رسالة قيام رمضان
محمد ناصر الدين الألباني
وأفضل لياليه ليلةُ القَدْرِ، لقوله ﷺ: من قام ليلة القدر، وهي ليلة سابع وعشرين من رمضان على الأرجح
- التصنيفات: ملفات شهر رمضان -
قيام رمضان
فضل قيام ليالي رمضان:
1- قد جاء فيه حديثان:
الأول عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُرَغبُ في قيام رمضان، من غير أن يأمرهم بعزيمة، ثم يقول:
من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه.
فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك ( 6 )، ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر رضي الله عنه، وصَدْرٍ من خلافة عمر رضي الله عنه " ( 7 ).
والآخر: حديث عمر بن عمرو بن مرة الجهني قال:
جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من قضاعة فقال: يا رسول الله ! أرأيت إن شهدتُ أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، وصليتُ الصلوات الخمس، وصمت الشهر، وقمت رمضان، وآتيتُ الزكاة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من مات على هذا كان من الصديقين والشهداء» ( 8 ).
ليلة القدر وتحديدها:
2- وأفضل لياليه ليلةُ القَدْرِ، لقوله صلى الله عليه وسلم: من قام ليلة القدر ( ثم وُفقَتْ له )، إيماناً واحتساباً، غُـفِـرَ له ما تقدم من ذنبه ( 9 ).
3- وهي ليلة سابع وعشرين من رمضان على الأرجح، وعليه أكثر الأحاديث منها حديث زِر بن حُبَيش قال: سمعت أٌبيَّ ابن كعب يقول - وقيل له: إن عبد الله بن مسعود يقول: من قام السنة أصاب ليلة القدر ! - فقال أٌبَيٌّ رضي الله عنه: رحمه الله، أراد أن لا يتكل الناس، والذي لا إله إلا هو، إنها لفي رمضان - يحلف ما يستثني - ووالله إني لأعلمُ أيَّ ليلةٍ هي؟ هي الليلة التي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلمبقيامها هي ليلة صبيحة سبع وعشرين، وأمارتُها أن تطلع الشمس في صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها.
ورفع ذلك في رواية إلى النبي صلى الله عليه وسلم ( 10 ).
مشروعية الجماعة في القيام:
4- وتشرع الجماعة في قيام رمضان، بل هي أفضل من الانفراد، لإقامة النبي صلى الله عليه وسلم لها بنفسه، وبيانه لفضلها بقوله، كما في حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: ( صمنا مع رسول الله رمضان، فلم يقم بنا شيئاً من الشهر، حتى بقي سَبْعٌ فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل، فلما كانت السادسة لم يقم بنا، فلما كانت الخامسة قام بنا حتى ذهب شَطْرُ الليل، فقلت: يا رسول الله! لو نَـفَّـلتنا قيام هذه الليلة، فقال: إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حُسِبَ له قيام ليلة .
فلما كانت الرابعة لم يقم، فلما كانت الثالثة ( 11 ) جمع أهله ونساءه والناس، فقام بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفَلاح. قال: قلت: ما الفلاح؟ قال: السحور، ثم لم يقم بنا بقية الشهر ) ( 12 ).
السبب في عدم استمرار النبي صلى الله عليه وسلم بالجماعة فيه:
5- وإنما لم يقم بهم عليه الصلاة والسلام بقية الشهر خشية أن تفرض عليهم صلاة الليل في رمضان، فيعجزوا عنها كما جاء في حديث عائشة في "الصحيحين" وغيرهما ( 13 ) وقد زالت هذه الخشية بوفاته صلى الله عليه وسلم بعد أن أكمل الله الشريعة، وبذلك زال المعلول، وهو ترك الجماعة في قيام رمضان، وبقي الحكم السابق وهو مشروعية الجماعة ولذلك أحياها عمر رضي الله عنه كما في"صحيح البخاري"وغيره( 14 ).
مشروعية الجماعة للنساء:
6- ويشرع للنساء حضورها كما في حديث أبي ذر السابق، بل يجوز أن يُجْعَـلَ لهن إمام خاص بهن، غير إمام الرجال، فقد ثبت أن عمر رضي الله عنه لما جمع الناس على القيام، جعل على الرجال أُبَيَّ بن كعب، وعلى النساء سليمان بن أبي حثمة، فعن عرفجة الثقفي قال: ( كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يأمر الناس بقيام شهر رمضان ويجعل للرجال إماماً وللنساء إماماً، قال: فكنت أنا إمام النساء ) ( 15 ).
قلت: وهذا محله عندي إذا كان المسجد واسعاً، لئلا يشوش أحدهما على الآخر.
عدد ركعات القيام:
7- وركعاتها إحدى عشرة ركعة، ونختار أن لا يزيد عليها اتباعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه لم يزد عليها حتى فارق الدنيا، فقد سئلت عائشة رضي الله عنها عن صلاته صلى الله عليه وسلم في رمضان؟ فقالت: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعاً فلا تسل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاً فلا تسل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثاً ( 16 ).
8- وله أن ينقص منها، حتى لو اقتصر على ركعة الوتر فقط، بدليل فعله صلى الله عليه وسلم وقوله: أما الفعل، فقد سئلت عائشة رضي الله عنها: بكم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر؟ قالت: كان يوتر بأربع ( 17 ) وثلاثٍ، وست وثلاثٍ، وعشر وثلاثٍ، ولم يكن يوتر بأنقص من سبعٍ، ولا بأكثر من ثلاث عشرة ( 18 ).
وأما قوله صلى الله عليه وسلم فهو: الوتر حق، فمن شاء فليوتر بخمس، ومن شاء فليوتر بثلاث، ومن شاء فليوتر لواحدة ( 19 ).
القراءة في القيام:
9- وأما القراءة في صلاة الليل في قيام رمضان أو غيره، فلم يَحُدَّ فيها النبي صلى الله عليه وسلم حداً لا يتعداه بزيادة أو نقص، بل كانت قراءته صلى الله عليه وسلم فيها تختلف قصراً وطولاً، فكان تارة يقرأ في كل ركعة قدر ] يا أيها المزمل [، وهي عشرون آية، وتارة قدر خمسين آية، وكان يقول: من صلى في ليلة بمئة آية لم يُكْتَبْ من الغافلين .
وفي حديث آخر:... بمئتي آية فإنه يكتب من القانتين المخلصين.
وقرأ صلى الله عليه وسلم في ليلة وهو مريض السبع الطوال، وهي سورة ( البقرة )، و ( آل عمران )، و ( النساء )، و ( المائدة )، و ( الأنعام )، و ( الأعراف )، و ( التوبة ).
وفي قصة صلاة حذيفة بن اليمان وراء النبي عليه الصلاة والسلام أنه صلى الله عليه وسلم قرأ في ركعة واحدة ( البقرة ) ثم ( النساء ) ثم ( آل عمران )، وكان يقرؤها مترسلاً متمهلاً ( 20 ).
وثبت بأصح إسناد أن عمر رضي الله عنه لما أمر أُبّيَّ بن كعب أن يصلي للناس بإحدى عشرة ركعة في رمضان، كان أُبيٌّ رضي الله عنه يقرأ بالمئين، حتى كان الذي خلفه يعتمدون على العِصِي من طول القيام، وما كانوا ينصرفون إلا في أوائل الفجر ( 21 ).
وصح عن عمر أيضاً أنه دعا القـُرَّاءَ في رمضان، فأمر أسرعهم قراءة أن يقرأ ثلاثين آية، والوسط خمساً وعشرين آية، والبطيء عشرين آية ( 22 ).
وعلى ذلك فإن صلى القائم لنفسه فليطول ما شاء، وكذلك إذا كان معه من يوافقه، وكلما أطال فهو
أفضل، إلا أنه لا يبالغ في الإطالة حتى يُحيي الليل كله إلا نادراً، اتباعاً للنبي صلى الله عليه وسلم القائل: وخير الهدي هدي محمد ( 23 ).
وأما إذا صلى إماماً، فعليه أن يطيل بما لا يشق على من وراءه لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا قام أحدكم للناس فليخفف الصلاة، فإن فيهم ( الصغير ) والكبير وفيهم الضعيف، و ( المريض )، ( وذا الحاجة )، وإذا قام وحده فليطل صلاته ما شاء» ( 24 ).
وقت القيام:
10- ووقت صلاة الليل من بعد صلاة العشاء إلى الفجر، لقوله صلى الله عليه وسلم: إن الله زادكم صلاة، وهي الوتر ( 25 )، فصلوها بين صلاة العشاء إلى صلاة الفجر ( 26 ).
11- والصلاة في آخر الليل أفضل لمن تيسر له ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر الليل، فإن صلاة آخر الليل مشهودة وذلك أفضل ( 27 ).
12- وإذا دار الأمر بين الصلاة أول الليل مع الجماعة، وبين الصلاة آخر الليل منفرداً، فالصلاة مع الجماعة أفضل، لأنه يحسب له قيام ليلة تامة كما تقدم في الفقرة ( 4 ) مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وعلى ذلك جرى عمل الصحابة في عهد عمر رضي الله عنه، فقال عبد الرحمن بن عبد القاري:
( خرجت مع عمر بن الخطاب ليلة في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع متفرقون، يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال: والله إني لأرى لو جمعت هؤلاء على قارىء واحد لكان أمثل، ثم عزم، فجمعهم على أُبَيَّ بن كعب، قال: ثم خرجت معه ليلة أخرى، والناس يصلون بصلاة قارئهم، فقال عمر: نعمت البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون - يريد آخر الليل - وكان الناس يقومون أوله ) ( 28 ).
وقال زيد بن وهب: ( كان عبد الله يصلي بنا شهر رمضان، فينصرف بليل ) ( 29 ).
الكيفيات التي تصلى بها صلاة الليل:
13- كنت فصلت القول في ذلك في "صلاة التراويح" (ص101-115) فأرى أن أٌلَخّص ذلك هنا تيسيراً على القارئ وتذكيراً:
الكيفية الأولى: ثلاث عشرة ركعة، يفتتحها بركعتين، خفيفتين، وهما على الأرجح سنة العشاء البعدية، أو ركعتان مخصوصتان يفتتح بهما صلاة الليل كما تقدم، ثم يصلي ركعتين طويلتين جداً،
ثم يصلي ركعتين دونهما، ثم يصلي ركعتين دون اللتين قبلهما، ثم يصلي ركعتين دونهما، ثم يصلي ركعتين دونهما، ثم يوتر بركعة.
الثانية: يصلي ثلاث عشرة ركعة، منها ثمانية يُسلم بين كل ركعتين، ثم يوتر بخمس لا يجلس ولا يسلم
إلا في الخامسة.
الثالثة: إحدى عشرة ركعة، يسلم بين كل ركعتين، ويوتر بواحدة.
الرابعة: إحدى عشرة ركعة، يصلي منها أربعاً بتسليمة واحدة، ثم أربعاً كذلك، ثم ثلاثاً.
وهل كان يجلس بين كل ركعتين من الأربع والثلاث؟ لم نجد جواباً شافياً في ذلك، لكن الجلوس في الثلاث لا يشرع !
الخامسة: يصلي إحدى عشرة ركعة، منها ثماني ركعات لا يقعد فيها إلا في الثامنة، يتشهد ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يقوم ولا يسلم، ثم يوتر بركعة، ثم يسلم، فهذه تسع، ثم يصلي ركعتين، وهو جالس.
السادسة: يصلي تسع ركعات منها ست لا يقعد إلا في السادسة منها، ثم يتشهد ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم... إلخ ما ذُكر في الكيفية السابقة.
هذه هي الكيفيات التي ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم نصاً عنه، ويمكن أن يزاد عليها أنواعاً أخرى، وذلك بأن ينقص من كل نوع منها ما شاء من الركعات حتى يقتصر على ركعة واحدةٍ عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم المتقدم:
...فمن شاء فليوتر بخمس، ومن شاء فليوتر بثلاث، ومن شاء فليوتر بواحدة ( 30 ).
فهذه الخمس والثلاث، إن شاء صلاها بقعود واحد، وتسليمة واحدة كما في الصفة الثانية، وإن شاء سلم من كل ركعتين كما في الصفة الثالثة وغيرها، وهو الأفضل ( 31 ).
وأما صلاة الخمس والثلاث بقعود بين كل ركعتين بدون تسليم فلم نجده ثابتاً عنه صلى الله عليه وسلم، والأصل الجواز، لكن لما كان النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن الإيتار بثلاث، وعلل ذلك بقوله: ولا تشبهوا بصلاة المغرب ( 32 )؛ فحينئذ لا بد لمن صلى الوتر ثلاثاً من الخروج عن هذه المشابهة، وذلك يكون بوجهين:
أحدهما: التسليم بين الشفع والوتر، وهو الأقوى والأفضل.
والآخر: أن لا يقعد بين الشفع والوتر، والله تعالى أعلم.
___________________________________________________
تأليف/ الشيخ محمد ناصر الدين الألباني
مقدمة الطبعة الثانية