أبو عبيدة عامر بن الجراح..

أبو عبيدة عامر بن الجراح هو أحد السابقين إلى الإسلام، وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة، فأحببت أن أذكِّر نفسي وإخواني الكرام بشيء من سيرته العطرة، وتاريخه المشرق المجيد

  • التصنيفات: سير الصحابة -

أبو عبيدة بن الجراح

 


مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 26/12/2022 ميلادي - 2/6/1444 هجري

الزيارات: 2992
 

    

 

    

 

 

كتب: صلاح مجيب الدق

الحمد لله الكريم المنان، ذي الفضل والإحسان، الذي هدانا للإيمان، وفضل ديننا على سائر الأديان، والصلاة والسلام على نبينا محمد، الذي أرسله ربه شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا؛ أما بعد:

فأبو عبيدة عامر بن الجراح هو أحد السابقين إلى الإسلام، وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة، فأحببت أن أذكِّر نفسي وإخواني الكرام بشيء من سيرته العطرة، وتاريخه المشرق المجيد، لعلنا نسير على ضوئه فنسعد في الدنيا ويوم القيامة؛ فأقول وبالله تعالى التوفيق:

الاسم: هو: عامر بن عبدالله بن الجراح بن هلال بن فهر.

كنيته: أبو عبيدة.

أم أبي عبيدة بن الجراح هي: أميمة بنت غنم بن جابر بن عميرة؛ [الطبقات الكبرى لابن سعد، ج: 3، ص: 312].

صفة أبي عبيدة الجسمية:

كان أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه رجلًا نحيفًا، معروق الوجه، خفيف اللحية، طوالًا، أجْنَأ، منحني الظهر، أثرم الثنِيَّتَيْنِ، سقطت ثنيَّتاه من أصلهما وكان يصبغ رأسه ولحيته بالحِنَّاء والكَتَم؛ [الطبقات الكبرى لابن سعد، ج: 3، ص: 312].

إسلام أبي عبيدة:

قال يزيد بن رومان: "انطلق عثمان بن مظعون، وعبيدة بن الحارث، وعبدالرحمن بن عوف، وأبو سلمة بن عبد الأسد، وأبو عبيدة بن الجراح، حتى أتَوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعرض عليهم الإسلام، وأنبأهم بشرائعه، فأسلموا في ساعة واحدة، وذلك قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم بن أبي الأرقم"؛ [الطبقات الكبرى لابن سعد، ج: 3، ص: 313، سير أعلام النبلاء للذهبي، ج: 1، ص: 8:7].

هجرة أبي عبيدة:

هاجر أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه إلى الحبشة ثم إلى المدينة، وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن معاذ؛ [الإصابة لابن حجر العسقلاني، ج: 2، ص: 244].

علم أبي عبيدة:

روى أبو عبيدة خمسة عشر حديثًا، وله في صحيح مسلم حديث واحد، وله كذلك حديث واحد في سنن الترمذي.

حدَّث عنه العرباض بن سارية، وجابر بن عبدالله، وأبو أمامة الباهلي، وسمرة بن جندب، وأسْلَمُ مولى عمر بن الخطاب، وعبدالرحمن بن غنم، وآخرون؛ [سير أعلام النبلاء للذهبي، ج: 1، ص: 6].

جهاد أبي عبيدة بن الجراح:

شهد أبو عبيدة رضي الله عنه بدرًا وأُحُدًا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان أبو عبيدة أحد الأمراء المسيَّرين إلى الشام، والذين فتحوا دمشق، ولما ولِيَ عمر بن الخطاب الخلافة، عزل خالد بن الوليد، واستعمل أبا عبيدة؛ فقال خالد: ولِيَ عليكم أمين هذه الأمة، وقال أبو عبيدة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (( «إن خالدًا لَسيف من سيوف الله» ))؛ [أسد الغابة لابن الأثير، ج: 3، ص: 23، صفة الصفوة لابن الجوزي، ج: 1، ص: 365].

أبو عبيدة بن الجراح في غزوة بدر:

كان أبو أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه يتصدى لابنه أبي عبيدة يوم بدر، فكان أبو عبيدة يبتعد عنه، فلما أكْثَرَ، قصده أبو عبيدة فقتله؛ فأنزل الله تعالى فيه هذه الآية حين قتل أباه: ﴿  {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } ﴾ [المجادلة: 22]؛ [حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني، ج: 1، ص: 101].

أبو عبيدة في غزوة أحد:

روى ابن سعد عن عائشة رضي الله عنها، قالت: "قال أبو بكر الصديق: لما كان يوم أُحُد ورُميَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجهه حتى دخلت في أجنتيه حلقتان من المِغفر - ما يلبسه المقاتل على رأسه - فأقبلتُ أسعى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنسان قد أقبل من قِبل المشرق يطير طيرانًا، فقلت: اللهم اجعله طاعة، حتى توافينا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا أبو عبيدة بن الجراح قد بدرني، فقال: أسألك بالله يا أبا بكر إلا تركتني فأنزعه من وجنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال أبو بكر: فتركته فأخذ أبو عبيدة بثنية إحدى حلقتي المغفر فنزعها، وسقط على ظهره، وسقطت ثنية أبي عبيدة، ثم أخذ الحلقة الأخرى بثنية الأخرى فسقطت، فكان أبو عبيدة في الناس أثرمَ أهتمَ، وكان أبو عبيدة من أحسن الناس هتمًا"؛ [الطبقات الكبرى لابن سعد، ج: 3، ص: 313].

حسن أخلاق أبي عبيدة:

قال موسى بن عقبة: أمر النبي صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص في غزوة ذات السلاسل، وهي من مشارف بداية الشام، فخشِيَ عمرو، فبعث يستمد فندب النبي صلى الله عليه وسلم الناس من المهاجرين الأولين، فانتدب أبو بكر وعمر في آخرين، فأمَّر عليهم أبا عبيدة بن الجراح مددًا لعمرو بن العاص، فلما قدموا عليه، قال: أنا أميركم، فقال المهاجرون: بل أنت أمير أصحابك، وأبو عبيدة أمير المهاجرين، فقال: إنما أنتم مددي، فلما رأى ذلك أبو عبيدة، وكان حسن الخلق متبعًا لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهده، فقال: تعلم يا عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي: إن قدمت على صاحبك فتطاوعا، وإنك إن عصيتني أطعتك؛ [الإصابة لابن حجر العسقلاني، ج: 2، ص: 244].

أبو عبيدة أمير غزوة الخبط:

قال جابر بن عبدالله: بَعَثَنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أبي عبيدة بن الجراح ونحن ثلاثمائة وبضعة عشر رجلًا، وزوَّدنا جرابًا من تمر فأعطانا منه قبضة قبضة، فلما أنجزناه أعطانا تمرةً تمرةً، فلما فقدناها، وجَدْنا فقدَها ثم كنا نخبِط الخَبَطَ بقسيِّنا ونَسَفُّه ونشرب عليه من الماء حتى سُمِّينا جيش الخَبَطِ، ثم أخذنا على الساحل، فإذا دابة ميتة مثل الكثيب يُقال لها: العنبر، فقال أبو عبيدة: ميتة لا تأكلوا، ثم قال: جيش رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي سبيل الله، ونحن مضطرون، فأكلنا منه عشرين ليلة أو خمس عشرة ليلة، قال: ولقد جلس ثلاثة عشر رجلًا منا في موضع عينه، وأقام أبو عبيدة ضلعًا من أضلاعه، فوضعه على أجسم بعير، فلما قدمنا على رسول الله قال: ما حبسكم؟ قال: كنا نبتغي إبل قريش، فذكرنا له شأن الدابة، فقال: إنما هو رزق رزقكموه الله، أمعكم منه شيء؟ قلنا: نعم؛ [الطبقات الكبرى لابن سعد، ج: 3، ص: 314].

• الخبط: ضرب الشجرة بالعصا ليتناثر ورقها، واسم الورق الساقط خبط؛ [النهاية في غريب الحديث لابن الأثير، ج: 2، ص: 11].

أبو عبيدة يحث المسلمين على الجهاد:

قال أسْلَمُ مولى عمر بن الخطاب: "بلغ عمر أن أبا عبيدة حُصِرَ بالشام، ونال منه العدو، فكتب إليه عمر: أما بعد؛ فإنه ما نزل بعبد مؤمن شدة، إلا جعل الله بعدها فرجًا، وإنه لا يغلب عسرٌ يُسْرَين، ﴿  {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } ﴾ [آل عمران: 200]، قال: فكتب إليه أبو عبيدة: أما بعد؛ فإن الله يقول: ﴿  {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ } ﴾ [الحديد: 20]، قال: فخرج عمر بكتابه، فقرأه على المنبر، فقال: يا أهل المدينة، إنما يُعرِّض بكم أبو عبيدة، أو بي، ارغبوا في الجهاد؛ [سير أعلام النبلاء للذهبي، ج: 1، ص: 16:15].

خوف أبي عبيدة بن الجراح:

قال قتادة: قال أبو عبيدة بن الجراح: وددت أني كبش فذبحني أهلي، فأكلوا لحمي، وحسوا - شربوا - مَرَقِي؛ [الطبقات الكبرى لابن سعد، ج: 3، ص: 315].

زهد أبي عبيدة:

أرسل عمر بن الخطاب إلى أبي عبيدة بأربعة آلاف درهم وأربعمائة دينار، وقال للرسول: انظر ما يصنع، قال: فقسمها أبو عبيدة، قال: ثم أرسل إلى معاذ بمثلها، وقال للرسول مثلما قال، فقسمها معاذ إلا شيئًا، قالت امرأته: نحتاج إليه، فلما أخبر الرسولُ عمرَ، قال: الحمد لله الذي جعل في الإسلام من يصنع هذا؛ [الطبقات الكبرى لابن سعد، ج: 3، ص: 316:315].

مناقب أبي عبيدة بن الجراح:

1- روى الترمذي عن عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( «أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وعبدالرحمن بن عوف في الجنة، وسعد بن أبي وقاص في الجنة، وسعيد بن زيد في الجنة، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة» ))؛ [حديث صحيح، صحيح سنن الترمذي للألباني، حديث: 2946].

2- روى الشيخان عن حذيفة رضي الله عنه، قال: (( «جاء أهل نجران إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: ابعث لنا رجلًا أمينًا، فقال: لأبعثنَّ إليكم رجلًا أمينًا حق أمين، فاستشرف له الناس، فبعث أبا عبيدة بن الجراح» ))؛ [البخاري حديث:4381، مسلم حديث: 2420].

3- روى الشيخان عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ل «كل أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح» ))؛ [البخاري حديث: 4382، مسلم حديث: 2419].

4- روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( «نعم الرجل أبو بكر، نعم الرجل عمر، نعم الرجل أبو عبيدة بن الجراح، نعم الرجل أسيد بن حضير، نعم الرجل ثابت بن قيس بن شماس، نعم الرجل معاذ بن جبل، نعم الرجل معاذ بن عمرو بن الجموح» ))؛ [حديث صحيح، صحيح سنن الترمذي للألباني، حديث: 2984].

5- روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها، أنها سُئلت: (( «من كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخلفًا لو استخلفه؟ قالت: أبو بكر، فقيل لها: ثم مَن بعد أبي بكر؟ قالت: عمر، ثم قيل لها: من بعد عمر؟ قالت: أبو عبيدة بن الجراح، ثم انتهت إلى هذا» ))؛ [مسلم حديث: 2385].

6- روى الترمذي عن عبدالله بن شقيق قال: (( «قلت لعائشة رضي الله عنها: أي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان أحب إليه؟ قالت: أبو بكر، قلت: ثم من؟ قالت: ثم عمر، قلت: ثم من؟ قالت: ثم أبو عبيدة بن الجراح، قلت: ثم من؟ فسكتت» ))؛ [حديث صحيح، صحيح سنن الترمذي للألباني، حديث 2892].

7- قال الذهبي: "كان أبو عبيدة معدودًا فيمن جمع حفظ القرآن العظيم"؛ [سير أعلام النبلاء للذهبي، ج: 1، ص: 16:15].

منزلة أبي عبيدة عند أبي بكر الصديق:

روى أحمد عن ابن عباس أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال للمهاجرين والأنصار في سقيفة بني ساعدة: "قد رضيتُ لكم أحد هذين الرجلين أيهما شئتم، وأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراح"؛ [حديث صحيح، مسند أحمد، ج: 1، ص: 453].

تولى أبو عبيدة بيت مال المسلمين في خلافة أبي بكر الصديق؛ [سير أعلام النبلاء للذهبي، ج: 1، ص: 15].

منزلة أبي عبيدة عند عمر بن الخطاب:

1- روى أحمد عن شريح بن عبيد وراشد بن سعد وغيرهما قالوا: ((لما بلغ عمر بن الخطاب رضي الله عنه سَرْغَ، حُدِّث أن بالشام وباءً شديدًا، قال: بلغني أن شدة الوباء في الشام، فقلت: إن أدركني أجلي وأبو عبيدة بن الجراح حيٌّ استخلفته، فإن سألني الله: لم استخلفته على أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟ قلت: إني سمعت رسولك صلى الله عليه وسلم يقول: إن لكل نبي أمينًا، وأميني أبو عبيدة بن الجراح، فأنكر القوم ذلك، وقالوا: ما بال عُليا قريش؛ يعنون: بني فهر، ثم قال: فإن أدركني أجلي وقد تُوفِّي أبو عبيدة، استخلفت معاذ بن جبل، فإن سألني ربي عز وجل: لم استخلفته؟ قلت: سمعت رسولك صلى الله عليه وسلم يقول: إنه يُحشر يوم القيامة بين يدي العلماء نبذةً))؛ [حسن لغيره، وهذا إسناد رجاله ثقات، مسند أحمد، ج: 1، ص: 263، حديث: 108].

2- روى أبو نعيم عن أسلم، مولى عمر، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لأصحابه: "تمنوا فقال رجل: أتمنى لو أن لي هذه الدار مملوءة ذهبًا أنفقه في سبيل الله، ثم قال: تمنوا، فقال رجل أتمنى لو أنها مملوءة لؤلؤًا وزبرجدًا وجوهرًا، أنفقه في سبيل الله، وأتصدق، ثم قال: تمنوا، فقالوا: ما ندري يا أمير المؤمنين؟ فقال عمر: أتمنى لو أن هذه الدار مملوءة رجالًا مثل أبي عبيدة بن الجراح"؛ [حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني، ج: 1، ص: 102].

3- قال عروة بن الزبير رضي الله عنه: "لما قدم عمر رضي الله عنه الشام تلقَّاه الناس وعظماء أهل الأرض، فقال عمر: أين أخي؟ قالوا: من؟ قال: أبو عبيدة، قالوا: الآن يأتيك، فلما أتاه نزل فاعتنقه، ثم دخل عليه بيته، فلم يَرَ في بيته إلا سيفه وترسه ورحله، فقال له عمر: ألا اتخذت ما اتخذ أصحابك؟ أثاثًا جديدًا، فقال: يا أمير المؤمنين، هذا يبلغني المقيل"؛ [حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني، ج: 1، ص: 102].

وفاة أبي عبيدة بن الجراح:

مات أبو عبيدة بن الجراح في طاعون عمواس بالأردن، سنة ثماني عشرة هجرية في خلافة عمر بن الخطاب، وكان عمر أبي عبيدة ثمانيَ وخمسين سنة؛ [الطبقات الكبرى لابن سعد، ج: 3، ص: 317].

لما مات أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه، خطب معاذ بن جبل رضي الله عنه فقال: "أيها الناس: إنكم فُجِعتم برجل، والله ما رأيت من عباد الله قط أقلَّ حقدًا، ولا أبرَّ صدرًا، ولا أبعدَ غائلة، ولا أشد حياءً للعاقبة، ولا أنصح للعامة – منه؛ فترحموا عليه"؛ [الإصابة لابن حجر العسقلاني، ج: 2، ص: 245].

رحم الله تعالى أبا عبيدة بن الجراح رحمةً واسعةً، وجزاه عن الإسلام خير الجزاء.

ونسأل الله تعالى أن يجمعنا به في الفردوس الأعلى من الجنة.

أسأل الله تعالى بأسمائه الـحسنى وصفاته العلا أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وأن يجعله ذخرًا لي عنده يوم القيامة؛ ﴿ { يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}  ﴾ [الشعراء: 88، 89]، كما أسأله سبحانه أن ينفع به طلاب العلم الكـــــرام، وآخــر دعوانا أن الـحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله، وأصحابه، والتابعين لـهم بإحسان إلى يوم الدين.