العراق وغــزو من نوع جديد

منذ 2011-09-27

إن الازدياد الخطير الحاصل في تعاطي المخدرات بأنواعها، والاتجار بها في العراق في ظل الاحتلال يعد واحدة من المخاطر الاجتماعية والصحية والأمنية، التي تهدد مستقبل المجتمع العراقي والمجتمعات العربية الأخرى...


كان العراق إلى حد عام (2003) يوصف من بين الدول النظيفة من آفة المخدّرات زراعةً وإتجارًا وتناولًا، أما بعد الاحتلال الأمريكي -الإيراني- للعراق فقد أصبحت المُخدّرات خطرًا حقيقيًا وواقعًا مؤلمًا، بعد أن تمكن تجّار المخدرات المحميون من أوساط حكومية وحزبية ميليشياوية من ادخال كميات كبيرة إلى العراق، وإغراق البلاد بأنواع مختلفة منها بمشاركة عصابات دولية تقوم على شبكات مُحكمة التنظيم، ومزودة بإمكانات كبيرة، الأمر الذي يُشكل تهديدًا حقيقيًا للأمن الاجتماعي والاقتصادي، وتخريبًا للبناء القيمي الذي تميّزَ به المجتمع العراقي على الدوام..

كما تحوّل العراق إلى منطقة عبور للمخدرات القادمة من الشرق باتجاه المنطقة العربية وأوربا، حيث كشفت (المنظمة الدولية لمراقبة تهريب المخدرات) التابعة للأمم المتحدة في تقرير لها نشرته يوم (11 مايو): "أن العراق قد تحول إلى محطة ترانزيت لنقل الهيروين المُصنع من أفغانستان وإيران إلى أوروبا" وقال رئيس المنظمة: "إن الهيروين والمخدرات المستخرجة من الأفيون المزروعة في أفغانستان وإيران تنقل عبر العراق إلى الأردن ودول الخليج، حيث ترسل إلى الأسواق في أوروبا". وأضاف: "لقد أصبح هذا الوضع ممكنًا بفعل الوضع الأمني الداخلي المتهرئ في العراق، حيث تنعدم المراقبة على الحدود، مما يُمكن المهربين من الدخول إليه بزيّ أو صفة زوّار عتبات مقدسة". وحَثَّ المجتمع الدولي والحكومة العراقية على العمل معًا قبل أن يترسخ طريق دولي لتهريب المخدرات عبر البلاد، مؤكدًا أن مشكلة المخدرات يجب أن تحتل أولوية قصوى في برامج الحكومة العراقية..

يوم (23/ 6/ 2011) نشرت جريدة (الصباح) الحكومية العراقية تصريحًا لرئيس لجنة المتابعة في مجلس محافظة واسط (الكوت) جنوب بغداد قال فيه: "أن اللجنة رصدت ارتفاع حالات زراعة نباتي (الخشخاش، والداتورا) المُخدّرين في أماكن من المحافظة" وأوضح أن اللجنة رصدت وحددت أماكن زراعة هذه المخدرات والمعامل التي يتم تصنيعها فيها والمتاجرين بها، مطالبًا الجهات المسؤولة بمكافحة هذه الظاهرة لما تشكله من خطورة على حياة الشباب، كونها تعد آفة كبيرة تحتاج الى تكاتف جميع الجهود لأجل القضاء عليها نهائيًا، كما وردت أنباء من مناطق في الفرات الأوسط أن بعض مزارعي الأرز تحولوا إلى زراعة المخدرات كونها أكثر مردودًا..!

وزير الصحة العراقي من جانبه: اعترف بوجود زيادة في ظاهرة الإدمان على المخدرات في العراق، وقال: "أنه بالرغم من أن أجواء العراق غير ملائمة عمومًا لزراعة المخدرات، إلا أن هناك زيادة في ظاهرة الإدمان من خلال المؤشرات، وملاحظات الأطباء العاملين في هذا المجال". وأضاف الوزير: "أن العراق محاط بسلسلة من البلدان التي تنتج مخدرات (الأفيون والخشخاش، والترياق، والهيروين وغيرها...) وبالتالي فإن هذه المخدرات تنتقل عبر إيران إلى العراق، وما سهل ذلك هو ضعف السيطرة على الحدود بعد سقوط النظام". وأوضح وزير الصحة أن العراق الآن يعتبر من الأماكن المعرضة لخطر المخدرات بشكل كبير، بسبب وقوعه وسط الدول المنتجة والمستهلكة للمخدرات، مبينًا أن الإدمان في العراق يتركز حاليًا في المناطق الحدودية المحاذية لدول الجوار، وأشار إلى أنه لا يوجد إلى الآن أي إحصائية دقيقة لعدد المدمنين في العراق، إلا أن هناك تنسيقًا بين وزارة الصحة ومكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات من أجل إجراء إحصائية دقيقة بهذا الشأن..

الأخبار تؤكد: أن المخدرات صارت تدخل بكميات هائلة من جهة الشرق، بسبب استغلال تجار المخدرات لأفواج زوار (العتبات المقدسة) لإدخال المخدرات الى العراق، وباتت الحبوب المهلوسة والأدوية الممنوعة تباع علنًا على الأرصفة في العديد من مدن المراقد الدينية، ويتداولها بعض الشباب، وصار معلومًا أن جهات معينة تعمل على تشجيع انتشار المخدرات بين أبناء المجتمع العراقي، وبخاصة بين فئة الشباب، وتوريطهم في الإدمان والمتاجرة، استكمالًا لأدوار مخطط التدمير الأخلاقي الاجتماعي، الذي شجع عليه الفلتان الأمني الذي أوجده الاحتلال.

كما نشرت الصحف العراقية نقلًا عن تصريحات لمصدر في وزارة الداخلية: أنه قد صودرت كمية من 325 كلغ من (حشيشة الكيف) مؤخرًا في البصرة كانت أدخلت إليها عبر إيران، وأقر المصدر بأن كميات كبيرة من المخدرات دخلت إلى البلاد من إيران وتحدث عن تزايد استهلاك المخدرات في صفوف الشباب، وأوضح أن أطرافًا خارجية ضالعة في تهريب المخدرات لأن لها -كما قال- مصلحة في الإبقاء علي حالة الفوضى، وعدم الاستقرار الأمني في العراق..

أعضاء بالهيئة الوطنية لمكافحة المخدرات في العراق أكدوا: قلقهم من تزايد أنشطة عصابات تهريب المخدرات داخل العراق، مؤكدين أن آفة المخدرات والمواد ذات التأثير النفسي أصبحت عاملًا آخر يضاف إلى طرق الموت العديدة التي تستهدف شريحة الشباب العراقي كل يوم، وتنذر بتخلي البلد عن موقعه ضمن قائمة الدول الفتية، ودمارًا آخر يزيد من أعباء الحكومة، وقال أحدهم في حديث لصحيفة (الشرق الأوسط): "إن ما خلفته الحرب من فوضى وانفلات أمني مريع هيأ فرصة ذهبية لتجارة المخدرات الداخلية والخارجية، مستفيدة من كثرة العصابات والجماعات المسلحة، لتنشط حركة مافيا المخدرات وتجعل العراق محطة ترانزيت نحو دول الخليج ودول إقليمية أخرى، إضافة إلى تكوين سوق حرة داخلية نجم عنها تحويل مشكلة الإدمان من المسكرات والعقاقير المهدئة إلى المخدرات، وهناك دلائل تم الحصول عليها عن طريق استجواب عدد من المتاجرين بالمخدرات بعد القبض عليهم في مناطق متفرقة من العراق وهم من جنسيات مختلفة، تشير إلى تحول طريق الحرير القادم من شرق آسيا والمار عبر العراق إلى طريق للمتاجرة بالمخدرات، والسلاح والآثار العراقية، وتهريب النفط المسروق من قبل عصابات منظمة تخصصت في هذه الأعمال، ولها ارتباطات واسعة مع العالم، بما في ذلك حكومات بعض الدول".

كما تزايدت أعداد المرضى المدمنين، فقد كشف أحد التقارير الصادرة عن مستشفى ابن رشد، الذي يُعدّ من أكبر مؤسسات العلاج النفسي في العراق، أنَّ حالات الإدمان زادت بنسبة
(75%). وأن الوضع العام للإدمان بات أكثر انتشارًا من قبل، وأصبح منظر المراهقين والأطفال في الشوارع أكثر بشاعة، خاصة وهم يقومون بشم مواد مخدرة بدائية عالية السُميّة مثل (البنزين، والثانر، والسيكوتين وغيره..) وبات بعضهم وبإرشاد جانحين كبار يتعلم كيفية صنع مواد أخرى غير مألوفة تعطي نفس الأثر..

إن انتشار الظاهرة الخطيرة في أغلب أحياء بغداد الفقيرة يقرع جرس الإنذار من خطر كبير يهدد مستقبل الشباب، ولابد من تحرك حكومي عاجل من الوزارات، والأجهزة الأمنية المختصة لوضع حد لهذه الآفة المميتة، مشيرًا إلى أن حجم المشكلة وخطورتها بات أكبر من قدرة منظمات المجتمع المدني، وإمكانياتها التي تعتمد على مبالغ ووسائل محدودة، لقد استفحلت ظاهرة تهريب المخدرات إلى العراق عقب الاحتلال الأميركي عام (2003) حيث أشار تقرير صادر عن الهيئة الوطنية لمكافحة المخدرات إلى وجود (7000) مدمن مسجل في عموم المحافظات عام (2004) وارتفع إلى (28 ألف مدمن في عام 2006) بحسب تقرير مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة والمخدرات..

وهو ذات التقرير الذي أكد أن العراق أصبح الممر الرئيسي لتجارة المخدرات عبر العالم، والملفت للانتباه هنا أن تجار المخدرات عمدوا إلى بيع هذه السموم في البدء بأسعار زهيدة لزيادة الإقبال عليها، حيث يقول أحد أعضاء اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات: "أن الوجبة الأولى من المخدرات وزعت في بغداد مجانًا كنوع من الدعاية والترويج لها، في حين استقرت الأسعار الحالية على (750 دينار) ثمن شريط الحبوب المهدئة الذي يحتوي على (12حبة) تكفي الواحدة منها لإيهام متعاطيها بالراحة والخدر المؤقتين".

ويرتفع السعر مع زيادة الجرعة واختلاف نوعها، فثمن جرعة متوسطة تؤخذ عن طريق الحقن من الكوكايين أو الهيروين يصل إلى (30 ألف دينار) في حين يكون ثمن الجرعة الأكبر من ذات المواد (67 ألف دينار) أما مادة الحشيشة فيتم احتساب ثمنها بالغرام أو تباع كسجائر بعد خلطها بالتبغ، أو توضع مع مادة المعسل المستخدمة في الأرجيلة والتي تدخن في مقاهي خاصة أو بالبيوت، ويمكن للمتعاطي أن يحصل على المواد المخدرة من مصدرها الرئيسي في سوق الباب الشرقي، أو من تجار المفرد الذين ينتشرون في عدد من الأحياء الشعبية، ويوزعون بضاعتهم بواسطة وكلاء لا يجلبون الانتباه، وغالبًا ما يكون هؤلاء من الأطفال أو طلبة المدارس..!

إن الازدياد الخطير الحاصل في تعاطي المخدرات بأنواعها، والاتجار بها في العراق في ظل الاحتلال يعد واحدة من المخاطر الاجتماعية والصحية والأمنية، التي تهدد مستقبل المجتمع العراقي والمجتمعات العربية الأخرى، لأنه يبدو أن الهدف ليس فقط مجرد تحويل العراق إلى معبر للمخدرات إلى عموم المنطقة والعالم، وتخريب البناء الاجتماعي من خلال إفساد الشباب وإتلاف عقولهم، وتحويلهم إلى مصدر للتخريب بدلًا من أن يكونوا مصدرًا للبناء والتطوير، ولايمكن بأية حال من الأحوال أن ننفي مسؤولية قوات الغزو ومن عاونها من ميليشيات طائفية عما حل بالعراق من مشاكل ونكبات ومنها: (نكبة انتشار المخدرات).
 

د. أكرم عبد الرازق المشهداني
 

المصدر: مجلة البيان
  • 6
  • 0
  • 5,987

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً