قراءة المعوذتين سبب لطرد الشيطان

منذ 2023-09-14

عن أبي سعيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتعوَّذ من أعين الجان، وعين الإنسان، فلما نزلت المعوذتان أخذ بهما، وترك ما سواهما...

قال الله تبارك وتعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} [الفلق: 1-5].

 

وقال الله تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} [الناس: 1-6].

 

عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا عقبة، قل، فقلت: ماذا أقول يا رسول الله؟ فَسَكَت عني، ثم قال: يا عقبة قل، قلت: ماذا أقول يا رسول الله؟ فسكت عني، فقلت: اللهم اردُده عليَّ، فقال: يا عقبة قل، قلت: ماذا أقول يا رسول الله؟ فقال: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ}، فقرأتها حتى أتيتُ على آخرها، ثم قال: قل، قلت: ماذا أقول يا رسول الله؟ قال: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}، فقرأتها حتى أتيت على آخرها، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: «ما سَأل سائلٌ بمثلهما، ولا استعاذ مستعيذٌ بمثلهما»؛ (رواه النسائي برقم (5453)، والدارمي في "مسنده" (3443)) .

 

وفي رواية للنسائي (8/ 254)، عنه رضي الله عنه قال: اتَّبعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو راكب، فوضعت يدي على قدمه، فقلت: أقرئني سورة هود، أو سورة يوسف، فقال: لن تقرأ شيئًا أنفع عند الله من {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَق} .

 

وفي روايةٍ له (8/ 251) أيضًا عنه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «يا بن عائش، ألا أدلُّك - أو ألا أُخبرك - بأفضل ما يتعوَّذ به المتعوذون؟»، قال: بلى، يا رسول الله، قال: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَق}، و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}، هاتان السورتان.

 

وفي رواية له في "الكبرى" برقم (7845)، عن عقبة بن عامر عن عبد الله بن أُنيس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع يده على صدره، ثم قال: «قُلْ»، فلم أدرِ ما أقول، ثم قال لي: «قُلْ»، قلت: {قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ}، ثم قال لي: «قُلْ»، قلت: {أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} حتى فرغت منها، ثم قال لي: «قُلْ»، قلت: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} حتى فرغت منها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هكذا فَتَعَوَذْ ما تعوَّذَ المتعوِّذون بمثلهنَّ قط[1].

 

وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرأ يا جابر، قلت: وما أقرأ بأبي أنت وأمي؟ قال: اقرأ: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ}، و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاس}، فقرأتهما، فقال: اقرأ بهما، ولن تقرأ بمثلهما؛ رواه النسائي في "الكبرى" برقم (7854)[2].

 

فصلٌ: في قراءة سورة الصمد والمعوذتين قبل النوم:

عن عائشة كرضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه كلَّ ليلة جمع كفَّيه، ثم نفث فيهما، فقرأ فيهما: {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ}، و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَق}، و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}، ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه ووجهه، وما أقبل من جسده ـ يفعل ذلك ثلاث مرات ـ رواه البخاري برقم (5017).

 

فصلٌ: في قراءة سورة الصمد والمعوذتين في الصباح والمساء:

عن عبد الله بن خبيب، أنه قال: خرجنا في ليلةِ مطر، وظلمة شديدة، نطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلِّي لنا، فأدركناه، فقال: «أصليتم» ؟ فلم أقل شيئًا، فقال: «قل»، فلم أقل شيئًا، ثم قال: «قل»، فلم أقل شيئًا، ثم قال: «قل»، فقلت: يا رسول الله ما أقول؟ قال: «قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ، والمعوذتين حين تمسي، وحين تصبح، ثلاث مرات تكفيك من كل شيء»، (رواه أبو داود برقم (5082)، والترمذي (3575)) [3].

 

فصلٌ آخر: في فضل التعوُّذ بالمعوتين:

عن أبي سعيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتعوَّذ من أعين الجان، وعين الإنسان، فلما نزلت المعوذتان أخذ بهما، وترك ما سواهما، رواه الترمذي برقم (2058)، والنسائي في "الكبرى" (7804)، وابن ماجه (3511)[4].

 

معنى قوله: فلما نزلت المعوذتان أخذ بهما، وترك ما سواهما:

قال الطيبي في "شرح المشكاة" (5/ 1650): كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوَّذ من عين الجان، وعين الإنسان، فلما نزلت المعوذتان، أخذ بهما وترك ما سواهما، ولما سُحِرَ استُشفِيَ بهما.

 

وإنما كان كذلك؛ لأنهما من الجوامع في هذا الباب، فتأمل في أولهما، كيف خص وصف المستعاذ به بـ﴿ { بِرَبِّ الْفَلَقِ } ﴾؛ أي: بفالق الإصباح؛ لأن هذا الوقت وقت فيضان الأنوار، ونزول الخيرات والبركات، وخص المستعاذ منه بـ  {مَا خَلَقَ}، فابتدأ بالعام من قوله: {مِنْ شَرِّ مَا خَلَق}؛ أي: من شر خلقه، وشر ما يفعله المُكلَّفُون من المعاصي، ومضارة بعضهم بعضًا، من ظلم وبغي، وقتل وضرب، وشتم وغيره، وما يفعله غير المُكلَّفِين من الحيوان، كالسباع والحشرات، من الأكل والنهش، واللدغ، والعض، وما وضعه الله في غير الحيوان من أنواع الضرر كالإحراق في النار، والقتل في السم.

 

ثم ثنى بالعطف عليه ما هو شره أُخفي من الزمان، ما هو نقيض انفلاق الصبح، من دخول الظلام واعتكاره المَعْنِي بقوله: {وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ}؛ لأن انبثاث الشر فيه أكثر، والتحرز منه أصعب، ومنه قولهم: الليل أُخْفِيَ للويل، وخُصَّ ما يَكُن في الزمان بما غائلته خفيَّة، من النفاثات والحاسد، وقد خُصَّ شرُّ هؤلاء من كل شر، لخفاء أمره، وأنه يلحق الإنسان من حيث لا يعلم، كأنما يُغتال به.

 

وقيَّد الحاسد بـ {إِذَا حَسَدَ}؛ لأن الحاسد إذا أظهر حسده، وعمل بمقتضاه من بغي الغوائل للمحسود، كان شرُّه أتَمَّ، وضُرُّه أكملَ.

 

ثم تفكَّر في ثانيتهما، كيف وصف المستعاذ به بالرب، ثم بالملك، ثم بالإله، وأضافها إلى الناس، وكرَّره، وخُصَّ المستعاذُ منه بالوسواس، المعني به: المُوسْوِس من الجِنَّة والناس.

 

إن الاستعاذة وَقَعَت من شرِّ الموسوس في صدور الناس، وكأنه قيل: أعوذ من شرِّ المُوسوس إلى الناس بربِهم، الذي يَمْلِكُ عليهم أمورَهم، وهو إلههم ومعبودهم، كما يستغيث بعض الموالي، إذا اعتراهم خَطْب بسيِّدهم ومخدومهم وولي أمرهم، بُيِّن بـ {مَلِكِ النَّاسِ}، ثم زِيدَ بيانًا بـ {إِلَهِ النَّاسِ}؛ لأنه قد يُقال لغيره: رب الناس، وقد يُقال: ملك الناس، وأما إله الناس فخاص لا شركة فيه، فجُعل غاية للبيان.

 

وأقول: هذه المبالغة في جانب المستعاذ به، والترقي في الصفات تقتضي المبالغة في المستعاذ منه، ولعمري إن هذه الوسوسة إما أن تكون في صدور المستعيذ، وهي رأس كل شر، ومنشأ كل ضلالة وكفر وبدعة، أو في صدور من يناديه ويُضاده، وهي معدن كل مضرة، ومنبع كل نَكال وعقوبة، فيدخل فيه نفسُ كلِّ نافثٍ، وحسدُ كلِّ حاسد؛ اهـ.

 

قلتُ: ويأتي نحوٌ من هذا مع بيان الحكمة في الاستعاذة بالله من شياطين الجن والإنس وسائر المُؤذيات في السبب السادس وما بعده ـ من الفصل الثاني ـ إن شاء الله تعالى.

 


[1] صحيحٌ: قال الحافظ ابن كثير: في "تفسيره" (8/ 534) ـ بعد سوقه لطرقه ـ: فهذه طُرق عن عقبة كالمتواترة عنه، تُفيد القطع عند كثير من المحققين في الحديث؛ اهـ.

راجع: "الصحيحة" (1104)، و"الصحيح المسند" (933)، و"أنيس الساري" (5/ 3828).

[2] صحيحٌ: راجع: "صحيح النسائي" برقم (5029).

[3] صحيحٌ: راجع: "صحيح وضعيف أبي دواد" ـ عقب الرقم المذكور أعلا.

[4] صحيحٌ: راجع: "تفسير ابن كثير" (8/ 204)، و"صحيح وضعيف الترمذي" ـ عقب الرقم المذكور أعلا ـ و"تحقيق المسند" (24/ 468).

قلت: وأصله في "مسلم" برقم (2186)، والله أعلم.

_______________________________________________________
الكاتب: فواز بن علي بن عباس السليماني

  • 0
  • 0
  • 878

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً