شرح حديث : ( أنا سيد ولد آدم يوم القيامة )

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا سيد ولَد آدم يوم القيامة، وأول مَن يَنشق عنه القبر، وأول شافع، وأول مشفَّع»

  • التصنيفات: الحديث وعلومه -

 

الشيخ طه محمد الساكت

عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا سيد ولَد آدم يوم القيامة، وأول مَن يَنشق عنه القبر، وأول شافع، وأول مشفَّع» .

المفردات والجمل:

• أنا سيد ولد آدم:

سيد القوم: رئيسهم وأكرمهم، أو هو الذي يفوقهم في الخير، أو هو الذي يُفزَع إليه في النوائب والشدائد، فيقوم بأمرهم، ويتحمَّل عنهم مكارههم ويدفعها عنهم، وكلها معانٍ مُتلازِمة مُتقارِبة، وهو من الصفات المشبَّهة، وأصله سيود أو سويد[1]، والوَلَد بالفتح: كلُّ ما ولده شيء، ويُطلَق على الذَّكر والأنثى، والمثنى والجمع، فَعَل بمعنى مفعول، وجمعه أولاد، والوُلد بوزن قُفل لغة فيه.

وفي رواية البخاري ومسلم في حديث الشفاعة: ((أنا سيد الناس))، وهي نص في سيادته على الناس جميعًا حتى الأنبياء والرسل، ومنهم أبو البشر آدم - عليه السلام - وفي رواية البيهقي: ((أنا سيد العالمين))، وهي نَصٌّ في سيادته على الملائكة والخلائق أجمعين، فلا نحتاج إلى التأويل بأنه أفضل الناس جميعًا، وأن الناس أفضل من الملائكة.

وحكمة التقييد بيوم القيامة بيَّنها الشارحُ بإيضاح، فلا حاجة إلى إعادتها، كما أوضح حكمة تَحدُّثه صلى الله عليه وسلم بهذه النِّعمة العُظمى نعمة السيادة المُطلَقة من غير فخرٍ ولا عُجْب، وحاشاه.

ثم أجاب الشارح عن معارضة هذا الحديث بحديث ((لا تُفضِّلوا بين الأنبياء))[2]، وأجاب عنها بخمسة أجوبة واضحة، فلا حاجة إلى إعادتها.

ويتَّصِل بهذا الحديث حديث البخاري وغيره عن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما ينبغي لعبد أن يقول: إني خير من يونس بن متى))، والأجوبة عن هذا الحديث ومعارضته هي الأجوبة الخمسة السابقة، ويبقى الجواب عن تخصيصه يونس عليه السلام بالذِّكر، والجواب عن ذلك أنه صلى الله عليه وسلم خصَّه بالذِّكْر من بين سائر الأنبياء؛ لما يُخشى على من سمع قصَّتَه أن يقع في نفسه تنقيصٌ له عليه السلام، فبَالَغ في ذِكْر فضله؛ سدًّا لهذه الذريعة.

• وأول مَن يَنشقُّ عنه القبر:

هذه فضيلة خاصة بنبينا صلى الله عليه وسلم، فهو أول مَن يُبعَث من إخوانه الأنبياء، وهم صلوات الله وسلامه عليهم أول زمرة تَنشقُّ عنهم الأرض حين البعث.

• وأول شافع وأول مشفع:

الشفاعة: هي التوسُّط بالقول في وصول شخص إلى منفعة دنيويَّة أو أخروية، أو خلاصه من مضرَّة ما، وتكون حسنة وسيئة؛ كما قال تعالى: { ﴿ مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا ﴾} [النساء: 85]، ومن الثانية: الشفاعة في حد من حدود الله - عز وجل - مأخوذة من الشفع ضد الوتر؛ كأن المشفوع له كان وترًا.

 


[1] وعلى الأول: اجتمعت الياء والواو وسُبِقت إحداهما بالسكون، فقُلبت الواو ياءً وأدغمت في الياء. وعلى الثاني استثقلت الكسرة على الواو فحُذِفت، فاجتمعت الواو الساكنة مع الياء، فقُلِبت الواو ياءً كذلك، وأدغمت في الياء، انظر المصباح وكتب التصريف.

[2] انظر النهي عن التفضيل بين الأنبياء في صحيح مسلم في فضائل موسى عليه السلام (130: 15) وما بعدها، وانظر كذلك أول من تَنشقُّ عنهم الأرض وهم الأنبياء، وأولهم خاتم النبيين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.