التكبير المقيد في عشر ذي الحجة لغير الحاج: أوله وآخره

منذ 2022-07-08

اختلف الفقهاء في هذه المسألة على النحو الآتي:

اختلف الفقهاء في هذه المسألة على النحو الآتي:

الحنفيَّة: عند أبي حنيفة يبدأ التكبير عقيبَ صلاة الفجر من يوم عرفة، وينتهي عقيب صلاة العصر من يوم النحر، وهو مرويٌّ عن ابن مسعود - في رواية - وإليه ذهب علقمة، والنخَعيُّ، وعند الصاحبَيْنِ: أبي يوسف ومحمد يبدأ كذلك عقيب صلاة الفجر من يوم عرفة، ولكن ينتهي عقيب صلاة العصر من آخر أيام التشريق.

 

المالكيَّة: يبدأ عقب صلاة الظهر يوم النَّحْر خلف الصلوات كلها، حتى ينتهي إلى صلاة الصبح من آخر أيام التشريق، وهو مرويٌّ عن ابن عمر، وعمر بن عبدالعزيز؛ وعلَّة ذلك: أن الناس تَبَعٌ للحاجِّ، والحجاج يقطعون التلبيةَ مع أول حصاة، ويكبِّرون مع الرَّمي، وإنما يرمون يوم النَّحْر، فأول صلاة بعد ذلك الظهرُ، وآخر صلاة يصلُّون بمنًى الفجر من اليوم الثالث من أيام التشريق.

 

الشافعية: ورد عن الشافعي ثلاثُ روايات:

الأولى: من الظهر يومَ النحر إلى صبح آخر أيام التشريق، وهذا هو المشهور من نصوص الشافعي.

الثانية: يبدأ خلف صلاة المغرب ليلة النحر - قياسًا على ليلة الفطر - إلى صبح آخر أيام التشريق.

الثالثة: يبدأ من صبح يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق، فتكون ثلاثًا وعشرين صلاة.

 

الحنابلة: يبدأ من صلاة الفجر يوم عرفة إلى العصر من آخر أيام التشريق، وهو قول عمرَ، وعلي، وابن عباس، وابن مسعود رضي الله عنهم، وإليه ذهب الثوري، وابن عُيينة، وأبو ثور؛ لحديث جابر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلَّى الصبح يوم عرفة، وأقبل علينا فقال: ((الله أكبر، الله أكبر))، ومد التكبير إلى العصر من آخر أيام التشريق)؛ رواه الدارقطني، قال ابن حجر: "وفي إسناده عمرو بن شمر، وهو متروك، عن جابر الجعفي، وهو ضعيف، عن عبدالرحمن بن سابط عنه، قال البيهقي: لا يحتجُّ به"؛ ولأنه إجماع الصحابة رضي الله عنهم، رُوِي ذلك عن عمر، وعلي، وابن عباس، وابن مسعود؛ ولأن الله تعالى قال: ﴿ وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ ﴾ [البقرة: 203]، وهي أيام التشريقِ، فتعيَّن الذِّكر في جميعها؛ ولأنها أيامٌ يرمى فيها؛ فكان التكبير فيها كيومِ النحر.

 

سبب الاختلاف: قال ابن رشد: "وسبب اختلافهم في ذلك: هو أنه نُقل بالعمل، ولم يُنقل في ذلك قول محدود، فلما اختلفت الصحابة في ذلك، اختلف مَن بعدهم".

 

الخلاصة: أن الأئمة رحمهم الله اختلفوا في بدء التكبيرِ إلى ثلاثة أقوال، وفي نهايتِه إلى ثلاثة أقوال أيضًا، فقال بعضهم: يبدأ عقب صلاة الصبح يومَ عرفة، وقال بعضهم: عقبَ صلاة المغرب ليلةَ النَّحْر، وقال بعضهم: عقب صلاة الظهر يوم النحر، والنهاية: قال بعضهم: إنه ينتهي عقيبَ صلاة العصر من يوم النحر، وقال بعضهم: عقيب صلاة الصبح من آخر أيام التشريق، وقال بعضهم: عقيب صلاة العصر من آخر أيام التشريق.

 

الترجيح:

الذي يظهر - والله أعلم -: أن القول بأنه يبدأ عقب صلاة الصبح يوم عرفة، وينتهي عقب صلاة العصر من آخر أيام التشريق - هو الراجح؛ لأنه قولُ أكثر الصحابة الذين رُوِي عنهم في ذلك شيء، ورجَّحه كثير من العلماء.

 

قال النووي: "الأرجحُ عند جمهور الأصحاب: الابتداء من ظهر يوم النحر إلى صبح آخرِ التشريق، واختارت طائفةُ محقِّقي الأصحاب المتقدمين والمتأخرين أنه يبدأ من صبح يوم عرفة ويختم بعصر آخر التشريق، وممن اختاره: أبو العباس بن سريج، قال البندنيجي: هو اختيار المُزني، وابن سريج، قال الصيدلاني والروياني وآخرون: وعليه عملُ الناس في الأمصار، واختاره ابن المنذر والبيهقيُّ وغيرهما من أئمة أصحابنا الجامعين بين الفقه والحديث، وهو الذي أختاره".

 

وقال ابن تيمية: "وفي الحديث الآخر الذي في السُّنن وقد صحَّحه الترمذي: «يوم عرفة ويومُ النحر وأيام منًى عيدُنا أهلَ الإسلام، وهي أيامُ أكلٍ، وشربٍ، وذكرٍ لله»، رواه أبو داود، والترمذي، وابن حبان، وصححه الألباني وغيره.

 

ولهذا؛ كان الصحيح من أقوال العلماء: أن أهل الأمصار يكبِّرون من فجر يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق لهذا الحديث، ولحديث آخر رواه الدارقطني عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولأنه إجماع من أكابر الصحابة، والله أعلم".

 

وقال أيضًا: "أصحُّ الأقوال في التكبير الذي عليه جمهور السلف والفقهاء من الصحابة والأئمة: أن يكبَّر من فجر يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق عقب كل صلاة".

 

وقال ابن حجر: "ولم يثبُت في شيء من ذلك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حديثٌ، وأصحُّ ما ورَد فيه عن الصحابة قولُ علي، وابن مسعود: (أنه مِن صبح يوم عرفة آخر أيام منًى)؛ أخرجه ابن المنذر وغيره، والله أعلم".

 

المراجع: الجوهرة النيرة شرح مختصر القُدُورِيِّ؛ لأبي بكر بن علي الزبيدي (حنفي) (1/ 377)، شرح مختصر خليل؛ للخرشي (مالكي) (5/ 313)، المجموع؛ للنووي (شافعي) (5/ 33-34)، المغني؛ لابن قدامة (حنبلي) (2/ 245)، بداية المجتهد ونهاية المقتصد؛ لابن رشد (ص: 184) مجموع الفتاوى؛ لابن تيمية (24/ 220) (24/ 222)، التلخيص الحبير؛ لابن حجر (2/ 207)، فتح الباري؛ لابن حجر (2/ 462)، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

_______________________________________________

الكاتب: عبدالله بن عبده نعمان العواضي

  • 2
  • 0
  • 1,457

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً