تقويم أخطاء الشباب في الأخلاق والسلوك والآداب

منذ 2022-09-04

الشبابُ -كغيرهم من الناس- مُعرَّضون للخطأ والصواب، فهل نبحث عن تقويمِ أخطاء شبابنا بما يمليه علينا الفلاسفة والمناطقة؟ أو يكتبه علماء الغرب والشرق؟ ونترك هذا التُّراثَ العظيم الذي أورثنا إياه نبيُّنا؛ رسول الله؛ ﷺ من أساليبَ حكيمةٍ، وطرقٍ للعلاج سليمة، والتوجيهِ في إصلاح أخطاءِ الشباب في الآداب؟!

الشبابُ -كغيرهم من الناس- مُعرَّضون للخطأ والصواب، فهل نبحث عن تقويمِ أخطاء شبابنا بما يمليه علينا الفلاسفة والمناطقة؟ أو يكتبه علماء الغرب والشرق؟ ونترك هذا التُّراثَ العظيم الذي أورثنا إياه نبيُّنا؛ رسول الله؛ محمد صلى الله عليه وسلم، من أساليبَ حكيمةٍ، وطرقٍ للعلاج سليمة، والتوجيهِ في إصلاح أخطاءِ الشباب في الآداب؟!

 

فلننظر- مثلًا- كيف نعالجُ إطلاقَ الشبابِ البصرَ في وجوه النساء، والنظر إلى البناتِ والفتيات في الطرقات؟ أو تحديقَ العيون في الجوَّالات وسائرِ وسائل التواصلِ عبر الصفحات؟

 

إنه أسلوبٌ إصلاحيٌّ عِلميٌّ عمليٌّ من النبي صلى الله عليه وسلم، فـلـمَّا كان الرسول صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، (وَأَرْدَفَ الْفَضْلَ بْنَ عَبَّاسٍ)، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا من مزدلفة إلى منى، (وَكَانَ) الفضلُ رضي الله عنه (رَجُلًا حَسَنَ الشَّعْرِ أَبْيَضَ وَسِيمًا) رضي الله عنه، (فَلَمَّا دَفَعَ)؛ أي: انطلق (رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتْ بِهِ ظُعُنٌ)؛ أي: نساء يركبن الإبل، (يَجْرِينَ، فَطَفِقَ الْفَضْلُ) رضي الله عنه (يَنْظُرُ إِلَيْهِنَّ، فَوَضَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ عَلَى وَجْهِ الْفَضْلِ)، وهنا العلاج العملي، يريد أن يمنع الفضل من النظر إلى المحرمات، (فَحَوَّلَ الْفَضْلُ وَجْهَهُ إِلَى الشِّقِّ الْآخَرِ يَنْظُرُ، فَحَوَّلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ مِنَ الشِّقِّ الْآخَرِ عَلَى وَجْهِ الْفَضْلِ، يَصْرِفُ وَجْهَهُ مِنَ الشِّقِّ الْآخَرِ يَنْظُرُ)؛ (صحيح مسلم 147- (1218).

 

إنه تصرُّفٌ حكيمٌ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يَزِدْ على أن وضعَ يدَه أمامَ وجهِ الفضل رضي الله عنه، مع أنَّه نظرَ إلى النساء، وهو في عبادة، ورديفُ النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولكنَّ هذا الأسلوبَ النبويَّ كان كافيًا لإصلاحِ الخطأ من الفضل بن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.

 

فالحكمة في الإصلاح- إصلاح الشباب وغيرهم- تقتضي الاقتصار من الأسلوبِ على ما يكون كافيًا في ردعِ المخطئ، وإصلاحِ الخطأ، دون الزيادة على ذلك من التوبيخ والتجريح.

 

فالفضلُ رضي الله عنه شابٌّ حديثُ السنِّ، قويُّ الشهوة، ولم تغبْ هذه الأشياء عن تصوُّرِ النبيّ صلى الله عليه وسلم عند توجيههِ للفضل بن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فما زاد على ذلك، واستجاب الفضل لهذا التوجيه.

 

وهناك أسلوب نبويٌّ في التصحيح؛ وهو التلميح، فـعن جابر بن عبدالله رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال: أتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم في دَيْن كان على أبي، فدققت الباب، فقال: ("مَنْ ذا؟") (فقلتُ: أنا)، وهنا الخطأ، فإذا سُئل مَن دقَّ البابَ فقال: أنا؛ فقد أخطأ، لا بُدَّ أن يُبيِّن اسمَه أو ما يشتهر ويعرف به، كلُّ واحدٍ ينطبقُ عليه كلمةُ أنا، إذا استأذنْتَ فسُئلتَ، فبيِّن؛ قل: أنا جابر، عرِّف نفسَك، قولك: أنا، هذا خطأ، فماذا قال صلى الله عليه وسلم؟ فقال: «أنَا أنَا …» ")) (كأنه كرهها؛ أخرجه البخاري (6250).

 

ولم يوضِّح النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينصَّ على خطئه؛ أي: خطأ جابر رضي الله عنه في الاستئذان؛ ولكنه صلى الله عليه وسلم لـمَّا ردَّد كلمة: ("أنا") كارهًا، كان في ذلك إيحاءٌ لجابر بن عبدالله رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا بخطئه، وقد أخذ بذلك.

 

وقد يكون التصحيحُ بالإيحاء بالغضب، تُظْهِرُ نفسك أنك غاضب من هذا الفعل، كما في حديث أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، رضي الله عنه، قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ العَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا، فَإِذَا رَأَى شَيْئًا يَكْرَهُهُ عَرَفْنَاهُ فِي وَجْهِهِ"؛ (أخرجه البخاري، (6102).

 

ومن أساليب تصحيح الأخطاء؛ أخطاءِ الشباب وغيرهم؛ أسلوبُ الثناء، فللثناءِ تأثيرٌ عجيب على النفوس، مع مراعاة الاعتدال فيه، وعدمِ التجاوزِ، وخاصة على الشباب؛ لما لديهم من حاجة إلى التقدير والاحترام والقبول الاجتماعي، ففي الثناء عليهم وبيان حسناتهم إشباع لهذه الحاجة.

فكان الرسول صلى الله عليه وسلم يغتنم هذه الحاجة في الوقت المناسب؛ لإصلاح أخطاء الشباب في الآداب.

 

عن خُرَيم بن فاتك الأسدي رضي الله عنه، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نِعْمَ الرَّجلُ أنتَ يا خريم، لولا خلَّتانِ فيكَ»، مدحه ثم بيَّن خطأه، (قلت: وما هما يا رسول الله؟! قال): «إسْبَال إزَارِكَ، وإرْخاؤُكَ شَعْرِكَ»؛ أخرجه الإمام أحمد (18901)، قال الأرناؤوط: (حديث حسن بطرقه)، وأبو داود بلفظ قريب (4089)، (كم) (7419)، وقال: (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ) ووافقه الذهبي، وضعَّفه الألباني في ضعيف سنن أبي داود (رقم: 4089)، وله شاهد عَنْ سَمُرَةَ بْنِ فَاتِكٍ الْأَسَدِيِّ، هو (أخو خريم بن فاتك، له صحبة) رضي الله عنهما، في معرفة الصحابة لأبي نعيم (3/ 1413)، رقم: (3573)، وانظر تاريخ دمشق لابن عساكر (20/ 126).

 

وفي رواية: «لطولا أنَّ فِيْكَ اثنَتينِ كُنْتَ أنْتَ»، قال: إن واحدة تكفيني، قال: «تُسْبِل إزَارك، وتوفِّرُ شَعْرَك»، قال: لا جرم، والله لا أفعل! أخرجه الإمام أحمد (18899).

 

أسلوبٌ حكيمٌ جعل خريم بن فاتك الأسدي يقسم ويحلف؛ أن ينتهي عنهما، طمعًا في المكانة التي يكون فيها إذا ارتدع عن تلكما الخصلتين.

 

فحريٌّ بالدُّعاة وأولياءِ الأمور، والآباء معاملتهم لأولادهم الشباب وما تحت أيديهم، أن يغتنموا ويأخذوا ما في الشباب من خصال حميدة، فينمُّوها وليثنوا عليهم بها وفيها، ويحذروهم من سواها، مع إشعارهم بأنهم غير معصومين وأخطاؤهم قليلة، وأنهم سيصبحون في مكان محمود إذا تخلصوا منها، بدلًا من التركيز على المساوئ والمثالب.

 

بعض الناس لا يرى في ابنِه الشابِّ إلا المساوئ مع أن عنده خيرًا كثيرًا؛ لكن هو يركز على المساوئ، وإغفال المحاسن، والإعراض عن النتائج.

 

وهناك أسلوب نبوي ناجع وفعَّال إذا أُحسِن اغتنامُه، وهو أسلوب الإقناع بالحوار، تجلس مع ولدك، أو تجلس مع تلميذك، أو تجلس مع هذا المخطئ في شارع أو في غيره تقنعه بالحوار، وهذا ما ثبت عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: (إِنَّ فَتًى شَابًّا) يتوقَّد شبابًا (أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ) وأمام الملأ، قال: (ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا)، عنده شهوة جارفة قوية؛ لكن يخاف الحرام، فيريد إذْنًا من النبي صلى الله عليه وسلم، بماذا؟

وهل النبي يعطي إذْنًا بالحرام، فلنستمع، (فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ، وَقَالُوا: مَهْ! مَهْ!) بمعنى: انتهِ عما تقول، ماذا تقول عند رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لكن الرسول الحكيم صلى الله عليه وسلم عنده أسلوب آخر، فَقَالَ:

(« «ادْنُهْ، فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا» »)، (قَالَ: فَجَلَسَ قَالَ) صلى الله عليه وسلم، والآن بدأ الحوار وبدأ الإقناع: «أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ» (قَالَ: لَا وَاللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ) عنده شهامة وغيرة، قَالَ: «وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ»، قَالَ: «أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ» (قَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ) قَالَ: «وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ»، قَالَ: «أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ» (قَالَ: لَا وَاللَّهِ) يا رسول الله (جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ): «وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ»، قَالَ: «أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ» قَالَ: (لَا وَاللَّهِ) يا رسول الله (جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ. قَالَ): «وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ» قَالَ: «أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ» تكفي المسألة الأولى، واحدة منها تكفي؛ لكن النبي صلى الله عليه وسلم استمر في الحوار والسؤال بالإنكار حتى يؤثر في هذا الشاب، قَالَ: «أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ» (قَالَ: لَا وَاللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ)، قَالَ: «وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ»، (قَالَ: فَوَضَعَ) صلى الله عليه وسلم (يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ): «اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ، وَطَهِّرْ قَلْبَهُ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ»، قال: (فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ)؛ (حم) (22211)، الصَّحِيحَة: (370)، وقال الأرناؤوط: إسناده صحيح.

 

نزع منه التفكير في الحرام، بعد هذا الحوار الناجع، هذا الشابُّ لا يفكر في الحرام، ولا يريد إذْنًا فيه.

 

ومن الأساليب النبوية في علاج أخطاء الشباب الأدبية، أسلوبُ التحذير، وتقبيح الخطأ والتنفير، فعن عبدالله بن عمرو بن العاص رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ مِنْ أكبرِ الكَبَائرِ أن يَلْعَنَ الرَّجُلُ والدَيْهِ»، وعندهم في ذلك الزمن لا أحدَ يسبُّ أباه ولا مَن يسبُّ أُمَّه، لا يوجد؛ لذلك هم سألوا النبي صلى الله عليه وسلم، ((قيل: يا رسول الله، وكيف يلعن الرجل والديه؟! قال)): «يَسُبُّ الرَّجلُ أبَا الرَّجُلِ، فيسبُّ أبَاهُ، ويَسُبُّ أمَّه، فيَسُبُّ أمَّه»؛ أخرجه البخاري، (5973)، تحذير لمن يتلاعنون ويتسابُّون.

 

وحذَّر الرسول صلى الله عليه وسلم الشبابَ، وكأنَّ هذا التحذيرَ مُوجَّه لشبابِ الأمة في هذا الزمان، وهو قبل ألفٍ وأربعِمائةٍ وأربعين عامًا، نسأل الله السلامة، حذَّر الشباب الذين اغتروا بطراوة أجسادهم ونعومتها، وجمالِ أشكالهم ووسامتهم، وحُسن شعورهم، حتى تشبهوا بالنساء؛ هيئةً ولباسًا، ومشية وكلامًا، كما يقول ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبِّهين من الرِّجالِ بالنساءِ، والمتشبِّهات من النِّساءِ بالرِّجالِ)؛ (أخرجه البخاري، (5884).

 

ومن الأساليب النبوية في تصحيح الأخلاق والآداب؛ أسلوبُ العتاب والعقاب، الذي في محلّه، ولا يتجاوز حدَّه في تقويم الأخطاء لدى الشباب، فعن (عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ)، رضي الله عنه (قَالَ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى فَاطِمَةَ مِنَ اللَّيْلِ، فَأَيْقَظَنَا لِلصَّلاةِ، قَالَ: ثُمَّ رَجَعَ إِلَى بَيْتِهِ فَصَلَّى هَوِيًّا مِنَ اللَّيْلِ، قَالَ: فَلَمْ يَسْمَعْ لَنَا حِسًّا)، ما قاموا يصلون، وهنا خطأ يحتاج إلى تصحيح، (قَالَ: فَرَجَعَ إِلَيْنَا، فَأَيْقَظَنَا وَقَالَ): «قُومَا فَصَلِّيَا» قَالَ: فَجَلَسْتُ وَأَنَا أَعْرُكُ عَيْنِي وَأَقُولُ: إِنَّا وَاللَّهِ مَا نُصَلِّي إِلا مَا كُتِبَ لَنَا؛ إِنَّمَا أَنْفُسُنَا بِيَدِ اللَّهِ، فَإِذَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَنَا بَعَثَنَا. قَالَ: فَوَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ، وَيَضْرِبُ بِيَدِهِ عَلَى فَخِذِهِ: «مَا نُصَلِّي إِلا مَا كُتِبَ لَنَا، مَا نُصَلِّي إِلا مَا كُتِبَ لَنَا» {وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا} [الكهف: 54]، أخرجه الإمام أحمد (705)، والبخاري (7465)، وهذا لفظ الإمام أحمد.

 

فكرر كلامهم إنكارًا عليهم، وبهذا الأسلوب اللطيف الذي ليس فيه تجريحٌ ولا توبيخ، عاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم عليًّا وفاطمة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.

 

و(عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ جَاهِمَةَ السُّلَمِيِّ) رضي الله عنه، (قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي كُنْتُ أَرَدْتُ الْجِهَادَ مَعَكَ، أَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ، قَالَ): «وَيْحَكَ، أَحَيَّةٌ أُمُّكَ» قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «ارْجِعْ فَبَرَّهَا»، ثُمَّ أَتَيْتُهُ مِنَ الْجَانِبِ الْآخَرِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي كُنْتُ أَرَدْتُ الْجِهَادَ مَعَكَ، أَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ، قَالَ: «وَيْحَكَ، أَحَيَّةٌ أُمُّكَ» قُلْتُ: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «فَارْجِعْ إِلَيْهَا فَبَرَّهَا»، ثُمَّ أَتَيْتُهُ مِنْ أَمَامِهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي كُنْتُ أَرَدْتُ الْجِهَادَ مَعَكَ، أَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ، قَالَ: «وَيْحَكَ، أَحَيَّةٌ أُمُّكَ» قُلْتُ: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «وَيْحَكَ، الْزَمْ رِجْلَهَا، فَثَمَّ الْجَنَّةُ»؛ (أخرجه ابن ماجه (2781).

 

مع أن معاوية بن جاهمة السلمي رضي الله عنه كرر على رسول الله صلى الله عليه وسلم الطلب؛ إلَّا أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يزد عن قوله: «وَيْحَك أمُّكَ حَيَّةٌ؟ ارْجِعْ فَبَرَّها».

 

ولكن العتاب يزداد مع حجم الخطأ، فيكون عقابًا، فيرتفع العتاب ويأتي العقاب، متى؟

قد يصل إلى أن يرفع إلى ولي الأمر لـتطبيق الحد الشرعي، إذا لزم الأمر ذلك دون مراعاة للطبقات، أو تأثرٍ بالعواطف، وكان الخطأ كبيرًا، ففي هذه الحالة يحتاج إلى عقاب رادع؛ كالسرقة والزِّنا والعياذ بالله، وما شابه ذلك، عافانا الله وإياكم من كل ذنب وخطيئة، وسلمنا الله سبحانه وتعالى وصحَّح ما نحن فيه من أخطاء.

 

 

لكن إذا لم ينفع الرفق واللين والرحمة؛ فإن المربِّي كالطبيب في معالجته للمرض والمرضى، فمن المرض ما يحتاج إلى حمية؛ أي: امتناع المريض عن بعض المأكولات والمشروبات، وبعض المشتهيات والمشهيات.

 

ومن المرض ما يحتاج إلى بعض الأدوية اليسيرة، ومن المرض ما يحتاج إلى عملية جراحية، أو إلى كيٍّ بالنار عند الحاجة، فتُستخدم عند الحاجة إليها، بشرط الالتزام بالشروط والضوابط الشرعية.

 

ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الضرب في الوجه؛ فقال صلى الله عليه وسلم: «إِذَا ضَرَبَ أَحَدُكُمْ، فَلْيَجْتَنِبِ الْوَجْهَ»، أخرجه مسلم (2612)، ومسند أحمد (7323)، والنسائي في السنن الكبرى (7310)، يبتعد عن الوجه حتى في الحيوان لا يجوز ضربه على رأسه ولا على وجهه، وأما لفظ البخاري، ومسلم: قال صلى الله عليه وسلم: «إِذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْتَنِبِ الْوَجْهَ»، (خ) (2559)، (م) (2612). انظر بتوسع الهدي النبوي في تربية الأولاد في ضوء الكتاب والسنة د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني (ص237- 246).

 

أما إن ربَّيت التربية الحسنة، واجتهدت وبذلت وسعك، فابتُلِيتَ بولدٍ عاقٍّ، وذرية عنيدةٍ، فوكِّل أمرك لله، وتذكَّر نبيَّ الله نوحًا عليه السلام، الذي عقَّه ولدُه وهو يريد نجاته، قال سبحانه: {وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ} [هود: 42]، فالسيول جارفة، والفيضاناتُ متدفقة، أكثر مما هي في السودان الآن، ربنا يرفع عنهم الغرق، ويرفع عن الجزائر الحرائق، وعن جميع من يحتاج إلى عفو الله وإلى النجاة والسلامة، مياه غطت الأرض كلها، فيريد نوح أن يكون ابنه معه؛ لأنه يعلم أنه لا عاصم من أمر الله شيء أبدًا والله، فناداه ليركب في السفينة، {وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ * قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ} [هود: 42، 43].

 

ناداه للنجاة؛ ففضَّل الهلاك، وهذا عكسُ ما حدث مع إسماعيل عليه السلام حيث ناداه أبوه إبراهيم عليه السلام للهلاك، يريد أن يذبحه، {قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} [الصافات: 102]، فماذا كان جواب إسماعيل؟ {افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} [الصافات: 102]، وأسلم نفسه، {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} [الصافات: 103]، هنا الطاعة هبةٌ من الله سبحانه وتعالى، وجاء الفرج: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 107]، أنت مطلوب منك أن تربّيَ وتتوكَّلَ على الله في النتائج.

 

وبهذه الآداب النبوية التي دلَّنا عليها النبي صلى الله عليه وسلم، لا بدَّ أن نصليَ عليه في كل وقت وحين، خصوصًا في الأوقات المناسبة كيوم الجمعة، فصلَّى الله على نبيِّنا محمد، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

  • 2
  • 0
  • 1,120

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً