من أقوال السلف في آداب طالب العلم-1
يحتاج طالب العلم أكثر من غيره إلى التحلي بمحاسن الآداب, ومكارم الأخلاق, حتى يزكو علمه وينمو ويتفع به نفسه, وغيره.
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فيحتاج طالب العلم أكثر من غيره إلى التحلي بمحاسن الآداب, ومكارم الأخلاق, حتى يزكو علمه وينمو ويتفع به نفسه, وغيره.
** قال عمر رضي الله عنه: تأدبوا ثم تعلموا.
** قال ابن المبارك رحمه الله: نحن إلى قليلٍ من الأدب أحوجُ منّا إلى كثير من العلم.
** قال الحجاج بن أرطاة: إن أحدكم إلى أدب حسن أحوج منه إلى خمسين حديثاً.
** قال إبراهيم بن حبيب بن الشهيد: قال لي أبي: يا بني, إيت الفقهاء والعلماء وتعلم منهم, وخذ من أديبهم وأخلاقهم وهديهم
** قال الزهري: كنا نأتي العالم فما نتعلم من أدبه أحب إلينا من علمه.
** قال ابن وهب: الذي نقلنا من أدب مالك أكثر مما تعلمناه من علمه.
** قال الخطيب البغدادي رحمه الله: الواجب أن يكون طلبة الحديث أكمل الناس أدباً, وأشد الخلق تواضعاً, وأعظمهم نزاهة وتديناً, وأقلهم طيشاً وغضباً.
** قال الإمام الغزالي رحمه الله: من آداب المتعلم...طهارة النفس عن رذائل الأخلاق ومذموم الأوصاف والصفات الرديئة مثل: الغضب والشهوة والحقد والحسد والكبر والعجب وأخواتها.
** قال العلامة السعدي رحمه الله: من أعظم ما يتعين على أهل العلم الاتصاف بما يدعو إليه العلم من الأخلاق والأعمال...فهم أحق الناس بالاتصاف بالأخلاق الجميلة والتخلي من كل خلق رذيل.
** قال العلامة بكر بن عبدالله أبو زيد رحمه الله: لقد تواردت موجبات الشرع على أن التحلي بمحاسن الآداب, ومكارم الأخلاق, والهدي الحسن, والسمت الصالح, سمةُ أهل الإسلام, وأن العلم _ وهو أثمنُ دُرةٍ في تاج الشرع المطهر _ لا يصلُ إليه إلا المتحلي بآدابه, المُتخلّي عن آفاته.
ولأهمية أن يتحلى طالب العلم بالآداب والأخلاق الكريمة فقد كان العلماء يعلمون طلابهم تلك الآداب في حِلق العلم, يقول العلامة بكر بن عبدالله أبو زيد رحمه الله: كان العلماء السابقون يُلقنون الطلاب في حلق العلم آداب الطلب وأدركتُ خبر آخر العقد في ذلك في بعض حلقات العلم في المسجد النبوي الشريف إذ كان بعضُ المدرسين فيه يُدرسُ طلابه كتاب الزرنوجي رحمه الله المسمّى" تعليم المتعلم طريق التعلم " فعسى أن يصل أهل العلم هذا الحبل الوثيق الهادي لأقوم طريق, فيدرج تدريس هذه المادة في فواتح دروس المساجد, وفي مواد الدراسة النظامية.
للسلف أقوال في آداب طالب العلم يسّر الله فجمعت بعضاً منها أسأله أن ينفع بها
سمات طالب العلم
- الوقار والسكينة:
قال الإمام مالك رحمه الله: إن حقاً على من طلب العلم أن يكور له وقار وسكينة وخشية.
قال عبدالله بن هارون: أتيتُ محمد بن يوسف الفيريابي, فقلت له: حدثني خمسة أحاديث, فقال: هاتِ, فجعلتُ أقرأ عليه, فجعل يعدُّ, وأنا لا أعلم, فلما بدأت بالسادس, قال: اذهب فتعلم الصدق, ثم اكتب الحديث.
التواضع:
** قال عبدالرحمن بن يحيى: كان يقال: إذا لقى الرجل, الرجل فوقه في العلم كان يوم غنيمة وإذا لقى من هو مثله دارسه وتعلم منه وإذا لقى من هو دونه تواضع له وعلمه
** قال العلامة العثيمين رحمه الله: إن على طالب العلم أن يكون متأدباً بالتواضع وعدم الإعجاب بالنفس وأن يعرف قدر نفسه.
** قال العلامة عبدالرحمن بن ناصر البراك: ينبغي للمسلم أن يكون متواضعاً لا يأنف عن أن يستفيد ممن فوقه, أو مثله, أو دونه, فقد بجد الفائدة عند من هو دونه في العلم وفي السن, كما كان الأئمة يفعلون ذلك فالحق والعلم ضالة المؤمن فأين وجدها قبلها وأخذها.
- أن يتسع صدره لمسائل الخلاف:
قال العلامة العثيمين رحمه الله: طالب العلم لا بد له من التأدب بآداب نذكر منها أن يكون صدره رحباً في مواطن الخلاف الذي مصدره الاجتهاد, لأن مسائل الخلاف بين العلماء, إما أن تكون مما لا مجال للاجتهاد فيه, ويكون الأمر فيها واضحاً, فهذه لا يعذر أحد بمخالفتها وإما أن تكون مما للاجتهاد فيها مجال فهذه يعذر فيها من خالفه.
- القناعة:
قال الشيخ عبدالله بن عبدالغني خياط: حسبك بالقناعة كنزاً لا يظفر به إلا خيار الأفذاذ من الرجال.
- حفظ اللسان والجوارح:
قال الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ: ينبغي على كل من طلب العلم أن يحرص على...الاستقامة في حفظ اللسان وحفظ الجوارح لأن العبد يُنكب بفلتات لسانه...
يقول ما لا علم له به فيعاقبه الله عز وجل بأن لا يعلم مسألة أخرى فيصبح في جهل بين فترى وأخرى.
- الحلم وكظم الغيظ:
** قال حبيب بن حُجر القيسي: كان يُقال: ما أضيف شيء إلى شيء مثل حِلم إلى علم.
** قال سليمان بن حرب: زينُ هذا العلم حِلمُ أهله.
** قال العلامة ابن القيم رحمه الله: الحلم زينة العلم وبهاؤه وجماله وضده الطيش والعجلة والحدة والتسرع وعدم الثبات فالحليم لا يستفزه البدوات ولا يستخفه الذين لا يعلمون، ولا يُقلقله أهل الطيش والخفة والجهل، بل هو وقور ثابت ذو أناة يملِك نفسه عند ورد أوائل الأمور عليه، ولا تملكه أوائلها، وملاحظته للعواقب تمنعه من أن تستخفه دواعي الغضب والشهوة، فبالعلم تنكشف له مواقع الخير والشر والصلاح والفساد، وبالحلم يتمكن من تثبيت نفسه عند الخير فيؤثره، وعند الشر فيصبر عنه.
** قال العلامة عبدالرحمن السعدي رحمه الله: ينبغي أن يعود نفسه على الصبر والحلم وكظم الغيظ, والعفو عن الناس, ليحصل له الثواب, ويستريح باله.
ومما يوصى به كتاب " حلية طالب العلم " للعلامة بكر بن عبدالله أبو زيد, رحمه الله, يقول العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: هذه الحلية مفيدة ونافعة لطالب العلم, وينبغي للإنسان أن يحرص عليها.
من آداب طالب العلم مع شيوخه ومعلميه
للمعلم وللشيخ حقوق على طالب العلم, ينبغي له أن يقوم بها بطيب نفس, وانشراح صدر, احتراماً وتوقيراً لمعلمه وشيحه, ورغبة في الحصول على الأجر والثواب من الله.
ومن لم يتأدب مع معلمه وشيخه, وأغضبه, حُرِمَ فائدته, قال الإمام ابن عبدالبر رحمه الله: قلما أغضب عالم إلا اخترمت فائدته.
وقال أبو سلمة بن عبدالرحمن لو رفقت بابن عباس لاستخرجت منه علما.
وقد ذكر السلف جملة من الآداب التي ينبغي أن يتحلى بها طالب العلم مع معلميه وشيوخه, منها:
- توقيره والتأدب معه:
قال العلامة السعدي رحمه الله:
& على المتعلم أن يوقر معلمه ويتأدب معه حسب ما يقدر عليه لما له من الحق...وإذا كان من أحسن إلى الإنسان بهدية مالية ينتفع بها, ثم تذهب وتزول, له حق كبير على المحسن إليه, فما الظن بهدايا العلم النافع الكثيرة المتنوعة, الباقي نفعها ما دام العبد حياً وبعد مماته.
& التأدب مع المعلم, وخطاب المتعلم إياه ألطف خطاب لقول موسى عليه السلام: ﴿هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا﴾ [الكهف: 66] فأخرج الكلام بصورة الملاطفة والمشاورة, وأنك هل تأذن لي في ذلك أم لا ؟ وإقراره بأنه يتعلم منه.
- الرفق به وعدم الاكثار عليه:
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: الرفق بالعالم, والتوقف عن الإكثار عليه خشية ملاله
مهابته:
** قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: مهابة الطالب للعالم.
** قال الشيخ صالح آل الشيخ: من الخطأ أن يكون الطالب متجرئاً على المعلم, فإذا وجدت الهيبة استفاد أكثر, وانظر إلى من تخالطه في البيت فكلما كثرت المخالطة كثر الكلام الذي لا وزن له, ولذلك درج العلماء أنهم لا يخالطون الخلطة المعتادة عند الناس.
** قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: على المتعلم...أن يشكر إحسانه إليه, فإنه من لا يشكر الناس لا يشكر الله, ولا يجحد حقه, ولا ينكر معروفه.
- الإقبال عليه والشعور بالحاجة إليه:
قال العلامة العثيمين رحمه الله: على التلاميذ أن يُحسنوا معاملة المعلم، فيكونون أمامه بمنزلة المتلقِّي الذي يقبل ما يُعطى له؛ كالعطشان أمام الساقي، أو الجائع أمام المُطعِمِ، بمعنى: أن يشعر التلميذُ أنه بحاجة إلى تعليم المدرس حتى يقبله وينتفع به، أما إذا كان أمامه وهو يرى أنه مثله، أو أحسن منه، أو أن المعلم ناقص، فإنه لن ينتفع منه، لا يمكن أن تنتفع من المعلم إلا حيثُ تجعل نفسك بمنزلة العطشان بين يدي الساقي، وإلا فلن تنتفع، وهذا شيء مُجرَّب.
- عدم مقاطعته:
قال الخطيب البغدادي رحمه الله: إذا روى المحدّثُ خبراً قد تقدمت معرفته, فينبغي له أن لا يُداخله في روايته, ليُريهُ أنه يعرف ذلك الحديث, فإن فعل مثل هذا كان منسوباً إلى سوء الأدب
رعاية حرمته:
قال العلامة بكر بن عبدالله أبو زيد رحمه الله: عليك...التحلي برعاية حرمته, فإن ذلك عنوان النجاح والفلاح والتحصيل والتوفيق, فليكن شيخك محل إجلال منك وإكرام وتقدير وتلطف, فخذ بمجامع الآداب مع شيخك في جلوسك معه, والتحدث إليه, وحسن السؤال, والاستماع, وحسن الأدب في تصفح الكتاب أمامه ومع الكتاب, وترك التطاول والمماراة أمامه, وعدم التقدم بكلام أو مسير أو إكثار الكلام عنده, أو مداخلته في حديثه ودرسه بكلام منك, أو الإلحاح عليه في جواب, متجنباً الإكثار من السؤال لا سيما مع شهود الملا, فإن هذا يوجب لك الغرور وله الملل, ولا تناديه باسمه مجرداً, أو مع لقبه كقولك ( يا شيخ فلان ) بل قل ( يا شيخي, أو يا شيخنا ) فلا تُسمه فإنه أرفع في الأدب...والتزم توقير المجلس, وإظهار السرور من الدرس والإفادة به. وإذا بدا لك خطأ من الشيخ, أو وهم فلا يسقطه ذلك من عينيك, فإنه سبب لحرمانك من عمله, ومن ذا الذي ينجو من الخطأ سالماً.
واحذر أن تمارس معه ما يضجره, ومنه ما يسميه المولدون " حرب الأعصاب " بمعنى امتحان الشيخ على القدرة العلمية والتحمل. وإذا بد لك الانتقال إلى شيخ آخر فاستأذنه بذلك, فإنه أدعى لحرمته وأملك لقلبه في محبتك والعطف عليك.
لا يأخذك الاندفاع في محبة شيخك فتقع في الشناعة من حيث لا تدري, وكل من ينظر إليك يدري, فلا تقلده بصوت ونغمة, ولا مشية وحركة وهيئة.
- خدمته:
الإمام النووي, كان يـتأدب مع شيخه الإربلي, ربما قام وملأ الإبريق ومشي به قدامه إلى الطهارة.
التمهل وعدم الاعتراض عليه:
قال الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ: ينبغي على طالب العلم عموماً فيما يسمع, أو يقرأ أن لا يبادر بالاعتراض على أهل العلم الراسخين فيه فيما يوردون أو يقررون, أو يقبلون من الروايات, بل يجب عليه أن يتمهل وأن يطالع, وأن لا يعجل بالإنكار, لأن الله عز وجل يقول: { ﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾ } [يوسف:76] فطالب العلم قد تشكل عليه المسألة, وقد يستغرب صنيع بعض أهل العلم, فلا ينبغي له أن يستعجل وينتقد أو ينكر, أو نحو ذلك, بل يتأنى, ويتأنى حتى يستبين له وجه كلام أهل العلم, خاصة إذا كانوا من أئمة السُّنة, والراسخين في العلم المقتدى بهم,...وهذا حسن في أن طالب العلم يكون دائماً متأنياً غير عجل في مسائل العلم, أو في انتقاد أهل العلم أو نخو ذلك, فيكون متأنياً, لأن مع المستعجل الزلل.
- التنبيه على أخطائه برفق ولطف وأدب:
قال العلامة السعدي رحمه الله: إذا أخطأ المعلم في شيء فلينبهه برفق ولطف بحسب المقام, ولا يقول له أخطأت أو ليس الأمر كما تقول, بل يأتي بعبارة لطيفة يدرك بها المعلم خطأه من دون أن يتشوش قلبه...فإن الرد الذي يصحبه سوء الأدب وانزعاج القلب يمنع من تصور الصواب ومن قصده.
فائدة: محمد بن القاسم, أبو بكر بن الأنباري, المقرئ, النحوي, قال الإمام الدارقطني حضرتُ في مجلسه يوم جمعة, فصحّف اسماً, فأعظمتُ له أن يُحمل عنه وهم, وهبته, فلما انقضى المجلس عرَّفت مستمليه, فلما حضرت الجمعة الآتية, قال للمستملي: عرّف الجماعة أنا صحفنا الاسم الفلاني, ونبهنا ذلك الشاب على الصواب.
- الدعاء له:
** قال الميموني: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ستة أدعو لهم سحراً, أحدهم الشافعي
** قال عبدالرحمن بن مهدي: ما أصلى صلاة إلا وأنا أدعو للشافعي فيها.
** قال أبو بكر بن خلاد: أنا أدعو الله في دبر صلاتي للشافعي.
** قال يحيى بن سعيد القطان: أنا أدعو لله في صلاتي للشافعي منذ أربع سنين.
** قال الإمام أبو حنيفة النعمان: ما صليت صلاة منذ مات حماد إلا استغفرت له مع والدي, وإني لأستغفر لمن تعلمت منه علماً, أو علمته علماً.
** قال العلامة السعدي رحمه الله: يدعو له حاضراً غائباً.
- التصنيف: