حديث: لا تزول قدما عبد يوم القيامة

منذ يوم

«لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن [أربع]: عمره فيمَ أفناه؟ وعن علمه فيمَ فعل؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيمَ أنفقه؟ وعن جسمه فيمَ أبلاه»

 

الشيخ عبدالرحمن بن فهد الودعان الدوسري

عن أبي برزة نضلة بن عبيد الأسلمي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن [أربع]: عمره فيمَ أفناه؟ وعن علمه فيمَ فعل؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيمَ أنفقه؟ وعن جسمه فيمَ أبلاه»  [رواه الترمذي، وهو صحيح] [1].

 

يتعلق بهذا الحديث فوائد:

الفائدة الأولى: حساب يوم القيامة يدعونا لمحاسبة أنفسنا للإجابة على هذه الأسئلة؛ فإنه من حاسب نفسه اليوم هان عليه الحساب غدًا؛ قال الله تعالى: {﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾} [الحشر: 18]، قال ابن كثير رحمه الله في تفسيرها: أي: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وانظروا ماذا ادخرتم لأنفسكم من الأعمال الصالحة ليوم معادكم وعرضكم على ربكم؛ اهـ[2]، وقال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وَزِنُوا أنفسكم قبل أن توزنوا؛ فإنه أهون عليكم في الحساب غدًا أن تحاسبوا أنفسكم، وتزينوا للعرض الأكبر: {﴿ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ ﴾ } [الحاقة: 18])[3]، وقال الحسن البصري رحمه الله تعالى: (إن المؤمن قوَّام على نفسه، يحاسب نفسه لله عز وجل، وإنما خف الحساب يوم القيامة على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا، وإنما شق الحساب يوم القيامة على قومٍ أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة)[4].

 

الفائدة الثانية: كان السلف رحمهم الله من أحرص الناس على محاسبة أنفسهم مع ما هم عليه من التقوى والعمل الصالح؛ روى أسلم مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه دخل على أبي بكر الصديق رضي الله عنه وهو يجبذ لسانه، فقال له عمر: مَهْ غفر الله لك! فقال أبو بكر: إن هذا أوردني الموارد؛ رواه مالك[5]، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت عمر بن الخطاب وخرجت معه حتى دخل حائطًا، فسمعته وهو يقول - وبيني وبينه جدارٌ - وهو في جوف الحائط: عمر بن الخطاب أمير المؤمنين! بخ بخ، والله (بُنَيَّ الخطاب) لتتقين الله أو ليعذبنك؛ رواه مالك[6].

 

الفائدة الثالثة: دل الحديث على أن الغاية من تعلم العلم هي العمل به؛ لذا رفع الله تعالى درجة العلماء على غيرهم، فقال تعالى: {﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾} [المجادلة: 11]، وهم أهل الخشية؛ كما قال تعالى: {﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ } [فاطر: 28]، أما تعلُّمه لغير هذا الغرض فإنه يصير وبالًا على صاحبه يوم القيامة؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( «من تعلم علمًا مما يبتغى به وجه الله، لا يتعلمه إلا ليصيب به عرَضًا من الدنيا - لم يجد عَرْفَ الجنة يوم القيامة» ))، يعني: ريحها؛ رواه أحمد[7].

 


[1] رواه الترمذي في كتاب صفة القيامة والرقائق والورع، باب ما جاء في شأن الحساب والقصاص 4/ 612 (2417)، والدارمي في المقدمة، باب من كره الشهرة والمعرفة 1/ 144، وأبو يعلى 13/ 428 (7434)، والروياني في مسنده 2/ 337 (1313)، وأبو نعيم في حلية الأولياء 10/ 232، وزيادة (أربع) لهما، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وصححه الألباني في الصحيحة (946)، وصحيح الجامع (7300)، وصحيح الترغيب والترهيب (126).

[2] تفسير ابن كثير 4/ 343.

[3] رواه أحمد في الزهد ص 120، وابن أبي الدنيا في محاسبة النفس رقم (22) و(16)، وأبو نعيم في حلية الأولياء 1/ 52، وابن أبي شيبة 7/ 96 (34459)، وابن المبارك في الزهد ص103، وعلقه الترمذي فقال: يروى عن عمر 4/ 638.

[4] رواه ابن المبارك في الزهد ص103، وابن أبي الدنيا في محاسبة النفس ص18، وأبو نعيم في حلية الأولياء 2/ 157.

[5] رواه مالك في الموطأ 2/ 988 (1788)، وابن أبي شيبة في مصنفه 7/ 432 (37047)، وابن أبي عاصم في الزهد 1/ 25 (22).

[6] رواه مالك في الموطأ 2/ 992 (1800)، ومن طريقه رواه أحمد في الزهد ص115، وابن سعد في الطبقات الكبرى 3/ 292، وابن أبي الدنيا في المحاسبة رقم (3).

[7] رواه أحمد 2/ 338، وأبو داود في كتاب العلم، باب في طلب العلم لغير الله 3/ 323 (3664)، وابن ماجه في المقدمة، باب الانتفاع بالعلم والعمل به 1/ 92 (252)، وصححه ابن حبان 1/ 279 (78)، وقال الحاكم في المستدرك على الصحيحين 1/ 160: هذا حديث صحيح سنده، ثقات رواته، على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، وقال النووي في رياض الصالحين ص314: إسناده صحيح.

  • 0
  • 0
  • 155
  • عنان عوني العنزي

      منذ
    مصيبة أو نعمة - مصيبةٌ حقيقية قال ابن تيمية رحمه الله: (إذا رأيت العبد يقع في الناس إذا آذوه، ولا يرجع إلى نفسه باللوم والاستغفار، فاعلم أن مصيبته مصيبةٌ حقيقية وإذا تاب واستغفر وقال: هذا بذنوبي، صارت في حقه نعمة). [جامع المسائل]

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً