فضل من زهد في الدنيا وأقبل على الله عز وجل
قالﷺ: «يقول العبد: مالي مالي إنما له من ماله ثلاث: ما أكل فأفنى أو لبس فأبلى أو أعطى فاقتنى وما سوى ذلك فهو ذاهبٌ وتاركه للناس»
1 - الجنة للمتواضعين الزاهدين:
قال تعالى: {تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [1].
قال تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}[2].
2 - الأغنياء هم الفقراء يوم القيامة إلا من أنفق في سبيل الله:
ففي الصحيحين عن أبي ذر قال كُنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم في حرة المدينة فاستقبلنا أُحدٌ فقال: يا أبا ذر، قُلت: لبيك يا رسول الله قال: «ما يسرني أن عندي مثل أُحد هذا ذهبًا تمضي علي ثالثةٌ وعندي منه دينارٌ إلا شيئًا أرصده لدين إلا أن أقول به في عباد الله هكذا وهكذا وهكذا» ، عن يمينه وعن شماله ومن خلفه ثم مشى، فقال: إن الأكثرين هم الأقلون يوم القيامة إلا من قال هكذا وهكذا وهكذا عن يمينه وعن شماله ومن خلفه، وقليلٌ ما هم، ثُم قال لي: «مكانك لا تبرح حتى آتيك» ثم انطلق في سواد الليل حتى توارى فسمعت صوتًا قد ارتفع فتخوفت أن يكون قد عرض للنبي صلى الله عليه وسلم، فأردت أن آتيه فذكرت قوله لي: لا تبرح حتى آتيك، فلم أبرح حتى أتاني قلت: يا رسول الله، لقد سمعت صوتًا تخوَّفت، فذكرت له فقال: «وهل سمعته» ، قُلت: نعم، قال: «ذاك جبريل أتاني، فقال: من مات من أمتك لا يُشرك بالله شيئًا دخل الجنة» ، قُلت: وإن زنا وإن سرق قال: «وإن زنا وإن سرق» [3].
3 - القناعة طريق الفلاح:
روى مسلم عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قد أفلح من أسلم ورُزق كفافًا، وقنْعه الله بما آتاه» [4]، ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم ارزُق آل محمد قوتًا» [5].
4 - لا يصاحبك في قبرك إلا عملك:
ففي الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يتبعُ الميت ثلاثةٌ، فيرجع اثنان، ويبقى معه واحدٌ، يتبعه أهله وماله وعمله، فيرجع أهله وماله ويبقى عمله» [6].
5 - زهد النبي صلى الله عليه وسلم:
روى البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: لم يأكل النبي صلى الله عليه وسلم على خوان حتى مات، وما أكل خُبزًا مرققًا حتى مات[7]؛ روى البخاري عن أبي حازم قال: سألت سهل بن سعد فقُلت هل أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم النقي[8]؟ فقال سهل: ما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم النقي من حين ابتعثه الله حتى قبضه الله قال: فقُلت: هل كانت لكم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مناخِل؟ قال: ما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مُنخلًا من حين ابتعثه الله حتى قبضه الله قال: قُلت: كيف كُنتم تأكلون الشعير غير منخول؟ قال: كُنا نطحنه وننفخه فيطير ما طار وما بقي ثريناه[9] فأكلناه[10]؛ روى مسلم عن النعمان بن بشير قال: ألستم في طعام وشراب ما شئتم لقد رأيت نبيكم صلى الله عليه وسلم وما يجد من الدَّقل ما يملأ به بطنه[11]، وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم من طعام ثلاثة أيام حتى قُبض[12]، وفي الصحيحين عن عائشة قالت: ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم مُنذ قدم المدينة من طعام برٍّ ثلاث ليال تباعًا حتى قُبض[13].
روى مسلم عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: لقد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وما شبع من خُبز وزيت في يوم واحد مرتين[14]، ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت لعروة ابن أختي: إن كُنا لننظر إلى الهلال ثم الهلال ثلاثة أهلة في شهرين وما أُوقدت في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نارٌ فقلت: يا خالة ما كان يعيشكم؟ قالت: الأسودان التمر والماء إلا أنه قد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جيرانٌ من الأنصار كانت لهم منائح وكانوا يمنحون رسول الله صلى الله عليه وسلم من ألبانهم فيسقينا[15].
6 - الملائكة تناديك بالتقلل من الدنيا:
روى أحمد وصححه الألباني عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما طلعت شمسٌ قط إلا بُعث بجنبتيها ملكان يناديان يُسمعان أهل الأرض إلا الثقلين يا أيها الناس هلمُّوا إلى ربكم فإن ما قل وكفى خير مما كثر وألهى، ولا آبت شمسٌ قط إلا بُعث بجنبتيها ملكان يناديان يُسمعان أهل الأرض إلا الثقلين: اللهم أعط مُنفقًا خلفًا وأعط مُمسكًا مالًا تلفًا» [16].
روى الترمذي وقال: حسنٌ غريبٌ، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله تعالى يقول: يا بن آدم تفرغ لعبادتي[17] أملأ صدرك غنى وأسُد فقرك وإلا تفعل ملأت يديك شُغلًا ولم أسُد فقرك» [18].
7 - النبي صلى الله عليه وسلم يخشى على أمته مفاسد الغنى:
ففي الصحيحين عن عُروة بن الزبير رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا عُبيدة بن الجراح إلى البحرين يأتي بجزيتها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو صالح أهل البحرين وأمر عليهم العلاء بن الحضرمي، فقدم أبو عبيدة بمال من البحرين فسمعت الأنصار بقدوم أبي عُبيدة، فوافت صلاة الصُّبْح مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلما صلَّى بهم الفجر انصرف، فتعرضوا له فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآهم، وقال: «أظُنكم قد سمعتم أن أبا عبيدة قد جاء بشيء» ؟ قالوا: أجل يا رسول الله قال: «فأبشروا وأملوا ما يسركم فو الله لا الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى عليكم أن تُبسط عليكم الدنيا كما بُسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها وتُهلككم كما أهلكتهم» [19].
ففي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم جلس ذات يوم على المنبر وجلسنا حوله، فقال: «إني مما أخاف عليكم من بعدي ما يُفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها» ، فقال رجلٌ: يا رسول الله أو يأتي الخير بالشر؟ فسكت النبي صلى الله عليه وسلم فقيل له: ما شأنك تُكلم النبي صلى الله عليه وسلم ولا يُكلمك؟ فرأينا أنه يُنزل عليه قال: فمسح عنه الرُّحضاء فقال: «أين السائل» وكأنه حمده فقال: «إنه لا يأتي الخير بالشر وإن مما يُنبت الربيع يقتل أو يُلم إلا آكلة الخضراء أكلت حتى إذا امتدت خاصرتاها استقبلت عين الشمس فثلطت وَبَالت ورتعت، وإن هذا المال خضرةٌ حلوةٌ، فنعم صاحب المسلم ما أعطى منه المسكين واليتيم وابن السبيل» - أو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم - «وإنه من يأخذه بغير حقه كالذي يأكل ولا يشبع ويكون شهيدًا عليه يوم القيامة» [20].
روى الترمذي وقال: حسنٌ غريبٌ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كم من أشعث أغبر ذي طمرين لا يُؤبه له لو أقسم على الله لأبره، منهم البراء بن مالك» [21].
روى ابن ماجه وصححه الألباني عن أبان بن عثمان بن عفان قال: خرج زيد بن ثابت من عند مروان بنصف النهار قُلت: ما بعث إليه هذه الساعة إلا لشيء سأل عنه فسألته فقال: سألنا عن أشياء سمعناها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من كانت الدنيا همه فرَّق الله عليه أمره وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له، ومن كانت الآخرة نيته جمع الله له أمره وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا وهي راغمةٌ» [22].
8 - متاع الدنيا زائل:
روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لقد رأيت سبعين من أصحاب الصُّفة ما منهم رجلٌ عليه رداء إما إزارٌ وإما كساءٌ قد ربطوا في أعناقهم فمنها ما يبلغ نصف الساقين ومنها ما يبلغ الكعبين فيجمعه بيده كراهية أن تُرى عورته[23].
روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يقول العبد: مالي مالي إنما له من ماله ثلاث: ما أكل فأفنى أو لبس فأبلى أو أعطى فاقتنى وما سوى ذلك فهو ذاهبٌ وتاركه للناس» [24].
روى مسلم عن عبدالله بن الشخير رضي الله عنه قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ: ألهاكم التكاثر، قال: «يقول: ابن آدم مالي مالي، قال: وهل لك يا بن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو تصدقت فأمضيت» [25].
روى مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بالسوق داخلًا من بعض العالية والناس كنفته فمر بجدي أسك ميت فتناوله فأخذ بأُذنه ثم قال «أيكم يُحب أن هذا له بدرهم» فقالوا ما نُحب أنه لنا بشيءٍ وما نصنع به قال: «أتحبون أنه لكم» قالوا والله لو كان حيًا كان عيبًا فيه لأنه أسك فكيف وهو ميت فقال: «فو الله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم» [26].
روى مسلم عن المستورد أخا بني فهر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والله ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه هذه -وأشار يحيى بالسبابة في اليمِّ- فلينظر بم ترجعُ» [27].
روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تعِس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة إن أُعطي رضي وإن لم يُعط سخط تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش طُوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله أشعث رأسه مغبرة قدماه إن كان في الحراسة كان في الحراسة وإن كان في الساقة كان في الساقة إن استأذن لم يُؤذن له وإن شفع لم يُشفَّع» [28].
روى مسلم عن سماك بن حرب قال: سمعت النعمان رضي الله عنه يخطب قال: ذكر عُمر ما أصاب الناس من الدُّنيا فقال: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يظلُّ اليوم يلتوي ما يجد دقلًا يملأ به بطنه[29].
ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: تُوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما في بيتي من شيء يأكله ذو كبد إلا شطر شعير في رف لي فأكلت منه حتى طال علي فَكِلته ففني[30].
[1] القصص: 83.
[2] الحديد: 20.
[3] متفق عليه: رواه البخاري «6444» ومسلم «94».
[4] صحيح: رواه مسلم «1054».
[5] متفق عليه: رواه البخاري «6460» ومسلم «1055».
[6] متفق عليه: رواه البخاري «6514» ومسلم «2960».
[7] صحيح: رواه البخاري «6450».
[8] النقي: الخبز الأبيض الحواري.
[9] ثريناه: بللناه وعجناه.
[10] صحيح: رواه البخاري «5413».
[11] صحيح: رواه مسلم «2977».
[12] متفق عليه: رواه البخاري «4955» ومسلم «5286».
[13] متفق عليه: رواه البخاري «5973» ومسلم «5274».
[14] صحيح: رواه مسلم «5283».
[15] متفق عليه: رواه البخاري «2379» ومسلم «5280».
[16] صحيح: رواه أحمد «20728» وصححه الألباني في مشكاة المصابيح «5218».
[17] تفرغ لعبادتي: أي اجعل طاعة الله أولى من كل أمر وفرَّغ قلبك لعبادة الله أثناء أدائها فلا تنشغل بغيره سبحانه وتعالى.
[18] حسن غريب: رواه الترمذي «2390» وقال: حسن غريب.
[19] متفق عليه: رواه البخاري «2924» ومسلم «5261».
[20] متفق عليه: رواه البخاري «1372» ومسلم «1742».
[21] حسن غريب: رواه الترمذي «3789» وقال حسن غريب.
[22] صحيح: رواه ابن ماجة «4095» وصححه الألباني في صحيح الجامع «6516».
[23] صحيح: رواه البخاري «423».
[24] صحيح: رواه مسلم «5259».
[25] صحيح: رواه مسلم «5258».
[26] صحيح: رواه مسلم «5257».
[27] صحيح: رواه مسلم «5101».
[28] صحيح: رواه البخاري «2673».
[29] صحيح: رواه مسلم «5289».
[30] متفق عليه: رواه البخاري «2866» ومسلم «5281».
- التصنيف: