الدروس المستفادة من حديث موعظة النبي للنساء يوم العيد

منذ 2022-05-03

وعظ النبيﷺ النساء يوم العيد يدل على الاهتمام بتعليم المرأة - ويدل أيضا على مساواة المرأة بالرجل في حق التعليم والتذكير، إلخ..

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه.

أما بعد:

فسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - مليئة بالدروس والفوائد والعبر تهدي العباد إلى خير زاد، وترشد العقول إلى الخير المأمول إلا أن من ختم الله على سمعهم وجعل على أبصارهم غشاوة يرون النور ظلمة والعدل جورا والحق باطلا.

 

و ذلك لسوء فهمهم ولشدة جهلهم بأسلوب النبي - صلى الله عليه وسلم - البليغ الراقي، ومن هذه الأحاديث التي أساء المغرضون فهمها على وجهها الصحيح الفصيح حديث وعظ النبي - صلى الله عليه وسلم - النساء يوم العيد، وهذا الحديث في الصحيحين.

 

والحديث نصه عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي أَضْحَى أَوْ فِطْرٍ إِلَى الْمُصَلَّى فَمَرَّ عَلَى النِّسَاءِ فَقَالَ:  «يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ»  فَقُلْنَ: وَبِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ:  «تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ وَتَكْفُرْنَ الْعَشِير مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ»  قُلْنَ: وَمَا نُقْصَانُ دِينِنَا وَعَقْلِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ:  «أَلَيْسَ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ»  قُلْنَ: بَلَى، قَالَ:  «فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ»  قُلْن َ: بَلَى، قَالَ:  «فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا»  [1].

 

وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ:  «يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ، تَصَدَّقْنَ وَأَكْثِرْنَ الِاسْتِغْفَارَ، فَإِنِّي رَأَيْتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ»  فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ جَزْلَةٌ: وَمَا لَنَا يَا رَسُولَ اللهِ أَكْثَرُ أَهْلِ النَّارِ؟ قَالَ: تُ «كْثِرْنَ اللَّعْنَ، وَ تَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ، وَ مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَ دِينٍ أَغْلَبَ لِذِي لُبٍّ مِنْكُنَّ»  قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا نُقْصَانُ الْعَقْلِ وَالدِّينِ؟ قَالَ:  «أَمَّا نُقْصَانُ الْعَقْلِ: فَشَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ تَعْدِلُ شَهَادَةَ رَجُلٍ فَهَذَا نُقْصَانُ الْعَقْلِ، وَتَمْكُثُ اللَّيَالِيَ مَا تُصَلِّي، وَتُفْطِرُ فِي رَمَضَانَ فَهَذَا نُقْصَانُ الدِّينِ» [2].

 

ودعونا نحيا في رحاب هذا الحديث ننهل منه الدرر والفوائد والعبر فقول أبي سعيد الخدري خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي أَضْحَى أَوْ فِطْرٍ إِلَى الْمُصَلَّى فَمَرَّ عَلَى النِّسَاء فيه مشروعية خروج النساء إلى المصلى،وفيه أن النساء لم يكن مختلطات بالرجال فمجلس النساء متميزٌ عن الرجال وخاصٌ بهن إذ ذهاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى النساء ليعظهن بعدما يعظ الرجال يشعر بأن النساء كن على حده من الرجال، و لم يكنَّ مع الرجال في مكان واحد و إلا لما احتاج النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يذهب إليهن.

 

وهذا يوضحه حديث ابن عباس: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى يَوْمَ الفِطْرِ رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا وَ لاَ بَعْدَهَا، ثُمَّ أَتَى النِّسَاءَ وَ مَعَهُ بِلاَلٌ، فَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ، فَجَعَلْنَ يُلْقِينَ تُلْقِي المَرْأَةُ خُرْصَهَا وَ سِخَابَهَا[3].

 

قال ابن حجر: قَوْلُهُ ثُمَّ أَتَى النِّسَاءَ يُشْعِرُ بِأَنَّ النِّسَاءَ كُنَّ عَلَى حِدَةٍ مِنَ الرِّجَالِ غَيْرَ مُخْتَلِطَاتٍ بِهِمْ[4].

 

والنبي - صلى الله عليه وسلم - بعدما وعظ الرجال أتي النساء لوعظهن و تذكيرهنَّ بما يجب عليهنَّ وحثَّهنَّ على الصدقة والاستغفار، وهذا يفيد استحباب وعظ النساء، وتعليمهنَّ أحكام الإِسلام وتذكيرهنَّ بما يجب عليهنَّ وحثَّهنَّ على الصدقة والاستغفار[5]، وقلنا بالاستحباب لفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك.

 

وقد قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [6] أي لقد كان لكم في أقوال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأفعاله وأحواله قدوة حسنة تتأسون بها، فالزموا سنته، فإنما يسلكها ويتأسى بها مَن كان يرجو الله واليوم الآخر، وأكثرَ مِن ذكر الله واستغفاره، وشكره في كل حال.

 

ووعظ النبي - صلى الله عليه وسلم - النساء يوم العيد يدل على اهتمام النبي - صلى الله عليه وسلم - بتعليم المرأة، وعلى اهتمام الإسلام بتعليم المرأة، وعلى اهتمام الإسلام بالمرأة، وهذا رد على من يقول أن الإسلام قد أهمل المرأة.

 

ووعظ النبي - صلى الله عليه وسلم - النساء يوم العيد يدل أيضا على مساواة المرأة للرجل في حق التعليم والتذكير والوعظ و هذا يؤكد أصل أن النِّساءَ شقائقُ الرِّجالِ في الأحكامِ، فما ثَبَتَ للرجلِ ثَبَتَ للمرأة إلاّ ما استثناه الدليلُ.

 

وفي وعظ النبي - صلى الله عليه وسلم - النساء يوم العيد رد على من يقول إن المرأة ليس لها حق في التعليم.

 

وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - «يا معشر النساء» استخدم أداة نداء ليست للقريب مع أن النساء كن بالقرب منه - صلى الله عليه وسلم - فيه تنزيل القريب منزلة غيره حتى يحرصن على الإقبال على وعظه، ولا يغفلن عن نصحه، و للتنبيه على عظمة ما سوف يقوله، فالمخاطبات مع شدة حرصهن على الامتثال لقوله - صلى الله عليه وسلم - كأنهن غافلات عنه.

 

وعلى الداعية الفطن أن يمتثل هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - فعندما يلقي محاضرة عليه أن يقول كلمات فيها جذب انتباه الحاضرين لما يقول، وإثارة انتباه الحاضرين لما يقول فيقبلون عليه بلا غفلة.

 

وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - «تَصَدَّقْنَ وَأَكْثِرْنَ الِاسْتِغْفَارَ، فَإِنِّي رَأَيْتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ» فيه استحباب الأمر بالصدقة واستحباب الأمر بالاستغفار وأن الصدقة والاستغفار من أسباب الوقاية من النار؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - أمرهن بالصدقة والاستغفار ثم علل ذلك الأمر أنهن أكثر أهل النار.

 

والصدقة والاستغفار من جنس الطاعات؛ ففيه إشارة إلى أن فعل الطاعات من أسباب الوقاية من النار، وفي الحديث دليل أن الصدقة تكفر الذنوب التي بين المخلوقين[7] لأَنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ[8].

 

وتذكير النساء بما يقيهن من النار وإرشادٌهن إلى ما يُخَلِّصُهُنَّ من النار دليل على اهتمام الإسلام بالمرأة فلولا اهتمامه بها لما نبهها على ما يقيها من النار.

 

وفي تذكير النساء بما يقيهن من النار دليل على استحباب تذكير الإنسان بما يقيه من النار.

 

وفي قوله - صلى الله عليه وسلم - «تصدقن» جَوَازُ طَلَبِ الصَّدَقَةِ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ لِلْمُحْتَاجِينَ، وَلَوْ كَانَ الطَّالِبُ غَيْرَ مُحْتَاجٍ[9]، وفيه رد على من كره السؤال لغيره [10].

 

وفي قوله - صلى الله عليه وسلم - «فَإِنِّي رَأَيْتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ» نوع شدة في النصح؛ لأن الأمر عظيم يتطلب ذلك، والقلوب المؤمنة تخاف كل ما يقربها إلى النار، ومن حكمة النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه عرف النساء كيف يتقين النار قبلما يخبرهن أنهن أكثر أهل النار حتى لا ييأسن من رحمة الله.

 

وقول الصحابيات:(وَبِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ) وعدم إنكار النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك دليل على مشروعية سؤال أهل العلم، وأنه يشرع لِلْمُتَعَلِّمِ مُرَاجَعَةِ الْعَالَمِ فِيمَا لَمْ يَظْهَرْ لَهُ مَعْنَاهُ، ودليل على حرص الصحابيات على العلم والسؤال والتعلم، وإقدامهن على السؤال والاستفسار وإقبالهن على مجالس العلم.

 

ونصح النبي - صلى الله عليه وسلم - للنساء بالصدقة و الاستغفار كي لا يدخلن النار دليل على نفي الجبر ردًا على الجبرية، فسبب دخول النار هو أعمال الإنسان الموجبة لدخول النار، وسبب عدم دخول النار هو فعل الأعمال التي تبعد الإنسان عن النار فالأعمال مرتبطة بالإنسان نفسه وأنه المحاسب عليها إن خيراً فخير أو شراً فشر.

 

ولا يمكن أن يرشد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الأعمال التي تقي من النار إلا إذا كان الإنسان قادراً على فعلها، ولا يمكن أن يحذر النبي - صلى الله عليه وسلم - من الأعمال الموجبة لدخول النار إلا إذا كان الإنسان قادراً على تركها و هذا دليل على نفي الجبر.

 

وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - «تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ»، و اللعن هو الدعاء بالطرد من رحمة الله وثوابه إلى ناره وعقابه، وتُكْثِرْنَ اللَّعْنَ أي: يدور اللعنُ على ألسنتهنَّ كثيرًا لمن لا يجوزُ لعنه، وكون كثرة اللعن من أسباب دخول النار فهذا دليل على حرمة اللعن.

 

والحديث دليل أيضاً على خطورة لعن من لا يستحق اللعن، و الحديث دليل أيضا على أن الإسلام دين يدعو لتهذيب السلوك و التحلي بمكارم الأخلاق والبعد عن الرذائل فهو ينفر من الصفات الرذيلة كصفة اللعن.

 

وفي الحديث دليل أن الكلام القبيح من اللعن والسخط مما يعذب الله عليه[11].

 

قال النووي:

وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَحْرِيمِ اللَّعْنِ فَإِنَّهُ فِي اللُّغَةِ الْإِبْعَادُ وَالطَّرْدُ وَفِي الشَّرْعِ الْإِبْعَادُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُبْعَدَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى مَنْ لَا يُعْرَفَ حاله وخاتمة أمره مَعْرِفَةً قَطْعِيَّةً فَلِهَذَا قَالُوا لَا يَجُوزُ لَعْنُ أحد بعينه مسلما كان أو كافرا أَوْ دَابَّةً إِلَّا مَنْ عَلِمْنَا بِنَصٍّ شَرْعِيٍّ أَنَّهُ مَاتَ عَلَى الْكُفْرِ أَوْ يَمُوتُ عَلَيْهِ كَأَبِي جَهْلٍ وَإِبْلِيسَ وَأَمَّا اللَّعْنُ بِالْوَصْفِ فَلَيْسَ بِحَرَامٍ كَلَعْنِ الْوَاصِلَةِ وَالْمُسْتَوْصِلَةِ وَالْوَاشِمَةِ وَالْمُسْتَوْشِمَةِ وَآكِلِ الرِّبَا وَمُوكِلِهِ وَالْمُصَوِّرِينَ وَالظَّالِمِينَ وَالْفَاسِقِينَ وَالْكَافِرِينَ وَلَعْنِ مَنْ غَيَّرَ مَنَارَ الْأَرْضِ وَمَنْ تَوَلَّى غَيْرَ مَوَالِيهِ وَمَنِ انْتَسَبَ إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ وَمَنْ أَحْدَثَ فِي الْإِسْلَامِ حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا جَاءَتْ بِهِ النُّصُوصُ الشَّرْعِيَّةُ بإطلاقه على الأوصاف لا على الْأَعْيَانِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ[12].

 

وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - «وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ» أي تجحدن فضل الزوج، وسمي الزوج عشيرًا؛ لأن الزوج يعاشر المرأة وتعاشره، وكون جحود فضل الزوج من أسباب دخول النار فهذا دليل على حرمة كفران العشير.

 

ولأن كثيرا من النساء لا يعترفن بجميل أزواجهن و يكتمن حق أزواجهن ولا يشكرن أزواجهن على معروف، وهذا ذنب عظيم لذلك سماه النبي - صلى الله عليه وسلم - كفرا أي من صفات الكفار وليس كفر مخرجا من الملة فهو كفر دون كفر ليس كفرا بالله فإذا كفرت المرأة حق زوجها وحق الزوج حق عظيم كان ذلك دليلا على تهاونها في أوامر الله والتهاون في حق الله من صفات أهل الكفر لا أهل الإيمان.

 

والدليل على أن المقصود بكفران العشير ليس الكفر بالله عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -:  «أُرِيتُ النَّارَ فَإِذَا أَكْثَرُ أَهْلِهَا النِّسَاءُ، يَكْفُرْنَ»  قِيلَ: أَيَكْفُرْنَ بِاللَّهِ؟ قَالَ:  «يَكْفُرْنَ العَشِيرَ، وَيَكْفُرْنَ الإِحْسَانَ، لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ، ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا، قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ» [13] فالنبي - صلى الله عليه وسلم - فسر الكفر بكفر الإحسان والفضل وليس الكفر بالله، وليس بعد تفسير النبي - صلى الله عليه وسلم - تفسير.

 

وفي الحديث دليل على التنفير من إنكار فضل الزوج والحث على شكر الزوج على أفعاله الحسنة، وما قدمه من معروف وفي هذا اعتراف بالفضل والجميل مما يزيد في قوة الترابط والمودة والتراحم بين الزوجين، ويسود بينهما الاحترام والتقدير مما يدل على حرص الإسلام على استقرار الحياة الزوجية.

 

وَفي الحديث أَنَّ كُفْرَانَ الْعَشِيرِ وَالْإِحْسَانَ مِنَ الْكَبَائِرِ فَإِنَّ التَّوَعُّدَ بِالنَّارِ مِنْ عَلَامَةِ كَوْنِ الْمَعْصِيَةِ كَبِيرَةً[14].

 

وَفي الحديث إِطْلَاقُ الْكُفْرِ عَلَى غَيْرِ الْكُفْرِ بِاللَّهِ تَعَالَى كَكُفْرِ الْعَشِيرِ وَالْإِحْسَانِ وَالنِّعْمَةِ وَالْحَقِّ [15].

 

وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - «نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ» قد فسره في نفس المجلس فسر نقصان العقل بأن شهادة امرأتين تعدل شهادة رجل أي المرأة في الشهادة تحتاج وجود امرأة ثانية معها لنسيانها وقلة ضبطها والاستظهار بأخرى مؤذن بقلة ضبطها وهو مشعر بنقص عقلها[16] وهذا على سبيل الغالب، وأما خصوص الأحوال فقد تكون امرأة واحدة أكثر عقلا من كثير من الرجال.

 

وفسر نقصان الدين بعدم الصلاة والصوم وقت الحيض أي إن ما يقع من المرأة من العبادة (الصلاة والصوم) وهي من أهم أمور الدين أنقص مما يقع من الرجل، وليس بعد تفسير النبي - صلى الله عليه وسلم - تفسير.

 

وقال ابن رجب:

فسر نقصان دينها بتركها الصوم والصلاة أيام حيضها؛ فدل على دخول الصوم والصلاة في اسم الدين [17].

 

وقال ابن عبد البر: هَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ نُقْصَانَ الدِّينِ قَدْ يَقَعُ ضَرُورَةً لَا تُدْفَعُ أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ جَبَلَهُنَّ عَلَى مَا يَكُونُ نَقْصًا فِيهِنَّ[18].

 

وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ»  فيه: أن للعالم أن يكلم من دونه من المتعلمين بكلام يكون عليهم فيه بعض الشدة والتنقيص في العقل[19].

 

وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ»  فيه أيضا أن مقابلة الجماعة بالوعظ تسهل فيه الشدة؛ لأنه يُسلِّيهم شمولُه لجماعتهم، وكذلك فعل النبى بالنساء، لم يخص منهن واحدة، وإنما قابل جماعتهن، وكذلك الواعظ والخطيب له أن يشتد فى وعظه للجماعة، ولا يقابل واحدًا بعينه بالشدة، بل يلين له ويرفق به[20].

 

وقد ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - نقصان العقل والدين ثم بعد ذلك فسره، ولم يفسره دفعة واحدة؛ لأنه لو بين لهن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن النساء ناقصات عقل لكذا وناقصات دين لكذا دفعة واحدة لما انتبه له غالب النساء فلما ذكر جزءا من الكلام ألا وهو نقصان العقل و نقصان الدين انتبه النساء وقامت امرأة لتستفسر مما جعل الوعظ في شكل حوار فيزيد الوعظ ترسيخا في الذهن.

 

وليس نقصانُ العقل والدين في حقِّهنَّ ذمًّا لهنَّ؛ وإنَّمَا فيه تعجب من قدرة المرأة حيث تغلب الرجل الحازم الزكي تغلب مَنْ نقَصتَ عن درجته، ولم تبلُغْ كماله؛ و ذلك هو صريحُ قول النبي - صلى الله عليه وسلم -:  «وَمَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَغْلَبَ لِذِي لُبٍّ مِنْكُنَّ»؛ قال المباركفوري: الضابط لأمره إذا كان ينقاد لهن فغير الضابط أولى[21].

 

قال ابن بطال:

وفى هذا الحديث ترك العتب للرجل أن تغلب محبة أهله عليه؛ لأن النبى - صلى الله عليه وسلم - قد عذره، بقوله - صلى الله عليه وسلم -: «ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب للب الرجل الحازم منكن»؛ فإذا كن يغلبن الحازم فما الظن بغيره [22].

 

قال ابن حجر:

وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ بِذِكْرِ النَّقْصِ فِي النِّسَاءِ لَوْمَهُنَّ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ لَكِنَّ التَّنْبِيهَ عَلَى ذَلِك تحذيرا مِنَ الِافْتِتَانِ بِهِنَّ، وَلِهَذَا رَتَّبَ الْعَذَابَ عَلَى مَا ذَكَرَ مِنَ الْكُفْرَانِ وَغَيْرِهِ لَا عَلَى النَّقْصِ[23].

 

قال البدر العيني:

فَإِن قلت: أَلَيْسَ ذَلِك ذماً لَهُنَّ؟ قلت: لَا وَ إِنَّمَا هُوَ على معنى التَّعَجُّب بأنهن مَعَ اتصافهن بِهَذِهِ الْحَالة يفعلن بِالرجلِ الحازم كَذَا وَكَذَا[24].

 

وليس معنى أن النساء ناقصة العقل أن النساء مجانين إذ لا يغلب المجنون رجلا ذكيًا، والنبي - صلى الله عليه وسلم - قال:  «مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ»  فيه، ولو قال شخص لآخر: مع أنك أضعف من هذا الشخص إلا أنك غلبته أو مع أنك حديث السن إلا أنك بحر في العلم هل هذا يعد ذما أم تعجبا و مدحا؟!!

 

والمدقق في الحديث يجد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استخدم الإيجاز في النصيحة بألفاظ قليلة تحمل معاني كثيرة، وهذا من هديه - صلى الله عليه وسلم -، وهذا أدعى لتذكر النصيحة و عدم الملل و السآمة من الناصح فإذا كان المعنى يمكن أن يعبر عنه بألفاظ كثيرة ويمكن أن يعبر عنه بألفاظ قليلة فلم الإطالة؟!!

 

والأصل في مدح الإيجاز في الكلام والاختصار في الكلام أن الألفاظ غير مقصودة في أنفسها، وإنما المقصود هو المعاني والأغراض التي احتيج إلى العبارة عنها بالكلام، فصار اللفظ بمنزلة الطريق إلى المعاني، وإذا كان طريقان يوصل كل واحد منهما إلى المقصود على السواء في السهولة إلا أن أحدهما أقصر وأقرب من الآخر، فلابد أن يكون المحمود منهما هو أخصرهما وأقربهما سلوكاً إلى القصد.

 

ونتعلم من هذا الحديث أيضا أن الداعية عليه اختيار الأوقات المناسبة للنصيحة فأوقات إقبال القلْب على ربِّه وفرح الإنسان أدْعى لقَبول النُّصح والإرشاد،وها هو النبي - صلى الله عليه وسلم - وقت الفرح وقت شعور الناس بنعمة الله بتشريع العيد يذكر النساء بالله حتى ينتبهن ويجتنبن ما يغضب الله ويفعلن ما يقربهن من الله فيكون هذا الوقت أحرى للنساء بالاستجابة لفعل ما يرضى الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم.

 

هذا والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وكتب ربيع أحمد حامدا لله ومصليًا على نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - الخميس 9 ذي الحجة 1433 هـ، 25 أكتوبر2012م.

 


[1] رواه البخاري في صحيحه 1 /68 حديث رقم 304 بَابُ تَرْكِ الحَائِضِ الصَّوْمَ.

[2] رواه مسلم في صحيحه 1 /86 حديث رقم 79 بَابُ بَيَانِ نُقْصَانِ الْإِيمَانِ بِنَقْصِ الطَّاعَاتِ، وبَيَانِ إِطْلَاقِ لَفْظِ الْكُفْرِ عَلَى غَيْرِ الْكُفْرِ بِالله ِ، كَكُفْرِ النِّعْمَةِ وَ الْحُقُوقِ.

[3] رواه البخاري في صحيحه 2 /19 حديث رقم 964 بَابُ الخُطْبَةِ بَعْدَ العِيدِ.

[4] فتح الباري 2 /466.

[5] تطريز رياض الصالحين لفيصل بن عبد العزيز ص 1074 وانظر شرح النووي على صحيح مسلم 2 /172 و فتح الباري 2 /468.

[6] الأحزاب الآية 21.

[7] شرح صحيح البخاري لابن بطال 1 /420.

[8] شرح صحيح مسلم للنووي 2 /66.

[9] فتح الباري 2 /469.

[10] شرح صحيح البخاري لابن بطال 1 /420.

[11] شرح صحيح البخاري لابن بطال 1 /420.

[12] شرح صحيح مسلم للنووي 2 /67.

[13] رواه البخاري في صحيحه 1 /15 حديث رقم 29.

[14] شرح صحيح مسلم للنووي 2 /66.

[15] شرح صحيح مسلم للنووي 2 /67.

[16] مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح للمباركفوري   1 /81.

[17] فتح الباري لابن رجب 1 /98.

[18] التمهيد لابن عبد البر 3 /326.

[19] شرح صحيح البخاري لابن بطال 1 /420.

[20] شرح صحيح البخاري لابن بطال 1 /420.

[21] مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح للمباركفوري 1 /81.

[22] شرح صحيح البخاري لابن بطال 1 /420.

[23] فتح الباري لابن حجر 1 /406-407.

[24] عمدة القاري شرح صحيح البخاري 3 /272.

_______________________________________________________________
الكاتب: د. ربيع أحمد

  • 0
  • 0
  • 2,879

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً