من صور أكل الحرام ( المقامرة)

محمد سيد حسين عبد الواحد

حكم شرعي وهو حرمة المقامرة والمراهنة، إذ المراهنة والمقامرة من أفعال الجاهلية التي جاء الإسلام فحرمها لما فيها من الوقوع في الإثم

  • التصنيفات: فقه المعاملات -


ايها الإخوة الكرام : بمشيئة الله تعالى نتحدث يومنا هذا عن صورة من الكسب غير المشروع  .. 
نتحدث يومنا هذا عن حكم شرعي وهو حرمة المقامرة والمراهنة، إذ المراهنة والمقامرة من أفعال الجاهلية التي جاء الإسلام فحرمها لما فيها من الوقوع في الإثم ولما فيها من الوقوع في الحرام، ولما تغرسه في القلوب من الشحناء والبغضاء.. 

سورة البقرة سورة مدنية: 
نزلت آياتها بالمدينة بعد هجرة النبي عليه الصلاة والسلام وبين آيات هذه السورة وردت هذه الآية: 
{ ﴿ يَسْـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا ۗ وَيَسْـَٔلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ ٱلْعَفْوَ ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلْءَايَٰتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ﴾ } وسورة المائدة أيضاً سورة مدنية نزلت آياتها بالمدينة بعد هجرة النبي عليه الصلاة والسلام وبين آيات هذه السورة وردت هاتين الآيتين  : 
{﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلْأَنصَابُ وَٱلْأَزْلَٰمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَٰنِ فَٱجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱلشَّيْطَٰنُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ ٱلْعَدَٰوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ فِى ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَعَنِ ٱلصَّلَوٰةِ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ ﴾ }

لن نتحدث يومنا هذا عن تحريم الخمر فلها لقاء قادم بإذن الله تعالى، وإنما نتحدث عن حرمة الميسر،  والذي يعرف بين الناس ب( القِمار أو المراهنة) لماذا الحديث عنها ؟ 
لأن الله تعالى حرمها،  ولأن المقامرة والمراهنة صورة من صور أكل الحرام،  ولأن الناس يعلمون أنها حرام  .. 

ولأن الكثير من الناس أمسك عن القمار والمراهنة لأنها حرام، ذهبت المقامرة والمراهنة غير بعيد ثم رجعت إلينا المقمارة والمراهنة بثوب جديد في صورة (مراهنات إليكترونية) حتى دخلت علينا بيوتنا وأصبحت بين أيدينا يفصلنا عنها فقط دقة بأصبع على هاتف من الهواتف.. 

وسؤال المسلمين للنبي عليه الصلاة والسلام عن الحكم الشرعي للميسر،  ونزول آيات التحريم بين آيات سور البقرة المدنية دلالته أن حكم الميسر وحرمته كان مسكوتاً عنها والمسلمون في مكة ، ومن هنا نفهم إقرار النبي صلى الله عليه وسلّم لأبي بكر في مكة قبل الهجرة حينما راهن أبي بن خلف، أقره النبي على هذه المقامرة لأنه لم يكن قد نزل تحريمها بعد  .. 

لما نزل قول الله تعالى {﴿ الٓمٓ ﴾﴿ غُلِبَتِ ٱلرُّومُ ﴾﴿ فِىٓ أَدْنَى ٱلْأَرْضِ وَهُم مِّنۢ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ﴾ ﴿ فِى بِضْعِ سِنِينَ ۗ لِلَّهِ ٱلْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِنۢ بَعْدُ ۚ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ ٱلْمُؤْمِنُونَ ﴾﴿ بِنَصْرِ ٱللَّهِ ۚ يَنصُرُ مَن يَشَآءُ ۖ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ ﴾}

وهذه الآيات من سورة الروم،  وسورة الروم مكية،  لما نزلت هذه الآيات خرج بها أبو بكر حتى قرأها على قريش.. 

وقد كانت قريش تفرح أن غلبت الفرس الروم،  لأن قريشاً تشبه الفرس، فجميعهم يعبد الأوثان،  وجميعهم لا يؤمن بالبعث ولا بالحساب.. 

أما المسلمون فكانوا يرجون أن تغلب الروم الفرس،  لأن المسلمين قد يشبهون الروم فالمسلمون والروم أهل كتاب،  والمسلمون والروم يؤمنون بالبعث والحساب.. 

فخرج أبو بكر يقرأ الآيات على قريش 
فهاجت قريش في وجه أبي بكر،  وكذبوا أبا بكر،  وراهنوه على أن الروم لن يغلبوا الفرس، وذلك قبل أن يحرم الله المراهنة.. 
قالوا بيننا وبينك الرهان..  

متى سينتصر الروم؟ 
قال في بضع سنين،  قالوا البضع من ثلاث سنوات إلى تسع سنوات،  فما تختار؟ 
قال خلال ثلاث سنوات،  والرهان على عشرة من الإبل.. 

وذهب أبو بكر فأخبر النبي صلى الله عليه وسلّم بهذه المراهنة بينه وبين قريش،  فأقره النبي عليها،  لأن الرهان كان إلى ذلك الوقت حلالاً.. 

لكن النبي أمر ابا بكر أن يعدل اتفاقه مع قريش،  قال زدهم في الأجل قل الروم ستغلب الفرس خلال تسع سنين،  ومقابل الزيادة في الأجل زدهم في العطاء بدلا من عشر من الإبل اجعل الرهان على مائة من الإبل.. 

فرجع أبو بكر فكلم قريشاً فزادهم في الاجل وزادهم في الإبل فقبلت قريش المراهنة.. 

ومرت السنوات ولم تزل الفرس ظاهرة على الروم،  وقريش تمني نفسها،  أن تبقى الفرس ظاهرة ليكسبوا الرهان ويحرزوا الإبل من أبي بكر، حتى كانت الهجرة ولم يزل الفرس ظاهرين،  وتمر السنوات وقبل انقضاء الأجل،  يلتقي الفرس مع الروم فيغلب الروم الفرس،  وتأتي الأيام لتشهد بصدق القرآن الكريم وبصدق النبي صلى الله عليه وسلّم.. 

{﴿ الٓمٓ ﴾﴿ غُلِبَتِ ٱلرُّومُ ﴾﴿ فِىٓ أَدْنَى ٱلْأَرْضِ وَهُم مِّنۢ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ﴾ ﴿ فِى بِضْعِ سِنِينَ ۗ لِلَّهِ ٱلْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِنۢ بَعْدُ ۚ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ ٱلْمُؤْمِنُونَ ﴾﴿ بِنَصْرِ ٱللَّهِ ۚ يَنصُرُ مَن يَشَآءُ ۖ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ ﴾ }

 ويكسب ابو بكر المراهنة والمقامرة على قريش،  وترسل قريش الإبل عن يد وهم صاغرون إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلّم، لكن تصل الإبل المدينة،  والمراهنة والمقامة والميسر قد نزلت فيها آيات تحرمها وتقول:  
{﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلْأَنصَابُ وَٱلْأَزْلَٰمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَٰنِ فَٱجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱلشَّيْطَٰنُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ ٱلْعَدَٰوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ فِى ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَعَنِ ٱلصَّلَوٰةِ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ ﴾ }

والمعني ان هذه الإبل التي ارسلتها قريش إلى أبي بكر مال حرام، لا يحل لأبي بكر أن يأكل منه،  ولا يصح أن يرده إلى قريش لئلا يستعينوا به على حرب المسلمين..

 وهنا جاءت مشورة النبي عليه الصلاة والسلام إلى أبي بكر أن يجعل هذا المال في المنافع العامة قال النبي عليه الصلاة والسلام خذها فتصدق بها،  فتصدق بها ابو بكر خلاصاً من ذنبها لا طلباً لأجرها لأن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً.. 

عَنْ أبي هُريْرَةَ رضي اللَّه عنْهُ قَالَ: قَالَ رسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: «« أيُّهَا النَّاسُ إنَّ اللَّه طيِّبٌ لا يقْبلُ إلاَّ طيِّباً ، وَإنَّ اللَّه أمَر المُؤمِنِينَ بِمَا أمَر بِهِ المُرْسلِينَ» ، فَقَال تَعَالى: {{يَا أيُّها الرُّسْلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ واعملوا صَالحاً } وَقَال تَعالَى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمنُوا  كُلُوا مِنَ طَيِّبَات مَا رزَقْنَاكُمْ }} «ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَر أشْعَثَ أغْبر يمُدُّ يدَيْهِ إلَى السَّمَاءِ: يَاربِّ يَارَبِّ ، وَمَطْعَمُهُ حَرامٌ ، ومَشْرَبُه حرَامٌ ، ومَلْبسُهُ حرامٌ ، وغُذِيَ بِالْحَرامِ، فَأَنَّى يُسْتَجابُ لِذَلِكَ؟ » » [رواه مسلم] .

نسال الله العظيم رب العرش الكريم ان يوسع ارزاقنا،  وان يفتح لنا أبواب الحلال،  إنه ولي ذلك ومولاه وهو على كل شيء قدير. 

الخطبة الثانية 
بقي لنا في ختام الحديث أن نقول:  إن الأرزاق بيد الله تعالى،  وإن الله تعالى لم يظلم أحداً، وإن الأرزاق ليست في الدينار والدرهم فقط، وإنما الأرزاق بحر واسع ( صحة وعلم وزوج ومال وولد واخلاق ومحبة وألفة وقبول..  وغيرها كثير) 
ولكل إنسان منا أربعة وعشرون سهما من الرزق، وزعها الله تعالي على أبواب الأرزاق، بحيث لا تزيد عليّ ولا أزيد عليك.. 

قال الله تعالى:   {﴿ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ۚ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَٰتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا ۗ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ﴾}

هذا المعني لو آمنت به،  اطمأن قلبك،  وهدأت نفسك، ورضيت بما قسم الله لك،  ولما ذهبت تبتغي المال من غير حله.. 

قال الله تعالى: {﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ لَا تَأْكُلُوٓا۟ أَمْوَٰلَكُم بَيْنَكُم بِٱلْبَٰطِلِ ﴾}

لماذا حرم الله تعالى أكل أموال الناس بالباطل ؟ 
لأن أكل أموال الناس بالباطل يتسبب في فساد الأخلاق،  ويتسبب في الأيمان الكاذبة، ويتسبب في كثرة الجدال،  وسوء الظن، ويغرس في النفوس من الشحناء والبغضاء.. 

وإذا كنا اليوم نتحدث عن حرمة المقامرة والمراهنة بصورتها القديمة وبصورتها الحديثة على الهواتف وغيرها فذلك لأن فيها كل المساوئ التي سبقت من فساد الأخلاق،  وفساد الإيمان،  وإغال الصدور بالشحناء والبغضاء،  وفوق كل ذلك يكون فيها إضاعة المال وصرفه فيما لا فائدة منه،  وفيها أذية الناس،  واخطر من كل ذلك الصد عن ذكر الله تعالي وعن الصلاة وعن عمل الصالحات.. 

وقد ورد في الحديث أنه لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع..  وعد منهن « ويسأل عن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه.. 

وقد جاء البيان القرآني في حديثه عن حرمة القمار والمراهنة شديد اللهجة   {﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلْأَنصَابُ وَٱلْأَزْلَٰمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَٰنِ فَٱجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱلشَّيْطَٰنُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ ٱلْعَدَٰوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ فِى ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَعَنِ ٱلصَّلَوٰةِ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ ﴾}

ذكر المفسرون انه لما نزلت هذه الآيات قال الصحابة رضوان الله تعالى عليهم «انتهينا يا رب انتهينا يا رب»  وهذا ما نريده منكم ومن انفسنا أن نستجيب لله رب العالمين فيما امر به وفيما نهى عنه {﴿وَقَالُوا۟ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ ٱلْمَصِيرُ ﴾} .