ثورة على الشركيات والبدع

منذ 2012-01-25

وسط الزخم الثوري الذي يموج بديار الإسلام، وكان سبباً واضحاً لإزالة جبابرة ظالمين، أفسدوا في الأرض وما رعوا حق الله ولا حقوق عباده.
نأمل أن نرى زخماً ثورياً موازياً يموج بديار الإسلام لتزول معه مظاهر الشرك والبدع المنتشرة، والتي يطال شرها ولا شك دين العباد وآخرتهم، و بزوالها يتحقق لهم الأمن وتعمهم بركات السماء والأرض، فبصلاح دين العباد يتحقق خيري الدنيا والآخرة.
قال تعالى:
{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} [الأعراف:96].

ولا شك أنه بتمام الإيمان وكماله يتحقق كمال الأمن والاهتداء وكلما تلبس بما ينقصه نقص معه الأمن والاهتداء، فبكمال الإيمان وعدم مقارفته بظلم يتم الأمن ويتم الاهتداء.
قال الله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَـٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} [الأنعام:82]، أي هؤلاء الذين أخلصوا العبادة لله وحده لا شريك له ولم يشركوا به شيئا هم الآمنون يوم القيامة المهتدون في الدنيا والآخرة. (ابن كثير).

فهذه دعوة للدعاة ولعامة الشعوب المسلمة:
ما أحوجنا إلى ثورة لتصحيح العقائد ونبذ الشركيات والبدع، فما نال الشيطان من عبد أغلى من توحيده وعقيدته وإسلامه.

وقد حصر الإمام ابن القيم رحمه الله أجناس الشرور التي يدخل من خلالها الشيطان على بني آدم في ستة أجناس لا يزال موسوسا حتى ينالها:

1- الشر الأول شر الكفر والشرك ومعاداة الله ورسوله، فإذا ظفر بذلك من ابن آدم برد أنينه، واستراح من تعبه معه، وهو أول ما يريد من العبد، فلا يزال به حتى يناله منه، فإذا نال ذلك صيره من جنده وعسكره، واستنابه على أمثاله وأشكاله، فصار من دعاة إبليس ونوابه. قال تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا إِذْ قَال لأَبِيهِ يَا أَبَتِ لمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ العِلمِ مَا لمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ للرَّحْمَنِ عَصِيّا} [مريم:41-44].
وقال تعالى: {فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَال أَحَطتُ بِمَا لمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُل شَيْءٍ وَلهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ للشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللهِ وَزَيَّنَ لهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيل فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ} [النمل:22-24].
وقال: {وَامْتَازُوا اليَوْمَ أَيُّهَا المُجْرِمُونَ أَلمْ أَعْهَدْ إِليْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ وَلقَدْ أَضَل مِنْكُمْ جِبِلا كَثِيرًا أَفَلمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ} [يس:59-62].
وقال تعالى: {كَمَثَل الشَّيْطَانِ إِذْ قَال للإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلمَّا كَفَرَ قَال إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ العَالمِينَ فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالدَيْنِ فِيهَا وَذَلكَ جَزَاءُ الظَّالمِينَ} [الحشر:16].

2- المرتبة الثانية: من الشر إذا يئس منه الشيطان نقله إلى البدعة، وهي أحب إليه من الفسوق والمعاصي، لأن ضررها في نفس الدين، وهو ضرر متعد، وهي مخالفة لدعوة الرسل، ودعوة إلى خلاف ما جاءوا به، وهي باب الكفر والشرك، فإذا نال منه البدعة، وجعله من أهلها، بقي أيضا نائبه وداعيا من دعاته.

قال ابن تيمية في كتابه أولياء الرحمن وأولياء الشيطان: "وكثير من الناس يغلط في هذا الموضع فيظن في شخص أنه ولي لله، ويظن أن ولي الله يقبل منه كل ما يقوله، ويسلم إليه كل ما يقوله، ويسلم إليه كل ما يفعله وإن خالف الكتاب والسنة، فيوافق ذلك الشخص له، ويخالف ما بعث الله به رسوله، الذي فرض الله على جميع الخلق تصديقه فيما أخبر وطاعته فيما أمر، وجعله الفارق بين أوليائه وأعدائه، وبين أهل الجنة وأهل النار، وبين السعداء والأشقياء، فمن اتبعه كان من أولياء الله المتقين، وجنده المفلحين وعباده الصالحين ومن لم يتبعه كان من أعداء الله الخاسرين المجرمين، فتجره مخالفة الرسول وموافقة ذلك الشخص أولا إلى البدعة والضلال، وآخر إلى الكفر والنفاق، ويكون له نصيب من قوله تعالى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا ليْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُول سَبِيلاً يَا وَيْلتَى ليْتَنِي لمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَليلاً لقَدْ أَضَلنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ للإِنْسَانِ خَذُولاً} [الفرقان:27-29]، وقوله تعالى: {يَوْمَ تُقَلبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا ليْتَنَا أَطَعْنَا اللهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ العَذَابِ وَالعَنْهُمْ لعْناً كَبِيراً} [الأحزاب:66-68].

3- المرتبة الثالثة: من الشر وهي الكبائر على اختلاف أنواعها، فهو أشد حرصا على أن
يوقعه فيها، ولاسيما إن كان عالما متبوعا، فهو حريص على ذلك لينفر الناس عنه، ثم يشيع من ذنوبه ومعاصيه في الناس، ويستنيب منهم من يشيعها ويذيعها، تدينا وتقربا بزعمه إلى الله تعالى، وهو نائب إبليس ولا يشعر، فإن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم. هذا إذا أحبوا إشاعتها وإذاعتها، فكيف إذا تولوا هم إشاعتها وإذاعتها، لا نصيحة منهم، ولكن طاعة لإبليس ونيابة عنه.
قال تعالى: {الذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الأِثْمِ وَالفَوَاحِشَ إِلا اللمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ المَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلمُ بِمَنِ اتَّقَى} [النجم:32].

4- المرتبة الرابعة: فإن عجز الشيطان عن هذه المرتبة نقله إلى المرتبة الرابعة وهي الصغائر التي إذا اجتمعت فربما أهلكت صاحبها كما قال النبي: «إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ، كَقَوْمٍ نَزَلُوا فِي بَطْنِ وَادٍ، فَجَاءَ ذَا بِعُودٍ، وَجَاءَ ذَا بِعُودٍ،حَتَّى أَنْضَجُوا خُبْزَتَهُمْ، وَإِنَّ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ مَتَى يُؤْخَذْ بِهَا صَاحِبُهَا تُهْلكْهُ» (رواه أحمد وصححه الألباني). ولا يزال يسهل عليه أمر الصغائر حتى يستهين بها، فيكون صاحب الكبيرة الخائف منها أحسن حالا منه.

5- المرتبة الخامسة: فإن أعجزه العبد من هذه المرتبة، نقله إلى المرتبة الخامسة، وهي إشغاله بالمباحات التي لا ثواب فيها ولا عقاب، بل عاقبتها فوت الثواب الذي ضاع عليه باشتغاله بها.
6- المرتبة السادسة: فإن أعجزه العبد من هذه المرتبة، وكان حافظا لوقته، شحيحا به، يعلم مقدار أنفاسه وانقطاعها، وما يقابلها من النعيم والعذاب، نقله إلى المرتبة السادسة، وهو أن يشغله بالعمل المفضول عما هو أفضل منه، ليزيح عنه الفضيلة ويفوته ثواب العمل الفاضل، فيأمره بفعل الخير المفضول، ويحضه عليه ويحسنه له، إذا تضمن ترك ما هو أفضل وأعلى منه، وقل من يتنبه لهذا من الناس، فإنه إذا رأى فيه داعيا قويا، ومحركا إلى نوع من الطاعة، لا يشك أنه طاعة وقربة، فإنه لا يكاد يقول: إن هذا الداعي من الشيطان، فإن الشيطان لا يأمر بخير، ويرى أن هذا خير، فيقول هذا الداعي من الله، وهو معذور ولم يصل علمه إلى أن الشيطان يأمر بسبعين بابا من أبواب الخير، إما ليتوصل بها إلى باب واحد من الشر، وإما ليفوت بها خيرا أعظم من تلك السبعين بابا وأجل وأفضل، وهذا لا يتوصل إلى معرفته إلا بنور من الله يقذفه في قلب العبد، يكون سببه تجريد متابعة الرسول، وشدة عنايته بمراتب الأعمال عند الله، وأحبها إليه، وأرضاها له، وأنفعها للعبد، وأعمها نصيحة لله تعالى ولرسوله ولكتابه، ولعباده المؤمنين خاصتهم وعامتهم، ولا يعرف هذا إلا من كان من ورثة الرسول، ونوابه في الأمة وخلفائه في الأرض، وأكثر الخلق محجوبون عن ذلك، فلا يخطر بقلوبهم والله تعالى يمن بفضله على من يشاء من عباده.

فإن أعجزه العبد من هذه المراتب الست، وأعيا عليه سلط عليه حزبه من الإنس والجن، بأنواع الأذى والتكفير والتضليل والتبديع والتحذير منه، وقصد إهماله وإطفائه، ليشوش عليه قلبه، ويشغل بحربه فكره، وليمنع الناس من الانتفاع به، فيبقى سعيه في تسليط المبطلين من شياطين الإنس والجن عليه، ولا يفتر ولا يني، فحينئذ يلبس المؤمن لأمة الحرب، ولا يضعها عنه إلى الموت، ومتى وضعها أسر أو أصيب، فلا يزال في جهاد حتى يلقى الله. أ هـ

توضيح معنى الشرك بالله:
يقول العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله:
الشرك على اسمه هو تشريك غير الله مع الله في العبادة كأن يدعو الأصنام أو غيرها، يستغيث بها أو ينذر لها أو يصلي لها أو يصوم لها أو يذبح لها، ومثل أن يذبح للبدوي أو للعيدروس أو يصلي لفلان أو يطلب المدد من الرسول صلى الله عليه وسلم أو من عبد القادر أو من العيدروس في اليمن أو غيرهم من الأموات والغائبين فهذا كله يسمى شركا، وهكذا إذا دعا الكواكب أو الجن أو استغاث بهم أو طلبهم المدد أو ما أشبه ذلك، فإذا فعل شيئا من هذه العبادات مع الجمادات أو مع الأموات أو الغائبين صار هذا شركا بالله عز وجل، قال الله جل وعلا: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام:88]، وقال سبحانه: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر:65]، ومن الشرك أن يعبد غير الله عبادة كاملة، فإنه يسمى شركا ويسمى كفرا، فمن أعرض عن الله بالكلية وجعل عبادته لغير الله كالأشجار أو الأحجار أو الأصنام أو الجن أو بعض الأموات من الذين يسمونهم بالأولياء يعبدهم أو يصلي لهم أو يصوم لهم وينسى الله بالكلية فهذا أعظم كفرا وأشد شركا، نسأل الله العافية، وهكذا من ينكر وجود الله، ويقول ليس هناك إله والحياة مادة كالشيوعيين والملاحدة المنكرين لوجود الله هؤلاء أكفر الناس وأضلهم وأعظمهم شركا وضلالا نسأل الله العافية، والمقصود أن أهل هذه الاعتقادات وأشباهها كلها تسمى شركا وتسمى كفرا بالله عز وجل، وقد يغلط بعض الناس لجهله فيسمى دعوة الأموات والاستغاثة بهم وسيلة، ويظنها جائزة وهذا غلط عظيم. لأن هذا العمل من أعظم الشرك بالله، وإن سماه بعض الجهلة أو المشركين وسيلة، وهو دين المشركين الذي ذمهم الله عليه وعابهم به، وأرسل الرسل وأنزل الكتب لإنكاره والتحذير منه، وأما الوسيلة المذكورة في قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} [المائدة:35].

فالمراد بها التقرب إليه سبحانه بطاعته، وهذا هو معناها عند أهل العلم جميعا، فالصلاة قربة إلى الله فهي وسيلة، والذبح لله وسيلة كالأضاحي والهدي، والصوم وسيلة، والصدقات وسيلة، وذكر الله وقراءة القرآن وسيلة، وهذا هو معنى قوله جل وعلا: {اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ} [المائدة:35]، يعني ابتغوا القربة إليه بطاعته، هكذا قال ابن كثير وابن جرير والبغوي وغيرهم من أئمة التفسير، والمعنى التمسوا القربة إليه بطاعته واطلبوها أينما كنتم مما شرع الله لكم، من صلاة وصوم وصدقات وغير ذلك، وهكذا قوله في الآية الأخرى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} [الإسراء:57]، هكذا الرسل واتباعهم يتقربون إلى الله بالوسائل التي شرعها من جهاد وصوم وصلاة وذكر وقراءة قرآن إلى غير ذلك من وجوه الوسيلة، أما ظن بعض الناس أن الوسيلة هي التعلق بالأموات والاستغاثة بالأولياء فهذا ظن باطل، وهذا اعتقاد المشركين الذين قال الله فيهم: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هؤلاء شفعاؤنا عند الله} [يونس:18]، فرد عليهم سبحانه بقوله: قُلْ {أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [يونس:18]. أ.هـ.


معنى البدعة:
عرف ابن منظور في لسان العرب البدعة في اللغة بقوله: والبدعة الحدث وما ابتدع في الدين بعد الإكمال، ابن السكيت: البدعة كل محدثة، إلى أن قال: وفلان بِدْع في هذا الأمر أي أول لم يسبقه أحد. انتهى.
وعرفها شرعاً الإمام الشاطبي في الاعتصام بقوله: فالبدعة إذن عبارة عن طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية يقصد بالسلوك عليها التقرب إلى الله تعالى.

قال العلامة محمد بن عثيمين رحمه الله تعالى:
البدعة شرعاً ضابطها: "التعبد لله بما لم يشرعه الله"، وإن شئت فقل: "التعبد لله تعالى بما ليس عليه النبي صلى الله عليه وسلم، ولا خلفاؤه الراشدون"، فالتعريف الأول مأخوذ من قوله تعالى: { أَمْ لَهُمْ شُرَ‌كَاءُ شَرَ‌عُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّـهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الشورى:21]، والتعريف الثاني مأخوذ من قول النبي صلى الله عليه وسلم: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور» (رواه الترمذي)، فكل من تعبد لله بشيء لم يشرعه الله، أو بشيء لم يكن عليه النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون فهو مبتدع، سواء كان ذلك التعبد فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته أو فيما يتعلق بأحكامه وشرعه.

أما الأمور العادية التي تتبع العادة والعرف فهذه لا تسمى بدعة في الدين وإن كانت تسمى بدعة في اللغة، ولكن ليست بدعة في الدين وليست هي التي حذر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وليس في الدين بدعة حسنة أبداً، والسنة الحسنة هي التي توافق الشرع، وهذه تشمل أن يبدأ الإنسان بالسنة أي يبدأ العمل بها، أو يبعثها بعد تركها، أو يفعل شيئاً يسنه يكون وسيلة لأمر متعبد به فهذه ثلاثة أشياء:

الأول: إطلاق السنة على من ابتدأ العمل ويدل له سبب الحديث، فإن النبي صلى الله عليه وسلم حث على التصدق على القوم الذين قدموا عليه صلى الله عليه وسلم، وهم في حاجة وفاقة، فحثّ على التصدق فجاء رجل من الأنصار بصرة من فضة قد أثقلت يده فوضعها في حجر النبي عليه الصلاة والسلام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها» (رواه مسلم)، فهذا الرجل سنَّ سنة ابتداء عمل لا ابتداء شرع.

الثاني: السنة التي تركت ثم فعلها الإنسان فأحياها فهذا يقال عنه: سنها بمعنى أحياها وإن كان لم يشرعها من عنده.

الثالث: أن يفعل شيئاً وسيلة لأمر مشروع، مثل بناء المدارس وطبع الكتب فهذا لا يتعبد بذاته ولكن لأنه وسيلة لغيره فكل هذا داخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها» (رواه مسلم)، والله أعلم.

خاتمة:
أرجو أن تنال هذه الدعوة لثورة شاملة لإزالة الشركيات والبدع التي تضرب في عقائد المسلمين في شتى أقطار الأمة المترامية القبول لدى ثوار الأمة، فالثائر الحق هو الذي يثور على الباطل ليقوم الحق ويستقر.
فالله الله في التوحيد والله الله في شرع الله فهو أمانة، والله الله في سنة النبي فهي رسالة، وقد بعث الله تعالى الأمة كافة لإيصالها صحيحة نقية لسائر البشر.

والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

  • 4
  • 1
  • 11,199

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً