التكامل بين الحركات الإسلامية في مصر

منذ 2011-10-02

ندوة من إعداد مجلة البيان

الأستاذ عادل الأنصاري (المستشار الإعلامي لحزب العدالة والتنمية التابع لجماعة الإخوان المسلمين).
الشيخ نشأت أحمد (الداعية الإسلامي وعضو الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح).
الأستاذ أحمد عمرو (مدير وحدة الحركات الإسلامية بالمركز العربي للدراسات الإنسانية).
الشيخ هشام عبد القادر عقدة (الداعية الإسلامي والباحث الشرعي).
الدكتور هشام محمد برغش (الداعية الإسلامي).

المشاركون في هذا التحقيق يؤكدون على أن:
التكامل بين الحركات الإسلامية في مصر (ضرورة وحتمية آنية وتاريخية).
مساحات التوافق بين التيارات الإسلامية أكثر من مساحات الخلاف بكثير.
لا بد أن يكون الاختلاف اختلاف تنوع وتكامل وليس اختلاف تعصب وتصادم.
علينا أن نفهم جيدًا طبيعة التحدي الأكبر لهذه الحركات في المستقبل، وهو"السلطة".
جمعة الإرادة الشعبية كانت إنجازًا كبيرًَا في جمع الشمل؛ رغم الخلاف الواقع في بعض الجزئيات.
لا بد من هيئات تجميعية وتنسيقية تجمع القيادات من تلك الحركات. وعلى الأزهر الآن أن يلتقي مع تلك الهيئات لتوحيد الصف، وليكون التحرك رسميًا وشعبيًا.
فلول النظام البائد والإعلام الخبيث يحرصون على إحداث الوقيعة بين التيارات الإسلامية.
الحاجة الشديدة للتآخي والتلاحم واتخاذ مواقفَ تُعيد لهذا التيار بكامله كرامته وحريته.
لا بد من العمل على إحداث عملية تغيير حقيقة على صعيد البُنَى الفكرية ومناهج التربية.
لا بد من تكوين لجنة مؤقتة لمتابعة سبل التناصح والتعاون بين العاملين في الحقل الإسلامي.

لا يخفى على المتابع لواقع كثيرٍ من الجماعات والحركات الإسلامية الحالية في مصر -خاصة بعد ثورة 25 يناير- مظاهرُ التحول الإيجابي والانفتاح والتعاون بين هذه الفصائل وتلك الجماعات، وإن كان لا يرقى إلى المستوى المنشود الذي تمليه التحديات التي تواجه الدولة المصرية كلها، وهي التي تتعرض لضغوط متنوعة وكبيرة لحرفها عن مسارها وتغييبها عن هويتها وشريعتها في ظل تكالب وتكاتف وتعاون كافة القوى العلمانية والليبرالية والنصرانية في الداخل والخارج، والتنسيق بينها في مواجهة التوجه الإسلامي للشعب المصري.

ومن هنا انطلقنا في محاول للتعرف على المدى الفعلي لإمكانية وكيفية تحقيق التعاون والتكامل بين الحركات الإسلامية على أرض مصـر، وهي المتمثلـة في تيـارات العمل السـياسـي ذات المرجعيـة الإسـلامية، والحـركات الدعـوية والخيـرية الإسـلامية؛ وذلك بغيـة عدم التنـازع في ما بينهم؛ تصـديقاً لقـول ربنـا سبحانه: {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 46]. وقوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران: 103].

توافُق في المنطلقات:
في البداية يؤكد الأستاذ عادل الأنصاري على أن مساحات التوافق بين معظم التيارات الإسلامية أكثر من مساحات الخلاف، وفرص التقارب أوفر من التباعد؛ فنحن نتكلم عن تيار واحد وليس تيارات متعددة، ربما اختلفت لدى فصائل التيار الواحد الرؤى لمعالجة بعض القضايا، وربما اختلفت وجهات النظر في الأولويات التي ينبغي على الجميع أن يهتم بها في كل مرحلة؛ إلا أن هذا الخلاف المقبول وذلك التنوع المنطقي لا يخرج عن دائرة التوافق في إطار تيار واحد وإن تعددت فصائله وتنوعت مواقفه.

وأكد فضيلة الشيخ نشأت أحمد على أن المصائب تجمع المصابين؛ فهذه التيارات كلها امتحنت خلال الفترات الماضية، بل لاقت أشد العنت والمشقة والقهر في المعتقلات والسجون، ولم يسلم من إيذاء النظام البائد تيار واحد.

ويجمع الأستاذ أحمد عمرو هذه الأمور التي تتوافق عليها التيارات الإسلامية في مجملها؛ فهي تعمل على إحياء المشروع الإسلامي في الأمة في إطاره السياسي والاقتصادي والاجتماعي... إلخ؛ بحيث تصبح مرجعية الكتاب والسنة هي المُحَكَّمة في جميع تلك الأمور، وكذلك من القواسم المشتركة بينها مقاومة عمليات التغريب التي يتعرض لها المجتمع؛ سواء في شكلها البسيط (التغرب في الأشكال والعادات)، أو في أشكالها الأكثر عمقاً (عملية تغريب عقول المسلمين)، وأيضًا من القواسم المشتركة رفض عملية التبعية، والسعي لتحقيق استقلالية العالم الإسلامي؛ سواء كانت تلك التبعية سياسية أو اقتصادية.

اختلافٌ منطقي:
بالنسبة لأوجه التباين والخلاف فيرى الأستاذ عادل الأنصاري أنه علينا ألا نتجاهل بعض الاختلافات الواقعية بين الفصائل المختلفة، مُشيرًا إلى أن منبع هذه الاختلافات ربما يرجع إلى عدد من المصادر: كالاختلاف في تقدير الواقع، والاختلاف في الأولويات لدى كل فصيل، والاختلاف في التجارب والخبرات الدعوية والسياسية.

وعن مجالات الخلاف كذلك، يبرز فضيلة الشيخ الداعية هشام عبد القادر عقدة هذا الاختلاف في أمرين:
الأول: هل نعمل في هذه الفرصة للوصول إلى تحكيم الشريعة بالفعل وإقامة الدولة الإسلامية المنشودة، أم نكتفي بمرحلة في هذا الاتجاه؟ ولكلٍّ رأي حيثياته.
والثاني: طريقة الخطاب أو الوصول للهدف ما بين متحفظ تجاه الشعارات الإسلامية وآخر صريح أو صدامي، عليهم أن يرجعوا في النهاية إلى فقه أولويات المرحلة الراهنة.

بينما يرى فضيلة الشيخ الدكتور هشام محمد برغش أنه لا منازعة في أنَّ تعدُّد الاجتهادات وتفاوت التقديرات سُنة من سنن الاجتماع، وأنه حقيقة ملازمة لكافة التجمعات البشرية في مختلف الأزمنة والأمكنة. ولا يُذَم هذا الاختلاف إلا في صورة من هذه الصور:
• أن يكون في الأصول والقطعيات.
• التعصب المذموم الذي يفضي إلى التفرق ويخترق به سياج الأخوة الإيمانية.

كما بين الشيخ برغش أنَّ مكمن الخطر عندما يصل الأمر بإحدى الحركات أن تظن احتكار الحقيقة؛ وأن قولها وعملها فقط هو الصواب، بينما عمل غيرها خطأ غير مقبول منه.

ضرورة التعاون:
وعن ضرورة التعاون والتنسيق بين الحركات الإسلامية فيرى المستشار الإعلامي لحزب الإخوان الأستاذ عادل الأنصاري أن التكامل أمر واجب بين فصائل التيار الإسلامي، كما يرى أن تركِّز الفصائل على العمل الدعوي والعلمي مع أولوية الحفاظ على هوية الأمة من الذوبان، ولا مانع أن يركز تيار آخر على التواصل السياسي مع التيارات الفاعلة في المجتمع إذا كان يملك تجربة مقبولة في هذا الاتجاه، بينما تقوم فصائل أخرى بدور إعلامي وفكري وثقافي وهكذا نستطيع أن نجمع التنوع الفطري بين الفصائل في إطار تيار حقيقي يصب في نهاية المطاف في مصلحة الأمة بدلًا من أن ينشغل كل فصيل بما يجيده الآخر ويتميز به.

ويذكر الشيخ هشام برغش في هذا الشأن: أن الأصل في هذه التيارات وتلك الجماعات التخصص والتكامل؛ فتعدديتها تعددية تنوع وليس تعددية تضاد، فخلافها فقط في الأولويات وتقديم ما تحسنه. وهذه طبيعة فروض الكفايات التي لا يسع كل أحد القيام بها جميعًا؛ فيقوم ببعضها مع إيمانه بالأخرى، ولا يزال المسلمون عبر التاريخ: منهم المجاهدون، ومنهم المحتسبون، ومنهم المعلمون، ومنهم المحدِّثون، ومنهم الفقهاء، ومنهم العُبَّاد، ومنهم الساعي على الأرملة واليتيم وابن السبيل، ومنهم المقتصد الذي لا اشتغال له بما زاد على الفرائض، ثم هو بعد ذلك منهمك في مهنته، وكذلك هذه الجماعات والتيارات: فمنها القائم بالتعليم وتصحيح العقيدة، ومنها المشتغل بالتزكية والتربية، ومنها المنتصب للعمل السياسي بروافده ومجالاته المتعددة، ومنها المتخصص في العمل الاجتماعي... وهكذا؛ فهو إذن تعدُّد التنوع والتخصص والتكامل، وليس تعدُّد من يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض.

ومن ثَمَّ فإن دعم هذا التكامل وتشجيعه مما تمليه طبيعة هذه الفروض وتلك التخصصات وطبيعة التحديات التي تواجهها الحركة الإسلامية في الواقع، وعلى قيادات ورموز هذه الكيانات أن تعمل جاهدة على دعم هذه التخصصات وإسناد كل مهمة إلى من يحسنها ودعمه في ذلك.
ولا يجوز لهذه الكيانات أن تنازع في ما لا تحسنه من منطلق العصبية والتوسع ولو على حساب مصلحة الإسلام الكلية.

خير مثل:
وقد برز هذا الشكل الأمثل لهذا التعاون في مصر في جمعة (الإرادة الشعبية) التي اجتمعت عليها وفيها أغلب التيارات الإسلامية (الإخوان، والسلفية، والجماعة الإسلامية، وسلفيو الإسكندرية) وقد اعتبرها الشيخ هشام عقدة إنجازًا كبيرًا في جمع الشمل رغم الخلاف الواقع في بعض الجزئيات، وقد سبقها خطوات في جمع الشمل بدءاً من قيام الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح في أيام الثورة، ثم اجتماع الإسلاميين على رأي موحد تجاه استفتاء مارس 2011م على التعديلات الدستورية، إلى صدور بيان موحد لائتلاف القوى الإسلامية في رفض وثيقة المبادئ الحاكمة على الدستور ثم كانت مليونية (الإرادة الشعبية). وكل ذلك كان يسبقه سهر الليالي في جلسات التنسيق بين الإسلاميين.

كما يرى الأستاذ أحمد عمرو أنها كانت مثالًا واضحًا على أهمية إيجاد عدد من القضايا أو المشاريع والتوحد حولها؛ فقد شهد الجميع لجمعة (الإرادة الشعبية) بالنجاح وأحدثت الأثر المرجوَّ منها من قِبَل التيارات الإسلامية المشاركة فيها، وهو الأمر الذي يبعث برسالة مفادها: أنه يمكن التوحد والتكامل. شارك في جمعة (الإرادة الشعبية) التيارات السلفية بمختلف مشاربها، والجماعة الإسلامية والإخوان والمستقلون... وهو أمر محفز للاتجاه نحو قضايا مشتركة تجتمع عليها الكلمة كما اجتمعت الكلمة في جمعة (الإرادة الشعبية).

هيئات جامعة:
وعن الهيئات التي تعمل على توحيد صف الأمة من بين الحركات والأحزاب الإسلامية؛ ليكون بذلك جبهة إسلامية متكاملة تستطيع أن تقف وتصمد أمام تحديات الوقت الراهن في مصر يقول الباحث أحمد عمرو عنها: إنها ضرورة وواجب الوقت؛ لكن إن لم تسبقها مشاعر التجرد والرغبة الصادقة في التكامل والتعاون فلن تؤتي أُكُلَها؛ بل ستظل أعراساً من شموع لا حراكة فيها جامدة إلا إذا ضحى الجميع وبذل جهده من أجل وحدة الكلمة وجمع الصف.

ويُقسِّم الشيخ هشام عقدة هذه الهيئات التجميعية للتيارات الإسلامية؛ فمنها ما يتعلق بالدعوة كالهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح، ومنها ما يتعلق بعمل الأحزاب كمكتب التنسيق بين الأحزاب الذي يقوم عليه عدد من الإسلاميين الموثوقين ذوي العلاقة الحسنة بالتيارات المختلفة، ومنها اللجنة التنسيقية للحشد العام كما في المليونيات وهي أوسع دائرة من الهيئة وإن كانت قد نشأت نتيجة لدعوة الهيئة الشرعية للتيار الإسلامي للاجتماع والحشد في بعض المواقف، وكذلك انبثق عن دعوة الهيئة ائتلاف القوى الإسلامية الذي شمل الهيئة والإخوان والسلفيين وأنصار السنة والجماعة الإسلامية، وهو قابل للمزيد من التجميع.

ويرى الشيخ هشام برغش أن الأَوْلى أن تجتمع هذه الهيئات بجهود مباركة إن شاء الله؛ فتجمع كل التيارات ذات المرجعية الإسلامية ورموزها؛ على أعمال وأهداف مشتركة، بعيداً عن روح التوجس والتحفز والتشكك؛ فتلتقي بفضل الله عز وجل كلماتهم، ومن ثَمَّ جهودهم.

كما أن هذه الهيئات الجامعة -أو هكذا نتمنى منها- مطالَبة بأن تقوم بالدور السابق نفسه في إطار الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية، ويجب على الجميع أن يدعمها بكافة سبل الدعم؛ فهذا واجب الوقت في المرحلة المقبلة التي تحتاج إلى توحيد الصفوف وتنسيق الجهود ونقل الخبرات وكشف المؤامرات التي تحاك لهذه الأحزاب من القوى الليبرالية التي جمعت كلمتها على مواجهة التيارات الإسلامية كافة. ثم لا بد من التنسيق والتعاون بين الهيئات واللجان حتى يتم التنسيق بين جميع الفصائل وأذرعها على أكمل وجه وأتمِّه.

الوقيعة... والتصدي لها:
وعن محاولات الوقيعة التي تحدث عنها الشيخ برغش في السابق يرى الشيخ نشأت أحمد (عضو الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح) أن هذا التلاقي بيننا لن يروق لأعدائنا لا في الداخل ولا في الخارج؛ وهم أعلنوا أنهم سيسعون جاهدين؛ لتفريق هذا الزخم وهذا التوجه الإسلامي، لكن نسأل الله أن يعصمنا بفضلٍ منه ورحمة، وأن لا يمكِّن لنزغات شياطين الإنس والجن أن تفسد بيننا، والأمر يحتاج لإخلاص شديد، يحتاج لمواصلة هذا التلاقي حتى تُعالَج أي شبهات تثار أولاً بأول وحتى لا يتمكن أعداؤنا من إفسادهم بيننا.

وذكر الشيخ هشام عقدة أنه لا بد من الإشارة إلى حرص فلول النظام البائد والإعلام الخبيث على إحداث الوقيعة بين التيارات الإسلامية بل وبين القوى الوطنية عمومًا، ولكن بفضل الله توجد حالة انتباه لهذا من جهة أبناء التيار الإسلامي ويمكن زيادتها وصقلها باستمرار النجاح في التواصل الذي نشط منذ الثورة بين فئات التيار الإسلامي؛ لاسيما مع رصد بعض الفئات المخلصة جُلَّ جهدها من أجل إدامة هذا التواصل المتضمن للشورى والمناصحة والرصد لتحركات مَن حولنا وتبادل المعلومات في ذلك.

مطالب المرحلة:
لقد اجتمعت كلمة جُلِّ من شارك في هذا التحقيق حول أولوية الحاجة الشديدة للتآخي والتلاحم واتخاذ مواقف تُعيد لهذا التيار بكامله كرامته وحريته وقدرته على أداء دوره في الحياة بل قدرته على استخلاص حقوقه، وعلى الوصول لأفضل حياة ممكنة في وسط هذا الزخم الذي وصلنا إليه، وهو ما يكون بالتواصل بين الفصائل المختلفة وكثرة اللقاءات التي تجمع بينهم في نقاشات علمية وفكرية وإدارية متوازنة للاتفاق على محددات هذه الأدوار ليقوم كلُّ فصيل بما يمكن أن يقدمه لخدمة دينه وأمته، وهو ما ذكره الشيخ نشأت أحمد والأستاذ عادل الأنصاري وغيرهما.

أما الأستاذ أحمد عمرو فيرى أن من أهم مطالب المرحلة هو إحداث عملية تغيير حقيقة على صعيد البُنَى الفكرية ومناهج التربية التي يتكون من خلالها أفراد وأتباع التيارات الإسلامية؛ بحيث تخلو المناهج التربوية وخطابها لأتباعها من استصغار الجهود وبخس الإنجازات ورؤية النفس فقط.

ويرى الشيخ هشام برغش أنه علينا أن نؤكد مرارًا وتكرارًا على أن التعددية في ظل العصبية والخصومة أمر مرفوض وفتنة كبيرة، والمنهج الصحيح للتعامل مع هذه الفتنة، يكون بوضع منهج عملي لدفع مفاسدها وتقليلها ورأب الصدع بين هذه الجماعات ونزع أسباب الفرقة، من خلال إحياء فقه الاختلاف وآدابه وقواعده، وليس بتبديع هذه الجماعات أو السعي في نقضها والدعوة إلى اعتزالها.

وكما وجدت المذاهب والمدارس الفقهية المختلفة في ظل صفاء ومودة وأُلفة بين أصحابها، فإنه من الممكن أن توجد الجماعات الإسلامية المختلفة على أساس التعاون وإشاعة روح التنافس الشريف.

ويشير الشيخ برغش إلى أنه يجب على هذه الجماعات جميعًا أن تدرك أنها مهدَّدة بانعدام الشرعية، إذا لم تؤسس نظرتها إلى التعدد على هذا النحو، وترسم من خلاله إطارًا للتكامل والتراحم؛ تمهد به الطريق إلى إقامة الجماعة التي جاءت بها النصوص بمفهومها العام والشامل.

مبيِّناً أن لهذه النظرة سالفة الذكر آثارًا مهمة ولازمة في علاج واقع تلك الجماعات، والأسباب التي أدت إلى الاحتقان بينها، ومن هذه الآثار: زوال عقدة الانغلاق على النفس، والاستعلاء على الآخرين، وامتهاد الطريق إلى مزيد من التواصي والتناصح وقطع السبيل على دعاة الفتنة، وتصحيح النظرة إلى الآخرين وانتهاء التشنيع عليهم بالجزئية والقصور؛ لأنه في ظل هذا التصور لا حَرج في الجزئية أو التخصص، وما تقصر فيه جماعة تتداركه جماعة أخرى، فتتكامل هذه الجماعات في أداء هذه الفروض الكفائية، ويرتفع الإثم عن الجميع.

كما أشار فضيلته إلى مجموعة أخرى من الواجبات الحتمية على كل التيارات الإسلامية الآن، منها: الاتفاق على الكليات والثوابت والتغافر في موارد الاجتهاد، منطلقة على أساس جملة من المبادئ والركائز، أهمها: منهج أهل السُّّنة والجماعة وهو الإطار الذي يجب أن تتقيد به كافة الحركات الإسلامية، ومسائل الإجماع يجب أن تكون موضع قَبُول من الجميع، وأما مسائل الاجتهاد فلا يُضَّيق فيها على المخالف؛ فمن عمل فيها بأحد القولين لم يُنكر عليه ولم يُهجر، أما مسائل الخلاف المعتبَر فهو خلاف أهل العلم، لا خلاف العامة وأشباههم، وأن الاجتهاد المبني على الموازنة بين المصالح والمفاسد من دقائق الفقه التي يجب أن تفوَّض إلى أهل العلم، ولا مدخل في ذلك للعامة ولا لأشباه العامة.

وكذلك منطلقة من أهمية بحث قضايا الخلاف المنتشرة بين كافة الفصائل، وتحرير محلِّ النزاع فيها يكون من خلال تشكيل لجان علمية متخصصة من المبرزين من أهل العلم في كل فصائل التيار الإسلامي؛ بهدف الوصول إلى رؤية مشتركة حولها، وتحديد الموقف الصحيح منها.

ويختم الشيخ برغش كلامه بقوله أنه مما لا شك فيه أن من أهم عوامل ترشيد هذه الجماعات والكيانات، هو السعي الحثيث لإحياء دور العلماء الربانيين، و تفعيل دور المؤسسات الإسلامية الرسمية، ومن أعظمها وأهمها ولا شك الأزهر العريق، والعمل الجاد على أن تستعيد هذه المؤسسة ريادتها واستقلاليتها وفاعليتها، وأن تكون هي حاملة راية الدفاع عن الإسلام وشريعته، والمتبنية لقضاياه، والداعمة لها، ويوم كان الأزهر هو قلب الإسلام النابض، وحامل لواء الشريعة؛ لم نجد هذا التمزق وذلك التشرذم الذي تعاني منه الأمة اليوم.

ومن جانبه أشار فضيلة الأستاذ الدكتور محمد المختار المهدي الرئيس العام للجمعية الشرعية، إلى المؤتمر الذي عقده الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في مصر، وقد تضمن جلسة كاملة عن التيارات الإسلامية، وقد استهدفت هذه الجلسة الوصول إلى قناعات مشتركة وميثاق شرف للتعاون بين هذه التيارات.

كما أكد فضيلته على أن الجلسة انتهت بمجموعة من التوصيات، منها: تكوين لجنة مؤقتة لمتابعة سبل التناصح والتعاون بين العاملين في الحقل الإسلامي، والاتفاق على ميثاق شرف يقوم على عدد من المبادئ، منها: الحرص الشديد على كل ما يحقق وحدة الدين ووحدة الأمة، وترك كل ما يؤدي إلى الاختلاف الذي يضر بها، والعهد مع الله في إقامة الإخلاص والعدل، مع الالتزام بالموضوعية وعدم التجريح للمخالفين أفراداً ومؤسسات، وضرورة توحيد المواقف إزاء القضايا الكبرى والمصيرية للأمة، وتوعية الأعضاء والأتباع في كل جماعة بأدب الخلاف والتعامل مع الآخرين، وتجنب التراشق على مستوى الإعلام، أو الانجرار إلى معارك يفتعلها الآخرون، وأخيرًا مراعاة الأولويات الشرعية في الخطاب والتطبيق.

المصدر: إعداد- جلال الشايب- جمال سالم
  • 5
  • 1
  • 5,368

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً