شبهة حديث ((أمرت أن أقاتل الناس)) والرد عليها

منذ 2022-10-19

المقصود بالناس هنا المشركون المحاربون؛ لا أهل الكتاب، مُرَادُهُ قِتَالُ الْمُحَارِبِينَ الَّذِينَ أَذِنَ اللَّهُ فِي قِتَالِهِمْ، لَمْ يُرِدْ قِتَالَ الْمُعَاهَدِينَ الَّذِينَ أَمَرَ اللَّهُ بِوَفَاءِ عَهْدِهِمْ​​...

يقول صاحب الشُّبْهة: صراحة أنا لا أشك في السنة ولا وظيفتها وحُجِّيتها؛ لكن هذا الحديث عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الإِسْلامِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ» مشكل جدًّا بالنسبة لي، ولا أستطيع فَهْمَه على الحقيقة؛ ومِن ثَمَّ لا أستطيع المجادلة عمَّن يسوق الحديث لي كشُبْهة من مخالف في الدين ويقول: "دينُكم دينُ إرهابٍ"، أو من مسلم يقول لي: "هذا الكلام لا أتصوَّر أن يخرجَ من فَمِ الرسول الرحيم صلى الله عليه وسلم"، فهل الحديث صحيح؟ وإن كان صحيحًا، فما معناه؟

 

الجواب:

أولًا: الحديث صحيحٌ لا شك في صحَّته؛ فقد رواه البخاري ومسلم بداية، وهو في مصنف عبدالرزاق، ومصنف ابن أبي شيبة، وسنن النسائي، وسنن الترمذي، وسنن أبي داود، وسنن ابن ماجه، وسنن الدارمي، وسنن الدراقطني، وعند الطبراني،​​ والبيهقي، ومسند أحمد، ومسند البزار، وصحيح ابن حِبَّان.

 

ثانيًا: الاستشكال لا يعني البطلان؛ بمعنى أن تجِدَ الحديث فيه شبهة عندك أو عند غيرك أو استشكال لا يعني عدم صحَّته؛ فقد تكون فَهِمْتَ الحديث خطأً، وقد أحسنت حينما سألت غيرَك ليُزيل عنك الشُّبْهة.

 

ثالثًا: لفظ الحديث أُقاتِل وليس أقْتُل، فأقاتل من المقاتلة بين اثنين أو أكثر، أما أقْتُل فلا تفيد نفس المعنى، ولا يلزم من إباحة المقاتلة إباحةُ القتل، "وَقَدْ أطْنَبَ ابنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ فِي الْإِنْكَارِ عَلَى مَنِ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى ذَلِكَ، وَقَالَ: لَا يَلْزَمُ مِنْ إِبَاحَةِ الْمُقَاتَلَةِ إِبَاحَةُ الْقَتْل؛ لِأَن الْمُقَاتلَة مُفاعَلة تَسْتَلْزِم وَقع الْقِتَالِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ، وَلَا كَذَلِكَ الْقَتْلُ، وَحَكَى الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ الْقِتَالُ من الْقَتْل بسبيل، فقد يَحِلُّ قِتَالُ الرَّجُلِ وَلَا يَحِلُّ قَتْلُه"[1].

 

رابعًا: المقصود بالناس هنا المشركون المحاربون؛ لا أهل الكتاب، ​قال ابن تيمية رحمه الله:​ "وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ»؛ مُرَادُهُ قِتَالُ الْمُحَارِبِينَ الَّذِينَ أَذِنَ اللَّهُ فِي قِتَالِهِمْ، لَمْ يُرِدْ قِتَالَ الْمُعَاهَدِينَ الَّذِينَ أَمَرَ اللَّهُ بِوَفَاءِ عَهْدِهِمْ​​"[2].

 

وقال​​ رحمه​​ الله​​​​ أيضًا: "القِتال هو لمن يقاتلنا إذا أردنا إظهار دين الله، كما قال الله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة: 190][3].

 

وقد حذَّر رسولُنا من إيذاء المعاهد، فعبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن قَتَل مُعَاهِدًا لم يَرَحْ رائحة الجنة، وإنَّ ريحَها يوجَدُ من مسيرةِ أربعين عامًا»[4].

 

نفهم من الحديث أن المقاتلة هنا للمشرك المُحارِب الصادِّ عن سبيل الله.

 

خامسًا: لا بُدَّ مِن جَمْع كل النصوص التي في الباب لتتصور الأمر جيدًا؛ كالنصوص التي تفيد حُرْمةَ قتل الشيوخ والنساء والأطفال والتمثيل بالجثث، وكذلك وجوب الإحسان حتى في القتل.

 

سادسًا: لا بد أن تعلم أن غاية الجهاد ليس التشفِّي بالقتل أو حُبَّ التسلُّط والسلطة؛ بل إعلاء كلمة الله، قال تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ} [البقرة: 193]، ومن غاياته أيضًا نصرة المظلومين، قال تعالى: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا} [النساء: 75].

 

سابعًا: الشهاداتُ المؤلفات في فضل حضارة المسلمين على غيرها كثيرةٌ يصعُب حصرُها، وقد امتثل المسلمون فعلًا في تاريخهم تشريعات الوحي في الإحسان إلى الغير، وفي إتقان العمل، فلم تكن مُجرَّد مقررات خيالية عارية عن التطبيق كما هي في الإنسانوية الغربية[5].

 


[1] فتح الباري لابن حجر (1/ 76).

[2] مجموع الفتاوى لابن تيمية (20/19).

[3] مجموع الفتاوى (28 /354).

[4] صحيح البخاري 1137.

[5] الإنسانية المستحيلة، د إبراهيم الرماح، ص 108، بتصرُّف يسير، يُرجَع لهذا الكتاب فقد ذكر عددًا من الشهادات من غير المسلمين في حضارة المسلمين.

_____________________________________________

الكاتب: د. محمد أحمد صبري النبتيتي

  • 0
  • 4
  • 1,897

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً