طيب النفوس وسلامة الصدور

المؤمن الحق لا يكون إلا سليمَ الصدر، طيب النفس، طاهر القلب، لا يحمل في قلبه على إخوانه سوءًا ولا ضغينة، بل يحبهم، ويحب الخير لهم، حسُنت سيرته لما حسُنت سريرته...

  • التصنيفات: تزكية النفس - أعمال القلوب -

جُبِلَ الإنسان على حبِّ الخير لنفسه والسعي لتحصيله؛ كما قال عنه خالقه جل وعلا: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} [العاديات: 8]، وخير عباد الله مَن أحبَّ للآخرين الخيرَ كما يحبه لنفسه، فإن من حقق ذلك أصاب خيرًا كثيرًا، وأعلاه صدق الإسلام؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يأخذ مني خمسَ خِصال، فيعمل بهن، أو يُعلِّمهن من يعمل بهن» ؟ قال: قلت: أنا يا رسول الله، قال: فأخذ بيدي فعدَّهن فيها، ثم قال: «اتقِ المحارم تكُنْ أعبدَ الناس، وارضَ بما قسم الله لك تكن أغنى الناس، وأحسن إلى جارك تكن مؤمنًا، وأحبَّ للناس ما تحب لنفسك تكن مسلمًا، ولا تكثر الضحك؛ فإن كثرة الضحك تميت القلب»؛ (رواه الإمام أحمد، والترمذي، وابن ماجه)، وإن من أعظم ما تُرفَع به الدرجات، ويُنال به الفضل في الدارين حسنَ الخلق؛ كما قال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: «إن من أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا»؛ (رواه الترمذي)، وصور حسن الخلق كثيرة جدًّا، إلا إن من أفضلها وأعظمها ذلك الخلقَ الذي يحمل على بذل الخير والمعروف والإحسان للآخرين، والعفو والصفح عن زلَّاتهم، وكف الأذى والسوء عنهم، وصفاء القلب من كراهيتهم أو تمني الشر لهم، من اتصف به عاش سعيدًا مرضيًّا محبوبًا، يحبه العباد، ويحبه رب العباد، هو من أعظم الخصال، وأشرف الخِلالِ؛ إنه: سلامة الصدر، وطيب النفس.

 

سلامة الصدر: هو نقاء القلب، وخُلُوُّه من كل غلٍّ وحسد وحقد على المسلمين.

 

سلامة الصدر: هو طيب النفس، وحسن السريرة، وحسن المعشر.

 

الصدر السليم: هو الذي امتلأ محبةً للمسلمين وحب الخير لهم، لا غش فيه، ولا غل، ولا حقد، ولا حسد، ولا ضغينة فيه، ولا كراهية، ولا بغضاء لأحد من المسلمين.

 

الصدر السليم: هو الذي عَمَرَ بالتقوى والإيمان؛ ففاض بالخير والإحسان، واتصف صاحبه بكل خُلُقٍ جميل، وانطوت سريرته على الصفاء والنقاء، فهو من نفسه في راحة، والناس منه في خير وسلامة.

 

إخوة الإسلام: سلامة الصدر ونقاء القلب من سمات الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام؛ فهم أطهر الناس قلوبًا، وأحسنهم سريرة، وأسلمهم صدورًا، أحبُّوا الخير لأقوامهم وأممهم، وبذلوا كل غالٍ ونفيس في نصحهم وإرشادهم، يسرهم استجابتهم للإيمان، ويحزنهم إعراضهم عن دعوة التوحيد والتمسك بالكفر والضلال؛ كما حكى الله تعالى قول موسى عليه السلام حين أُمِرَ بدعوة فرعون وقومه إلى الإيمان: {وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ * قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ * وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ} [الشعراء: 10 - 13]، وما حملهم على ذلك الخلق العظيم إلا سلامة صدورهم؛ كما قال جل وعلا عن خليله إبراهيم عليه السلام: {وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ * إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الصافات: 83، 84]، وكذا باقي أنبياء الله ورسله عليهم السلام.

 

أما نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فقد مَنَّ الله جل وعلا عليه بانشراح الصدر، وسلامة القلب، وطهارة النفس؛ فقال سبحانه: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ} [الشرح: 1 - 3].

 

عباد الله: إن سلامة الصدر وحسن السريرة إنما تكون بصدق الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، الذي كان أسْلَمَ الناس صدرًا، وأطيبهم قلبًا، وأصفاهم سريرة، وشواهد هذا في سيرته كثيرة؛ فلقد أُوذِيَ صلى الله عليه وسلم أشدَّ ما تكون الأذية في سبيل تبليغ دعوته للناس أجمعين، وما منعه أن ينتقم من أعدائه حين مكَّنه الله تعالى منهم إلا أنه سليم الصدر؛ يحب الخير لأمته، ويكره لها السوء والبلاء؛ ومن شواهد ذلك ما رَوَتْهُ عائشة رضي الله عنها حين قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ((هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أُحُدٍ؟ فقال: لقد لقِيتُ من قومك، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبدِيَالِيل بن عبدكُلال، فلم يُجِبْني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفِقْ إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي، فإذا بسحابة قد أظلَّتْني، فنظرت فإذا فيها جبريل عليه السلام، فناداني فقال: يا محمد، إن الله عز وجل قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد بعث الله مَلَكَ الجبال؛ لتأمره بما شئت فيهم، قال: فناداني ملك الجبال، فسلم عليَّ، ثم قال: يا محمد، إن الله عز وجل قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال، وقد بعثني ربك إليك لتأمرني أمرك وبما شئت، إن شئتَ أن أُطْبِقَ عليهم الأخشبين فعلتُ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بل أرجو أن يُخرِج الله من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئًا»؛ (رواه البخاري)، وسيرته صلى الله عليه وسلم مليئة بما يدل على سلامة صدره وحبه الخير لأمته، ويكفيه شهادة ربه جل وعلا له؛ بقوله: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128]، وعلى هذا النهج القويم والخلق الكريم سار صحبه الكرام رضي الله عنهم؛ فكُتُبُ التراجِم والسير مليئة بمواقفهم التي تتجلى فيها سلامة صدورهم، وطِيبُ نفوسهم؛ كما وصفهم الله جل وعلا بذلك في قوله: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9]، وعلى ذلك كان التابعون لهم بإحسان وسلف هذه الأمة الصالحون، فرَضِيَ الله عنهم وأرضاهم، وألحقنا بهم، وحشرنا في زمرتهم.

 

عباد الله: لقد كانت سلامة الصدر لدى الرعيل الأول ميزانَ التفاضل بينهم؛ يقول إياس بن معاوية عن أبيه رحمهما الله في وصف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: "كان أفضلهم عندهم - يعني الماضين - أسلمهم صدرًا"، إنها قلوب تسامت عن ذاتها، وتعالت عن حظوظها، وتغلبت على نزواتها وشهواتها.

 

فأين من هؤلاء مَن يحسد إخوانه على ما آتاهم الله من فضله؟!!

وأين من هؤلاء من ملأ قلبه غيظًا وحقدًا على إخوانه لأتفه الأسباب؟!!

 

وأين من هؤلاء من يحمل على أخيه لكلمة خرجت منه من غير قصد، فيحملها على الشر وهو يجد لها في الخير محملًا؟!!

 

وأين من هؤلاء من يتميز غيظًا على أخيه؛ لأنه سبقه إلى وظيفة أو شيء من حُطَام الدنيا الفاني؟!!

 

وأين من هؤلاء من لا يكاد يصفو قلبه لأحد؛ فهو يحسد هذا، ويحقد على ذاك، ويغضب على إخوانه، ويسيء الظن بهم، ويتهمهم؟

 

إخوة الإيمان: المؤمن الحق لا يكون إلا سليمَ الصدر، طيب النفس، طاهر القلب، لا يحمل في قلبه على إخوانه سوءًا ولا ضغينة، بل يحبهم، ويحب الخير لهم، حسُنت سيرته لما حسُنت سريرته؛ إذ لا تطيب السيرة إلا بصفاء السريرة؛ قال الفضيل بن عياض رحمه الله: "ما أدرك عندنا من أدرك بكثرة نوافل الصلاة والصيام، وإنما أدرك عندنا بسخاء الأنفس، وسلامة الصدور، والنصح للأمة".

 

وإن من النعيم المعجَّل للعبد في هذه الحياة أن يرزقه الله تعالى نعمة سلامة الصدر على كل من عاش معه، أو خالطه، بل على كل أحد من المسلمين، فسلامة الصدر تجاه الآخرين من صفات أهل الجنة، فمن تحلى بها في الدنيا، فقد استعجل شيئًا من نعيم أهل الجنة في الدنيا؛ كما قال الله عز وجل عن أهل الجنة: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر: 47].

 

أيها المباركون: إذا سلمت صدور أفراد المجتمع المسلم، تآلفت قلوبهم، وبُورِك لهم في أرزاقهم، وطاب عيشهم، وحصل التعاون على البر والتقوى والفلاح بينهم، ونالوا ما يؤمِّلون ويرجون من خيري الدنيا والآخرة، وبعكسه إذ لم تسلم صدور بعضهم لبعض، وانطوت على السوء، عندها يفشو بينهم البغض والحسد والشحناء والتقاطع والتدابر، وتُنزَع البركة منهم، ويتكدر عيشهم، وتفسُد أخلاقهم، فأي حياة تُرجى وتطيب مع هذا الحال؟

 

أيها الفضلاء: ما أحوجنا إلى صدور سليمة لتطمئن قلوبنا، وتطيب حياتنا! فالقلوب هي منبع المشاعر، ومصدر العواطف، ومحرِّك الأخلاق، وموجِّه التصرفات، ومَكمَن السعادة أو الشقاء، فإذا صلحت صلحت الأعمال والأخلاق، وإذا فسدت فسدت الأعمال والأخلاق؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله؛ ألا وهي القلب»؛ (رواه مسلم).

 

سلامة الصدور وصفاء القلوب - أيها المباركون - من أهم ما ينبغي على كل مسلم أن يوليه اهتمامه وعنايته؛ فكيف يرجو التوفيق من امتلأ قلبه ضغينة على إخوانه المسلمين؟ بل كيف يسلم من الأمراض الحسية، وتهدأ نفسه، وينشرح صدره من لم يسلم صدره لإخوانه المسلمين؟!

 

لقد حرص دين الإسلام على أن يكون المسلمون أمةً واحدة، تسود بينهم المودة والرفق، والتعاون على البر والتقوى، والتناصح البنَّاء الذي يُثْمِر إصلاح الأخطاء، مع صفاء القلوب وتآلفها، دون غل ولا حسد، ولا كيد؛ فقال سبحانه: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الحجرات: 10]، فالأُخُوَّة الإيمانية تعلو على كل خلاف مهما اشتدت وطأته، وبلغت حِدَّتُهُ.

 

أيها الكرام: ليس أروح للمرء، ولا أطرد لهمومه، ولا أقر لعينه من أن يعيش سليمَ القلب، مبرَّأً من وساوس الضغينة، وثوران الأحقاد، إذا رأى نعمة تنساق إلى أحد رضِيَ بها، ودعا له بالبركة والمزيد من فضل الله تعالى له، ولسانه يلهج بذكر الله: (ما شاء الله لا قوة إلا بالله، اللهم بارك لأخي وزده من فضلك)، ويدعو الله تعالى في كل صبح ومساء: «اللهم ما أصبح بي أو أمسى من نعمة أو بأحد من خلقك، فمنك وحدك لا شريك لك، فلك الحمد ولك الشكر»، وإذا رأى أذًى يلحق أحدًا من خلق الله رثى له، وتألم لألمه، ودعا له بدعوة الخير بظهر الغيب، ورجا الله أن يفرج همَّ أخيه وينفِّس كربه، وبذلك يحيا المسلم هادئَ البال، طاهر القلب، سليم الصدر، راضيًا عن الله تعالى وعن كل ما أُوتيَ ومُنع، مستريحَ النفس من نزعات الحقد والكراهية؛ فإن فساد القلب بالضغائن داء عضال، وما أسرع أن يتسرب الإيمان من القلب المغشوش، كما يتسرب السائل من الإناء المثلوم!

 

فيا إخوة الإيمان: إن سلامة الصدور بين أفراد المجتمع الإسلامي إنما هي توفيق من الله تعالى وعطاء، ولها أسباب كثيرة؛ ومن أهمها:

أولًا: الدعاء؛ فهو أعظم سبب لِنَيلِ كل مرغوب، والسلامة من كل مرهوب؛ فأكْثِرُوا من الدعاء بأن يرزقكم الله صدورًا سليمة، ونفوسًا طيبة، تَنعمون بها في الدنيا، وتنالون بها النعيم المقيم في الأخرى.

 

ثانيًا: مجاهدة النفس ومعالجتها وأطْرُها على الحق، فإن من كان جادًّا في طلب هذا الفضل العظيم، وصلحت نيته، وفَّقه الله تعالى لمبتغاه؛ فهو القائل جل وعلا: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت: 69].

 

ثالثًا: إصلاح ذات البين: فلا ينبغي تركُ المشاكل تتكاثر، والصراعات تتفاقم، والعداوات تدوم بين المسلمين حتى تُوغِرَ الصدور، وتملأ القلوب حقدًا وكراهية وبغضاء؛ فإن من علامات سلامة الصدر وأسبابها السعيَ للإصلاح بين المتخاصمين بالكلمة الطيبة، وتقريب وجهات النظر، فهذا دليل على صدق الإيمان وسلامة الصدر؛ كما قال جل وعلا: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات: 10].

 

رابعًا: حسن الظن وحمل الكلمات والمواقف على أحسن المحامل: فإن سوء الظن بالناس مما يغرس الحقد والكراهية في النفوس؛ لذا حرمه الإسلام واعتبره كذبًا وإثمًا؛ قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [الحجرات: 12].

 

خامسًا: التماس الأعذار، وإقالة العثرات، والتغاضي عن الزلَّات: يقول ابن سيرين رحمه الله: "إذا بلغك عن أخيك شيء، فالتمس له عذرًا، فإن لم تجد، فقل: لعل له عذرًا لا أعرفه".

 

سادسًا: محبة الخير للمسلمين: ففي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير»؛ (رواه النسائي)؛ فالقلب لا يكون سليمًا إذا كان حقودًا حسودًا، معجبًا متكبرًا.

 

سابعًا: اجتناب أسباب التشاحن والتباغض؛ من غضب وحسد، ونميمة وزور، وتنافس على الدنيا؛ فإنما هي أمراض يلقيها الشيطان في القلوب لتمتلئ حقدًا وبغضًا وكراهية، وقد حذرنا الله سبحانه من كيد الشيطان ونزغه؛ فقال تعالى: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا} [الإسراء: 53].

 

فإذا اجتمعت أسباب سلامة الصدر، تحقق للمرء بإذن الله تعالى منحٌ ربانية كثيرة؛ منها:

قبول الأعمال الصالحة: يقول النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تُفتَح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس، فيُغفر لكل عبدٍ لا يشرك بالله شيئًا، إلا رجلًا كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيُقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا»، فانظر كم يضيع على نفسه من الخير مَن يحمل في قلبه الأحقاد والضغائن!

 

ومن هذه المنح: نَيلُ الأفضلية الواردة في قول النبي صلى الله عليه وسلم حين سُئل: أي الناس أفضل؟ قال: «كلُّ مخموم القلب، صدوق اللسان» ، قالوا: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: «هو التقي النقي، لا إثم فيه، ولا بغي، ولا غل، ولا حسد».

 

ومن هذه المنح: طيبُ الحياة، والسلامة من الأمراض والأسقام الحسية والمعنوية، وكذا السلامة من الأمراض المزمِنَة التي انتشرت في هذا الزمان، والتفرغ لإصلاح عيوب النفس والرقي بها في سُلَّم الفضائل والسبق للخيرات.

 

اللهم إنا نسألك صدورًا سليمة، وقلوبًا مطمئنة.

 

عباد الله: صلوا وسلموا على من أمرنا المولى بالصلاة والسلام عليه؛ فقال عز من قائل عليمًا: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56]، اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين والأئمة المهديين؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحب والآل، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم التنادِ، وعنا معهم بمنِّك وكرمك يا أكرم الأكرمين.