الاسم الأعظم

علي بن عبد العزيز الشبل

إنَّ الْدُّعَاء عبادة عظيمة، ما أحوجنا إليها في كل حالٍ وأوان، ولاسيما في هٰذِه الأزمان، ودعاء الله جَلَّ وَعَلَا هو عبودية له، وهو قضاء لحوائجك أَيُّهَا السائل وأيُّها الداع

  • التصنيفات: الذكر والدعاء - نصائح ومواعظ -

الْدُّعَاء هو أجلى وأظهر مظاهر العبادة، عبادة الله جَلَّ وَعَلَا، فيها توجُّه القلب إِلَىٰ الله، وتوجه الجوارح إليه سؤالًا وبراعةً واستكانة؛ ولهذا جاء التعبير بِالْدُّعَاءِ عن مواضع العبادة في قول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن: 18] أي: فلا تعبدوا مع الله أحدًا.

 

وفي السنن من حديث النعمان بن بشير رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْدُّعَاء هو العبادة» [1]، وفي التِّرْمِذِيّ [2] من حديث أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عن النَّبِيّ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ: «الْدُّعَاء مُخُّ العبادة».

 

الْدُّعَاء يا عباد الله! هو لجؤك إِلَىٰ الله جَلَّ وَعَلَا بقلبك أولًا، ثُمَّ سؤالك إياه بلسانك لحوائجك، ولتفريج همومك وغمومك، وكلنا ذلك العبد الَّذِي قد مُلئ همًّا وغمًّا، فاطرح حاجتك بين يدي ربك سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ، عبوديةً له، وذِلَّةً وانكسارًا بين يديه، ورفعًا لأكُفِّ الضراعة إليه، فإنَّ ربكم سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ «حييٌّ سِتِّير، يستحي أن يرفع عبده يديه إليه فيردهما إليه صفرًا» [3].

 

وإنَّ مِمَّا يُستغاث به يا عباد الله: أسماء الله العلا، أسماء الله الحسنى وصفاته العلا، ومن ذلك: اسم الله الأعظم، اسم الله الأعظم هو الاسم المشتمل عَلَىٰ كمال الثَّنَاء عَلَىٰ الله سُبْحَانَهُ، بما له من الكمالات في أسمائه وصفاته وذاته، وقد اختلف العلماء رَحِمَهُمُ اللَّهُ في اسم الله الأعظم:

• فمن قائلٍ: أنه الله؛ لأنه لفظ الجلالة الَّذِي لا يصح أن يُسمَّى به مخلوق.

 

• ومن قائلٍ: أن اسم الله الأعظم هو اسم الحَيّ القَيُّوم الَّذِي جاء في القرآن مقرونًا في ثلاثة مواضع: في آية الكرسي أعظم آية في القرآن: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة: 255]، وفي فاتحة آل عمران: {الم * اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [آل عمران: 1، 2]، وفي سورة طه: {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا} [طه: 111].

 

• ثَمَّة قول ثالث يا عباد الله: أن اسم الله الأعظم هو ما سمع النَّبِيّ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلًا يدعو به، قَالَ: «اللَّهُمَّ يا حيُّ يا قيُّوم، يا ذا الجلال والإكرام، يا منَّان، يا بديع السَّمٰوات والأرض» قَالَ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «والله لقد سأل الله باسمه الأعظم الَّذِي إذا دُعي به أجاب، وإذا سُئل به أعطى» [4].

 

• وثَمَّة قول رابع يا عباد الله: أن اسم الله الأعظم ما جاء في الحديث في قول النَّبِيّ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمَّا دعا ذلك الدَّاعي: اللَّهُمَّ إني أشهد بأنك أنت الله لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أنت الأحدُ الصمدُ الَّذِي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد، قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «وَالَّذِي نفسي بيده! لقد سأل الله باسمه الأعظم» [5].

 

عباد الله! إنَّ اسم الله الأعظم مشتملٌ عَلَىٰ هٰذِه الأقوال الأربعة كلها، الَّتِي صحَّ فيها الحديث والخبر عن النَّبِيّ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومن تأمَّل فيها؛ وجد أن اسم الله الأعظم هو الثَّنَاء عَلَىٰ الله جَلَّ وَعَلَا بالكمال، في أسمائه الحسنى وصفاته العلا، وذاته المقدسة، ثناءً عَلَىٰ الله باعتقادٍ بالقلب أولًا، ولجأ بذلك باللسان إليه ثانيًا، وراعةً وانكسارًا بين يديه، فاطرحوا حوائجكم عَلَىٰ ربكم سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ، وأيقنوا أنَّ من دعا الله جَلَّ وَعَلَا مقبلًا عليه، متعبدًا له بدعائه، أن الله سيجيبه ويحقق سؤله: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186].

 

عباد الله!

الْرَّبّ يغضبُ إنْ تركت سُؤالَهُ=وبُنَي آدم حين يُسأَل يَغضَبُ

ربنا جَلَّ وَعَلَا يتعرَّض لنا لندعوه، ونتضرع إليه، وننكسر بين يديه، ونطرح حوائجنا إليه، سؤالًا واستغفارًا واستعطاءً، ويحب ذلك من عبده المؤمن، حَتَّىٰ إنه سُبْحَانَهُ ربما أخَّر دعوة إجابة عبده المؤمن ليسمع إلحاحه عليه وضراعته إليه، فالله الله عباد الله! تعبدوا ربكم سُبْحَانَهُ بدعائه، والانكسار والانطراح بين يديه في حوائجكم في الدنيا وفي الآخرة، وعمموا بدعائكم، عمموا بها إخوانكم المسلمين، أحياءهم وأمواتهم، يُكتب لكم من الحسنات والخيرات ما لا يخطر عَلَىٰ بالكم.

 

واعلموا عباد الله! أنَّ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ حثَّنا عَلَىٰ مواطن فيها إجابة الْدُّعَاء في تأكدها:

منها: في صلاة الجمعة، وفي يوم الجمعة ساعةٌ لا يوافقها عبدٌ مسلمٌ قائمٌ يدعو الله جَلَّ وَعَلَا إِلَّا أجاب دعوته، وأرجح ما فيها أنها من دخول الخطيب إِلَىٰ انقضاء الصَّلَاة، وَأَيْضًا هي آخر ساعة من يوم الجمعة.

 

وفي الثلث الأخير من اَللَّيْل يتنزَّل سُبْحَانَهُ نزولًا يليق بجلاله وعظمته إِلَىٰ سماء الدنيا، يتحنَّن إِلَىٰ عباده وأوليائه: «هل من داعٍ فأستجيب له؟ هل من مستغفرٍ فأغفر له؟ هل من سائلٍ فأعطيه»[6].

 

والغبن كل الغبن والحرمان يا عباد الله! من يمضي عليه هٰذَا الوقت وهو ينظر إِلَىٰ الحرام، أو يتعاطى الحرام، أو ينشغل في الحرام، وأولياء الله وعباده رُكَّعًا سُجَّدًا يسألون الله جَلَّ وَعَلَا ويلحون عليه!

 

ومن مواطن إجاب الْدُّعَاء: بين الأذان والإقامة.

وفي حال سجودك أَيُّهَا المصلي؛ فـ«أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد»[7]، قَالَ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -كما في الصحيحين[8] عنه: «أما الركوع؛ فعظِّموا فيه الْرَّبّ، وَأَمَّا السجود فأكثروا فيه من الْدُّعَاء؛ فقَمِنٌ» أي: فحريٌّ «أن يُستجاب لكم».

 

وفي حال فطرك أَيُّهَا الصائم.

وفي حال سفرك.

وفي حال نزول المطر.

وفي حال وقوع المظالم عليك: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [النمل: 62].

 

عباد الله! إنَّ الْدُّعَاء عبادة عظيمة، ما أحوجنا إليها في كل حالٍ وأوان، ولاسيما في هٰذِه الأزمان، ودعاء الله جَلَّ وَعَلَا هو عبودية له، وهو قضاء لحوائجك أَيُّهَا السائل وأيُّها الداعي.

 

واحذر يا رعاك الله الاعتداء في الْدُّعَاء! وهو أن تسأل الله ما لا يصح لك شرعًا، كأن تكون نبيًّا، أو ما لا يصح لك قدرًا كأن تدعو ربك أن يقلبك إِلَىٰ صقرٍ أو إِلَىٰ أسد، أو ما فيه سوء أدبٍ مع الله جَلَّ وَعَلَا؛ فَهٰذَا كله من الاعتداء بِالْدُّعَاءِ، والاعتداء بِالْدُّعَاءِ من كبائر الذنوب.

 

ثُمَّ اعلموا عباد الله! أنَّ أصدق الحديث كلام الله، وَخِيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثة بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وعليكم عباد الله بالجماعة؛ فإنَّ يد الله عَلَىٰ الجماعة، ومن شذَّ؛ شذَّ في النَّار، ولا يأكل الذئب إِلَّا من الغنم القاصية.

 

سُبْحَانَ رَبِّك رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ

والْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

 


[1] أخرجه أحمد (18391)، وأبو داود (1479)، والترمذي (2969)، وابن ماجه (3828).

[2] (3371).

[3] أخرجه أبو داود (1488)، والترمذي (3556)، وابن ماجه (3865) بنحوه.

[4] أخرجه أحمد (13798)، وابن ماجه (3858)، وأبو داود (1495)، والترمذي (3544)، والنسائي (1300).

[5] أخرجه أحمد (22952)، وابن ماجه (3857)، وأبو دواد (1493) والترمذي (3475).

[6] أخرجه البخاري (1145)، ومسلم (758) بنحوه.

[7] أخرجه مسلم (482) بنحوه.

[8] أخرجه مسلم (479) بنحوه، ولم أقف عليه في البخاري.