فضل معرفة أسماء الله الحسنى وأهمية دراستها وأبرز ضوابطها

باسم عامر

تحقيق خشية الله عزَّ وجلَّ، فلا يخشى الله تعالى حق الخشية إلا من عرفه حق المعرفة، ومعرفته لا تتم إلا بمعرفة أسمائه الحسنى وصفاته العلا

  • التصنيفات: الأسماء والصفات -

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد،

فإن الحديث عن الله تعالى وأسمائه وصفاته حديث مَهيب، حديث لا يعدله حديث، هو حديث عمن لا تحيط به العقول، ولا تدركه الأبصار، ولا يحيط أحد بشيء من علمه إلا بالقَدْر الذي أخبر به الرسل عن طريق الوحي.

العيش مع أسماء الله الحسنى والتأمل فيها حياة أخرى، ينتقل بها المرء إلى عالَم آخر، يحلّق بها إلى فضاء أوسع من حياة الناس المادية الضيقة، بل أجزم أن المسلم بعد دراسته لهذه الأسماء ستتغير حياته، وسينظر إليها بنظرة مختلفة، فيها الكثير من المعاني الجديدة، وتتجلى فيها تفسيرات لأسرار كثيرة.

أولاً: فضل معرفة أسماء الله الحسنى:

يكفي في فضل معرفة أسماء الله الحسنى دخول الجنة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «(إِنَّ لِله تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا - مِائَةً إِلاَّ وَاحِدًا - مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ) » [متفق عليه] .

واختلف العلماء في المراد بالإحصاء في الحديث، فبعضهم قال بأن المراد هو مجرد حفظها، وبعضهم قال بأن المراد هو فهم معانيها والدعاء بها والعمل بمقتضاها.

 قال النووي: "أما قوله صلى الله عليه وسلم: «(من أحصاها دخل الجنة)» ، فاختلفوا في المراد بإحصائها، فقال البخاري وغيره من المحققين معناه: حفظها، وهذا هو الأظهر، لأنه جاء مُفَسَّراً في الرواية الأخرى (من حفظها)، وقيل: أحصاها: عدَّها في الدعاء بها، وقيل: أطاقها، أي: أحسن المراعاة لها، والمحافظة على ما تقتضيه، وصدَّق بمعانيها، وقيل: معناه: العمل بها والطاعة بكلِّ اسمها، والإيمان بها لا يقتضي عملاً، وقال بعضهم: المراد حفظ القرآن وتلاوته كله، لأنه مستوفٍ لها، وهو ضعيف، والصحيح الأول". (صحيح مسلم بشرح الإمام النووي)

          ولا شك أن الأولى أن يكون معنى الإحصاء شاملاً للفظ والمعنى والعمل، فيكون معنى الإحصاء هو عدُّ هذه الأسماء وحفظها وفهمها والدعاء بها والعمل بمقتضاها.

ثانياً: أهمية دراسة وتعلم أسماء الله الحسنى:

لدراسة أسماء الله الحسنى أهمية كبيرة وفوائد كثيرة، من أهمها ما يلي:

١- التعرف على الله تعالى، فمن أراد أن يعرف ربه ويقترب منه فعليه بالإقبال على دراسة أسمائه الحسنى وصفاته العلا، لذا فإن دراسة أسماء الله الحسنى من أشرف العلوم، لأن شرف العلم بشرف المعلوم، والمعلوم هنا هو الله جلَّ جلاله.

٢- زيادة الإيمان وتثبيته، فالإيمان يزيد وينقص، ومن أهم أسباب زيادته وتقويته وتثبيته التعرف على الله تعالى بأسمائه الحسنى.

٣- دعاء الله وسؤاله بها، فمن عرف أسماء الله الحسنى وفهم معانيها عرف بماذا يدعو، قال الله تعالى: ﴿ {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا ۖ وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ ۚ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [ الأعراف: ١٨٠] ، وقال تعالى: ﴿ {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرحمن أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الإسراء: ١١٠] .

٤- تحقيق خشية الله عزَّ وجلَّ، فلا يخشى الله تعالى حق الخشية إلا من عرفه حق المعرفة، ومعرفته لا تتم إلا بمعرفة أسمائه الحسنى وصفاته العلا، قال ابن كثير: "إنما يخشاه حق خشيته العلماء العارفون به؛ لأنه كلما كانت المعرفة للعظيم القدير العليم الموصوف بصفات الكمال المنعوت بالأسماء الحسنى، كلما كانت المعرفة به أتم والعلم به أكمل، كانت الخشية له أعظم وأكثر". (تفسير القرآن العظيم لابن كثير)

٥- تزكية النفس وتهذيبها، فإنه لا أنفع من معرفة الله تبارك وتعالى لتزكية النفس، فمن عرف ربه حق المعرفة من خلال دراسة أسمائه الحسنى زكتْ نفسه وطهرتْ وسمتْ في الفضائل والمعالي.

٦- تحقيق سعادة النفس وانشراحها وطمأنينتها، فلا شيء أسعد للنفس من التعرف على الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلا.

ثالثاً: قواعد وضوابط في أسماء الله الحسنى:

ذكر العلماء قواعد وضوابط في باب أسماء الله الحسنى، ولعل من أبرزها ما يلي:

١- أسماء الله تعالى كلها حسنى، أي: بلغت في الحُسْن غايته ونهايته، فلا يوجد اسم لله تعالى إلا وتضمّن معاني الجمال والجلال والكمال والتمام، وهذه الأسماء أعلام وأوصاف، أعلام بمعنى أنها أسماء لمسمى واحد وهو ذات الله تعالى، وأوصاف، أي: كل اسم دلّ على صفة من صفات الله جلَّ وعلا.

٢- الضابط في إثبات أسماء الله تعالى وصفاته هو: أن نثبت كل اسم وصفة أثبتها الله لنفسه في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، بلا زيادة ولا نقصان ولا تبديل ولا تغيير، لأن أسماء الله تعالى وصفاته توقيفية، بمعنى أن إثباتها متوقف على الدليل من القرآن والسنة، فليس للمسلم أن يستحسن أسماء لله تعالى من عقله، بل لا بد أن يستند إلى دليل صحيح صريح في إثبات أي اسم أو صفة، لأن اختراع اسم لله تعالى من غير دليل هو تقوّل على الله بلا علم.

قال البغوي في تفسيره: "وقال أهل المعاني: الإلحاد في أسماء الله تسميته بما لم يتسمَّ به، ولم ينطق به كتاب الله ولا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجملته أن أسماء الله تعالى على التوقيف". (تفسير البغوي)

وقال ابن عثيمين: "أسماء الله تعالى توقيفية لا مجال للعقل فيها، وعلى هذا فيجب الوقوف فيها على ما جاء به الكتاب والسنة، فلا يزاد فيها ولا ينقص، لأن العقل لا يمكنه إدراك ما يستحقه تعالى من الأسماء، فوجب الوقوف في ذلك على النص، لقوله تعالى: {﴿ وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ﴾ } [الإسراء: ٣٦] ، وقوله: {﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾} [الإعراف: ٣٣] ، ولأن تسميته تعالى بما لم يُسَمِّ به نفسه، أو إنكار ما سمّى به نفسه، جناية في حقه تعالى، فوجب سلوك الأدب في ذلك، والاقتصار على ما جاء به النص". (القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى لابن عثيمين)

٣- أسماء الله الحسنى غير محصورة بعدد معين، فليست هي تسعة وتسعين اسماً فقط كما يظن البعض، بل هناك أسماء لله تعالى في علم الغيب كما دلّت بذلك النصوص الشرعية.

قال النووي في شرحه لحديث: «إن لله تسعة وتسعين اسماً» : "واتفق العلماء على أن هذا الحديث ليس فيه حصرٌ لأسمائه سبحانه وتعالى، فليس معناه: أنه ليس له أسماء غير هذه التسعة والتسعين، وإنما مقصود الحديث أن هذه التسعة والتسعين من أحصاها دخل الجنة، فالمراد الإخبار عن دخول الجنة بإحصائها لا الإخبار بحصر الأسماء، ولهذا جاء في الحديث الآخر: أسألك بكل اسم، سميتَ به نفسك، أو استأثرتَ به في علم الغيب عندك". (صحيح مسلم بشرح الإمام النووي)

٤- صفات الله تعالى التي دلّت عليها أسماؤه الحسنى تُفهم معانيها على ظاهرها من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، وهذا هو منهج السلف من الصحابة والتابعين الذي لا ينبغي العدول عنه، فمعاني الصفات معلومة وكيفيتها مجهولة، أما كون معانيها معلومة فلأن الله تعالى أخبرنا عنها بلسان عربي مبين، وأما كون كيفيتها مجهولة فلأن الله تعالى لم يخبرنا عن كيفية صفاته، لذلك لما جاء رجلٌ إلى الإمام مالك بن أنس يسأله عن قوله تعالى: ﴿ { الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى} [طه: ٥] ،  فكيف استوى؟ قال: فأطرق مالك برأسه حتى علاه الرُّحَضَاء (أي: العرق الكثير)، ثم قال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلا مبتدعاً، فأمر به أن يخرج. (رواه البيهقي في الأسماء والصفات)

٥- لم يثبت في تعيين أسماء الله تعالى حديث خاص صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم بحيث يجمع الأسماء ويسردها كلها، إنما تتبعها العلماء من نصوص الكتاب والسنة.

قال الإمام ابن تيمية: "إن التسعة والتسعين اسماً لم يرد في تعيينها حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأشهر ما عند الناس فيها حديث الترمذي الذي رواه الوليد بن مسلم عن شعيب بن أبي حمزة، وحفاظ أهل الحديث يقولون: هذه الزيادة مما جمعه الوليد بن مسلم عن شيوخه من أهل الحديث". (مجموع الفتاوى لابن تيمية)

٦- من القواعد المهمة المقررة عند العلماء أنه لا يشتق من صفات الله تعالى وأفعاله أسماء، فعلى سبيل المثال: لا يشتق من صفة المشيئة اسم الشائي، ولا من صفة المجيء اسم الجائي، لكن إذا دلّ الدليل على ثبوت هذا الاسم الذي اشتُق منه الصفة فالاسم حينئذٍ ثابت، مثل: صفة الحياة، يجوز تسمية الله تعالى باسم (الحي) لثبوت الدليل على تسميته سبحانه بهذا الاسم.