تأمل في طول مدة دعوة نوح عليه السلام

منذ 2024-10-16

كيف مرت على نوح تسعمائة وخمسون سنة، وهو يعيش همَّ الدعوة إلى الله ليلًا ونهارًا لم يفتر ولا لحظة؟ وكم صَبَرَ على أذى قومه وسبِّهم وشتمهم له بالشتائم العِظام! كيف كان يمشي بينهم وهم من يحقد عليه ويكرهه أشد الكره؟

{فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا} [العنكبوت: 14].

 

النبيُّ الوحيد الذي ذكر الله مدة دعوته لقومه هو نوح عليه الصلاة والسلام؛ وذلك لأنها مدة طويلة، والسؤال المهم هنا: كم آمن مع نوح خلال هذه المسيرة الحافلة، التي هي مثل مدة إقامة محمد صلى الله عليه وسلم في الدعوة أكثر من أربعين ضعفًا؟

 

الجواب: كانوا لا يزيدون على ثمانين رجلًا وامرأة.

 

لو قسمنا عدد السنين على عدد من آمن، لكانت النتيجة في كل اثنتي عشرة سنة كان يؤمن معه شخص واحد، وربما آمنوا كلهم في أول مرحلة الدعوة.

 

مع أن نوحًا قد آتاه الله من الحكمة والبيان والاجتهاد في النصح ما ذكره هو عن نفسه: {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا * ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا * ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا} [نوح: 5 - 9].

 

ولم تكن قلة مَنِ اتبعه عن تقصير منه، أو كسل منه، أو نقص حكمة منه، ولا قلة حنكة منه، ولا انعدام فَهمٍ منه للناس وواقعهم.

 

بل كان – والله - في كل شيء في أعلى المراتب عقلًا وحكمةً وعلمًا، وقوة وشجاعة، واجتهادًا ونشاطًا، مع حُسْنِ أسلوب، وحُسْنِ سيرة فيهم.

 

لا يوجد خلال هذه المدة رجلٌ أكرمُ على الله من نوح عليه السلام، ولا أعلم، ولا أفهم، ولا أحكم منه في سائر البشرية في عهده.

 

فتأمل معي: كيف مرت على نوح تسعمائة وخمسون سنة، وهو يعيش همَّ الدعوة إلى الله ليلًا ونهارًا لم يفتر ولا لحظة؟ وكم صَبَرَ على أذى قومه وسبِّهم وشتمهم له بالشتائم العِظام! كيف كان يمشي بينهم وهم من يحقد عليه ويكرهه أشد الكره؟

 

كان يُولَد للرجل منهم الأولاد، فيُحذِّر أولاده من نوح ودعوته، والأولاد كذلك يحذرون أولادهم؛ وصيةً يتواصَون بها بينهم.

 

لم يقدروا شَيبتَه فيهم، ولا طولَ عمره فيهم، ولا سَعَةَ علمه، ولا كمال حِلْمِه.

 

ما سألهم في تلك المدة الطويلة درهمًا واحدًا على دعوته؛ بل عاش فيهم وهو يقول: {وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا} [هود: 29]؛ أي: على دعوته، فما أعظم صبره على حوائج الزمان الطويل الذي عاشه، حتى في حال كبر سنه، ورِقَّة عَظْمِهِ كان مستغنيًا عن قومه، لا يسألهم شيئًا من أمور الدنيا!

 

ومع هذا كله قُوبِلَ بالرفض لدعوته: {وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ} [هود: 40]، والتهديد بالقتل: {لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ} [الشعراء: 116]؛ أي: يرجُمونه بالحجارة حتى يموت.

 

فصَبَرَ على ذلك لعل الله أن يهديهم أو يهدي بعضهم للإسلام؛ حتى أنزل الله عليه: {وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [هود: 36]، فلما عرف أن قومه لن يؤمنوا أبدًا، رفع شكواه إلى الله يدعو عليهم: {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ} [القمر: 10]، {وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} [نوح: 26]، وهذا إن دلَّ، فإنما يدل على صبره في الدعوة إلى الله، حتى أوحى الله إليه أن دعوتك لن تُدخِل منهم رجلًا واحدًا، ولا طفلًا، ولا امرأة، مهما مكثتَ فيهم من السنين والقرون.

 

أي: إن سُبُلَ هداية قوم نوح أُغلِقت تمامًا، ولو للأطفال والرُّضَّع الصغار لن يهتدوا، إذا بلغوا سنَّ التكليف.

 

فحينها دعا عليهم بالهلاك، وحُقَّ له ذلك، وخاصة أنه قد علَّل هذا الدعاء؛ بقوله: {إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا} [نوح: 27]، فتأمَّل؛ خَافَ أن يخسر بعض الذين آمنوا معه؛ ولهذا قال: {يُضِلُّوا عِبَادَكَ} [نوح: 27].

 

فاستجاب الله لدعوته التي خرجت بعد يأسٍ من نوح من أن يُسلِمَ قومه أو بعضهم.

 

وكيف لا يدعو عليهم ولا أمل فيهم يُرتجى؟ كيف لا يدعو عليهم وهم الذين إن عاشوا عاشوا على السخرية منه وممن آمن معه؟ فذَهابهم خير لهم من بقائهم؛ إذ إن بقاءهم زيادة في الكفر مما يعني زيادة في العذاب في الآخرة.

 

فاستُجيبت دعوته، فأهلك الله سائر أهل الكفر كبارًا وصغارًا بالطوفان العظيم الذي أغرق كل الأرض، حتى الحيوانات البرية كلها هلكت، فنجَّى الله نوحًا والذين معه.

 

واستأنفت البشرية الحياة مرة أخرى، واستُؤنف تناسل الحيوانات مرة أخرى بعد أن بقِيَ منها من كلِّ زوجين اثنان.

 

فعاش نوح بين هذه الأمة القليلة مُعلِّمًا مُطاعًا سيدًا، حتى توفَّاه الله تعالى.

 

فكانت هذه وظيفة الرسالة، فابْتُدئت بنوح عليه الصلاة والسلام، وآمن معه قليل، على رغم طول المدة، واختُتمت بمحمد صلى الله عليه وسلم، وآمن معه كثير، على رغم قصر المدة، فكلٌّ منهما كتب الله له من الأتباع ما شاءه الله وقدره؛ {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ} [الجمعة: 4].

 

ومع ذلك، فليُعلم أن الأنبياء هم في الحقيقة مشروع واحد (مشروع النبوة والرسالة)، أصحاب دين واحد، وأنه ما تقوَّى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلا حينما قص الله عليه قصص الأنبياء قبله؛ ليُطلِعه كيف كانوا في الصبر على الدعوة، فإن كل الأنبياء السابقين لهم فضل على هذه الأمة حينما كانت قصصهم تُثبِّت النبي محمدًا صلى الله عليه وسلم؛ حتى واصل مسيرته، فبلغ هَدْيُه مشارقَ الأرض ومغاربَها.

 

إذًا يا أخي المسلم، ابدأ في العمل لهذا الدين، وقدِّم في سبيل نصره ما تقدر عليه، ولا تنتظر النتيجة في هذه الحياة، فربما النتيجة ستكون بعد أجيال وأجيال؛ فقد يأتي من عرَف صبرك على الحق، فاقتدى بك، ونفع الله به خَلقًا كثيرًا.

 

فلا تستَهِنْ بثباتك وبجهدك وبإخلاصك؛ فإنه زادٌ لغيرك، وإن لم تشعر بذلك.

 

اللهم استعملنا في خدمة دينك ولا تستبدلنا.

_______________________________________________________
الكاتب: فهد عبدالله محمد السعيدي

  • 1
  • 0
  • 161
  • عنان عوني العنزي

      منذ
    اقتلوا اليهود بل وألحق الله تعالى باليهود مَن حالفهم ووالاهم وعدّه منهم، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}. وبعد كل هذا البيان والإيضاح، هل يبقى لأحد حجة في أن يزعم بأن الحرب مع اليهود ليست دينية، فإن لم تكن دينية فلن تلبث حتى تتحول إلى "مصالحات وتفاهمات" طال الزمان أم قصر، كما رأينا في كثير من الساحات التي كانت الحرب فيها أشد مما يجري في فلسطين، فكل العداوات تنتهي بانتهاء المُسبب إلا العداوة في الدين! ومعلوم في عقيدة أهل السنة والجماعة أن أوثق عرى الإيمان؛ الولاء للمؤمنين والعداء للكافرين، وهي ملة إبراهيم -عليه السلام- التي فرضها الله على نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- فقال: {ثُمَّ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ أَنِ ٱتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَٰهِيمَ حَنِيفًا}، وملة إبراهيم هي قوله تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِىٓ إِبْرَٰهِيمَ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُواْ لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَءَٰٓؤُاْ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ٱلْعَدَٰوَةُ وَٱلْبَغْضَآءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ وَحْدَهُ}، فهذا هو أصل المعركة، منه المبتدى وإليه المنتهى. وما تشهده فلسطين قديما وحديثا هو حالة طبيعية من عداء اليهود للمسلمين وإفسادهم في الأرض؛ مستعينين بحلفائهم من حكّام العرب المرتدين الذين تكفّرهم الدولة الإسلامية وتراهم جميعا جزءا من الغزو اليهودي لفلسطين، وتدعو لقتالهم وتساوي بين كلّ مَحاورهم قَطرية كانت أم إماراتية، عربية أو أعجمية، فكل أولياء اليهود منهم لقوله تعالى: {وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}، فمثلا حكومة تشاد المرتدة هاجمها الوطنيون بألسنتهم مؤخرا لما أعلنت عن توطيد علاقتها مع اليهود، بينما كانت الدولة الإسلامية الوحيدة التي تقاتلها وحلفاءها في غرب إفريقية من قبل ومن بعد. وعليه، فإننا نكرر الدعوة والتذكير لشباب فلسطين بأن تكون حربهم مع اليهود في هذا السياق القرآني المبارك، حربا دينية بعيدة كل البعد عن الرايات الوطنية الجاهلية التي تخالف القرآن والسنة، ونشدّد ونؤكد على جدوى استهداف المعابد والكُنس اليهودية وتقصّدها بهجمات دامية، فإنها أجدى وأنكى في اليهود، وأكثر إبرازا لملامح المعركة في ظلال القرآن لا البرلمان، ونوصيهم بأن يتزوّدوا بعد الإيمان بالأحزمة الناسفة فقد طال غيابها وإقصاؤها عن تلك الساحة؛ وإنْ لاح طيفها في تفجيرات القدس التي خبا ذكرها في الإعلام الجاهلي لمّا ظهرت هوية المنفّذ، بينما لم يغب شبحها عن أذهان أفراخ اليهود الذين يخشون تكرارها. كما نحرض المسلمين في كل مكان، على قتال اليهود واستهدافهم داخل الأحياء والكُنس اليهودية المنتشرة في أوروبا وغيرها من الدول، فاقتلوا اليهود بكل وسيلة وشدّوا عليهم، وكونوا أنتم مبتدأ الحرب التي تحرق اليهود الكافرين بعد أن اجتمع طواغيت العالم بأسره على إيقافها، ولن يفلحوا بإذن الله تعالى، وإن غدا لناظره لقريب. • المصدر: صحيفة النبأ الأسبوعية العدد 376

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً