إسرائيل وإيران.. قراءة في السياق التاريخي وانعكاساته المعاصرة
عصام زيدان
هل شذت صواريخ طهران الأخيرة التي استهدفت بها "إسرائيل" مباشرة وليس عبر أذرعها استثناء في تاريخ العلاقات التخادمية بين الطرفين يتطور إلى صراع حقيقي، أم تظل ضمن الإطار المنضبط بين الطرفين؟
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
توجد قواسم مشتركة بين إسرائيل وإيران من حيث النشأة والهوية.. فإيران الصفوية نشأت على يد الشاه إسماعيل الصفوي عام 1501م، واتخذت من المذهب الشيعي الاثني عشري دينًا للدولة، وعرفت منذ ذلك الوقت بدمويتها وإرغامها السكان على اعتناق المذهب الشيعي، وقتل عشرات الآلاف من السُّنَّة، ونبش قبور الخلفاء العباسيين، تعبيرًا عن حقدها الشديد تجاه أهل السُّنَّة، بالإضافة إلى محاولتها التوسعية التي لا تنقطع، واعتدائها على دول الجوار، تثبيتًا لأركانها وإرهابًا لمخالفيها.
أما إسرائيل فقد كان قيامها على أرض فلسطين المحتلة في 14 مايو عام 1948 بُعيد انسحاب الانتداب البريطاني، حيث أعلن ديفيد بن غوريون في اليوم نفسه قيام الدولة الدينية اليهودية، ودعا يهود الشتات للعودة إلى "الوطن"، مطالبًا إياهم بدعم الدولة الوليدة التي سارعت الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي إلى الاعتراف بها بعد دقائق من إعلانها، ولا يخفى أن قيام هذه الدولة كان على أسس دموية راح ضحيتها ملايين الفلسطينيين.
هذا بالنظر إلى السياق التاريخي للدولتين، والذي نخلص منه إلى أننا أمام دولتين دينيتين، قامتا على أسس طائفية وعنصرية ودموية راح ضحيتها الملايين من المسلمين العرب والسُّنَّة.
أما السياق المعاصر فقد شهد تعاونًا من إيران مع الغرب في حروبه ضد الدول العربية والإسلامية، إذ ساهمت إيران بقوة في المجهود الحربي الأمريكي والغربي لإسقاط نظام الحكم في العراق، في العام 2003.
وكشف السفير الأمريكي السابق في العراق، زلماي خليل زاد، أن إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش، تعاونت ونسقت مع قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، عام 2006 حول الوضع السياسي في العراق، مؤكدًا أن هذا التعاون يمتد إلى مرحلة ما قبل صدام حسين، مشيرًا إلى اجتماعات سرية تمت بين طهران وواشنطن سبقت غزو العراق في 2003(العربية نت22-3-2006).
كما ساهمت إيران أيضًا تضامنًا مع الولايات المتحدة في إسقاط نظام حكم طالبان في أفغانستان في عام 2001م، وذكر رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني في ذلك الوقت، حسين موسويان، أن التعاون تم في إطار المصالح المشتركة لإيران والولايات المتحدة وهو الإطاحة بحكم طالبان.
هذه العمليات العسكرية تأتي في إطار تكتيكات إسرائيلية تستهدف القضاء على أية ميليشيا عسكرية قد تشكل خطرًا ما حالًا أو مآلًا على إسرائيل، فيما تبقى الاستراتيجية واضحة المعالم ثابتة الخطى، وهي عدم الدخول في حرب بالمعنى التقليدي
وبالإجمال فقد صرح الرئيسين الإيرانيين السابقين أكبر هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي، خلال الأعوام السابقة بأن إيران تعاونت ونسقت مع الولايات المتحدة في غزو كل من العراق وأفغانستان، وقد قالها صراحة محمد أبطحي نائب الرئيس خاتمي "لولا إيران لما سقطت كابول وبغداد".
واستصحاب هذا الفهم لطبيعة العلاقة بين الولايات المتحدة والغرب من ناحية، وإيران من ناحية أخرى نراه ضروريًا ومهمًا ومفتاحًا لفهم التطورات الحادثة الآن في منطقة الشرق الأوسط، والتراشق بين إيران وإسرائيل، سواء كان في إطار الحروب الإعلامية، أو الاشتباكات العسكرية.
فالحروب الإعلامية الممتدة والمتصاعدة أحيانًا، والخافتة أحيانًا أخرى، هي من قبيل مغازلة الرأي العام الداخلي، وكسب أرضية ومساحة لدى الرأي العام العربي والإسلامي، ولكنها في حقيقتها لا تلوي على شيء، ولا تسفر عن شيء ذي بال حتى الآن حتى على مستوى القضية الرئيسة وهي القضية الفلسطينية.. هذا من جانب إيران.
أما الحروب العسكرية، فليس في التاريخ القديم أو المعاصر، وحتى تاريخ القصف العسكري الايراني لـ إسرائيل في 13-4-2024، ما يكشف عن صراع عسكري مباشر بين إيران وإسرائيل، ولكن توجد عمليات عسكرية بين إسرائيل وأحد أذرع إيران العسكرية، مثل حزب الله اللبناني في 2006، أو ميليشيا تابعة للحرس الثوري في سوريا.
وهذه العمليات العسكرية تأتي في إطار تكتيكات إسرائيلية تستهدف القضاء على أية ميليشيا عسكرية قد تشكل خطرًا ما حالًا أو مآلًا على إسرائيل، فيما تبقى الاستراتيجية واضحة المعالم ثابتة الخطى، وهي عدم الدخول في حرب بالمعنى التقليدي المعروف ضد إيران كدولة، مع تقليم أظافرها العسكرية إن طالت عن الحد المسموح به.
يبقى أن نتوقف عند العملية العسكرية التي قام بها النظام الإيراني مساء يوم السبت 13-4-2024، باعتبارها حادثًا عسكريًا يشكل سبقًا وخرقًا فيما يبدو للتفاهم بين إيران وإسرائيل على مدار التاريخ بعدم الدخول في مواجهات عسكرية مباشرة بينهما، كونهما دولتين وظيفيتين للولايات المتحدة والقوى الغربية.
والذي نراه أن هذه العملية العسكرية لا تشكل خرقًا للمسار التاريخي، ولا تصعيدًا عسكريًا نوعيًا بين إيران وإسرائيل، ولكنها عملية عسكرية "سابقة التجهيز"، تحفظ بها إيران ماء وجهها بعد أن دمرت غارة جوية إسرائيلية في 1 -4- 2024، المبنى الملحق بالقنصلية الإيرانية المجاور للسفارة الإيرانية في دمشق، مما أسفر عن مقتل 16 شخصًا، من بينهم قائد كبير في فيلق القدس التابع للحرس الثوري العميد محمد رضا زاهدي و7 ضباط آخرين في الحرس الثوري الإيراني.
فما معنى عملية عسكرية معلومة سلفًا لدى الطرف الآخر وداعميه، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما صرحت به الخارجية الإيرانية، مؤكدة أن إيران أعلمت الولايات المتحدة أن عمليتها في إسرائيل ستكون محدودة! وأكدته مصادر تركية، مؤكدة أن طهران أبلغت واشنطن عبر أنقرة أن عمليتها ردّ فقط على "هجوم السفارة" ولن تذهب أبعد من ذلك. فيما جاء الرد الأمريكي-عبر مصادر تركية أيضًا- أن عملياتها يجب أن تكون ضمن الحدود المعينة المتفق عليها ولا تتعداها.
وما معنى عملية عسكرية بهياكل صاروخية غير مؤثرة، وهو ما أكده مسؤول دفاعي أمريكي قائلاً ‘ن الصواريخ الإيرانية الـ7 التي ارتطمت في الأراضي الاسرائيلية بدون رؤوس حربية.
والحاصل أننا أمام هجوم بدون أهداف، وصواريخ بدون توجيه، وإصابات في أماكن مفتوحة، وبعض الإصابات الطفيفة، وبدون أي خسائر بشرية، فهل هذا يُعتبر ردًا مقبولاً على هجوم إسرائيل في الأول من ابريل ومصرع 7 جنرالات كبار؟!
بقي في النهاية أن نضع نقاطًا بارزةً على حروف منقوشة بدماء أبناء الأمة الذين اصطلوا بنيران اليهود والصفويين، أن الهجوم الإيراني أتى في إطار الانتقام الشكلي لاستهداف مبنى مجاور للقنصلية الإيرانية في سوريا وليس نصرة لغزة، وأن إيران لم ترمي حجرًا على مدار التاريخ نصرةً للقضية الفلسطينية.
كما أن هذا الهجوم الإيراني العبثي، صرف الأنظار، ولو لبضعة أيام، عن القضية الرئيسة التي اجتمعت حولها الأمة وشغلتها على مدار 6 أشهر، وهي طوفان الأقصى الذي انفجر في 7 أكتوبر 2023، وما تبعه من عدوان إسرائيلي مستمر على غزة، وهي القضية التي احتلت الصدارة العالمية متخطية الحرب الروسية الأوكرانية المشتعلة منذ سنوات.
إن إيران بتصرفاتها العبثية تلك ليست بريئة عن محاولتها إنقاذ إسرائيل من ورطتها وعزلتها الدولية، وقدمت لها خدمات مجانية جليلة، لا يقدمها إلا صديق مقرب وخادم مطيع.