صوم يوم عرفة منفردا يوم الجمعة

يُشرعُ صوم يوم عرفة إذا وافقَ يوم جمعة، ولو بدون صوم يوم قبله، وكذلك إذا وافقَ يوم السبت؛ لما ثبَت عن النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِن الحثِّ على صومه وبيان فضله وعظيم ثوابه.

  • التصنيفات: فقه الصيام - العشر من ذي الحجة -

الْحَمْدُ لِلَّهِ، الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، الَّذِي أَرْسَلَهُ رَبُّهُ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا.

 

أخي المسلم الكريم، اعلم أنَّ صومَ يومِ عرفة يُكَفِّرُ اللهُ به ذنوبَ أكثر مِن 700 يوم.

 

• روى مُسْلِمٌ عن أبي قتادةَ أن النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عن صومِ يومِ عَرَفَةَ فقال: «صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ»؛ (مسلم، حديث 116).

 

احرص أخي المسلم على صيام ذلك اليوم المبارك، واغتنم هذه الفرصة، فأنت لا تعلم: هل تبقى على قيد الحياة إلى يوم عَرَفَةَ في العام القادم أم لا؟ ولا تنْسَ أنْ تدْعُوَ جميعَ أهل بيتك - الكبير منهم والصغير - وجيرانك وأصدقاءك لصوم يوم عَرَفَةَ، وعلى أصحاب الأعذار الشرعية التي تمنعهم من الصيام أن يحسنوا نيةَ صيامِ هذا اليوم حتى يُكتبَ لهم ثوابُ صيام يوم عَرَفَةَ، ولا تَنْسَ أخي الكريم أن تَدْعُوَ بعضَ الصائمين لتناول طعام الإفطار معك، قَدْرَ استطاعتك، ولو على تمرات، ولا يُكَلِّفُ اللهُ نفسًا إلا وُسْعَها، وتَذَكَّرْ أن تفطير الصائمين له ثوابٌ عظيمٌ عند الله.

 

• روى الترمذيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْءٌ»؛ (حديث صحيح)، (صحيح الترمذي للألباني، حديث 647).

 

أخي الكريم، لا تَنْسَ أن تُكْثِرَ مِن تلاوةِ القرآنِ، والاستغفارِ، والدعاءِ، وذِكْرِ الله، مع الإكثارِ مِن الصدقاتِ على الفقراءِ، وخاصة الأيتام، قَدْرَ استطاعتك، وتأكَّد أنَّ اللهَ تعالى سوف يبارك لكَ في صحَّتِكَ وأهلَكَ ومالَكَ.

 

 

دعاء يوم عرفة:

روى الترمذيُّ عن عبدِالله بن عمرو بن العاص أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»؛ (حديث حسن)، (صحيح الترمذي للألباني، حديث 2837).

 

التكبير في يوم عرفة:

• التكبيرُ نَوْعَان: تكبيرٌ مُقَيدٌ، وتكبيرٌ مُطْلَقٌ.

التكبير المقيد: هو الذي يكون عقب الصلوات المفروضة.

 

وقت التكبير المقيد: يبدأ وقت التكبير المقيد مِن بعد صلاة فجر يوم عرفة المبارك، وينتهي عقب صلاة عصر آخِر أيام التشريق (الثالث عشر مِن ذي الحجة).

 

صـفة التكبير:

• يَنْبَغي لكُلٍّ مِنَّا أن يُكَبِّرَ بمُفْرَدِهِ، ويُمْكِنُ للمُسْلِمِ أن يُرَدِّدَ إحدى صِيَغِ التَّكْبِير ِالتَّالِية:

(1) اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، لا إلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

(2) اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

(3) اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، اللَّهُ أَكْبَرُ وَأَجَلُّ، اللَّهُ أَكْبَرُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ؛ (مصنف ابن أبي شيبة، جـ 2، صـ73: 74)، (فتح الباري لابن حجر العسقلاني، جـ 2، صـ536)، (إرواء الغليل للألباني، جـ 3، صـ125: 126).

 

التكبير المطلق: هو التكبير الذي يكون في جميع الأوقات.

وقت التكبير المطلَق: يبدأ التكبيرُ المطْلَقُ مِن فجر يوم عرفة إلى غروب شمس يوم الثالث عشر من ذي الحجة.

 

• قَالَ عِكْرِمَةُ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُكَبِّرُ مِنْ صَلاةِ الْفَجْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ إِلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَلاَ يُكَبِّرُ فِي الْمَغْرِبِ؛ (حديث صحيح)، (المطالب العالية للعسقلاني، جـ 1، صـ 306، حديث 784)، (صحيح آثار الصحابة في الفقه، جـ 1، صـ 503).

• روى ابنُ أبي شَيبة عَنْ شَقِيقٍ عَنْ عَلِيٍّ بن أبي طالب، أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ بَعْدَ صَلاةِ الْفَجْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ إِلَى صَلاةِ الْعَصْرِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَيُكَبِّرُ بَعْدَ الْعَصْرِ؛ (حديث صحيح)، (مصنف ابن أبي شيبة، جـ 2، صـ 72)، (إرواء الغليل للألباني، جـ 3، صـ 125).

 

صيام يوم عرفة منفردًا إذا وافق يوم الجمعة أو السبت:

س: ما حُكْم صوم يوم السبت أو يوم الجمعة منفردًا إذا وافق يوم عرفة؟

جـ: يُشرعُ صوم يوم عرفة إذا وافقَ يوم جمعة، ولو بدون صوم يوم قبله، وكذلك إذا وافقَ يوم السبت؛ لما ثبَت عن النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِن الحثِّ على صومه وبيان فضله وعظيم ثوابه.

 

• روى مسلمٌ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ َقَالَ: «صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ، وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ»؛ (مسلم، حديث 1162).

 

هذا الحديث مُخصِّصٌ لعموم الحديث الذي رواه الشيخانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَا يَصُومَنَّ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَّا يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ»؛ (البخاري، حديث 1985 / مسلم، حديث 1144).

 

فيكون النهي محمولًا على إفراد يوم الجمعة بالصوم؛ لكونه يوم جمعة، أما مَن صامهُ لأمْرٍ آخَر رَغَّبَ فيه الشرعُ، وحَثَّ عليه، فليس بممنوع؛ بل مشروعٌ ولو أفرده بالصوم؛ (زاد المعاد لابن القيم، جـ 2، صـ86)، (فتح الباري لابن حجر العسقلاني، جـ 4، صـ 275)، (فتاوى اللجنة الدائمة، جـ 10، صـ 394: صـ396).

* * *

 

أَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالى بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَصِفَاتِهِ الْعُلا أَنْيغفر لنا جميع ذنوبنا، وأن يوفقنا جميعًا لعمل الصالحات، كما أسألهُ سُبْحَانَهُ أن يَجْعَلَ هَذَا الْعَمَلَ خَالِصًا لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ، وأن ينفعَ به طلابَ العِلْمِ الكِرَامِ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ، وَأَصْحَابِهِ، وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إلَى يَوْمِ الدِّينِ.

___________________________________________________

الكاتب: الشيخ صلاح نجيب الدق