنساني القوي المتماسك، والمزوَّد بطاقات التربية الحصينة والفضيلة والأخلاق القويمة، والتوصل إلى حماية الأسرة الفتية أو القديمة من كل ألوان التعثر والتصدع والانهيار. 


• قَوامة الرجل لا تعني انتقاص المرأة:

أما الدكتورة آمنة نصير- عميدة كلية الدراسات الإسلامية بالإسكندرية- فترى أن القَوامة أمر طبيعي تقره أي مجموعة تعيش مع بعضها بأن يكون لها قائد، كما أنها أمر طبيعي في المنزل الذي لابد أن يكون له قائد، والطبيعي أيضاً أن يكون القائد هو الرجل، والقرآن الكريم أقر التفضيل وجعله متبادل بين الزوجين، وعاد وأردف الله عز وجل في الآية الكريمة بقوله تعالى: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة:228]، لكن قد يتخلى الرجل عن مسؤوليته ويُسقط عن نفسه التفضيل الذي منحه الله إياه، فهنا فقط تأخذ المرأة هذا الدور، وتُكَرَّم بالقَوامة على الأسرة، وأخذ الدرجة، كما أنها تُمنح هذه الدرجة وهذا التفضيل في حال وفاة الزوج، أو عند السفر أو الهجرة أو الجهاد أو غير ذلك.


إن قَوامة الرجل ليس انتقاصاً من دور المرأة أو قدرها في المجتمع؛ بل قوامته من أجل توزيع إلهي للأدوار، وتخصيص لأعمال كل طرف؛ بأن يتحمل مسؤوليته التي خصه الله بها وأنه الأجدر على أداء تلك المسؤولية.


وتشير الدكتورة آمنه إلى أن الغرب أساء فهم القَوامة وتبعه العلمانيون، فالقَوامة لا تعني وجود زوجين يتناطحان فيما بينهما لإثبات أفضلية أحدهما على الآخر؛ فكلاهما عند الله مكرمان بما فضل الله بعضهم على بعض، كما أنهما مفضَّلان إذا أدّى كلٌ منهما دوره المنوط به على أكمل وجه دون ندية أو تناطح.


والقَوامة تكليف وليست تشريف؛ فالزوج القيِّم على الأسرة مُطالب: بالإنفاق عليها، ورعايتها، والكد والسعي لجلب الرزق، والإنفاق، والتعليم، والكسوة، وغير ذلك من الاحتياجات الأساسية، لكن للأسف يعاني المسلمون من سوء فهم القَوامة؛ فبعضهم يرونها استبداداً وتسلطاً ، فيسيئوا لمعنى ومفهوم القَوامة، وكان ذلك وراء هجوم الغرب على معنى القَوامة واعتبارها ظلماً للمرأة المسلمة والإسلام من ذلك بريء.


ويؤكد هذا الكلام الشيخ سلمان العودة فيقول: تحدث الإشكالية عند البعض بسبب القول بأن الرجل أفضل من المرأة؛ فتهبّ المنظمات والهيئات ودعاة المساواة، وما إلى هنالك في افتعال صراع حول هذه النقطة، ويشطحون في فكرهم، فبدلاً من أن يفهموا معنى قوله تعالى: {بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْض} [النساء:34] فهماً سليماً؛ تجدهم يفرطون في إثبات حقوق – في زعمهم- للمرأة، ويدّعون أنها مهضومة، وأن الدين لم ينصفها؛ فيقودهم ذلك إلى التجرؤ على نصوص الكتاب والسنة، وفي النهاية يخرج ذلك في صورة المساواة في الإرث والحكم والإمارة وكل شيء، حتى يسعى الرجل بدوره إلى المساواة مع المرأة.  


وأؤكد أن هذه القَوامة ليس من شأنها إلغاء شخصية المرأة في البيت، ولا في المجتمع النسائي، ولا إلغاء وضعها المدني؛ وإنما هي وظيفة داخل كيان الأسرة لإدارة هذه المؤسسة الخطيرة، وصيانتها وحمايتها، ووجود القَيِّم في مؤسسة ما لا يلغي وجود ولا شخصية ولا حقوق الشركاء فيها، والعاملين في وظائفها؛ فقد حدد الإسلام صفة قَوامة الرجل، وما يصاحبها من: عطف ورعاية، وصيانة وحماية، وتكاليف في نفسه وماله، وآداب في سلوكه مع زوجته وعياله.


• الغرب والقَوامة:

الدكتورة فوزية العشماوي- الأستاذ بجامعة جنيف بسويسرا- تلفت النظر إلى أن الغرب هو الذي أثار موضوع قَوامة الرجل على المرأة، عندما طالب بالمساواة الكاملة بينهما، ومن هذا الباب دخل العلمانيون والمستشرقون بادعاء أن الرجل يتسلط على المرأة في المجتمعات الإسلامية تحت مسمى القَوامة، وهذا غير صحيح، وفهم خاطئ للقرآن، ولي لعنق آيات القرآن الكريم ليصلوا إلى ما يريدون، ولكي يتشدقوا بأن الإسلام ظَلَم المرأة. وروَّجوا لوجهة نظرهم تلك وبرروها؛ حيث ادَّعوا أن الخطاب القرآني يقرر أن الرجل أفضل من المرأة، ولكنهم نسوا أو تناسوا أن القَوامة لا تعني السيادة ولا الأفضلية ولا السيطرة ولا الهيمنة على المرأة، ولكن تعني درجة أعلى في القيادة، وليس معنى القَوامة الانفراد بالرأي والسيطرة، وإلا لما أقر الإسلام مبدأ الشورى وحث عليه في جميع أمور الحياة، بما في ذلك أمور إدارة الأسرة التي يشترك في إدارتها الزوج والزوجة، حسبما جاء في الحديث الشريف: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته...».


فالقَوامة معناها أن لكل من الرجل والمرأة درجة في سلم القيادة، ودرجة الرجل هي أعلى درجة في السلم؛ لأنه مثل ربان السفينة، هو الذي يقودها ويوجهها، ولا يمكن أن يكون لأية سفينة قائدان وإلا غرقت.


• القَوامة والإنفاق:

من جانبه أكد الداعية الشيخ محمود عاشور أن القَوامة ترتبط بالإنفاق، ومسؤولية الرجل الإنفاق على بيته حتى لو كانت زوجته أغنى الأغنياء، فلا يجبرها على الإنفاق على البيت أو الأولاد، ولا يستطيع أحد إجبارها على ذلك، إلا إذا كان هذا الإنفاق برغبتها وطواعيتها.


ويرى أن الزوج المتعثر لبعض الوقت لا تسقط قوامته بتعثره المادي؛ لأن واجبه في حال تعثره أن يستدين ليفي باحتياجات الأسرة حتى تمر أزمته المادية، وبعد ذلك يقضي ما عليه من دين، وهذا بنص الآية الكريمة: {لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ} [الطلاق:7]، ولابد أن نراعي ألا ينفق الزوج فوق طاقته، ولهذا فالزوجة المسرفة لابد أن تراعي ظروف زوجها المادية، وتسير معه بقدر استطاعته على الإنفاق؛ فلا تكلفه فوق طاقته من أعباء مادية وشراء كماليات، لأن الإنفاق يكون بقدر استطاعة الزوج وليس بقدر تطلعات الزوجة.

وإذا تم الاتفاق على أن شرط القَوامة هو الإنفاق؛ فإنها أيضا لا تعني التسلط والتحكم والانفراد بالرأي داخل المنزل؛ بل تعني أنه يقود هذا المنزل، وفي قيادته له حماية له من الغرق، كما أن قوامة ضرورية؛ بسبب درجة الفضل التي حباها الله له، وبسبب القوة البدنية والشدة ورباطة الجأش في مواجهة الأمور الصعبة، هذا في حين أن عاطفة المرأة قد تمنعها من ممارسة هذا الدور رغم أنها قد تمارسه حال وفاة زوجها.


أما بالنسبة لاهتزاز قَوامة الرجل البخيل في بيته فيعتقد الشيخ أن الزوج البخيل أكرم الناس على أهل بيته وأولاده؛ لأنه سيترك لهم كل ثروته التي بخل بها عليهم قبل وفاته، رغم أن هذا السلوك منبوذ وغير طبيعي ومستهجن بنص القرآن الكريم: {الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا..... هذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ} [التوبة:35]، لذا فهو يرى أن البخيل أكرم الناس على أولاده وهذا بالطبع لا يعني أن كل المسلمين بخلاء على أولادهم، فالأصل أن الرجل يعمل ويكافح من أجل تحقيق عيشة رغده لأسرته.


ويؤكد الدكتور الزحيلي على أهمية تحقيق التوازن الاقتصادي في الكسب والإنفاق، والاعتدال من غير بخل أو شح ولا تبذير وإسراف، لأن الفقر أو الحاجة سلاح هدام، وسبب ضياع وتفرق الكثير من الأسر في مجتمعاتنا المعاصرة.


وعن بخل الزوج وإسراف الزوجة أكدت الدكتورة آمنة أنها أمراض اجتماعية لابد أن نتخلص منها، مؤكدة أن هناك أزواجا لا يجيدون إصلاح عيوب زوجاتهم، وكذلك زوجات لا يجدن إصلاح عيوب أزواجهن، ولا يستطعن إسداء النصح والمشورة والعلاج الهادئ، ولا يحاولن التركيز على الجوانب الإيجابية في كل طرف منهما، وكذلك التخلي عن المشاحنات؛ فتزول هذه الأمراض الاجتماعية، ويعرف كل طرف في الأسرة أين حدوده فيلتزم بها، وما هي واجباته فيؤديها، وهنا تسود المودة والمحبة البيوت المسلمة كما قررها القرآن الكريم.


وقد سلطت الدكتورة آمنة الضوء على ظاهرة خطيرة، باتت تنتشر في مجتمعاتنا العربية وهي تفضيل الشباب المقبل على الزواج الارتباط بفتاة ثرية؛ لكي تنفق عليه وعلى الأسرة، ويتنازل طواعية عن قوامته التي تقر بالإنفاق، وتعتبره عيباً اجتماعياً وأخلاقياً خطيراً، وتنصح الفتيات المقبلات على الزواج برفض هذه النوعية من الشباب، وعدم الارتباط بهم لأن زواج بهذه الطريقة محكوم عليه بالفشل منذ البداية، كما تعتبره غياباً وربما اختفاءً لمعنى الرجولة الذي كانت تبحث عنه بنات الأجيال السابقة.


• القَوامة والشورى:

الدكتورة هبة رؤوف - المفكرة الإسلامية وأستاذة العلوم السياسية- تقول: وردت صيغة القَوامة في الاستخدام القرآني في ثلاثة مواضع، وليس في موضع واحد كما تقتصر معظم الكتابات التي تتناول المفهوم، في آية: {الرجال قوَّامون…}، بمعزل عن الآيتين الأخريين، حيث ورد اللفظ في قوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ...} [النساء:34]، وقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ...} [النساء:135]، وقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ} [المائدة:8].


فالقَوامة إحدى صفات المؤمنين - رجالاً ونساءً- وترتبط بالشهادة على الناس، وتعني القيام على أمر هذا الدين وفق الشرع، والالتزام بالعدل والقسط، وهي صفة من صفات الله - سبحانه - التي يسوغ لعباده التخلق بها إذ إنه القيُّوم.


وإذا كانت القَوامة على مستوى الأمة هي سمة عامة؛ فإنها مسؤولية تكليفية على الرجل في أسرته في إطار عقد الزواج، وهي في كلا المستويين قرينة التوحيد والعدل.


وتنطوي كلمة قوَّام على أمرين مهمين:

1- أن يأخذ الرجل على عاتقه توفير حاجات المرأة المادية والمعنوية، بصورة تكفل لها الإشباع المناسب لرغباتها وتشعرها بالطمأنينة والسكن.

2- أن يوفر لها الحماية والرعاية ويسوس الأسرة بالعدل.


وتخضع سلطة رب الأسرة للعديد من الضوابط والقيود التي تفسح المجال لأهلية الزوجة والأبناء في التصرف، في إطار ما هو مشروع ومسموح به إسلامياً، فرب الأسرة ليس له سلطة على أبنائه الراشدين سوى التوجيه والنصح فقط، وكذلك له سلطة محددة في الإذن بزواج بناته البالغات؛ إن الدرجة التي ذكرها القرآن الكريم للرجال- في قوله تعالى: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ} [البقرة:228] وهي درجة القَوامة- لم تقم على أساس نقص ذاتي في المرأة؛ وإنما على أساس التطبيق العملي والكسبي، فمراد التفضيل هو زيادة نسبة الصلاح في الرجل من جهة الرئاسة للأسرة عن صلاح المرأة لها؛ فهي صالحة وهو أصلح والمصلحة تقتضي تقديم الأصلح، وهو ما لا يُعَدّ طعناً في صلاحية المرأة وذاتيتها، بدليل أنها تتولى أمرها وأمر أبنائها عند غياب الزوج في طلب الرزق أو الجهاد ونحوه، أو عند وفاته حتى في ظل رعاية أفراد الأسرة الممتدة لها.


وتضيف الدكتورة هبة: لا يكتمل فهم أبعاد مفهوم القَوامة في الرؤية الإسلامية إلا في ضوء إدراك أهمية الشورى كقيمة أساسية في العلاقات داخل الأسرة المسلمة؛ فالشورى ليست خاصة بالمساحة السياسية فقط، ولا هي سمة من سمات الجماعة المؤمنة فحسب، بل هي أيضاً منهج التعامل داخل الأسرة.


فالقاعدة في نظام المنزل الإسلامي هي التزام كل من الزوجين بالعمل وفق إرشاد الشرع فيما هو منصوص عليه، والتشاور والتراضي في غير المنصوص عليه، ومنع الضرر والضرار بينهما، وعدم تكليف أحدهما بما ليس في وسعه.


فالقَوامة إذاً لا تعني إدارة البيت، فالإدارة شركة بين الرجل والمرأة وحتى الأطفال - كل منهم يقوم بنصيبه في الإدارة - وتدخل الرغبات المعقولة لكل منهم في شأن الإدارة، والإدارة شورى داخل هذه البنية الاجتماعية الصغيرة، ولا ينبغي أن يستبد طرف بالأمر كله، بل تؤخذ آراء كل الأطراف في الاعتبار في حدود الشرع، وتكون القَوامة هي الكلمة الفاصلة التي يحتاجها البيت عند نشوب خلاف لا ينهيه إلا كلمة فصل، فرئاسة الأسرة رئاسة شورية لا استبدادية.


• إدارة لا سيطرة:

الدكتور أحمد محمد عبدالله أخصائي الطب النفسي يرى أنه ليس كل الذكور رجالاً، كما أنه ليس كل الإناث نساءً، فالذكورة والأنوثة شيء في الخلقة، وعليه فإن قَوامة الرجل على المرأة لا تكون للرجل بوصفه ذكراً على المرأة بوصفها أنثى فحسب، ولكن تكون للرجل بما يكتسبه من أخلاق، ويمارسه من أدوار على المرأة بما تكتسبه من أخلاق، وتمارسه من أدوار، ويكتسب الرجل القَوامة بقيامه على شؤون أسرته من نفقة وتدبير عيش، وهي أهم الوظائف الاجتماعية للزوج والأب، ولا نتفق مع من يقول بإسقاط القَوامة عن الرجل إذا قصّرَ؛ لأن ذلك قد يعني تكليف المرأة بواجب الإنفاق على الأسرة، وهو أمر قد تتطوع به بعض النساء حسب ظروفهن وقدرتهن، ولكنه ليس الأصل، ولا ينبغي أن يكون، والأسرة التي يتخلى فيها الرجل عن واجباته هي أسرة بلا قوّام لأن المرأة وإن قامت بدور الرجل لا يمكن أن تحل محله.


وإذا قرأنا مفهوم القَوامة في إطار الرعاية والمسؤولية كلكم راعٍ يتضح لنا أن القَوامة أقرب إلى الإدارة والإشراف منها إلى التحكم والسيطرة، وتكون بالتالي بمثابة صلاحيات مقابل مسؤوليات رعاية وحماية وإدارة شؤون الأسرة، ويكون الفضل والتفضيل هنا تكليفاً لا تشريفاً لرجل يتجاوب مع ما وضعه الله فيه من استعداد فطري، ويطور قدراته في الرعاية والإدارة من سعة في الصدر، وحزمٍ في الأمر، وقدرة على اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب، كما لا يبتعد هذا عن الاستفادة من الشورى - وزوجته أولى الناس بالاستشارة - في بلورة رؤية اتخاذ القرار. 


قد يكون من المفيد أيضاً لفهم القَوامة استدعاء مفهوم الكبير- وهو مفهوم أصيل وهام في التراث الوجداني، والوضع الاجتماعي العربي-:

*فالكبير: ملجأ – بعد الله - عند الشدة، ورأيٌ في مواجهة الأزمة، وبذلٌ عندما تشح الموارد، واطمئنان إلى جنب الله حين يفزع الناس ويقلقون.


*والكبير: حكمة وخبرة وغفران وتغاضٍ، لا حماقة وخفة ومناطحة وتقريع.


*والكبير: تورع عن الخوض في الصغائر: ثورة بسببها، أو غضباً منها، أو حساباً عليها.


*والكبير: تدبير وتمرير لا تدمير وتكسير، يسكت في غير عجز، ويتغاضى في غير ضعف، ويؤثر على نفسه ولو كان به خصاصة، ويمنح من ذهنه، وبسط وجهه، وحسن خلقه ما لا يستطيعه محدود الأفق، أو ضيق الصدر، أو شحيح البذل، أو لئيم الطبع، ولا ننسى قول النبي - صلى الله عليه وسلم-: أكمل المؤمنين إيمانا، وأقربهم مني مجلسًا، ألطفهم بأهله.


• قَوامة النبي - صلى الله عليه وسلم في بيته:

إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن إمبراطوراً مثل بعض الناس إذا دخل بيته؛ بل من تأمل حياته - صلى الله عليه وسلم - وجدها تقريراً لما أسلفناه من: أن القَوامة ليست تسلطاً ولا تعنتاً ولا قهراً، فقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - كما قالت السيدة عائشة - رضي الله عنها - إذا كان في بيته يكون في مهنة أهله، وكانت نساؤه يختصمن بين يديه، وأمثال ذلك كثير، ومن مثل ذلك نتفهم طبيعة القَوامة.


لقد كفل الشرع للمرأة أموراً لو تأملناها لأدركنا مدى التجني على الإسلام، ممن يظنون أنه باسم القَوامة ظلم الإسلام المرأة، فقد كفل لها الشرع حرية الرأي بضوابط، والسنة حافلة بوقائع كثيرة منها: 

قصة المرأة المُجَادلة التي جاءت تجادل النبي - صلى الله عليه وسلم - في زوجها وهي خولة بنت ثعلبة ونزلت بسببها آيات معروفة، وهذه خنساء بنت خذام الأنصارية، زوّجَها أبوها وهي ثيّب فكرهت ذلك فأتت الرسول – صلى الله عليه وسلم - فردّ نكاحها، وفي رواية: زوَّجَها أبوها وهي بكر، وهذه امرأة أخرى تبدي رأيها لتعرف مالها من حقوق، كما روى النسائي أن فتاة دخلت على عائشة فقالت: إن أبي زوجني ابن أخيه؛ ليرفع خسيسته، وأنا كارهه... وفيه أنه - صلى الله عليه وسلم - جعل الأمر لها فقالت: يا رسول الله! قد أجزت ما صنع أبي، ولكن أردت أن أعلم أن للنساء من الأمر شيء.  


وقصة بريرة وزوجها مغيث أيضاً معروفة، فكانت بريرة أَمَةً وأُعتقت، والأمة إذا أعتقت صار لها الخيار في زوجها، إذا كان رقيقاً أيضاً، فإن شاءت بقيت، وإن شاءت طلقت، وقد اختارت فراقه، وكان مغيث بعد فراق زوجته يمشي خلفها ويبكي ودموعه تسيل على لحيته، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لبريرة كما في البخاري: «لو راجعتِهِ» ! قالت: يا رسول الله تأمرني؟ قال: «إنما أنا أشفع»، قالت: لا حاجة لي فيه.

وهذه امرأة أخرى، تناقش النبي - صلى الله عليه وسلم - في تخصيص الرجال بالغزو والجماعات وما إلى ذلك، فسُرّ النبي - صلى الله عليه وسلم - من حسن أدبها في الخطاب، وهذه المرأة هي أسماء بنت السكن الأنصارية. وهذا باب يطول الكلام فيه فإن قَوامة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه على نسائهم لم تمنع النساء من كل ما تقدم، ومن هنا نعلم روح القَوامة. 

 


سر نجاح الزوجة:

استسلام الزوجة سرّ نجاح زواجها هذا عنوان كتاب ألَّفته امرأة أمريكية تبلغ من العمر (32) سنة، اسمها لوردا دويل، وقد عرضت فيه تجربتها الشخصية مع زوجها، وكيف كانت متسلطة تريد أن تتحكَّم في كل شيء باستمرار، إلى أن شعرت بأنَّ زواجها في طريقه إلى الفشل، حيث بدأ زوجها يتهرَّب منها، الأمر الذي جعلها تغيَّر منهجها في الحياة إلى الحوار الهادئ معه وعدم التدخل في كل شؤونه وعدم مضايقته، والمسارعة إلى السمع والطاعة في كل ما يطلبه، وتقول للزوجات: كفوا عن التحكم في حياة أزواجكن..!


إنَّ هذا الكلام قد ذكره الله من قبل منذ1400 سنة، ولكن الكفار لا يعلمون، قال الله تعالى: {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم: 7] وقد قيل قديماً: والحق ما شهدت به الأعداء.


ويقول الدكتور عبدالله وكيل الشيخ في كتابه المرأة وكيد الأعداء: أمَّا قَوامة الرجل، فالمرأة أحوج إليها من الرجل؛ لأنَّ المرأة لا تشعر بالسعادة وهي في كنف رجل تساويه أو تستعلي عليه، حتى لقد ذهبت إحداهن إلى القاضي تطلب طلاقها من زوجها، وحجتها في ذلك أنَّها سئمت من نمط الحياة مع هذا الرجل الذي لم تسمع له رأياً مستقلاً، ولم يقل لها يوماً من الأيام كلمة: لا، أو هكذا يجب أن تفعلي، فقال لها القاضي مستغرباً: أليس في هذا الموقف من زوجك ما يعزز دعوة المرأة إلى الحرية والمساواة؟ فصرخت قائلة: كلا.. كلا.. أنا لا أريد منافساً، بل أريد زوجاً يحكمني ويقودني.

_______________________________________________________
الكاتب: سحر فؤاد أحمد

  • 5
  • 1
  • 11,129

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً