الدلالات البلاغية في الألفاظ القرآنية - (1) ذكر الوالدين والأبوين

منذ 2023-07-21

إذا رأينا لفظ (الوالدين)، فالآية قصدت الميل لجهة الأم فالكلمة مشتقة من الولادة - أما عند ذكر لفظ (الأبوين)، فالآية قصدت الميل لجهة الأب؛ لأن الكلمة مشتقة من الأبوة.

بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أما بعد:

فعندما نقرأ القرآن الكريم، ونتدبره، تتجلى لنا دقة وعظمة كلماته وحروفه من الأساليب البلاغية العظيمة التي يحفِل بها القرآن الكريم.

 

ذكر الوالدين والأبوين:

إذا رأينا لفظ (الوالدين)، فاعلم أن الآية قصدت الأم والأب مع الميل لجهة الأم، فالكلمة مشتقة من الولادة، التي هي من صفات المرأة دون الرجل.

 

قال تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [لقمان: 14]، وقال تعالى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [البقرة: 83]، وقال تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ} [الأحقاف: 15].

 

فذكر الوالدين هنا، في مقام تقديم مرتبة الأم عن الأب في الوصاية بالإحسان، والبر، والشكر.

 

ففي الآية المباركة، خصَّ الله تعالى الأمَّ بدرجات أعلى من درجات الأب؛ للحمل والولادة، والإرضاع، فحصل لها بذلك ثلاث مراتب؛ ولذلك قال صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عند مسلم، وقد ذكر في البر والصحبة: ((أمك))؛ قالها ثلاث مرات؛ إكرامًا لها عن مرتبة الأب، ((حين سأل رجلٌ: من أبَرُّ؟ وفي رواية عند البخاري: من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: «أمك»، قال: ثم من؟ قال: «أمك»، قال: ثم من؟ قال: «أمك»، قال: ثم من؟ قال: «أبوك»؛ فجعل له الربع من المبرَّة.

 

فالأم هي محل البر والإكرام، وهي رمز التضحية والفداء، والطهر والنقاء، وهي الأصل الذي يشرُف به الولد، وأحق الناس بصحبته، ويليها الأب في حق البر والصحبة، كما تقدم.

 

أما عند ذكر لفظ (الأبوين)، فاعلم أن الآية قصدت الأب والأم مع الميل لجهة الأب؛ لأن الكلمة مشتقة من الأبوة، التي هي للأب وليست للأم.

 

فيتقدم هنا حق الأب عن الأم، ولكن في أي شيء؟ في آيات المواريث وتحمُّل المسؤولية، والتبعات الجسام، فتكون مع كلمة (الأبوين)؛ ليناسب ذلك للرجل، فالرجل مسؤول عن الإنفاق، فميراثه مصروف، وميراثها محفوظ.

 

قال تعالى: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11]؛ فمثلًا عندما ينفرد الأبوان بالميراث، فيُفرض للأم الثلث، ويأخذ الأب الباقي بالتعصيب المحض، ويكون قد أخذ ضعفي ما فُرِض للأم، وهو الثلثان، وهكذا فالحق هنا أعلى للأب عن الأم.

 

قال تعالى: {فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ} [يوسف: 99]؛ وكما في تفسير القرطبي وغيره يعني بأبويه: أباه وخالته، وكانت أمه قد ماتت في ولادة أخيه بنيامين، مع تقديم الأب، نعم؛ لأنه نبي، وهو سيدنا يعقوب عليه السلام.

 

وحتى نلتقي، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته[1].

 


[1] المصادر: تفسير القرطبي، وصحيح البخاري، وصحيح مسلم، وأسرار البلاغة للجرجاني.

____________________________________________
الكاتب: وحيد بن عبدالله أبوالمجد

  • 3
  • 0
  • 372
 
 

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً