أهمية التوحيد وثماره (فوائد من مصنفات السعدي)

منذ 2022-03-07

الناس في التوحيد على درجات متفاوتة بحسب ما قاموا به من معرفة الله, والقيام بعبوديته, فأكملهم في هذا الباب من عرف من تفاصيل أسماء الله وصفاته وأفعاله وآلائه

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فهذه فوائد عن أهمية التوحيد وثماره, منتقاة من مصنفات العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي, رحمه الله,  أسأل الله أن ينفعني وجميع القرّاء بها.

  • أعظم ما أمر الله به, وأعظم ما نهى عنه:

فمن أعظم ما أمر الله به التوحيد, الذي هو إفراد الله بالعبادة, وهو مشتمل على صلاح القلوب, وسعتها, ونورها, وانشراحها, وزوال أدرانها, وفيه مصالح البدن, والدنيا, والآخرة.

وأعظم ما نهى الله عنه الشرك في عبادته, الذي هو فساد ومضرة في القلوب والأبدان, والدنيا, والآخرة, فكل خير في الدنيا والآخرة, فهو من ثمرات التوحيد, وكل شر في الدنيا والآخرة فهو من ثمرات الشرك.

  • ثمرات التوحيد وفضائله:

من فضائله: أنه السبب الأعظم لتفريج كربات الدنيا والآخرة, ودفع عقوبتهما.

ومن أجلِّ فوائده أنه يمنع الخلود من النار. إذا كان في القلب منه أدنى مثقال حبة خردل. وأنهُ إذا كمل في القلب يمنع دخول النار بالكلية.

ومنها: أنه يحصل لصاحبه الهدى الكامل والأمن التام في الدنيا والآخرة

ومنها: أنه السبب الوحيد لنيل رضا الله وثوابه, وأن أسعد الناس بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه.

ومن أعظم فضائله: أن جميع الأعمال والأقوال الظاهرة والباطنة متوقفة في قبولها وفي كمالها وفي ترتب الثواب عليها على التوحيد, فكلما قوي التوحيد والإخلاص لله كملت هذه الأمور وتمت.

ومن فضائله: أنه يسهل على العبد فعل الخيرات وترك المنكرات ويسليه عن المصيبات, فالمُخلص لله في إيمانه وتوحيده تخف عليه الطاعات لما يرجو من ثواب ربه ورضوانه, ويهون عليه ترك ما تهواه النفس من المعاصي, لما يخشى من سخطه وعقابه

ومنها: أن التوحيد إذا كمل في القلب حبب الله لصاحبه الإيمان وزينه في قلبه, وكره إليه الكفر والفسوق والعصيان, وجعله من الراشدين.

ومنها: أنه يُخفّفُ على العبد المكاره ويهوِّنُ عليه الآلام, فبحسب تكميل العبد للتوحيد والإيمان, يتلقى المكاره والآلام بقلب منشرحٍ ونفسٍ مطمئنةٍ, وتسليم ورضا بأقدار الله المؤلمة.

ومن أعظم فضائله: أنه يحرر  العبد من رق المخلوقين والتعلق بهم وخوفهم ورجائهم والعمل لأجلهم, وهذا هو العز الحقيقي والشرف العالي.

ومن فضائله التي لا يلحقه فيها شيء: أن التوحيد إذا تم وكمُل في القلب وتحقق تحققاً كاملاً بالإخلاص التام فإنه يصير القليل من عمله كثيراً, وتضاعف أعماله وأقواله بغير حصرٍ ولا حساب, ورجحت كلمة الإخلاص في ميزان العبد بحيث لا تُقابلها السموات والأرض وعمّارها من جميع خلق الله.

ومن فضائله: أن الله تكفل لأهله بالفتح والنصر في الدنيا والعز والشرف وحصول الهداية والتيسير لليسرى وإصلاح الأحوال والتسديد في الأقوال والأفعال.

