شرح إِفْشَاءُ السَّلاَمِ
«أَوَلَا أدُلُّكُمْ عَلَى شَيءٍ إذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ، أَفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُمْ»
- التصنيفات: الطريق إلى الله -
قَالَ رَسُولُ اللـهِ صلى الله عليه وسلم: «لاَ تَدْخُلُوا الـجَنَّة حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَلَا أدُلُّكُمْ عَلَى شَيءٍ إذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ، أَفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُمْ»
[صحابي الحديث هو أبو هريرة رضى الله عنه] .
إن إفشاء السلام سببٌ لوقوع المحاببة؛ لأن السلام لا يكون إلا من صفاء القلب، والتواضع والمسكنة، فكل من عنده صفاء القلب، والتواضع والمسكنة، يحبه الناس؛ ألا ترى أن الظَلمة المتكبرين لا يسلمون على الناس إلا قليلاً، وذلك من كبرهم وافتخارهم، فلا جرم أن الناس يبغضونهم، فيكون تركهم السلام سبباً للعداوة والبغضاء.
قوله: (أفشوا) من الإفشاء؛ وهو الإشاعة والإكثار، وفيه الحث العظيم على إفشاء السلام، وبذله للمسلمين كُلهم، من تعرفه ومن لم تعرفه.
والسلام أول أسباب التآلف، ومفتاح استجلاب المودة، ومن إفشائه تمكن ألفة المسلمين بعضهم لبعض، وإظهار شعارهم المميز لهم عن غيرهم من أهل الملل، مع ما فيه من رياضة النفس، ولزوم التواضع، وإعظام حرمات المسلمين.
«ثَلاثٌ مَنْ جَمَعَهُنَّ فَقَدْ جَمَعَ الإيْمَانَ: الإنْصَافُ مِنْ نَفْسِكَ، وبَذْلُ السَّلاَمِ للعَالَمِ، والإنْفَاقُ مِنَ الإِقْتَارِ»
هذا أثر عن عمار بن ياسر رضى الله عنه.
قوله: (ثلاث) أي: ثلاث خصال (من جمعهن فقد جمع الإيمان) أي: فقد جمع فضائل الإيمان وخصائله.
قوله: (الإنصاف من نفسك) وهو الأول؛ فإن الإنصاف يقتضي أن يؤدي إلى الله جميع حقوقه، وما أمره به، ويجتنب ما نهاه عنه، وأن يؤدي إلى الناس حقوقهم، ولا يطلب ما ليس له، وأن ينصف أيضاً، فلا يوقعها في قبيح أصلاً.
قوله: (بذل السلام للعالم) وهو الثاني؛ فمعناه لجميع الناس، وهذا يتضمن أن لا يتكبر على أحد، وأن لا يكون بينه وبين أحد جفاء، يمتنع بسببه من السلام عليه.
قوله: (الإنفاق من الإقتار) وهو الثالث؛ أي: التضييق عليه في الرزق، يقال: أقتر الله رزقه؛ أي: ضيقه وقلله؛ والإنفاق من الإقتار يقتضي كمال الوثوق بالله تعالى، والتوكل عليه، والسعة على المسلمين.. وغير ذلك.
وعَنْ عَبْدِ اللـهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا: « أنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أَيُّ الإِسْلامِ خَيْرٌ؟ قَالَ: (تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وتَقْرَأُ السَّلامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ ومَنْ لَـمْ تَعْرِف)»
قوله: «أي الإسلام خير» أي: أيُّ آداب الإسلام؟ وأيُّ خصال أهله خير؟ وإنما قال: (تطعم الطعام..) ولم يقل: إطعام الطعام، وإلقاء السلام؛ ليعلم بذلك أن الناس متفاوتون في تلك الخصال على حسب أوضاعهم ومراتبهم في المعارف، وأن الخصلتين المذكورتين تناسبان حال السائل، وأنهما خير له بالنسبة إليه لا إلى سائر المسلمين، أو نقول: إنه أجاب عن سؤاله بإضافة الفعل إليه ليكون أدعى إلى العمل، والخبر قد وقع موقع الأمر؛ أي: أطعم الطعام، وأقرئ السلام.
قوله: «تقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف» أي: تسلم على كل من لقيت، عرفته أم لم تعرفه، ولا تخص به من تعرفه كما يفعل كثير من الناس.
ثم إن هذا العموم مخصوص بالمسلمين، فلا يسلم ابتداء على الكافر