أبشر يا قارئ القرآن
(تقرَّب إلى الله ما استطعت، واعلم أنك لن تتقرب بشيء أحبَّ إليه من كلامه).
- التصنيفات: القرآن وعلومه -
أيُّهَا المُسلِمُونَ عِبَادَ اللهِ، فإن من أعظم ما يتقرب به العبد إلى الله تعالى هو تلاوة كتابه؛ يقول خباب بن الأرتِّ رضي الله عنه: (تقرَّب إلى الله ما استطعت، واعلم أنك لن تتقرب بشيء أحبَّ إليه من كلامه).
وما حظي عبدٌ ببُشْريات عظيمة في الدنيا والآخرة مثل ما يحظى به قارئ القرآن، وإليك طرفًا منها؛ ولذا نقول:
1- أبشر يا قارئ القرآن: بنزول ملائكة الرحمن، وتأمل هذه البشريات التي تتحقق لك بتلاوة القرآن، ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ؛ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُم الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُم الْمَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ».
وعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: ((أُمِرْنَا بِالسِّوَاكِ))، وَقَالَ: إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا قَامَ يُصَلِّي أَتَاهُ الْمَلَكُ، فَقَامَ خَلْفَهُ يَسْتَمِعُ الْقُرْآنَ وَيَدْنُو، فَلَا يَزَالُ يَسْتَمِعُ وَيَدْنُو حَتَّى يَضَعَ فَاهُ عَلَى فِيهِ، فَلَا يَقْرَأُ آيَةً إِلَّا كَانَتْ فِي جَوْفِ الْمَلَكِ))؛ (رواه البيهقي، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة).
وفي الصحيحين عن البراءِ بن عازِبٍ رضي اللهُ عنه، قَالَ: كَانَ رَجُلٌ يَقْرَأُ سُورَةَ الْكَهْفِ، وَعِنْدَهُ فَرَسٌ مَرْبُوطٌ بِشَطَنَيْنِ، فَتَغَشَّتْهُ سَحَابَةٌ فَجَعَلَتْ تَدْنُو، وَجَعَلَ فَرَسُه يَنْفِرُ مِنْهَا، فَلَمَّا أصْبَحَ أتَى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: «تِلْكَ السَّكِينَةُ تَنَزَّلَتْ لِلقُرْآنِ». والشَّطَن: الحَبْلُ.
وكان أبو هريرة رضي الله عنه يقول: ((إنَّ البيت ليتَّسِعُ على أهله وتحضرُه الملائكةُ، وتهجرُه الشياطين، ويكثُر خيرُه؛ أنْ يُقرَأ فيه القُرآنُ، وإنَّ البيت لَيَضِيقُ على أهلِه وتهجرُه الملائكةُ، وتحضرُه الشياطين، ويَقِلُّ خيرُه؛ ألا يُقرَأ فيه القُرآن)).
2- أبشر يا قارئ القرآن: بيتك معروف لأهل السماء؛ لكثرة ما يُتْلى فيه من القرآن، ففي السلسلة الصحيحة بسند جيد يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الْبَيْتُ الذي يُقْرَأُ فِيهِ الْقُرْآنُ يَتَرَاءَى لِأَهْلِ السَّمَاءِ، كَمَا تَتَرَاءَى النُّجُومُ لِأَهْلِ الْأَرْضِ»؛ (رواه البيهقي، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة).
3- أبشر يا قارئ القرآن: فإن تجارتك رابحة رابحة لن تبور:
قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} [فاطر: 29، 30]، وعن ابن مسعود رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ قَرَأ حَرْفًا مِنْ كِتاب الله فَلَهُ حَسَنَة، والحَسَنَة بِعَشْرِ أمْثَالِها، لا أقول: ألم حَرفٌ، ولكِنْ: ألِفٌ حَرْفٌ، ولامٌ حَرْفٌ، ومِيمٌ حَرْفٌ»؛ (رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح).
وتأمل إلى أجر وثواب الآية الواحدة تقرؤها في المسجد، ففي صحيح مسلم عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في الصفة فقال: «أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يَغْدُوَ كُلَّ يَوْمٍ إِلَى بُطْحَانَ، أَوْ إِلَى الْعَقِيقِ فَيَأْتِيَ مِنْهُ بِنَاقَتَيْنِ كَوْمَاوَيْنِ فِي غَيْرِ إِثْمٍ وَلَا قَطْعِ رَحِمٍ» ؟))، فقلنا: يا رسول الله، كُلُّنا نحب ذلك! قال: «أَفَلَا يَغْدُو أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَيَعْلَمُ أَوْ يَقْرَأُ آيَتَيْنِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ خَيْرٌ لَهُ مِنْ نَاقَتَيْنِ، وَثَلَاثٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ ثَلَاثٍ، وَأَرْبَعٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَرْبَعٍ، وَمِنْ أَعْدَادِهِنَّ مِن الْإِبِلِ»، والكَوْماء من الإبل: عظيمة السَّنام.
وتأمل أيضًا إلى أجر وثواب الآية الواحدة تقرأ بها في الصلاة؛ ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أيحبُّ أحَدُكم إذا رجع إلى أهله أنْ يجدَ فيه ثلاث خَلِفات عِظام سِمان» ؟))، قلنا: نعم، قال: «فثلاثُ آياتٍ يقرأُ بهن أحدُكم في صلاةٍ خيرٌ له من ثلاث خَلِفاتٍ عظام سِمان».
ولن يعدم الأجر والثواب حتى الذي يتتعتع في القراءة وهو عليه شاقٌّ؛ ففي الحديث الصحيح: «والَّذي يَقْرَأُ القُرآنَ ويَتَتَعْتَعُ فِيهِ، وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ لهُ أَجْرانِ»، وفي رواية: «والَّذي يَقْرَؤهُ وَهُوَ يَشْتَدُّ عَلَيِهِ، فَلَهُ أَجْرانِ».
4- أبشر يا قارئ القرآن: بالنور والبركة التي تملأ دنياك وآخرتك؛ عن أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَوْصِنِي، قَالَ: «عَلَيْكَ بِتَقْوَى اللهِ، فَإِنَّهَا رَأْسُ الْأَمْر كُلِّهِ»، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، زِدْنِي، قَالَ: «عَلَيْكَ بِتِلَاوَة الْقُرْآنِ، فَإِنَّهُ نُورٌ لَكَ فِي الْأَرْضِ، وَذُخْرٌ لَكَ فِي السَّمَاءِ»؛ (رواه ابن حبان، والمنذري، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب)، وقوله: ((نور لك في الأرض)) له معنيان: الأول: يعلو قارئه العامل به من البهاء ما هو كالمحسوس، الثاني: هداية ورشاد؛ كما قال تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ} [المائدة: 15].
5- أبشر يا من شغلك القرآن والذكر عن المسألة: فإن الله تعالى سيعطيك سؤالك، فقد روى الترمذي وحسنه عن أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَقُولُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: مَنْ شَغَلَهُ الْقُرْآنُ وَذِكْرِي عَنْ مَسْأَلَتِي أَعْطَيْتُهُ أَفْضَلَ مَا أُعْطِي السَّائِلِينَ».
6- أبشر يا قارئ القرآن: فإن الله لم يسوِّ بينك وبين غيرك ممن هجر القرآن، قال الله تعالى: {لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ} [آل عمران: 113]، وفي الصحيحين عن أَبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ مَثَلُ الأُتْرُجَّةِ: رِيحُهَا طَيِّبٌ، وَطَعْمُهَا طَيِّبٌ، وَمَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لا يَقْرَأُ القُرْآنَ كَمَثَلِ التَّمْرَةِ: لا رِيحَ لَهَا، وَطَعْمُهَا حُلْوٌ، وَمَثلُ المُنَافِقِ الَّذِي يقرأ القرآنَ كَمَثلِ الرَّيحانَةِ: ريحُهَا طَيِّبٌ، وَطَعْمُهَا مُرٌّ، وَمَثَلُ المُنَافِقِ الَّذِي لا يَقْرَأُ القُرْآنَ كَمَثلِ الحَنْظَلَةِ: لَيْسَ لَهَا رِيحٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ»، وفي صحيح مسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «إنَّ اللهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الكِتَابِ أقْوَامًا، وَيَضَعُ بِهِ آخرِينَ».
7- أبشر يا قارئ القرآن: فما نزل على قلبك شفاء أعظم وأفضل من كلام رب السماء؛ قال تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا} [الإسراء: 82]، وقال تعالى: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} [فصلت: 44].
8- أبشر يا قارئ القرآن: فقراءة القرآن والعمل به من أسباب الثبات في القبر؛ ففي حديث البراء الطويل عن نعيم القبر وعذابه: ((فيقولانِ لَهُ: ما هذا الرَّجلُ الَّذي بُعِثَ فيكم؟ قالَ: فيقولُ: هوَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ، فيقولانِ: وما يُدريكَ؟ فيقولُ: قرأتُ كتابَ اللَّهِ فآمنتُ بِهِ وصدَّقتُ)) (رواه أحمد، وأبو داود بإسناد صحيح) فاستكثروا من قراءة كتاب ربكم.
9- أبشر يا قارئ القرآن: بالتكريم الذي تحظى به يوم القيامة؛ في صحيح مسلم عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اقْرَؤُوا القُرْآنَ؛ فَإنَّهُ يَأتِي يَوْمَ القِيَامَةِ شَفِيعًا لأَصْحَابِهِ»، وفي صحيح مسلم عن النَّوَّاسِ بنِ سَمْعَانَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: «يُؤْتَى يَوْمَ القِيَامَةِ بِالقُرْآنِ وَأهْلِهِ الذينَ كَانُوا يَعْمَلُونَ بِهِ في الدُّنْيَا تَقْدُمُه سورَةُ البَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ، تُحَاجَّانِ عَنْ صَاحِبِهِمَا».
10- وأما في الجنة فأنعم بها وأكرم من منزلة سامية، ودرجة عالية؛ قال الله تعالى: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} [فاطر: 33]، وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المَاهِرُ بِالقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الكِرَامِ البَرَرَةِ، وَالذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ وَيَتَعْتَعُ فِيهِ وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ لَهُ أَجْرَانِ»، وعن عبداللهِ بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ: اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ في الدُّنْيَا، فَإنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آية تَقْرَؤُهَا»؛ (رواه أَبُو داود، والترمذي)، قال الحافظ رحمه الله في الفتح: "والمراد بالصاحب الذي ألِفَهُ؛ أي ألِفَ تلاوتَه".
كَيْفَ السَّبِيلُ لِتَعَاهُدِ القُرآنِ؟
1- اعلم أن هذه البشريات محض توفيق من الله تعالى؛ فالجأ إليه بالتضرع والدعاء، وتأمل إلى من نزل القرآن على قلبه ومع ذلك كان يدعو صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ اجعل الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي».
2- استشعار عظمة القرآن الكريم، وأنه كلام الله سبحانه، وأمره ونهيه لعباده.
وذلك بأن تستشعر: عظمة من تكلَّم به جلَّ في علاه، وأنَّ هذا القرآن هو كلام رب العالمين وخالق الخلق أجمعين؛ كما قال الله تعالى: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [السجدة: 2]، وقال تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ} [الشعراء: 192، 193]، فإنَّ الكلامَ يعظُم بعِظَم قائله، فكيف إذا كانَ المتكلِّمُ هو اللهُ جبَّارُ السماوات والأرضِ؟ {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32] وعنوانُ الشعائر الإلهيّة هو القرآنُ العظيم الذي لا يأتيهِ الباطلُ من بين يدَيه ولا مِن خلفه.
وتستشعر وتنتوي عند قراءة القرآن كل يوم: أنك تتلقَّى رسائل من الله لك خاصة؛ كما قال الحسن بن علي رضي الله عنهما: "إن من كان قبلكم رأوا القرآن رسائل من ربهم، فكانوا يتدبَّرونها في الليل، ويتفقدونها في النهار".
وكذلك أن تستحضر: أن القرآن هو أعظم الكلام وأفضله وأجلُّه على الإطلاق، لا كان ولا يكون في الكلام مثله ولا قريبًا منه، والفرق بين كلام الله وكلام خلقه كالفرق بينه وبين خلقه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11]، وكذلك ليس كمثل كلامه كلام؛ قال أبو عبد الرحمن السُّلَمي رحمه الله: "فَضْلُ كُلَامِ اللهِ عَلَى سَائِرِ الْكَلَامِ كَفَضْلِ اللهِ عَلَى خَلْقِهِ".
3- استحضار حاجتك الشديدة لأجر وثواب قراءة القرآن، وذلك بكثرة السماع، أو القراءة عن فضل قراءة القرآن لتشجيع النفس وتنشيطها لهذا الخير العظيم.
4- اجتناب الذنوب والمعاصي؛ فإنها سد منيع يحول بينك وبين قراءة القرآن، والاستفادة منه؛ فقد يكون الانشغال مثلًا بالغناء والألحان والمعازف، سببًا في الانصراف عن القرآن الكريم؛ فإن حبها إذا دخل إلى القلب يطرد حب القرآن منه!
5- اجعل لنفسك وِرْدًا محدَّدًا في وقتٍ محددٍ لا تتنازل عنه لأي ظرف من الظروف.
ويمكن تقسيم الوقت الذي تم تحديده إلى أقسام خلال اليوم؛ فمثلًا: اختيار أوقات ما بين الأذان والإقامة، أو أوقات دبر الصلوات، أو بعد صلاة الفجر.
وأقول لك أخي الحبيب [اعتذر للأعذار ولا تعتذر للقرآن] مهما كانت الأعذار، وتأمل أحوال أهل الهمم العالية، فهذا عروة بن الزبير رضي الله عنه: أصابته الآكلة فبتروا ساقه، لكنه مع ذلك لم يترك وِرْدَه من القرآن في تلك الليلة.
فإن فاتك الوقت المحدد دون قراءة الوِرْد اليومي؛ فتدارك وِرْدك في وقت آخر؛ ففي صحيح مسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من نام عن حزبه أو شيء منه فقرأه فيما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر؛ كُتِب له كأنما قرأه من الليل».
فإن عجزت عن القراءة فلا أقل من ترديد وتكرار المحفوظ.
6- اتخاذ القدوات الحسنة، وإليك طرفًا من أحوالهم مع القرآن:
قيل لنافع: ما كان يصنع ابن عمر رضي الله عنهما في منزله؟ قال: "لا تطيقونه: الوضوء لكل صلاة، والمصحف فيما بينهما".
ولا نذهب بعيدًا فيكفينا مطالعة أحوال المجتهدين من المعاصرين مع قراءة كتاب الله عز وجل.
• الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الغديان رحمه الله، عضو هيئة كبار العلماء، والمتوفى سنة 1431 يقول عنه أحد أبنائه: "أنه خرج مع الشيخ في سفر إلى الطائف بالسيارة، فما أن خرج من البنيان، حتى بدأ في القراءة، فبدأ بالفاتحة، ودخلنا الطائف وهو في آخر الختمة، قرابة سبع أو ثمان ساعات!".
• الشيخ صالح بن علي الغصون رحمه الله، عضو هيئة كبار العلماء، والمتوفى سنة 1419 يقول عنه تلامذته: "كان يقرأ القرآن في أي وقت تَسمح فيه القراءةُ، ولو كان قصيرًا، كما بين نزوله من السيارة إلى المنزل، وكما في زياراته التي يقوم بها، بل أكثر من ذلك، لما كنتُ أقرأ عليه بعض المتون في بيته، كنت إذا قمتُ لأحضر شيئًا عند باب الغرفة، سمعته يقرأ حتى أرجع، ويُردِّد رحمه الله: "إنني أريدُ أن يكون القرآن أنيسًا لي في القبر".
• الشيخ صالح بن عبدالعزيز بن هليل رحمه الله، القاضي في مدينة الرياض، والمتوفى سنة 1421 حفظ القرآن وهو ابن خمسة عشر عامًا، وحُبِّبَ إليه تلاوة القرآن ليلًا ونهارًا، واشتهر عند الناس بالحلم، ومن عجيب قراءته للقرآن الكريم، وكذلك من عجيب حلمه: أنه طرق باب منزله ليفتح له أهله، ولكنهم لم يسمعوه، فجلس على عتبة الباب، وقرأ ستة أجزاء من القرآن الكريم.
___________________________________________________
الكاتب: رمضان صالح العجرمي