ومنها: أن الله يدفع عن الموحدين أهل الإيمان شرور الدنيا والآخرة, ويمن عليهم بالحياة الطيبة والطمأنينة إليه والطمأنينة بذكره.

كل خير عاجل وآجل, فإنه من ثمرات التوحيد, وكل شرٍّ عاجل وآجل, فإنه من ثمرات ضده. والله أعلم

في الحديث الصحيح: ( «إن لله تسعة وتسعين اسماً, من أحصاها دخل الجنة» )  وإحصاؤها تحصيل معانيها في القلب, وامتلاء القلب من آثار هذه المعرفة, فإن كلَّ اسم له في القلب الخاضع لله المؤمن به أثر وحال لا يُحصّلُ العبد في هذه الدار ولا في دار القرار أجل وأعظم منها, فنسأله تعالى أن يمنَّ علينا بمعرفته ومحبته والإنابة إليه.

  • معرفة أسماء الله الحسنى واستحضار معانيها حتى تتأثر القلوب بآثارها:

أصل التوحيد إثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله من الأسماء الحسنى ومعرفة ما احتوت عليه من المعاني الجليلة والمعارف الجميلة والتعبد لله بها ودعاؤه بها

فكل مطلب يطلبه العبد من ربه من أمور دينه ودنياه, فليتوسل إليه باسم مناسب له من أسماء الله الحسنى, فمن دعاه لحصول رزق فليسأله باسمه الرزاق, ولحصول رحمة ومغفرة فباسمه الرحمن الرحيم البر الكريم العفو الغفور التواب ونحو ذلك.

وأفضل من ذلك أن يدعو بأسمائه وصفاته دعاء العبادة, وذلك باستحضار معاني الأسماء الحسنى وتحصيلها في القلوب حتى تتأثر القلوب بآثارها ومقتضياتها.

فمثلاً أسماء العظمة والكبرياء والمجد والجلال والهيبة تملأ القلوب تعظيماً لله وإجلالاً له. وأسماء الجمال والبر والإحسان والرحمة والجود تملأ القلب محبة لله وشوقاً له وحمداً له وشكراً. وأسماء العز والحكمة والعلم والقدرة تملأ القلب خضوعاً لله وخشوعاً وانكساراً بين يديه.

وأسماء العلم والخبرة والإحاطة والمراقبة والمشاهدة تملأ القلب مراقبة لله في الحركات والسكنات وحراسة للخواطر عن الأفكار الرديئة والإرادات السيئة.

وأسماء الغنى واللطف تملأ القلب افتقاراً واضطراراً إليه والتفاتاً إليه كل وقت في كل حال

فهذه المعارف التي تحصل للقلوب بسبب معرفة العبد بأسمائه وصفاته, وتعبده بها لله لا يحصل العبد في الدنيا أجل ولا أفضل ولا أكمل منها, وهي أفضل العطايا من الله لعبده, وهي روح التوحيد وروحه, ومن انفتح له هذا الباب انفتح له باب التوحيد الخالص والإيمان الكامل الذي لا يحصل إلا للكُمِّل من الموحِّدين.

  • اسم الله الأعظم:

التحقيق أن الاسم الأعظم اسم جنس لا يراد به اسم معين, فإن أسماء الله نوعان:

أحدهما: ما دلَّ على صفة واحدة أو صفتين, أو تضمن أوصافاً معدودة.

والثاني: ما دلَّ على جميع ما لله من صفات الكمال, وتضمن ما له من نعوت العظمة والجلال والجمال, فهذا النوع هو الاسم الأعظم لما دلَّ عليه من المعاني التي هي أعظم المعاني وأوسعها. فالله اسم أعظم, وكذلك الصمد, وكذلك الحي القيوم, وكذلك الحميد المجيد, وكذلك الكبير العظيم, وكذلك المحيط, وهذا التحقيق هو الذي تدل عليه التسمية وهو مقتضى الحكمة, وبه تجتمع الأقوال الصحيحة كلّها.

  • تفاوت الناس في التوحيد:

الناس في التوحيد على درجات متفاوتة بحسب ما قاموا به من معرفة الله, والقيام بعبوديته, فأكملهم في هذا الباب من عرف من تفاصيل أسماء الله وصفاته وأفعاله وآلائه, ومعانيها الثابتة في الكتاب والسنة, وفهمها فهماً صحيحاً, فامتلأ قلبه من معرفة الله, وتعظيمه, وإجلاله, ومحبته, والإنابة إليه, وانجذب جميع دواعي قلبه إلى الله تعالى, متوجهاً إليه وحده لا شريك له.

ووقعت جميع حركاته وسكناته في كمال الإيمان والإخلاص التام, الذي لا يشوبه شيء من الأغراض الفاسدة, فاطمأن إلى الله تعالى معرفةً, وإنابةً, وفعلاً, وتركاً, وتكميلاً لنفسه, وتكميلاً لغيره, بالدعوة إلى هذا الأصل العظيم, فنسأل الله من فضله وكرمه أن يتفضل علينا بذلك.

  • معرفة الله عز وجل

قيل لبعضهم: بأي شيء يُعرفُ الله؟ فقال: بانتظام الأسباب على وتيرة واحدة, ثم بتحويله لبعضها ومنع سببيته, وبإيجاده أشياء بغير أسباب تعرف.

وهذا صحيح, فإنه تعالى أجرى الأمور على أسبابها ومسبباتها قدراً وشرعاً, لُيعرف بذلك حكمتهُ البالغة, ولينشط العاملون على أعمالهم التي ربطها الله بمسبباتها, وأجراها على سنته, ثم إنه مع ذلك منع بعض الأسباب عن ترتب آثارها عليها, كما في معجزات الأنبياء الخارقة للعادة, وكرامات الأولياء.

وكذلك يوجد كثيراً من الأشياء بغير الأسباب المعهودة, كما أوجد عيسى من أمٍّ بلا أب, ويحيى بين أبوين لا يولد لمثلهما

وقيل لآخر: بم يُعرف الله؟ فقال: بمداولته الأيام بين العباد في العزِّ والذلِّ, والغنى والفقر, بأسباب وبغير أسباب,

قيل لبعضهم: بم عرفت ربك؟ قال: بنقض العزائم والهمم.

ومعنى ذلك: أن العبد يعزم في كثير من أموره عزماً جازماً مصمماً لا تردد فيه, ثم بعد ذلك تنتقض همته وينحل عزمه إلى تركه, وإلى أمر آخر يرى فيه مصلحته. وما ذلك إلا لأن الله على كل شي قدير, يصرف القلوب كما يدبرُ الأبدان, وقد يصرفه عن بعض ما يعزم عليه لطفاً به, وإبقاءً على إيمانه ودينه, فيتلطف به من حيث لا يشعر, فنسأله اللطف في الأمور كلها, والتيسير لليسرى.

وقيل لبعضهم: بم عرفت الله؟ فقال: قد رأينا ورأى الناس في الدنيا مصارع البغاة المجرمين وعواقبهم الوخيمة, كما رأينا ورأوا في المحسنين عواقبهم الحميدة, فعجَّل للعباد نموذجاً من الثواب والعقاب, ليعرفوه, ويخضعوا له وحده, ويعبدوه وحده.

وقيل لبعض العارفين: بأي شيء يعرف الله؟ فقال: بذوق حلاوة الطاعات, وتجرع مرارة المخالفات

وهذا استدلال برهاني وجداني, لمن وفق لهذه الحال, يضطر العبد إلى كمال الإيمان وزيادة اليقين, فإن من وجد حلاوة الطاعات والإيمان, وذاق لذة اليقين, وتألم إذا غلبته النفس الأمارة بالسوء على اقتحام بعض المعاصي, اضطره الأمر إلى معرفة الله ووحدانيته.

  • فوائد الإيمان بالقضاء والقدر:

أنه يوجب للعبد سكون القلب وطمأنينته وقوته وشجاعته لعلمه أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه.

وأنه يسلى العبد على المصائب ويوجب له الصبر والتسليم والقناعة بما رزقه الله. قال تعالى:  { وَمَن يُؤْمِن بِاللَّـهِ يَهْدِ قَلْبَهُ }  [التغابن:11] قال بعض السلف: هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويُسلم.

ومن فوائده أنه يوجب للعبد شهود منّة الله عليه فيما يمنُّ به عليه من فعل الخيرات وأنواع الطاعات, ولا يُعجبُ بنفسه ولا يُدلُّ بِعلمه لعلمه أنه تعالى هو الذي يتفضل عليه بالتوفيق والإعانة وصرف الموانع والعوائق, وأنه لو وكِلَ إلى نفسه لضعف وعَجَزَ من العمل.

كما أنه سبب لشكر نعم الله مما يُنعمُ عليه من نعم الدين والدنيا, فإنه يعلم أنه ما بالعبد من نعمة إلا من الله وأن الله هو الدافع لكل مكروه ونقمة.

  • مغذيات الإيمان:

 ينبغي للعبد أن يسعى ويجتهد في عمل الأسباب الجالبة للإيمان, والمقوية للإيمان. ومن أعظم ذلك: تدبر القرآن, فإنه يزيد في علوم الإيمان وشواهده, ويقوي الإرادة القلبية, ويحثّ على أعمال القلوب من التوكل, والإخلاص, والتعلق بالله الذي هو أصل الإيمان. وكذلك معرفة أحوال النبي صلى الله عليه وسلم, وسماع أحاديثه, ومعرفة معجزاته, وما هو عليه من الأخلاق والأوصاف.

وكذلك التفكر في ملكوت السماوات والأرض ما أودع فيها من الآيات والبراهين الدالة على وحدانية الله وصفاته وآلائه.

وكذلك التفكر في نعم الله الظاهرة والباطنة الخاصة والعامة, فإنها تدعو دعاء حثيثاً إلى الإيمان وتقوية...

وكذلك النظر في أحوال الأنبياء والصديقين وخواص المؤمنين, ومعرفة أحوالهم, وتتبع أمورهم, من أكبر مقويات الإيمان ومواد تغذيته.

وكذلك الضرورات التي تلجئ العبد إلى ربه وتحثه على تذكره وكثرة دعائه, وما ينشأ عن ذلك من تفريج الكربات وإجابة الدعوات, وحصول المسار, واندفاع المضار, كلها من مقويات الإيمان.

ومن أعظم مقويات الإيمان ومغذياته: اللهج بذكر الله, والإكثار من دعائه, والإنابة إليه في السراء والضراء, في جميع النوازل الخاصة والعامة, الكبيرة والصغيرة, فهي من مغذيات الإيمان, والإيمان يغذيها, فكل من الأمرين يمدّ الآخر.

ومن مغذيات الإيمان: قوة الصبر على طاعة الله, وعن معاصيه, وعلى أقداره, مع استصحاب التوكل, والاستعانة بالله على ذلك, بل هو الإيمان أصلاً, وفرغاً, وغذاء وثمرة.

 

                         كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ

المراجع: كتب الشيخ التي تمّ الرجوع إليها:

**التنبيهات اللطيفة على ما احتوت عليه العقيدة الواسطية

**القول السديد في مقاصد التوحيد

** البراهين العقلية على وحدانية الرب ووجوه كماله

**فتح الرحيم الملك العلام في علم العقائد والتوحيد والأخلاق المستنبطة من القرآن

** أصول العقائد الدينية

** القواعد الحسان المتعلقة بتفسير القرآن

** شرح عمدة الأحكام   

** القواعد الفقهية

** مجموع الفوائد واقتناص الأوابد

  • 0
  • 0
  • 3,134

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً