من أخلاق التاجر المسلم
التاجر المسلم الأمين مع الشهداء والصديقين، إنه يقتدي بالصادق الأمين، والتجارة من أفضل أنواع المكاسب لمن برَّ وصدق، والتاجر الصدوق الأمين له من الأجر الشيء العظيم؛ قال رسول الله ﷺ: «التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء».
- التصنيفات: فقه المعاملات - أخلاق إسلامية -
التاجر المسلم الأمين مع الشهداء والصديقين، إنه يقتدي بالصادق الأمين، ومن بعده الخلفاء الراشدين والصحابة المرضيين، ومن بعدهم التابعين والصالحين المصلحين، والتجارة من أفضل أنواع المكاسب لمن برَّ وصدق، والتاجر الصدوق الأمين له من الأجر الشيء العظيم؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء»؛ (رواه الترمذي).
التاجر المسلم معاملاته وأخلاقه يفتح بهما طريقَ الدين في قلوب الملايين، ويعمل حساب لقول رب العالمين: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} [المطففين: 1 - 3].
التاجر المسلم يفرح للبشر ما يفرح به قلبُه، ويحب للناس ما يحب لنفسه، فيحيا في دنياه من المؤمنين المسرورين، وفي أخراه من الرابحين الفائزين؛ عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه؛ كذا عند البخاري.
التاجر المسلم في هذا الزمان يجب أن يتعرف على الأخلاق والمأمورات والمنهيات التي تتعلق بتجارته، فيأتمر بالمأمور ويترك المحظور ويرضي بالمقدور، وذلك لانتشار المحرمات، وكثرة الشبهات، التي تغلف المعاملات، فتحرفها عن الضوابط الشرعية التي أمر الله تعالى بها.
التاجر المسلم لا تشغله تجارته عن ذكر الله تعالى، ولا تلهيه بضاعته عن الصلاة، ولا تبعده معاملاته عن تلاوة كتاب الله، لا ينشغل عن أداء حق الله في ماله، وقد أثنى الله علي أمثال هؤلاء وسماهم رجال، فقال تعالى: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} [النور: 37].
وحذَّر أولئك الذين شغلتهم شفقتهم، وحبهم لأولادهم، والسعي من أجلهم، والخوف عليهم عن ذكر ربهم وطاعته نبيهم، فاستحقوا بذلك الخسران المبين في الدنيا، وكذا الخسران الأعظم لأنفسهم وأهليهم يوم القيامة؛ لأنهم باعوا العظيم الباقي بالحقير الفاني؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المنافقون: 9].
التاجر المسلم هو الذي يقدِّم أمر الله تعالى على تجارته وربحه، ولا يساوم على دينه وقيمه، ولا يتخلى عن مبادئه، مهما كلَّفه ذلك من عناء وتعب ومشقة، بل لا يرضى إلا أن يكون الله تعالى وأوامره في أول اهتماماته، قال ربُّنا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الجمعة: 9].
وهو الذي يتحرى ألا يدخلج على نفسه الحرام مهما كان، ولا يأكل أموال الناس بالباطل، ملتزمًا بنهي ربه وهو يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [النساء: 29].
التاجر المسلم، لا يظلم الناس أبدًا، بل في مكياله وفيًّا، ولا يبخس الناس شيئًا، بل يرضيهم ويكون مرضيًّا، متمسكًا بأخلاق ومبادئ الدين، مبتعدًا عن المفسدين كيف؟! {وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [هود: 85].
كان الإمام أبو حنيفة رحمه الله نابغة في العلم، كان تاجرا ناجحًا موفقًا نتيجة الصيت الحسن والسمعة الطيبة، وكثرة الزبائن وإقبال الناس هي المقياس الحقيقي لنجاحه، وكان منهجه مروءة البيع والشراء، وذات يوم جاءته امرأة بثوب من الحرير تبيعه له، فسألها: كم ثمنه؟ فقالت: مائة، فقال: هو خير من مائة، بكم تقولين؟ فزادت مائة مائة حتى بلغت أربعمائة درهم، فقال: هو خير من ذلك، فقالت أتهزأ بي؟ فقال: هاتي رجلًا يقومه، فجاءت برجل فاشتراه بخمسمائة درهم، وفي رواية لامرأة أخرى جاءته فقالت: إني ضعيفة وإنها أمانة، فبعني هذا الثوب بما يقوم عليك، فقال خذيه بأربعة دراهم، فقالت: لا تسخر بي، وأنا عجوز، فقال: إني اشتريت ثوبين، فبعت أحدهما برأس المال إلا أربعة دراهم، فبقِي هذا الثوب عليَّ إلا بأربعة دراهم.
التاجر المسلم يعلم أن التجارة من أفضل الأعمال الدنيوية التي يعمل فيها الناس لتحصيل أرزاقهم وأرزاق أهليهم وأولادهم وخدمة مجتمعاتهم، ومما يتميز به التاجر المسلم عن غيره تمسُّكه بقيم دينه، وتوكله الدائم على ربه، فيعمل بإخلاص، طاعة لله واتباعًا لرسوله، وانسياقًا لمنهجه إلى أن يلقى ربَّه لا مغيرًا ولا مبدلًا!
التاجر المسلم يتمتع بالسماحة في البيع والشراء، قنوع بربحه، مريح في تعامله، ينظر آخرته، وقبل أن يعامل الناس يعامل ربه، عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رحم الله رجلًا سمحًا إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى؛ أي طالب بدينه؛ أخرجه البخاري.
يطلب ماله بأدب، سموح في بيعه وشرائه، وأكثر من ذلك إذا اقتضى؛ أي طلب حقًّا من حقوقه؛ روى الطبراني من حديث عبدالله بن سلام بسند رجاله ثقات أن حبر اليهود زيد بن سعنة قال: أقبلت على محمد صلى الله عليه وسلم وقلت: يا محمد هل تبيعني تمرًا في حائط بني فلان إلى أجل معلوم؟ أراد أن يعطيه مالًا إلى أجل معلوم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «نعم، لكن لا تسمى حائط بني فلان» فقال زيد بن سعنة: قبلت، قال: فأعطيت النبي صلى الله عليه وسلم ثمانين مثقالًا من ذهب، فدفعها كلها إلى الرجل، وقال: أغث بهذا المال قومك، ومن المعلوم أن محمدًا صلى الله عليه وسلم كان يعطي عطاءَ من لا يخشى الفقر، فانطلق الرجل بالمال كله، يقول زيد: وقبل أن يحل وقت السداد رأيت محمدًا في نفر من أصحابه، يجلس إلى جوار جدار، بعد أن صلى على جنازة رجل من الأنصار، فأقبلت عليه، وأخذته من مجامع ثوبه، وقلت له: أدِّ ما عليك من دين يا محمد، فوالله ما علمتكم يا بني عبدالمطلب إلا مُطلًا في سداد الديون، فانتفض عمر والتفت إلى هذا الحبر اليهودي ـ وهو لا يعرفه ـ وقال: يا عدو الله تقول لرسول الله ما أسمع، وتفعل برسول الله ما أرى، والله لولا أنني أحذر غضبه صلى الله عليه وسلم لضربت رأسك بسيفي هذا، وزيد بن سعنة يراقب وجه النبي صلى الله عليه وسلم وكلماته، ويريد أن يسمع ماذا سيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الموقف الرهيب العصيب، فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى عمر وقال: «لا يا عمر لقد كان من الواجب عليك أن تأمرني بحسن الأداء وأن تأمره بحسن الطلب»، ثم قال: «يا عمر خذه وأعطِه حقَّه، وزده عشرين صاعًا من تمر جزاءَ ما روَّعته»، يقول زيد: فأخذني عمر فأعطاني حقي، وزادني عشرين صاعًا من التمر.
فقلت له: ما هذه الزيادة؟ قال: أمرني رسول الله أن أزيدكها جزاءَ ما روَّعتك، فقال زيد بن سعنة: ألا تعرفني يا عمر؟ قال: لا، قال: أنا زيد بن سعنة قال عمر: حبر اليهود؟ قال: نعم.
قال عمر: فما الذي حملك على أن تفعل برسول الله ما فعلت؟ قال زيد: يا عمر والله ما من شيء من علامات النبوة إلا وقد عرفته في وجه محمد حين نظرت إليه إلا اثنتين لم أعرفهما فيه: الأولى: يسبق حلمُه جهله، والثانية: لا تزيده شدةُ الجهل عليه إلا حلمًا، أما وقد عرفتهما اليوم، فإني أشهدك أني قد رضيت بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد نبيًّا ورسولًا، وعاد حبر اليهود مع عمر بن الخطاب إلى المسجد فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وشهد مع رسول الله بعد ذلك كل المشاهد والغزوات، وتوفي في غزوة تبوك مقبلًا غير مدبر، رضي الله عنه وأرضاه.
وهذه قصة أخرى تترجم السماحة في البيع والشراء، وعدم الانحراف نحو الباطل أو الطمع فيما ليس من حقه؛
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اشترى رجل من رجل عقارًا، فوجد الذي اشترى العقار في عقاره جرة فيها ذهب، فقال الذي اشترى العقار للبائع: خذ ذهبك، أنا اشتريت منك الأرض، ولم أشتر الذهب، وقال الذي باع له الأرض: إنما بعتك الأرض وما فيها، فتحاكما إلى رجل، فقال الذي تحاكما إليه: ألكما ولد؟ قال أحدهما: نعم، وقال الآخر: لي جارية - أي بنت، قال: أنكحا الغلام الجارية، وأنفقا على أنفسهما منه؛ فانصرفا.
الجو إيماني بكل المقاييس، البائع والشاري والحكم، الكل يحب لأخيه ما يحب لنفسه، والكل يرى مصلحة غيره قبل نفسه، والكل ينسج سماحة للأجيال فوق سماحته!
إنهم يحبون ربهم ويقتدون بنبيهم، ويعملون لآخرتهم كيف؟!
كان عثمان بن عفان رضي الله عنه سمحًا في بيعه وشرائه، سهلًا في تعامله مع الناس، وعندما ابتاع ( اشترى ) حائطًا حديقة من رجل ساومه حتى قاومه عن الثمن الذي رضي به البائع، فقال عثمان: أرنا يدك، فقال الرجل: لا أبيعك حتى تزدني عشرة آلاف، فالتفت عثمان إلى عبد الرحمن بن عوف فقال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أدخل الله الجنة رجلًا كان سهلًا، بائعًا ومشتريًا»، اذهب قد زدتك العشرة آلاف استوجب بها الكلمة التي سمعتها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم.
والتاجر المسلم الصدوق لا يتاجر بإيمانه، ولا يبيع بكذبه، ولا يتعامل بمكر وخداعٍ، وإنما يتاجر مع الله تعالى بصدقة، ويفاخر بدينه، فيبارك الله تعالى له في رزقه، ويزيد له في ربحه، لا يحلف كثيرًا، بل لا يحلف مطلقًا ممتثلًا قول ربِّه: {وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ} [البقرة: 224]، قال صلى الله عليه وسلم: «الحلفُ مَنفقة للسلعة، مَمحقةٌ للكسب» (متفق عليه).
التاجر الكذوب لا يُمرر بضاعته إلا بالحلف الكاذب، ولا يجمع ربحه إلا بخداع المشتري، لذلك عقابه وخيم، وعذابه أليم، عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاثة لا يكلمهم الله، ولا ينظر إليهم يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم»، قلت: يا رسول الله من هؤلاء خابوا وخسروا؟ - فأعادها ثلاث مرات -، قال: «المسبل، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب أو الفاجر» (أخرجه مسلم).
التاجر المسلم لا يطفف: بل يجب أن يتقي البائع والمشتري ربه، ويحذر من تطفيف الكيل والميزان؛ يقول الله جل وعلا: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين: 1 - 6].
وعن شعيب أنه قال: فمن المصيبة إخلال بالمكاييل والموازين وتخفيضها من بعض ما هو معروف وخداع الناس بذلك.
قال ابن عباس لأصحاب المكيال والميزان في السوق: إنكم قد وليتم أمرين هلكت فيهما الأمم السالفة قبلكم: الكيل، والميزان.
وكان ابن عمر يمر بالبائع فيقول: اتَّق الله، وأوفِ الكيل والوزن بالقسط، فإن المطففين يوم القيامة يوقفون، حتى إن العرق ليلجمهم إلى أنصاف آذانهم.
وقال بعضهم: دخلت على مريض وقد نزل به الموت، فجعلت أُلقنه الشهادة ولسانه لا ينطق بها، فلما أفاق قلت له: يا أخي، ما لي ألقنك الشهادة ولسانك لا ينطق بها؟! قال: يا أخي لسان الميزان على لساني يمنعني من النطق بها! فقلت له: بالله أكنت تزن ناقصًا؟ قال: لا والله، ولكن ما كنت أقف مدة لأختبر صحة ميزاني.
وعن مالك بن دينار قال: دخلت على جار لي، وقد نزل به الموت، وهو يقول: جبلين من نار، جبلين من نار، قلت: ما تقول؟ قال: يا أبا يحيى، كان لي مكيالان أكيل بأحدهما وأكتال بالآخر، وهذا لا يبع الدين بالتين! كان مالك بن دينار يمشي في سوق البصرة، فرأى التين فاشتهاها ولم يكن معه نقود، فخلع نعله وأعطاه لبائع التين، فقال: لا يساوي شيئًا فأخذ مالك نعله وانصرف، فقيل للرجل: إنه مالك بن دينار فملأ الرجل طبقًا من التين وأعطاه لغلامه، ثم قال له: ألحق بمالك بن دينار فإن قبله منك فأنت حر، فعدا الغلام وراءه فلما أدركه قال له: اقبل مني فإن فيه تحريري، فقال مالك: إن كان فيه تحريرك فإن فيه تعذيبي. فألح الغلام عليه، فقال مالك بن دينار: أنا لا أبيع الدين بالتين، ولا آكل التين إلى يوم الدين.
التاجر المسلم: يعلم أن البيع والشراء عقد، والله يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1]، ويقول تعالى: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: 282].
كل ذلك من أجل تضمين البيع ورفع الحرج، والوفاء بالعقود، وعدم الخيانة والخداع في ذلك، {وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [الأنعام: 152].
عن أبي هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أنه ذكر أن رجلًا من بني إسرائيل سأل بعض بني إسرائيل أن يسلفه ألف دينار قال: ائتني بالشهود أشهدهم عليك، قال: كفى بالله شهيدًا قال: فأتني بكفيل قال: كفى بالله كفيلًا قال: فدفعها إليه إلى أجل مسمى: فخرج في البحر وقضى حاجته ثم التمس مركبًا يقدم عليه للأجل الذي أجله فلم يجد مركبًا، فأخذ خشبة فنقرها، فأدخل فيها الدنانير وصحيفة منه إلى صاحبها، ثم سد موضعها، ثم أتى بها البحر، فقال: اللهم إنك تعلم أني تسلفت من فلان ألف دينار، فسألني كفيلًا فقلت: كفى بالله كفيلًا، فرضي بك وسألني شهودًا، فقلت: كفى بالله شهيدًا، فرضي بك وقد جهدت أن أجد مركبًا أبعث إليه الذي له، فلم أجد مركبًا وإني أستودعكها، فرمى بها في البحر حتى ولجت فيه، ثم انصرف وهو في ذلك يطلب مركبًا يخرج إلى بلده، فخرج الرجل الذي كان سلفه رجاء أن يكون مركبًا قد جاء بماله، فإذا هو بالخشبة فأخذها لأهله حطبًا، فلما كسرها وجد المال والصحيفة، ثم قدم الرجل فأتاه بألف دينار، فقال: والله ما زلت جاهدًا في طلب مركب لآتيك بمالك، فما وجدت مركبًا قبل الذى أتيت فيه، فقال: هل كنت بعثت إلى بشيء قال: نعم، قال: فإن الله عز وجل قد أدى عنك، فانصرف بالألف دينار راشدًا؛ أخرجه البخاري.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم».
فعن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر على صبرة طعام، فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللًا، فقال: «ما هذا يا صاحب الطعام» ؟ قال: أصابته السماء يا رسول الله، قال: «أفلا جعلته فوق الطعام؛ كي يراه الناس، من غش فليس مني» ؛ (رواه مسلم).
وعن سالم بن عبدالله أن عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما - باع غلامًا له بثمانمائة درهم وباعه بالبراءة، فقال الذي ابتاعه لعبدالله بن عمر - رضي الله عنهما -: بالغلام داء لم تسمه لي، فاختصما إلى عثمان بن عفان - رضي الله عنه - فقال: الرجل باعني عبدًا وبه داءٌ لم يسمِّه، وقال عبدالله - رضي الله عنه - بعته بالبراءة، فقضى عثمان بن عفان - رضي الله عنه - على عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما - أن يحلف له لقد باعه العبد وما به داء يعلمه، فأبى عبدالله - رضي الله عنه - أن يحلف وارتجع العبد، فصح عنده، فباعه عبدالله - رضي الله عنه - بعد ذلك بألف وخمسمائة درهم أخرجه مالك الموطأ.
اللهم ارفع درجاتنا وخفِّف أحزاننا، ووفِّق خطواتنا، واجعلنا من الأخيار الأبرار.
______________________________________________________
الكاتب: خميس النقيب