ثغوركم يا دعاة الإسلام

منذ 2011-10-02

في خضم الثورات العربية، ومطالب التغيير الجذرية، انشغل الكثير من الدعاة بالعمل السياسي الذي أخذ كثيرًَا من الجهد والوقت، وبالطبع لا نشك أن هذا الجهد مشكور إن شاء الله.


في خضم الثورات العربية، ومطالب التغيير الجذرية، انشغل الكثير من الدعاة بالعمل السياسي الذي أخذ كثيرًَا من الجهد والوقت، وبالطبع لا نشك أن هذا الجهد مشكور إن شاء الله.

فالواقع الإسلامي دائمًا في أشد الحاجة إلى جهود العلماء والدعاة المخلصين كمرشدين ومستشارين، أما نزولهم كمنفذين سياسيين يحتاج إلى وقفة تأمل وتدبر.

فثغورهم الدعوية في أشد الحاجة إليهم، خاصة بعد توفر جانب كبير من الحرية الدعوية، حيث حانت الفرصة الحقيقية لتأسيس جيل قرآني جديد مبني على العقيدة الصحيحة الخالية من البدع والخرافات، مع تصحيح المسالك والأعمال والتوجهات.

فالعلماء هم المحضن الحقيقي لتربية الساسة الناجحين، واسألوا إن شئتم صلاح الدين وقطز وبيبرس ومحمد الفاتح وغيرهم من القادة العظام والساسة العباقرة الذين تربوا في كنف العلماء الربانيين.


إن العلماء والدعاة هم المصانع الحقيقية للأجيال الناجحة المؤثرة في واقع أمتها وتاريخها، فهم حاملي لواء الجانب التأسيسي، والاستشاري، ومن تحت عباءتهم ينشأ الجند المنفذون في شتى المجالات ومنها الجانب السياسي.
وكم نرى الفاقة في عيون شباب وشابات في أشد الحاجة لمن يعلم ويرشد ويربي، وكم نسمع ونرى أنين المنابر والمساجد تشكو إلى الله قلة الربانيين وانشغال المخلصين.
فلماذا لا يكتفي العلماء والدعاة بدور المرشد والمستشار والموجه للساسة الناجحين من تلامذة الدعاة، حتى لا يخلو منصب العلم والتربية والفتوى من أربابه وفي نفس الوقت تطمئن قلوب العلماء والدعاة أن السياسة بين يدي أمناء.
إن مقام الدعوة مقام عظيم ومقام العلماء الربانيين عند الله كبير قال تعالى: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللّهِ وَلَكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ} [آل عمران:79].

قال الإمام القرطبي -رحمه الله-: والربانيون واحدهم رباني منسوب إلى الرب، والرباني الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره، وكأنه يقتدي بالرب سبحانه في تيسير الأمور، روي معناه عن ابن عباس، قال بعضهم : كان في الأصل ربي فأدخلت الألف والنون للمبالغة، كما يقال للعظيم اللحية: لحياني ولعظيم الجمة جماني ولغليظ الرقبة رقباني. وقال المبرد: الربانيون أرباب العلم، وأحدهم ربان، من قولهم: ربه يربه فهو ربان إذا دبره وأصلحه، فمعناه على هذا يدبرون أمور الناس ويصلحونها. والألف والنون للمبالغة كما قالوا ريان وعطشان، ثم ضمت إليها ياء النسبة كما قيل: لحياني ورقباني وجماني. قال الشاعر:
لو كنت مرتهنا في الجو*** أنزلني منه الحديث ورباني أحباري

فمعنى الرباني العالم بدين الرب الذي يعمل بعلمه، لأنه إذا لم يعمل بعلمه فليس بعالم. وقد تقدم هذا المعنى في البقرة، وقال أبو رزين: الرباني هو العالم الحكيم.

وروى شعبة عن عاصم عن زرعن عبد الله بن مسعود {وَلَـٰكِن كُونُوا رَبَّانِيِّينَ} قال: حكماء علماء. ابن جبير: حكماء أتقياء. وقال الضحاك: لا ينبغي لأحد أن يدع حفظ القرآن جهده فإن الله تعالى يقول: {وَلَـٰكِن كُونُوا رَبَّانِيِّينَ}. وقال ابن زيد: الربانيون الولاة، والأحبار العلماء. وقال مجاهد: الربانيون فوق الأحبار، قال النحاس: وهو قول حسن، لأن الأحبار هم العلماء. والرباني الذي يجمع إلى العلم البصر بالسياسة، مأخوذ من قول العرب: رب أمر الناس يربه إذا أصلحه وقام به، فهو راب ورباني على التكثير، قال أبو عبيدة: سمعت عالمًا يقول: الرباني العالم بالحلال والحرام والأمر والنهي، العارف بأنباء الأمة وما كان وما يكون. وقال محمد بن الحنفية يوم مات أبي عباس: اليوم مات رباني هذه الأمة.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما من مؤمن ذكر ولا أنثى حر ولا مملوك إلا ولله عز وجل عليه حق أن يتعلم من القرآن ويتفقه في دينه» ثم تلا هذه الآية {وَلَـٰكِن كُونُوا رَبَّانِيِّينَ} [ آل عمران:79] (رواه ابن عباس).

وقال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت:33].
قال الإمام ابن كثير: يقول عز وجل: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ} أي دعا عباد الله إليه، {وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} أي وهو في نفسه مهتد بما يقوله فنفعه لنفسه ولغيره لازم ومتعد وليس هو من الذين يأمرون بالمعروف ولا يأتونه وينهون عن المنكر ويأتونه بل يأتمر بالخير ويترك الشر ويدعو الخلق إلى الخالق تبارك وتعالى وهذه عامة في كل من دعا إلى خير وهو في نفسه مهتد ورسول الله صلى الله عليه وسلم أولى الناس بذلك.
وقال أيضًا:
قال عبد الرزاق عن معمر عن الحسن البصري أنه تلا هذه الآية: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت:33]. فقال هذا حبيب الله، هذا ولي الله، هذا صفوة الله، هذا خيرة الله، هذا أحب أهل الأرض إلى الله، أجاب الله في دعوته ودعا الناس إلى ما أجاب الله فيه من دعوته وعمل صالحا في إجابته وقال إنني من المسلمين هذا خليفة الله.

فيا دعاة الإسلام
الله الله في ثغوركم..

 

 

  • 4
  • 0
  • 5,174

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً