شبيحة سوريا.. الحقيقة والموقف

منذ 2011-12-31

من أدبيات الثورات العربية ظهور مصطلحات قديمة باستخدام ثوري، وربما صار المصطلح مُقتصرًا على المعنى الحادث، ومن هذه المصطلحات البلطجية والشبيحة.

وفيما يصر بعض الكتاب والمحللين على تكرار تشبيه الشبيحة في سوريا بالبلطجية في مصر، والبلاطجة في اليمن، والزعران في الأردن، والتي هي في الأصل ألفاظ تطلق لوصف جماعات مدنية موالية للنظام؛ تستخدم العنف لتفريق المتظاهرين المعارضين وتشتيتهم؛ إلا أني أزعم أن الشبيحة وإن كانوا يتشابهون مع غيرهم من الحثالات حاملي الألقاب السابقة، إلا أنهم يختلفون كثيرًا في بعض الجوانب البنيوية والتكوينية، والتي تعطيهم تميزًا خاصًا يزيدهم قبحًا إلى قبحهم.

الشبيحة في سوريا تنظيمات نمت وتكونت من أفراد مهربين، تطوروا إلى عصابات مسلحة، يتم اختيار أفرادها بعناية كبيرة، قوامها أشخاص لهم عقل صغير، وثقافة معدومة، وبنية قوية، وجسم رياضي، كبير الحجم، يتم تقديم التدريب القتالي لهم.

الشبيحة في سوريا كانوا قبل الثورة يهربون الدخان، والمخدرات، والكحول، والخمور، والأسلحة، والسيارات، وقطع الغيار، والأجهزة المنزلية، والسجاد؛ على طول الحدود بين سوريا ولبنان وتركيا وكذلك قبرص، واتخذوا موانئ طبيعية على الساحل لتكون مراكز التحميل والتفريغ، وإعادة التصدير، وأحيانًا يستخدمون الموانئ الرسمية حيث يتم قطع الكهرباء لمدة كافية للتفريغ أو التحميل تحت تستر ودعم النظام السوري.

من أهم شروط العضوية للشبيحة الانتماء للطائفة العلوية، والولاء المطلق إلى درجة الموت في سبيل قائدهم أو زعيمهم والذي غالبًا ما ينادونه بلفظة المعلم؛ يتقاضى عضو الشبيحة راتبًا يوميًا يتراوح بين ألف وألفي ليرة أي ما يعادل عشرين إلى أربعين دولارًا أمريكيًا.

ومن خلال التحليلات المبنية على ملاحظة الوقائع يمكن الجزم بأنهم موزعون في مجموعات صغيرة تتراوح بين العشرة والثلاثين على الأكثر تعطى لها مهمات محددة لإرهاب المتظاهرين باستخدام العصي والجنازير والسكاكين، وأحيانًا الرشاشات والمسدسات، حيث يتم استخدام السلاح بحسب الحال، ويلبسون ألوان الزي العسكري كذلك بحسب الحال والحاجة.

ففي حلب ودمشق مثلًا يستخدم الشبيحة السكاكين والهراوات، وأحيانًا السواطير، ويحرصون على عدم استخدام الرصاص حتى لا يفقدوا ولاء التجار المؤيدين، أو المجموعات الصامتة.

أما في حمص وبانياس واللاذقية وغيرها فقد كانوا يستخدمون إضافة لذلك المسدسات والرشاشات الآلية، ويطلقون النار على المتظاهرين مباشرة إلى الرأس والعنق والصدر، وربما كانوا يوجهون الأمن السياسي والعسكري لفعل ذلك.

وفي درعا وتلكلخ وبعض ريف دمشق وريف حمص كانوا يقومون بدور أكثر قذارة، ولا يعرف له مثيل في التاريخ، هذا الدور هو الذي دعا مجموعة من الضباط إلى الهرب والانشقاق، حيث تدل شهاداتهم المتطابقة المبثوثة في الإعلام الجديد على أن المجندين (وهم الذين يؤدون الخدمة الإلزامية) كان يتم تقديمهم في الصف الأمامي لمواجهة المحتجين العزل بالرصاص، ويوضع خلفهم صف الضباط، ثم يوضع خلفهم الشبيحة، حيث يقوم الشبيحة بقتل كل من يرفض إطلاق النار على المتظاهرين العزل سواء من المجندين أو الضباط، وفي بعض الأحيان يأمرون بإطلاق النار على زجاج النوافذ والشرفات لإرعاب الآمنين، ومن يعترض أو يتلكأ تتم تصفيته فورًا، في مشهد بئيس يصور رغبة قذرة في أن تتم تصفية بعض الشعب بيد بعضه الآخر قسرًا.

في هذه العملية اتخذ النظام خطوة بغيضة قاتمة تمثلت في إقحام الجيش في عمليات القتل المباشر للمدنين ليحقق هدفين:

الأول: هو صعوبة تراجع الجيش عن القتل بعدما يسيل دم المدنيين في الشوارع على أيديهم، ويتخذ موقفًا حكوميًا مهمًا كانت النتائج.

والثاني: هو إفقاد الناس الثقة بالجيش، وقطع الأمل بإمكانية دعم الجيش لثورته.

فهل يمكن تشبيه شبيحة سوريا بعد كل هذه الأوصاف ببلطجية مصر أو زعران الأردن؟

إن أصدق وصف يمكن إطلاقه على الشبيحة هو "فرق الموت"، والتي تعني سياسًيا وأمنيًا المنظمات السرية في مناطق النزاعات الساخنة، حيث تقوم بسلسلة لا تنتهي من أعمال القتل العشوائي، والتفجير، والتخريب، والسرقات تمارسه هذه الفرق في بلدان النزاعات.

هل يمكن إعطاء تعريف آخر لتعذيب المدنيين المختطفين من بيوتهم أو شوارعهم، وهل يمكن التعرف على مشاعر عشرين أو ثلاثين منهم يهرعون من كل حدب وصوب باتجاه متظاهر ممدد على الأرض، يدفع بعضهم بعضًا للنيل منه بضربة هراوة على رأسه، أو ركله بالحذاء العسكري الغليظ حتى يموت، وهل يمكن معرفة دوافع التمثيل بجثث الأطفال، وقطع أعضائهم في سادية تعجز عنها الوحوش؟

إن ممارسات الشبيحة في سوريا فاقت تصور البشر، حيث تقوم بعض الكليات العالمية في أبحاث علم النفس والاجتماع بدراسة مقاطع فيديو لسبر أغوار هذا السلوك البشري الغريب.

ويبقى السؤال: ما هو الموقف والمخرج للمتظاهرين السلميين من هؤلاء الشبيحة؟ ولاسيما وهم يخرجون إلى الشارع كل يوم فيقتل بعضهم، ويجرح ويعتقل آخرون، ثم يعودون لذات الشارع في اليوم التالي فيقتل بعضهم الآخر في إصرار عجيب على بلوغ الهدف.

إن الموقف والمخرج مع الشبيحة -في وجهة نظري- يكون على محورين اثنين:

- محور مباشر وسريع الفعالية.
- وآخر تكتيكي طويل لكنه حاسم.

أولًا: إحداث توازن الرعب:
إن النصيحة العملية التي يمكن تقديمها لتكون فعالة بشكل سريع هي كسر شوكة العقرب، وإحداث توازن الرعب في نفوس الشبيحة، وإيصال رسالة لهم مفادها أن قتل واعتقال المتظاهرين ليس نزهة لاصطياد البط والأرانب.

هذه هي النقطة إجمالًا، ويجب على المتظاهرين ترتيب التفاصيل بطريقتهم فهم أعلم بأمورهم، ففي مدينة مثل حلب ودمشق قد يكون الأفضل هو تقديم مجموعة من ذوي الأجسام القوية بعدد يزيد عن عدد الشبيحة في الصفوف الأولى من المظاهرة،أو تكوين مجموعة للتدخل السريع مزودين بأدوات للدفاع كالتي استخدمها شباب الثورة في القاهرة من العصي والأحجار، وتكون ألبستهم وأحذيتهم تساعدهم على الحركة والمناورة، حيث يتلخص دورهم في الهجوم على الشبيحة وضربهم، وكذلك في تخليص المتظاهرين من أيديهم كما حصل في دير الزور وحمص وغيرها.

كما يمكن في أماكن أخرى استخدام أسلوب الإنهاك النفسي والجسدي بما أطلق عليه أهل حمص المظاهرات الطيارة التي تتألف من عدد يسير من الناس دون العشرة يخرجون لدقائق ثم يختفون، وتخرج مجموعة أخرى قريبة لدقائق ثم تختفي، وبشكل مستمر من عدة أماكن قريبة.

أما القتلة المجهولون الذين يدخلون البيوت، ويفسدون في الأموال ويقتلون؛ فإن دفعهم مشروع في كل الشرائع السماوية، والقوانين الأرضية، بل وحتى في النظام السوري الفاسد هم خارجون على القانون، ولو لم يمكن دفع هذا الصائل إلا بالقتل فلا بأس، وهذا لا يعارض سلمية الثورة بحال من الأحوال سواء في العرف المحلي أو الدولي.

ثانيًا: قطع الإمداد:
الشبيحة قتلة مأجورون، يعرضون أنفسهم للخطر لأجل المال، ولأن المال الذي يعطى لهم لا يعادل حجم مخاطرتهم فإن أيديهم تنطلق في سرقة ممتلكات الناس ومتاجرهم دون حسيب ولا رقيب، وإذا قطع المال عنهم قد يصبرون يومًا أو أسبوعًا أو شهرًا على الأكثر؛ لكنهم كبقية العصابات ينقلبون على زعيمهم أو معلمهم كما يحلو لهم أن يسمونه، وهذا الأمر يتكرر في كل زمان ومكان مع أمثال هذه العصابات.

ولذلك فإن قطع الإمداد عنهم أمر حيوي له أثره العميق على المستوى البعيد، ويمكن تطبيق ذلك بثلاث مبادرات:

الأولى: تتمثل في إقناع التجار الموالين للنظام الذين يدفعون لهؤلاء القتلة، أو بتخويفهم في عواقب أمرهم وتجارتهم عند انهيار النظام.

والثانية: عبر المقاطعة الاقتصادية لشركات أعمدة الحكم مثل: رامي مخلوف، وآصف شوكت وغيرهما.

والثالثة" وهي الأكبر أثرًا عبر الامتناع عن دفع فواتير الخدمات العامة، والإضرابات العامة التي تؤدي إلى إفراغ خزينة الدولة، وعدم القدرة على الإنفاق على هذه الفرق القذرة.

وأخيرًا:

مع أنه قد اجتمع على أهل الشام نظام دموي شرس، ونَفَس طائفي حاقد، إلى جانب صمتٍ ودعم إقليمي ودولي هائل لا يفسره إلا تقاطعات المصالح التي لا تبالي بدماء الشعوب ومعاناتهم، مع كل هذا فإن أي مراقب للثوار من الداخل أو مستمع لكلماتهم ومداخلاتهم؛ لا تكاد تخطيء أذنه وعيناه إصرارًا عجيبًا على المضي في الطريق مهما كانت الأثمان، إصرار تسمعه في نغماتهم وأهازيجهم، وتتذوقه في دعواتهم وصلواتهم، وتدركه في اتساع سوادهم، إصرار تعبر عنه درعا الشهيدة التي صمدت شهرًا تحت وقع المدافع والنيران لتخرج أقوى مما كانت، وتدل عليه تل كلخ الذبيحة ودوما المنكوبة واللاذقية وغيرها، والتي ظن النظام أنه سيجعل منها عبرة للمعتبرين.

بمثل هذا الإصرار تنتصر إرادة الحياة بكرامة على ممارسات الإذلال والقمع، ولقد قالوا كلمتهم: "الموت، ولا المذلة".

الكـاتب: طلحة بن محمد الناصر
المختار الإسلامي

  • 2
  • 0
  • 2,871

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً