يسروا ولا تعسروا
محمود الدوسري
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَأَبْشِرُوا».
- التصنيفات: - آفاق الشريعة -
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِهِ الْكَرِيمِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، أَمَّا بَعْدُ: فَالدِّينُ الْإِسْلَامِيُّ بِجَمِيعِ تَكَالِيفِهِ، وَعِبَادَاتِهِ وَتَشْرِيعَاتِهِ وَأَحْكَامِهِ، مَبْنِيٌّ عَلَى الْيُسْرِ، وَرَفْعِ الْحَرَجِ، وَإِزَالَةِ التَّعَنُّتِ وَالتَّشَدُّدِ؛ مِنْ أَجْلِ مُرَاعَاةِ أَحْوَالِ النَّاسِ وَطَاقَتِهِمْ، وَالتَّيْسِيرِ عَلَيْهِمْ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِمْ، وَهَذَا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ بِعِبَادِهِ، قَالَ تَعَالَى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [الْبَقَرَةِ: 185]؛ وَقَالَ – لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى} [الْأَعْلَى: 8]؛ أَيِ: الشَّرِيعَةِ السَّمْحَةِ السَّهْلَةِ.
وَلَعَلَّ مِنْ أَسْبَابِ هَذَا التَّيْسِيرِ هُوَ مَا اخْتَصَّ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ هَذِهِ الْأُمَّةَ دُونَ غَيْرِهَا مِنْ خَصَائِصَ؛ وَمِنْ أَهَمِّهَا: كَوْنُهَا الْأُمَّةَ الْخَاتِمَةَ الَّتِي بِهَا خُتِمَتِ الْأُمَمُ؛ وَمِنْ ثَمَّ فَلَيْسَ هُنَاكَ مَجَالٌ لِلِاسْتِدْرَاكِ عَلَى أَحْكَامِهَا؛ إِذْ تُمَثِّلُ الْأُمَّةُ الْإِسْلَامِيَّةُ مَرْحَلَةَ الرُّشْدِ فِي تَارِيخِ الْبَشَرِيَّةِ، وَالَّتِي بِبُلُوغِهَا كَمُلَ الدِّينُ وَتَمَّتِ النِّعْمَةُ، وَبِمَوْتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْقَطَعَ الْحَبْلُ الْوَاصِلُ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ مِنَ النُّبُوَّةِ الْمُبَارَكَةِ.
لِذَا جَاءَتْ شَرِيعَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَهْلَةً وَمُيَسَّرَةً فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهَا وَأَحْوَالِهَا، وَلَمْ يُصِبْهَا مَا أَصَابَ الشَّرَائِعَ السَّابِقَةَ مِنَ الْآصَارِ وَالْأَغْلَالِ الْمَفْرُوضَةِ عَلَيْهِمْ؛ بِسَبَبِ ظُلْمِ كَثِيرٍ مِنْ أَتْبَاعِهَا، وَجُحُودِهِمْ، وَتَلَكُّئِهِمْ عَنِ الِاسْتِجَابَةِ لِأَنْبِيَائِهِمْ، فَعَاقَبَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِالتَّشْدِيدِ عَلَيْهِمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ التَّشْرِيعَاتِ، فَأَصْبَحَتْ شَاقَّةً وَثَقِيلَةً؛ كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ: {مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا} [النِّسَاءِ: 160].
وَتَكَرَّرَتْ دَعْوَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى التَّيْسِيرِ فِي أَحَادِيثَ عِدَّةٍ، وَمِنْهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِّتًا، وَلَا مُتَعَنِّتًا، وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا» (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) ؛ فَاللَّهُ تَعَالَى لَمْ يَبْعَثْ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُضَيِّقَ عَلَى النَّاسِ وَيُدْخِلَ عَلَيْهِمُ الْمَشَقَّةَ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِذَلِكَ، وَلَمْ يَتَكَلَّفْهُ هُوَ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ؛ إِذًا فَالتَّيْسِيرُ مِنْ أَبْرَزِ مَقَاصِدِ وَمَعَالِمِ بَعْثَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنَّاسِ.
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَأَبْشِرُوا» (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ). (وَالْمَعْنَى: لَا يَتَعَمَّقُ أَحَدٌ فِي الْأَعْمَالِ الدِّينِيَّةِ، وَيَتْرُكُ الرِّفْقَ إِلَّا عَجَزَ، وَانْقَطَعَ فَيُغْلَبُ).
وَعَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا بَعَثَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ فِي بَعْضِ أَمْرِهِ قَالَ: «يَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا» (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) ، وَقَالَ أَيْضًا: «بَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا» (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) ، وَلَمَّا بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَاذًا وَأَبَا مُوسَى إِلَى الْيَمَنِ؛ قَالَ لَهُمَا: «ادْعُوَا النَّاسَ، وَبَشِّرَا وَلَا تُنَفِّرَا، وَيَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا» (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) ، وَفِي رِوَايَةٍ: «وَتَطَاوَعَا وَلَا تَخْتَلِفَا» (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ).
قَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: (جَمَعَ فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ بَيْنَ الشَّيْءِ وَضِدِّهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَفْعَلُهُمَا فِي وَقْتَيْنِ، فَلَوِ اقْتَصَرَ عَلَى «يَسِّرُوا» لَصَدَقَ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَسَّرَ مَرَّةً أَوْ مَرَّاتٍ، وَعَسَّرَ فِي مُعْظَمِ الْحَالَاتِ، فَإِذَا قَالَ: «وَلَا تُعَسِّرُوا» انْتَفَى التَّعْسِيرُ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ مِنْ جَمِيعِ وُجُوهِهِ، وَهَذَا هُوَ الْمَطْلُوبُ، وَكَذَا يُقَالُ فِي «يَسِّرَا وَلَا تُنَفِّرَا، وَتَطَاوَعَا وَلَا تَخْتَلِفَا»؛ لِأَنَّهُمَا قَدْ يَتَطَاوَعَانِ فِي وَقْتٍ، وَيَخْتَلِفَانِ فِي وَقْتٍ، وَقَدْ يَتَطَاوَعَانِ فِي شَيْءٍ، وَيَخْتَلِفَانِ فِي شَيْءٍ).
وَقَالَ الطَّبَرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَمَعْنَى قَوْلِهِ: «يَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا» فِيمَا كَانَ مِنْ نَوَافِلِ الْخَيْرِ دُونَ مَا كَانَ فَرْضًا مِنَ اللَّهِ، وَفِيمَا خَفَّفَ اللَّهُ عَمَلَهُ مِنْ فَرَائِضِهِ فِي حَالِ الْعُذْرِ؛ كَالصَّلَاةِ قَاعِدًا فِي حَالِ الْعَجْزِ عَنِ الْقِيَامِ، وَكَالْإِفْطَارِ فِي رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ وَالْمَرَضِ، وَشِبْهِ ذَلِكَ فِيمَا رَخَّصَ اللَّهُ فِيهِ لِعِبَادِهِ، وَأَمَرَ بِالتَّيْسِيرِ فِي النَّوَافِلِ، وَالْإِتْيَانِ بِمَا لَمْ يَكُنْ شَاقًّا وَلَا فَادِحًا؛ خَشْيَةَ الْمَلَلِ لَهَا وَرَفْضِهَا، وَذَلِكَ أَنَّ أَفْضَلَ الْعَمَلِ إلَى اللَّهِ أَدْوَمُهُ وَإِنْ قَلَّ، وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ: «لَا تَكُنْ مِثْلَ فُلَانٍ؛ كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ» (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).
وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا؛ أَنَّهَا قَالَتْ: «مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ قَطُّ إِلَّا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا، مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا» (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ).
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ خَيْرَ دِينِكُمْ أَيْسَرُهُ، إِنَّ خَيْرَ دِينِكُمْ أَيْسَرُهُ، إِنَّ خَيْرَ دِينِكُمْ أَيْسَرُهُ» (حَسَنٌ - رَوَاهُ أَحْمَدُ) ؛ أَيِ: الَّذِي لَا مَشَقَّةَ فِيهِ، وَالدِّينُ كُلُّهُ يُسْرٌ، لَكِنَّ بَعْضَهُ أَيْسَرُ مِنْ بَعْضٍ. وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ رَضِيَ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ الْيُسْرَ، وَكَرِهَ لَهَا الْعُسْرَ» (قَالَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ). (صَحِيحٌ - رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ).
وَمِمَّا يُسْتَفَادُ مِنْ مَجْمُوعِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ:
1- أَهَمِّيَّةُ التَّبْشِيرِ بِفَضْلِ اللَّهِ وَعَظِيمِ ثَوَابِهِ، وَجَزِيلِ عَطَائِهِ وَسَعَةِ رَحْمَتِهِ، وَلَا بُدَّ أَنْ نُضِيفَ التَّبْشِيرَ إِلَى التَّخْوِيفِ وَالْإِنْذَارِ.
2- أَهَمِّيَّةُ التَّيْسِيرِ وَالتَّبْشِيرِ؛ لِتَأْلِيفِ قَلْبِ الْمُسْلِمِ الْجَدِيدِ، وَتَرْكِ التَّشْدِيدِ عَلَيْهِ، وَكَذَا مَنْ قَارَبَ الْبُلُوغَ مِنَ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ، وَمَنْ تَابَ مِنَ الْمَعَاصِي، كُلُّ هَؤُلَاءِ يُتَلَطَّفُ بِهِمْ، وَيَدْرُجُونَ فِي أَنْوَاعِ الطَّاعَةِ قَلِيلًا.
3- التَّيْسِيرُ لَا يَكُونُ بِتَرْكِ الْأَوَامِرِ، أَوْ بِفِعْلِ النَّوَاهِي، إِلَّا أَنْ تُوجَدَ رُخْصَةٌ شَرْعِيَّةٌ فِي ذَلِكَ؛ كَتَرْكِ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ، وَعَدَمِ الْقِيَامِ فِي الْفَرِيضَةِ لِعُذْرٍ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ.. أَكَّدَتْ جَمِيعُ الْأَحْكَامِ التَّشْرِيعِيَّةِ فِي الْإِسْلَامِ عَلَى مَبْدَأِ رَفْعِ الْحَرَجِ عَنِ الْعِبَادِ فِي التَّكَالِيفِ، وَالتَّيْسِيرِ عَلَيْهِمْ فِي التَّطْبِيقِ دُونَ مَشَقَّةٍ، أَوْ ضَرَرٍ، أَوْ عُسْرٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [الْبَقَرَةِ: 286]؛ وَقَالَ سُبْحَانَهُ: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الْحَجِّ: 78].
وَمِنَ الْأَعْذَارِ الْعَارِضَةِ الْمُوجِبَةِ لِلتَّيْسِيرِ: السَّفَرُ، وَالْمَرَضُ، وَالْإِكْرَاهُ، وَالنِّسْيَانُ، وَالْجَهْلُ، وَالْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ، وَالْعُسْرُ، وَعُمُومُ الْبَلْوَى، وَقُرْبُ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ.
وَلْنَتَأَمَّلْ مَبْدَأَ الْيُسْرِ فِي أَحْكَامِ الصِّيَامِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [الْبَقَرَةِ: 185]؛ فَإِرَادَةُ الْيُسْرِ لِلْعِبَادِ مِنْ مَقَاصِدِ الدِّينِ الْعَظِيمَةِ؛ لِيُكْمِلُوا عِدَّةَ صَوْمِهِمْ، وَيُكَبِّرُوا اللَّهَ تَعَالَى عَلَى مَا هَدَاهُمْ، وَلَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَهُ بِسَبَبِ التَّرْخِيصِ وَالتَّيْسِيرِ.
وَلِذَا حَذَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ التَّشَدُّدِ فِي الدِّينِ عَلَى غَيْرِ بَصِيرَةٍ، فَقَالَ: «هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ» (قَالَهَا ثَلَاثًا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ). وَالْمُتَنَطِّعُونَ: هُمُ الْمُتَشَدِّدُونَ، وَالْمُتُعَمِّقُونَ فِي الدِّينِ، فِي غَيْرِ الْمَوَاطِنِ الَّتِي لَا تَحْتَاجُ إِلَى هَذَا النَّوْعِ مِنَ التَّشَدُّدِ.
وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا امْرَأَةٌ فَقَالَ: «مَنْ هَذِهِ» ؟ قَالَتْ: فُلَانَةُ، تَذْكُرُ مِنْ صَلَاتِهَا. قَالَ: «مَهْ! عَلَيْكُمْ بِمَا تُطِيقُونَ؛ فَوَاللَّهِ لَا يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا». وَكَانَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيْهِ مَا دَامَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ. (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).
وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْجِدَ وَحَبْلٌ مَمْدُودٌ بَيْنَ سَارِيَتَيْنِ فَقَالَ: «مَا هَذَا» ؟ قَالُوا: لِزَيْنَبَ تُصَلِّي، فَإِذَا كَسِلَتْ أَوْ فَتَرَتْ أَمْسَكَتْ بِهِ! فَقَالَ: «حُلُّوهُ؛ لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ، فَإِذَا كَسِلَ أَوْ فَتَرَ قَعَدَ» (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – لِمَنْ أَطَالَ الصَّلَاةَ حَتَّى شَقَّ عَلَى النَّاسِ: «يَا مُعَاذُ، أَفَتَّانٌ أَنْتَ» ؟ قَالَهَا ثَلَاثًا - «اقْرَأْ ﴿ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا ﴾ وَ﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ﴾ وَنَحْوَهَا» (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ). وَقَالَ أَيْضًا: «إِذَا مَا قَامَ أَحَدُكُمْ لِلنَّاسِ فَلْيُخَفِّفِ الصَّلَاةَ؛ فَإِنَّ فِيهِمُ الْكَبِيرَ، وَفِيهِمُ الضَّعِيفَ، وَإِذَا قَامَ وَحْدَهُ فَلْيُطِلْ صَلَاتَهُ مَا شَاءَ» (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
هَذَا هُوَ دِينُ الْإِسْلَامِ؛ إِنَّهُ يُسَايِرُ الْفِطَرَ السَّلِيمَةَ، وَيُعَايِشُ الْإِنْسَانَ فِي جَمِيعِ أَطْوَارِ حَيَاتِهِ، وَيُعَامِلُهُ بِرِفْقٍ وَلِينٍ، وَيَرْفَعُ عَنْهُ الْإِصْرَ وَالْعَنَتَ؛ لِيَأْخُذَ بِيَدِهِ إِلَى الْخَيْرِ، وَإِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ.