كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً

منذ 2022-08-25

الآية لتأكيد الإفراد في قوله "أمة" لدفع توهم أن يكون المراد من الأمة القبيلة، فيظن أن المراد كان الناس أهل نسب واحد

{بسم الله الرحمن الرحيم }

 

{كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (213)}

{{كَانَ النَّاسُ} } مناسبة هذه الآية لما قبلها هو أن سبب إصرار هؤلاء على كفرهم هو حب الدنيا، وأن ذلك ليس مختصاً بهذا الزمان الذي بعثت فيه يا محمد، بل هذا أمر كان في الأزمنة المتقادمة، إذ كانوا على حق ثم اختلفوا بغياً وحسداً وتنازعاً في طلب الدنيا.

{{كَانَ النَّاسُ}} أي فيما مضى من قبل أن تبعث الرسل إليهم.. كانوا طائفة واحدة على دين واحد؛ وهذا الدين الواحد هو دين الفطرة الإسلام؛ لأن آدم نبي موحًى إليه بشريعة يتعبد بها؛ فصار يتعبد بها، واتبعه أبناؤه على ذلك؛ ثم بعد مدة من الزمن كثر الناس، واختلفت الأهواء، فاختلفوا؛ فحينئذ صاروا بحاجة إلى بعث الرسل؛ فبعث الله الرسل مبشرين، ومنذرين.. إلخ.

{{أُمَّةً} } بضم الهمزة: اسم للجماعة الذين أمرهم واحد، مشتقة من الأم -بفتح الهمزة- وهو القصد أي يؤمون غاية واحدة، وإنما تكون الجماعة أمة إذا اتفقوا في الموطن أو الدين أو اللغة أو في جميعها.

{{وَاحِدَةً}} وصف {{واحدة}} في الآية لتأكيد الإفراد في قوله "أمة" لدفع توهم أن يكون المراد من الأمة القبيلة، فيظن أن المراد كان الناس أهل نسب واحد، لأن الأمة قد تطلق على من يجمعهم نسب متحد.... والوحدة هنا: مراد بها الاتحاد والتماثل في الدين

والمعنى: {{كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً}} فاختلفوا، لأن البعثة ترتبت على الاختلاف لا على الكون أمة واحدة، وهذا كقوله تعالى: {{وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُواْ}} [يونس:19]

{{فَبَعَثَ اللّهُ}} البعث: الإرسال والإنهاض للمشي، ومنه بعث البعير إذا أنهضته بعد أن برك، والبعث والإرسال بالشرائع متوغل في القدم، وقبله ظهور الشرط وهو أصل ظهور الفواحش لأن الاعتقاد الفاسد أصل ذميم الفعال.

{{النَّبِيِّينَ}} جمع نبي، مشتق من النبأ وهو الخبر المهم، لأن الله أخبره بالوحي وعلم ما فيه صلاح نفسه وصلاح من ينتسب إليه، فإن أمره بتبليغ شريعة الأمة فهو رسول، فكل رسول نبي، والقرآن يذكر في الغالب النبي مرادا به الرسول.

{ {مُبَشِّرِينَ}} بثواب من أطاع {{وَمُنذِرِينَ}} بعقاب من عصى، قال تعالى: {{فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْماً لُّدّاً}} [مريم:97]، وقال {{لِّيُنذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً}} [الكف:2]

فالرسل هم الذين جاءوا بالوعد والوعيد، وأما الأنبياء غير الرسل فإن وظيفتهم هي ظهور صلاحهم بين قومهم حتى يكونوا قدوة لهم، وإرشاد أهلهم وذويهم ومريديهم للاستقامة من دون دعوة حتى يَكُونَ بين قومهم رجال صالحون، وإرشاد من يسترشدهم من قومهم، وتعليم من يرونه أهلا لعلم الخير من الأمة.

ثم هم قد يجيئون مؤيدين لشريعة مضت كمجيء إسحاق ويعقوب والأسباط لتأييد شريعة إبراهيم عليه السلام، ومجيء أنبياء بني إسرائيل بعد موسى لتأييد التوراة، وقد لا يكون لهم تعلق بشرع من قبلهم.

{{وَأَنزَلَ مَعَهُمُ}} وأضاف "مع" إلى ضمير النبيين إضافة مجملة، واختير لفظ "مع" دون "عليهم" ليصلح لمن أنزل عليه كتاب منهم، مثل: إبراهيم وموسى وعيسى ومحمد، ولمن جاء مؤيدا لمن قبله، مثل: أنبياء بني إسرائيل بين موسى وعيسى.

{الْكِتَابَ} التعريف في "الكتاب" للاستغراق: أي وأنزل مع النبيين الكتب التي نزلت كلها، وإنما أفرد الكتاب ولم يقل "الكتب"، لأن المفرد والجمع في مقام الاستغراق سواء، فظاهر الآية أن مع كل رسول كتاباً؛ وهذا هو مقتضى الحال حتى يكون هذا الكتاب الذي معه يبلغه إلى الناس.

{{بِالْحَقِّ}} مصحوباً بالحق، وتكون حالاً مؤكدة لأن كتب الله المنزلة يصحبها الحق ولا يفارقها.

قال القاضي: وظاهر الآية يدل على أنه لا نبي إلاَّ ومعه كتاب منزل فيه بيان الحق، طال ذلك الكتاب أو قصر، دوّن أو لم يدوّن، كان معجزاً أو لم يكن، لأن كون الكتاب منزلاً معهم لا يقضي شيئاً من ذلك.

قال ابن عاشور: والمقصود من الآية على هذا الوجه التنبيه على أن التوحيد والهدى والصلاح هي الفطرة التي فطر الله الناس عليها حين خلقهم كما دلت عليه آية {{أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ}} [الأعراف:172]، وأنها ما غشاها إلا تلقين الضلال وترويج الباطل، وأن الله بعث النبيين لإصلاح الظلم والكذب، وأن بعثة كل النبيين كانت بعد أن كان الناس أمة واحدة، والشرائع إنما تلقيت من الأنبياء، فتعين أن كون الناس أمة واحدة شيء سابق على شرائع الأنبياء ولا يكون إلا مستفادا من العقل، وهما يعنيان أن الله فطر الإنسان في أول نشأته على سلامة الفطرة من الخطأ والضلال، قال تعالى: {{لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}} [التين:4] والأظهر أنه من زمن وجود آدم إلى أن أشرك قوم نوح. حيث كثرت العائلة البشرية وتكونت منها القبيلة فتكاثرت ونشأ فيها مع الزمان قليلا قليلا خواطر مختلفة ودبت فيها أسباب الاختلاف في الأحوال.. وبذلك حدثت أمزجة جديدة وطرأت عليها حينئذ أسباب الانحطاط، وصارت ملازمة لطوائف من البشر بحكم التناسل وَالتَّلَقِّي، هنالك جاءت الحاجة إلى هَدْيِ البشر ببعثة الرسل، والتاريخ الديني دلنا على أن نوحا أول الرسل الذين دعوا إلى الله تعالى قال تعالى: {{شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً}} [الشورى:13] الآية، ولما ذكر الرسل في آيات القرآن ابتدأهم في جميع تلك الآيات بنوح ولم يذكر آدم، وفي حديث الشفاعة في الصحيح تصريح بذلك أن آدم يقول للذين يستشفعون به: " إِنِّي لَسْتُ هُنَاكُمْ"، ويذكر خطيئته ايتوا نوحا أول رسول أرسله الله إلى أهل الأرض، وبهذا يتعين أن خطيئة قابيل ليست مخالفة شرع مشروع، وأن آدم لم يكن رسولا وأنه نبي صالح أوحي إليه بما يهذب أبناءه وَيُعَلِّمُهُمْ بِالْجَزَاءِ.

{ {لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ} } والذين أوتوه أرباب العلم به والدراسة له، وخصهم بالذكر تنبيهاً منه على شناعة فعلهم، وقبيح ما فعلوه من الاختلاف، ولأن غيرهم تبع لهم في الاختلاف فهم أصل الشر، وأتى بلفظ: {من} الدالة على ابتداء الغاية منبهاً على أن اختلافهم متصل بأول زمان مجيء البينات، لم يقع منهم اتفاق على شيء بعد المجيء، بل بنفس ما جاءتهم البينات اختلفوا، لم يتخلل بينهما فترة.

والمعنى { {وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ} } فاختلف فيه كما قال تعالى: { {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ} } [هود:110]

والاختلاف في الكتاب ذهاب كل فريق في تحريف المراد منه مذهبا يخالف مذهب الآخر في أصول الشرع لا في الفروع، فإن الاختلاف في أصوله يعطل المقصود منه.

والبينات: هي ما أوضحته الكتب المنزلة على أنبياء الأمم الموجبة الاتفاق وعدم الاختلاف، فجعلوا مجيء الآيات البينات سبباً لاختلافهم، وذلك أشنع عليهم، حيث رتبوا على الشيء خلاف مقتضاه.

وفي ذلك دلالة على أن الدلائل العقلية المركبة في الطباع السليمة، والدلائل السمعية التي جاءت في الكتاب قد حصلا، ولا عذر في العدول والإعراض عن الحق لكن عارض هذا الدليل القطعي ما ركب فيهم من البغي والحسد والحرص على الاستيثار بالدنيا.

والمقصود من هذا بيان عجيب حال البشر في تسرعهم إلى الضلال، وهي حقيقة تاريخية من تاريخ الشرائع، وتحذير المسلمين من الوقوع في مثل ذلك.

والتعريض بأهل الكتاب وهم أشهر أهل الشرائع يومئذ فيما صنعوا بكتبهم من الاختلاف فيها، وهذا من بديع استطراد القرآن في توبيخ أهل الكتاب وخاصة اليهود وهي طريقة عربية بليغة، كمال قال تعالى: {{وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَةُ}} [البينة:4]

{بَغْياً بَيْنَهُمْ} فذلك الاختلاف الذي كان لا ينبغي أن يكون ليس لموجب ولا داع إلاَّ مجرد البغي والظلم والتعدّي

إذ المقصود أن الخلاف لم يكن بين أهل الدين ومعانديه، ولا كان بين أهل الدين قبل ظهور الدلائل الصارفة عن الخلاف، ولا كان ذلك الخلاف عن مقصد حسن بل كان بين أهل الدين الواحد، مع قيام الدلائل وبدافع البغي والحسد.

والآية تقتضي تحذير المسلمين من الوقوع فيما وقعت فيه الأمم السابقة من الاختلاف في الدين أي في أصول الإسلام، فالخلاف الحاصل بين علماء الإسلام ليس اختلافا في أصول الشريعة، فإنها إجماعية، وقد أجمعوا على أنهم يريدون تحقيقها، ولذلك اتفقت أصولهم في البحث عن مراد الله تعالى وعن سنة رسوله للاستدلال عن مقصد الشارع وتصرفاته، واتفقوا في أكثر الفروع، وإنما اختلفوا في تعيين كيفية الوصول إلى مقصد الشارع، وقد استبرءوا للدين فأعلنوا جميعا: أن لله تعالى حكما في كل مسألة، وأنه حكم واحد، وأنه كلف المجتهدين بإصابته، وأن المصيب واحد، وأن مخطئه أقل ثوابا من مصيبه، وأن التقصير في طلبه إثم. فالاختلاف الحاصل بين علمائنا اختلاف جليل المقدار موسع للأنظار.

أما لو جاء أتباعهم فانتصروا لآرائهم مع تحقق ضعف المدرك أو خطئه لقصد ترويج المذهب وإسقاط رأي الغير فذلك يشبه الاختلاف الذي شنعه الله تعالى وحذرنا منه فكونوا من مثله على حذر.

{ {فَهَدَى اللّهُ} } قال ابن عرفة: عطف بالفاء إشارة إلى سرعة هدايته المؤمنين بعقب الاختلاف { {الَّذِينَ آمَنُواْ} } المراد بالهداية هنا: هداية التوفيق المسبوقة بهداية العلموالإرشاد؛ لأن الجميع قد جاءتهم الرسل بالكتب، وبينت لهم؛ لكن لم يوفق منهم إلا من هداهم الله؛ و «الإيمان» في اللغة: التصديق؛ ولكنه في الشرع التصديق المستلزم للقبول والإذعان؛ وليس مجرد التصديق إيماناً؛ إذ لو كان مجرد التصديق إيماناً لكان أبو طالب مؤمناً لأنه كان يقر بأن محمداً -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صادق.

وفي الآية أنه كلما قوي إيمان العبد كان أقرب إلى إصابة الحق؛ لقوله تعالى: { {فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ } .. } لأن الله علق الهداية على وصف الإيمان؛ وما علق على وصف فإنه يقوى بقوته، ويضعف بضعفه؛ ولهذا كان الصحابة أقرب إلى الحق ممن بعدهم لا في التفسير، ولا في أحكام أفعال المكلفين فحسب، بل في العقائد أيضاً؛ لأن الهداية للحق علقت بالإيمان؛ ولا شك أن الصحابة أقوى الناس إيماناً؛ قال الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم)، ولهذا ذهب الإمام أحمد -رحمه الله- إلى أن قول الصحابي حجة ما لم يخالف النص؛ فإن خالف نصاً فليس بحجة؛ أو يخالفه صحابي آخر؛ فإن خالفه صحابي آخر نظر في الترجيح أيهما أقرب إلى الصواب.

{ {لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ} } أي للذي اختلفوا فيه؛ والضمير في قوله تعالى: { {اخْتَلَفُواْ} } يعود إلى الذين أوتوا الكتاب { {بِإِذْنِهِ} } أي بمشيئته، وإرادته؛ ولكنه سبحانه وتعالى لا يشاء شيئاً إلا لحكمة.

وفي هذا إيماء إلى أن الله بعث بالإسلام لإرجاع الناس إلى الحق وإلى التوحيد الذي كانوا عليه، أو لإرجاعهم إلى الحق الذي جاءت الرسل لتحصيله، فاختلف أتباعهم فيه بدلا من أن يحققوا بإفهامهم مقاصد ما جاءت به رسلهم، فحصل بما في الإسلام من بيان القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وضوح الحق والإرشاد إلى كيفية أخذه، فحصل بمجيء الإسلام إتمام مراد مما أنزل من الشرائع السالفة.

وفي الآية أنه يجب على المرء الذي هداه الله ألا يعجب بنفسه، وألا يظن أن ذلك من حوله وقوته؛ لقوله تعالى: {فَهَدَى اللّهُ}، ثم قال تعالى: {بِإِذْنِهِ} أي أمره الكوني القدري؛ ولولا ذلك لكانوا مثل هؤلاء الذين ردوا الحق بغياً وعدواناً.

{ {وَاللّهُ يَهْدِي} } للهداية هنا بمعنى الدلالة، والتوفيق؛ فهي شاملة للنوعين { {مَن يَشَاءُ} } يعني ممن يستحق الهداية؛ لأن كل شيء علق بمشيئة الله فإنه تابع لحكمته؛ فهو سبحانه وتعالى يهدي من يشاء إذا كان أهلاً للهداية؛ كما أنه سبحانه وتعالى يجعل الرسالة في أهلها فإنه يجعل الهداية في أهلها، كما قال تعالى: { {اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} } [الأنعام:124]، كذلك هو أعلم حيث يجعل هدايته.

{ {إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} } تذييل لبيان أن فضل الله يعطيه من يشاء، وهذا إجمال، وتفصيله أن حكمة الله اقتضت أن يتأخر تمام الهدى إلى وقت مجيء شريعة الإسلام لما تهيأ البشر بمجيء الشرائع السابقة لقبول هذه الشريعة الجامعة، فكانت الشرائع السابقة تمهيدا وتهيئة لقبول دين الإسلام.

ولذا قال تعالى: { {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ} } [آل عمران:19]

وفي البخاري عَنْ أَبِي مُوسَى -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: « (مَثَلُ الْمُسْلِمِينَ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ قَوْمًا يَعْمَلُونَ لَهُ عَمَلًا يَوْمًا إِلَى اللَّيْلِ عَلَى أَجْرٍ مَعْلُومٍ فَعَمِلُوا لَهُ إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ فَقَالُوا لَا حَاجَةَ لَنَا إِلَى أَجْرِكَ الَّذِي شَرَطْتَ لَنَا وَمَا عَمِلْنَا بَاطِلٌ فَقَالَ لَهُمْ لَا تَفْعَلُوا أَكْمِلُوا بَقِيَّةَ عَمَلِكُمْ وَخُذُوا أَجْرَكُمْ كَامِلًا فَأَبَوْا وَتَرَكُوا وَاسْتَأْجَرَ أَجِيرَيْنِ بَعْدَهُمْ فَقَالَ لَهُمَا أَكْمِلَا بَقِيَّةَ يَوْمِكُمَا هَذَا وَلَكُمَا الَّذِي شَرَطْتُ لَهُمْ مِنْ الْأَجْرِ فَعَمِلُوا حَتَّى إِذَا كَانَ حِينُ صَلَاةِ الْعَصْرِ قَالَا لَكَ مَا عَمِلْنَا بَاطِلٌ وَلَكَ الْأَجْرُ الَّذِي جَعَلْتَ لَنَا فِيهِ فَقَالَ لَهُمَا أَكْمِلَا بَقِيَّةَ عَمَلِكُمَا مَا بَقِيَ مِنْ النَّهَارِ شَيْءٌ يَسِيرٌ فَأَبَيَا وَاسْتَأْجَرَ قَوْمًا أَنْ يَعْمَلُوا لَهُ بَقِيَّةَ يَوْمِهِمْ فَعَمِلُوا بَقِيَّةَ يَوْمِهِمْ حَتَّى غَابَتْ الشَّمْسُ وَاسْتَكْمَلُوا أَجْرَ الْفَرِيقَيْنِ كِلَيْهِمَا فَذَلِكَ مَثَلُهُمْ وَمَثَلُ مَا قَبِلُوا مِنْ هَذَا النُّورِ)»

وفي رواية: «(فقالت اليهود والنصارى ما لنا أكثر عملا وأقل عطاء، قال هل ظلمتكم من حقكم شيئا? قلوا:لا، قال: فذلك فضلي أوتيه من أشاء)» .

ولما كان هذا الختام منقبة للمسلمين أوقظوا أن لا يزهوا بهذا الثناء فيحسبوا أنهم قضوا حق شكر النعمة فعقب بأن عليهم أن يصبروا لما عسى أن يعترضهم في طريق إيمانهم من البأساء والضراء اقتداء بصالحي الأمم السالفة، فكما حذرهم الله من الوقوع فيما وقع فيه الضالون من أولئك الأمم، حرضهم هنا على الاقتداء بهدى المهتدين منهم على عادة القرآن في تعقيب البشارة بالنذارة وعكس ذلك، فقال تعالى: {{أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ}}

 

جمع وترتيب

د/ خالد سعد النجار

[email protected]

 

 

خالد سعد النجار

كاتب وباحث مصري متميز

  • 2
  • 0
  • 924

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً