خطر جريمة الزنا

جاءت الشريعة الإسلامية بالإصلاح الشامل، فأوجبت واجباتٍ، وحددت حدودًا، وحرمت الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ومن هذه الفواحش المحرمة جريمة الزنا التي هي من أكبر الجرائم وأفظعها وأشدها فتكًا في جسم الأمة...

  • التصنيفات: - آفاق الشريعة -

فقد قال الله تعالى وهو أصدق القائلين: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا}  [الإسراء: ٣٢].

 

أيها المسلمون:

جاءت الشريعة الإسلامية بالإصلاح الشامل، فأوجبت واجباتٍ، وحددت حدودًا، وحرمت الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ومن هذه الفواحش المحرمة جريمة الزنا التي هي من أكبر الجرائم وأفظعها وأشدها فتكًا في جسم الأمة؛ لأنها الأصل لكثير من المفاسد، وكبيرة من كبائر الذنوب؛ حرمتها جميع الشرائع وحاربها الدين الإسلامي الحنيف.

 

ولقد نهى الله في هذه الآية الكريمة عن قربان الزنا، وقربانه: إتيان دواعيه؛ من المشي إليه، والنظر إلى الصور السيئة، والاستماع إلى الشر ونحو ذلك، كما قال الشاعر:

كَمْ نَظْرَةٍ فَعَلَتْ فِي قَلْبِ صَاحِبِهَا ♦♦♦ ِعْلَ السِّهَامِ بِلَا قَوْسٍ وَلَا وَتَرِ

 

وقال الآخر:

وكُنْتَ إذا أرْسَلْتَ طرْفَكَ رَائِدًا   ***   ِقَلْبِكَ يوْماً أتْعَبَتْكَ الْمنَاظِــــرُ 

رأيتَ الَّذِي لاَ كُلُّهُ أنْتَ قـــــادِرٌ   ***   عَليْهِ وَلا عَنْ بَعْضِه أنْتَ صابِر 

 

وإن النفس المؤمنة الصادقة الإيمان هي التي تأتمر بأوامر الله وتنتهي عما نهاها الله عنه.

 

وقد ذكر الله أن الزنا فاحشة، أي: أمر قبيح فاحش ممقوت مبغض عند أصحاب الفطر السليمة التي فطر الله الناس عليها، كما أخبر أن طريقه طريق سيء فساء سبيل سالكه، فهو ممقوت مبغض من جميع أهل العقول والثبات المؤمنين، ولا يحب فاعله إلا الفسقة الفجرة.

 

ولقد وعد الله الزانين بالخلود في النار إذا لم تقع منهم التوبة النصوح، قال تعالى: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً}  [الفرقان:٦٨-٧٠].

 

والزنا أيها المسلمون هو الذي يُقْتَلُ فاعله شرَّ قِتْلَةٍ، وذلك برجمه بالحجارة حتى يموت إذا كان محصنًا، وأما إذا كان بكرًا فإنه يجلد مائة جلدة ويغرب عن بلده عامًا كاملًا.

 

وقد أمرنا الله أن لا تأخذنا بالزاني رأفة ولا رحمة، وأن يجتمع المسلمون على رجمه وجلده تشديدًا في العقوبة، وردعًا عن أن يعتاد هو أو غيره على هذه الجريمة القبيحة المفسدة للمجتمعات، الجالبة للأوبئة والأمراض.

وإن الزاني ليعد جانيًا على دينه حيث وقع فيما حرم الله، وجانيًا على نفسه وعلى عرضه حيث دنس نفسه بهذه الرذيلة، وأهملها تسعى وراء الشهوات وتنقاد للشيطان الرجيم.

 

• فكم أفسدت جريمة الزنا من عائلات؟!

 وكم غيرت من إنسان؟!

 وكم أدخلت على العشيرة من ليس منهم؟!

 وكم أخرجت المواريث عن أصحابها ومستحقيها؟!

 

وإن في جريمة الزنا لهتكًا للأعراض، وإنزالًا للنفوس من أعلى درجات الشرف والعفة والفضيلة إلى درك الضعة والرذيلة، كما أن فيه قطعًا للنسل الذي أمر الله به؛ لأن الزانية والزاني إذا وُجد بينهما حمل أو ولد يشتد الخطب عليهما وتعظم المصيبة، فيسول لهما الشيطان أن يقتلا هذا المولود البريء؛ طلبًا للستر، وإخفاءً للجريمة إذا لم يكن للزانية زوجًا فتنسبه إليه؛ فيجمعان إلى جريمة الزنا جريمة نسبه لغير أبيه، أو جريمة قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق.

 

وما ظهر الزنا في أسرة إلا تكاثرت عليها الأمراض والموت والفقر والذلة والضعة والهوان، فالزنا سبب للإصابة بأمراض هي من أشد الأمراض فتكًا في الأجسام، مثل الزهري والسيلان والقرحة، فالزانية والزاني اللذان عرضا أنفسهما لهذا العمل الخبيث وباعا أعراضهما بهذه اللذة المستعجلة، ولم يمنعهما إيمانهما عن الانهماك في الملذات واتباع هوى أنفسهما والشيطان لا بد أن يكونا معرضين لمثل هذه الجراثيم الفتاكة.

 

فاتقوا الله عباد الله وغضوا من أبصاركم واحفظوا فروجكم، قال تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النور:٣٠].

 

اللهم إنا نعوذ بك من أن نتعدى حدودك أو نخالف أوامرك أو نقع فيما حرمته علينا، ونستغفرك عن جميع ما اقترفناه من الذنوب والمعاصي إنك أنت الغفور الرحيم.

 

أما بعد:

فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومًا لأصحابه: «ما تقولون في الزنى»، قالوا: حرام حرَّمه الله ورسوله، فهو حرام إلى يوم القيامة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لأن يزني الرجل بعشر نسوة أيسر عليه من أن يزني بامرأة جاره».

 

ففي هذا الحديث يخبر الرسول صلوات الله وسلامه عليه صحابته رضي الله عنهم أن أفظع الزنا وأشده وأخبثه وأكبره وأعظمه حرمة وإثمًا الزنا بامرأة الجار؛ لما فيه من الخيانة به والهضم لحقه، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - مرة لأصحابه: «شركم من لا يأمن جاره بوائقه»، وقال: «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه».

 

وقد عالج الإسلام جريمة الزنا والداعي إليها، فحث على التزوج وأوجبه على القادر، وأمر المسلمين أن يزوجوا فقراءهم وعبيدهم، وأن ييسروا عليهم المهور والصداق، فقال تبارك وتعالى: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [النور:٣٢]، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «أبركهن أيسرهن مهورًا»، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج».

 

أما من لم يستطع الزواج لفقر أو غيره مما تقتضيه ظروفه الخاصة؛ فقد أمره الله جل وعلا بالصبر والاحتساب والعفاف حتى ييسر الله عليه ويغنيه من فضله، فقال وهو أصدق القائلين: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ}  [النور:٣٣].

 

فاتقوا الله عباد الله ويسروا المهور وساعدوا فقراءكم، ولا يغب عنكم قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسقين ماءه زرع غيره»، أي: فلا يضعن مَنِيَّهُ في فرجٍ محرم عليه.

 

وعليكم بكتاب الله فهو أحسن الحديث، واستمسكوا بهدي نبيكم الذي لا ينطق عن الهوى صلوات الله وسلامه عليه، وعليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار.

_____________________________________________________

الكاتب: الشيخ محمد بن صالح الشاوي