هنيئًا لمن أدرك رمضان

منذ 2022-03-19

ولنتحرَّ أوقات إجابة الدعاء، فتصادف دعواتنا وقت إجابة فتسعد أنفسنا بصدق ما دعونا به، ولنعمل على تنقية نفوسنا من كل شائبة، ولندعُ ربنا ليعطينا ويكافئنا، فالكريم إذا أعطى أدهشك بعطاياه.

هنيئًا لمن أدرك رمضان واجتهد فيه بالدعاء والذكر؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  «إن الدعاء هو العبادة» ؛ (رواه أحمد والترمذي والنسائي وأبو داود).

إنه شهر عبادة، وليس مرتعًا لكل نفس كسولة، فلننظر إلى حال القلوب كيف تبدلت عند دخول الشهر الفضيل، وهي من كانت بالأمس من أشد القلوب تكاسلًا وتغافلًا عن أداء العبادات، فاليوم شُدَّت الهمة وقويت العزيمة، وامتلأت المساجد بالمصلين وبأصوات الداعين والذاكرين، وأُنيرت المنازل بالعبادات وفرحة الوصول، فانظر إلى هذا التغيير، ولكل منا دعوات نريد تحقيقها ونجتهد طيلة ثلاثين يومًا باللجوء إلى الله ليقال لها: كن فتكون.

إذًا إخوتي في الله لنكن في رمضان خاشعين متذللين لله وحده؛ يقول الله عزَّ وجلَّ:  {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186].

ورمضان شهر الدعاء والإجابة، وتحقيق الأمنيات التي يراها العبد لن تُقضى، فإذا به يُطلق الله لسانه بالدعوات، إنه شهر الانكسار والتذلل لله عز وجل والخضوع له، كحبل متين وسلاح من أقوى ما يكون في يدي المؤمن، ولكن علينا أن نكون موقنين بالإجابة مهما تأخَّرت، ولتكن قلوبنا متعلقة بالله وقت الحاجة وبعد انقضائها؛ فإنَّ الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم يقول:  «ادعُوا الله وأنتُم مُوقِنون بالإجابة، واعلَمُوا أنَّ الله لا يستجيبُ دُعاء ًمن قلبٍ غافلٍ لاهٍ»  (رواه الترمذي، وهو حديث حسن، صحيح الجامع).

علينا بالاجتهاد في الدعاء بلا تكلُّف، وأن نبتعد عن السجع واصطناع العبارات، فإذا أراد العبد أن يستجاب له، فليطرق باب ربِّه بما في قلبه، وبالدعاء المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولنكن أيضًا في دعائنا عبادًا مهذبين، ندعو ربَّنا متواضعين، وليكن اللسان لحوحًا في دعواته، ولنظهر الفاقة والمسكنة، فإن أرسلنا الدعوات فلنستودعها الخالق بالخير، ولنحذَر استعجالها، فتقول النفس: دعوتُ ولم يُستجب لي؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يُستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوتُ، فلم يستجب لي"؛ (رواه البخاري)، فلنعلم أن اختيار الله لنا هو أفضل لنا.

لكل منا دعوات معلَّقة نصحو وننام وبداخلنا إصرار على تحقيقها، نظل ندعو بها ليلًا ونهارًا راجين من الله قبولها، قد يستجاب لنا وقد لا يستجاب، ونحن تتذمَّر مع أن في منعها عنا حِكمةً لا نعلمها؛ قد تكون شرًّا لنا ونحن لا نعلم ولا ندرك ما وراءها، فلنعلم إخوتي في الله أن بعض المنع عطاء، فلا تغرنا الأمنيات ففي بعضها خير والآخر يحمل لنا الشر، فلنرضَ بما كتبه الله علينا، وإذا أردنا أمرًا بشدة فلندعُ الله: إن كان فيه الخير فليحقِّقه لنا، وإن كان به شر فليبعده عنا، فربما منعنا ليعطينا الأجمل والأنقى، فلنصبر ونرسل الدعوات، فنستودعها الخالق، وإن هي استجيبت فلنحمد الله كثيرًا، وإن تأخرت فلنحمد الله أكثر، مع تجمُّل النفس بالرضا بما قسمه الله لنا، ولنحمد الله أيضًا أنه وهبنا الوقوف بين يديه واللجوء إليه متى احتجنا إليه؛ فلا نجد مشقة ونحن ندعوه بما يعتمل داخل قلوبنا، فهناك من يقف بين يدي ربه كل ليلة، ولا يعرف كيف يناجيه، وكأن أحدًا أمسك لسانه وأَعجزه عن المناجاة! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعجز الناس من عجز عن الدعاء"؛ (رواه أبو هريرة)، وما أعظمها من مصيبة حين يمسك لسانك ولا تعرف كيف تناجيه! أعددت الكثير والكثير من الدعوات ولكنك تعجِز عن قولها، وهناك من يظل يدعو في النهار والليل ويمني نفسه بالإجابة وكله يقين ولا تتحقق دعواته، وبدلًا من أن يبحث عن السبب يتوقف عن الدعاء.

أخي الصائم، هل تذكَّرت وعودك لربك أنك لن تفعل هذا وذاك في رمضان؟ هل تذكرت أنك تفعل الذنب الذي عاهدتَ ربَّك أنك لن تفعله لا في رمضان ولا بعد رمضان؟ هل تذكرت عهدك بأنك ستكون ذا قلب نقي جديد! كل هذا وأكثر وتسأل عن عدم الإجابة لدعواتك وتحقيق أمنياتك؟ إذا أردنا استجابة الدعوات فعلينا بصدق العهد مع الله، علينا بالتحري عن المال أيضًا، فإذا كان هذا المال ليس حلالًا، فأسرع بتركه بدون تفكير ابتغاءَ مرضاة الله عز وجل؛ ففي صحيح مسلم أنَّ الرسولَ صلَّى الله عليه وسلَّم ذكَر الرجل يُطِيلُ السَّفر، أشعث أغبر يمدُّ يدَه إلى السَّماء: يا رب، يا رب، ومطعَمُه حَرامٌ، ومَشرَبُه حرامٌ، ومَلبَسُه حرامٌ، وغُذِيَ بالحَرام، فأنَّى يُستَجاب لذلك؟ رواه مسلم.

وأخيرًا إذا نقينا أنفسنا ودعواتنا وكنَّا عبادًا لحوحين في الدعاء، فعلينا ألا ننشغل بكيفية تحقيق الدعوات، ولندع ربَّنا يعطينا من فضله، فإنه إذا أعطى أدهش بعطاياه، ولكن عليك بالعمل والاجتهاد؛ لتكون من الفائزين في هذا الشهر الكريم؛ قال رسول الله صل الله عليه وسلم: «إذا كان أول ليلة من شهر رمضان، صُفِّدت الشياطين ومَردة الجن، وأغلقت أبواب النار فلم يُفتَح منها بابٌ، وفتحت أبواب الجنة فلم يُغلق منها باب، وينادي منادٍ: يا باغي الخير أقبِل، ويا باغي الشر أقصِر، ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة»  (رواه الترمذي وابن ماجه وحسنه الألباني).

ولنتحرَّ أوقات إجابة الدعاء، فتصادف دعواتنا وقت إجابة فتسعد أنفسنا بصدق ما دعونا به، ولنعمل على تنقية نفوسنا من كل شائبة، ولندعُ ربنا ليعطينا ويكافئنا، فالكريم إذا أعطى أدهشك بعطاياه.

فاطمة الأمير

كاتبة أسعى للتغيير و الإصلاح، وهدفي الدعوة إلى الله، لدي بفضل الله العديد من المقالات وبعض الكتب منها: رمضان بداية حياة، هل يستويان؟!، حتى لا تغتال البراءة.

  • 4
  • 0
  • 1,621

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً