العقوبة الشرعية لفعل الفاحشة

منذ 2023-03-14

أجمع أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم على قتل فاعل الفاحشة، وأن اللوطي يُقتل مطلقًا، سواء كان بكرًا أو ثيبًا، وإنما اختلفوا في صفة القتل؛ فهل يُقتَل بالتحريق بالنار، أو بالرجم، أو بالسيف.

جريمة قوم لوط من أعظم الجرائم، وأقبح الذنوب، وأسوأ الأفعال، وقد عاقَب الله فاعليها بما لم يعاقب به أُمَّة من الأمم، فجمع عليهم أنواعًا من العقوبات؛ طمَس أعينهم، وقلب ديارهم، وخسَف بهم، ورجَمهم بالحجارة من السماء، وعذّبهم، وجعل عذابهم مستمرًّا؛ فنكَّل بهم نكالاً لم يُنكِّله بأمة سواهم.

 قال الله -تعالى-: {وَلُوطًا إذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ 80 إنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ 81 وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ 82 فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ 83 وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْـمُجْرِمِينَ} [الأعراف: 80 - 84].

وقال -سبحانه-: {لَعَمْرُكَ إنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ 72 فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ 73 فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ 74 إنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ 75 وَإنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُّقِيمٍ} [الحجر: 72 - 76].

وروى أحمد (2915) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  قَالَ:  «لَعَنَ اللَّهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ، لَعَنَ اللَّهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ»  (ثَلاثًا) (وحسَّنه شعيب الأرناؤوط في تحقيق المسند).

وروى الترمذي (1456) وأبو داود (4462) وابن ماجه (2561) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :  «مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ» (وصححه الألباني في صحيح الترمذي).

وقد أجمع أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم  على قتل فاعل الفاحشة، وأن اللوطي يُقتل مطلقًا، سواء كان بكرًا أو ثيبًا، وإنما اختلفوا في صفة القتل؛ فهل يُقتَل بالتحريق بالنار، أو بالرجم، أو بالسيف.

 

أولاً: حكم الفاعل للفاحشة:

اختلف الفقهاء في حكم الشذوذ الجنسي، وجاءت أقوالهم على النحو الآتي: 

أولًا: قول الجمهور: قتل الفاعل والمفعول به؛ لحديث  «اقتُلوا الفاعلَ والمفعولَ به في عمَلِ قومِ لوطٍ والبَهيمةَ والواقعَ على البَهيمةِ، ومن وَقعَ على ذاتِ مَحرَمٍ فاقتُلوه» (أخرجه أبو داود (4462)، والترمذي (1456)، وابن ماجه (2561) بنحوه، وأحمد (2727) واللفظ له).

ثانيًا: حدّ الزنا؛ لحديث  «إذا أتَى الرَّجلُ الرَّجلَ فهُما زانيانِ، وإذا أتَتِ المرأةُ المرأةَ فهُما زانيتانِ» (أخرجه البيهقي: 17490).

ثالثًا: يُحرَق بالنار إلى أن يموت، وهو قول علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-.

رابعًا: لا حدّ عليه، ويُعزَّر عند أبي حنيفة، ولم يتابعه عليه تلاميذه. والَّذِي في كتب الحَنَفِيَّةِ أنَّ أبا حَنِيفَة يَرى فِيهِ التَّعْزِير إلّا إذا تكرَر منه فيُقْتَل.

وقد بسط ابن القيم -رحمه الله- الكلام على هذه المسألة، وذكر حُجَج الفقهاء وناقشها، وانتصر للقول الأول، وذلك في كتابه «الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي»، والذي وضَعه لعلاج هذه الفاحشة المُنكَرة.

قال: «قال أصحاب القول الأول، وهم جمهور الأُمَّة، وحكاه غير واحد إجماعًا للصحابة: ليس في المعاصي مفسدة أعظم من مفسدة اللواط، وهي تلي مفسدة الكفر، وربما كانت أعظم من مفسدة القتل»[1].

والصواب في هذا أنه يُقتَل قتلًا بالسيف، كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم  أنه قال:  «مَن وجدتموه يعمل عمل قوم لوط؛ فاقتلوا الفاعل والمفعول به»؛ نسأل الله العافية. وهذا الحديث لا بأس بإسناده، جيد، وإن كان فيه بعض الاختلاف، لكن يعضده، ويؤيده إجماع الصحابة، وقد أجمع أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم على قتله، والصواب: أنه يُقتل بالسيف؛ لأن النّار لا يُعذِّب بها إلا الله -جل وعلا-[2].

والرجم إنما جاء في الزاني المحصن؛ فلا يُقاس عليه اللوطي، فاللوطي له شأن آخر.

 

ثانيًا: حكم المفعول به:

المفعول به كالفاعل؛ لأنهما اشتركا في الفاحشة، فكانت عقوبتهما القتل؛ كما جاء في الحديث، لكن يُستثنَى من ذلك صورتان:

الأولى: مَن أُكره على اللواط بضربٍ أو تهديد بالقتل ونحوه، فإنه لا حدَّ عليه.

قال في «شرح منتهى الإرادات» (3/348): «ولا حَدَّ إن أُكْرِه ملوط به على اللواط بإلجاءٍ بأن غلبه الواطئ على نفسه، أو بتهديد بنحو قتلٍ أو ضربٍ» انتهى بتصرف.

الثانية: إذا كان المفعول به صغيرًا لم يبلغ، فإنه لا يُحَدّ، لكن يُؤدَّب ويُعزَّر بما يردعه عن اقتراف هذه الجريمة.

ونقل ابن قدامة -رحمه الله- في «المغني» (9/62) أنه لا خلاف بين العلماء في أن الحد لا يُقام على المجنون ولا الصبيّ الذي لم يبلغ.

وقتل الفاعل والمفعول به إذا كانا مُكلَّفين لخبث معصيتهما، ولشناعتها العظيمة؛ ولأن الواجب التنفير منها، والتحذير منها، وكان القتل مناسبًا في هذا المقام؛ للتحذير من هذه الفاحشة الشنيعة القبيحة.

 

ثالثًا: التراضي بين الطرفين:

وحول شبهة التراضي بين الطرفين على فِعْل الفاحشة، والتي يُثيرها دعاة الشذوذ الجنسي والمدافعون عنه؛ يريدون نقل معركة الشذوذ الجنسي إلى داخل الفضاء الإسلامي؟ نقول: إن الزنا مُجرَّم في الشريعة حتى لو كان بالتراضي، يقول الله -عز وجل-: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ} [سورة النور: 2].

وفي هذه الآية رتَّب الشرع عقوبة على قضاء الشهوة الجنسية الفطرية خارج إطار الزواج، ومن باب أولى أن تكون العقوبة أشدّ في حالة الشذوذ الجنسية.

والتراضي بين الطرفين لا يُحِلّ الحرام، ولا يُعْفِي من العقوبة؛ فقد أهلك الله قوم لوط مع أنهم تراضوا فيما بينهم على فِعْل الفاحشة، يقول الله -عز وجل-: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ 82 مُسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِـمِينَ بِبَعِيدٍ} [هود: 82، 83].

نسأل الله العافية. 


[1] الجواب الكافي، ص260- 263.

[2] الموقع الرسمي لسماحة الشيخ الإمام ابن باز -رحمه الله-، فتاوى الجامع الكبير، حد اللواط.

_________________________________________________
الكاتب: 
د. هبة عبدالفتاح صوالحة

  • 0
  • 0
  • 1,056

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً