كيف بنت عائلة الأسد إمبراطورية الخوف في سوريا

منذ 2024-12-14

بعد أكثر من خمسة عقود خرجت سوريا أخيرا من سجون الأسد فقد كان الشعب السوري يعيش بأكمله داخل سجن كبير، والسؤال الكبير كيف تم بناء تلك السجون، وتم ذرع الخوف داخل كل سوري يعيش في الداخل.

في صباح يوم الأحد، بينما كان المعتقلون الهزيلون يتدفقون خارج سجون النظام السوري، وكان الدمشقيون يتدفقون فرحاً إلى القصر الرئاسي للبحث بين أكياس التسوق المهجورة، لم يكن بشار الأسد موجوداً في أي مكان.

كانت العلامة الوحيدة التي تدل على وجود الرئيس، الذي حكمت عائلته سوريا لمدة نصف قرن، هي صورته المنتشرة في كل مكان. ولكن الآن، بدلاً من وضعها في مكانها المعتاد على الجدران وفوق المكاتب، أصبحت صور الأسد تُداس تحت أقدام الناس الذين حاول الديكتاتور لسنوات قصفهم بالغاز وتعذيبهم لإخضاعهم.

لقد كان سقوطاً مذهلاً. فدمشق بدون عائلة الأسد، التي فرضت حكمها الأقلوي بقبضة من حديد، أصبحت أمراً لا يمكن تصوره بالنسبة للعديد من السوريين.

ويرى حايد حايد، وهو كاتب سوري ومستشار في تشاتام هاوس، أن الإرث الدائم للنظام سوف يتحدد بمحاولته "تدمير روح الناس ومنعهم من تصور أنهم قد يعيشون في مكان أفضل".

تتمتع سوريا، التي يحدها العراق والأردن ولبنان وتركيا، بموارد طبيعية وتاريخ قديم غني وموقع استراتيجي على البحر الأبيض المتوسط.

يقول بسام بربندي، الدبلوماسي السوري السابق الذي انشق وانضم إلى المعارضة، إن نظام الأسد، الذي يحكم سوريا منذ عام 1970، "كان لديه كل الوقت والأدوات اللازمة لجعل سوريا مثل سنغافورة، إذا أرادوا ذلك. لكنهم لم يفعلوا ذلك. لقد حاولوا سحق الناس ... من أجل البقاء".

في نهاية المطاف، استخدم بشار وشقيقه ماهر وزوجته أسماء ــ وهي مصرفية سابقة في بنك جي بي مورجان ولدت في لندن، ووصفتها مجلة فوج ذات يوم بأنها "وردة في الصحراء" ــ سلطتهم بلا رحمة لتمويل النظام بينما انهار الاقتصاد تحت أنقاض الحرب الأهلية في سوريا. ويقول المحللون إن الأسرة كانت تسيطر على التهريب بل واستفادت حتى من التجارة المتنامية في الكبتاجون، وهو منشط غير مشروع يتم إنتاجه في سوريا بشكل رئيسي.

يقول مالك العبدة، وهو محلل سوري مقيم في لندن، إن سوريا أصبحت "أشبه بعصابة مافيا تدير دولة". وكانت النتيجة بالنسبة للعديد من الناس العاديين أن سوريا أصبحت "مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بتعذيبك أو جلادك... لدرجة أنك تكاد تبدأ في كراهية بلدك".

كان المهندس الأصلي لهذا النظام المظلم ابناً لأسرة فقيرة من المنطقة الساحلية السورية، وكان ينتمي إلى الطائفة العلوية، وهي فرع من الطوائف الشيعية. وقد ارتقى حافظ الأسد، الطيار في القوات الجوية، إلى مناصب رفيعة في حزب البعث السوري العلماني القومي العربي، الذي سيطر على سوريا في عام 1963، وأصبح وزيراً للدفاع، ثم استولى على السلطة في انقلاب.

كان حافظ الأسد حاكماً للأقلية في دولة ذات أغلبية سنية، وقد ركز السلطة في أيدي أفراد موالين من طائفته، وعزز حكمه بأجهزة استخبارات وحشية كانت تراقب كل تحركات السوريين. كما كان يحرض الأجهزة ضد بعضها البعض، مما أدى إلى تفاقم الشعور بالجنون والخوف. وقال تشارلز ليستر، وهو زميل بارز في معهد الشرق الأوسط، إنه كان "عميلاً سياسياً وأمنياً بارداً ومحسوباً".

ولم يكن الديكتاتور يتسامح مع المعارضة. ففي عام 1982، قمع انتفاضة إسلامية في مدينة حماة بمذبحة دموية راح ضحيتها عشرات الآلاف من الناس.

"لقد كانت هناك أطروحة منذ فترة طويلة مفادها أن هذا النظام هو نظام أقلية لا يحظى بدعم شعبي"، كما قال عبده. "لذلك، يتعين عليهم استخدام العنف للحفاظ على السلطة، وكل هذا ليس سوى بيت من ورق".

كما سعى النظام الأسدي الأبوي إلى فرض سلطته في مختلف أنحاء المنطقة. ففي عهد حافظ الأسد، تدخل الجيش السوري في الحرب الأهلية في لبنان، فاحتل أجزاء من البلاد لسنوات، وأصبح موضع خوف واسع النطاق بسبب قسوته في التعامل مع المواطنين اللبنانيين الذين اختفوا في السجون السورية.

 

لقد نجح بشار الأسد في تفادي الهزيمة بمساعدة حلفائه حزب الله وإيران وروسيا، وأعلن عن نيته استعادة "كل شبر" من سوريا. ولكن حتى مع تباطؤ القتال واستقرار الخطوط الأمامية في عام 2019، انهار الاقتصاد السوري.

نشأ الابن الثاني لحافظ، بشار، الذي ولد عام 1965، في ظل شقيقه الأكبر الكاريزماتي باسل، الوريث المتوقع لعرش حافظ. وفي الوقت نفسه، حصل بشار على مؤهل طبيب وذهب إلى لندن للتدريب كطبيب عيون.

ولكن خطط حافظ لخلافته تحطمت عندما تحطمت سيارة باسل المرسيدس الخاصة به وتوفي عن عمر يناهز 31 عاماً في عام 1994. وتم استدعاء بشار إلى دمشق وإعداده للرئاسة بنفسه. وبعد ست سنوات توفي حافظ.

وتنافست قوى مختلفة على استمالة بشار، الذي كان عمره آنذاك 34 عاماً فقط. حتى أن فرنسا، المستعمر السابق لسوريا، منحته أعلى جائزة مدنية لديها، وهي وسام جوقة الشرف، بعد صعوده إلى السلطة في عام 2001. وقال ليستر إن الدول الغربية اعتقدت في البداية أن "وصول زعيم أكثر غربية وليبرالية  إلى السلطة ... سيكون تطوراً جيداً".

لكن بشار أصبح قريباً من حسن نصر الله، زعيم حزب الله اللبناني المدعوم من إيران، وفي نهاية المطاف من ما يسمى "محور المقاومة" الإيراني المكون من القوى المناهضة للولايات المتحدة.

لقد أدى هذا التحالف مع حزب الله إلى زعزعة استقرار لبنان مع تدفق الأسلحة عبر الحدود. ولقد رأى كثيرون في المنطقة أن سوريا كانت وراء اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري في عام 2005، رغم أن المحكمة التي تدعمها الأمم المتحدة لم توجه الاتهام إلى أي سوري.

وعلى الصعيد المحلي، سعى بشار إلى توجيه سوريا بعيداً عن النموذج الاقتصادي الاشتراكي الذي تبناه والده نحو اقتصاد السوق الحر المزعوم، الأمر الذي أثار أيضاً الآمال في ما يسمى بربيع دمشق مع حريات شخصية أكبر.

ولكن سرعان ما تبين أن الوعد بالإصلاح كان فارغاً. ويقول خبراء الاقتصاد السوريون إنه بدلاً من ذلك أدخل نظام حكم اللصوص: فرغم أن بعض الشركات تمكنت من تحقيق الأرباح، إلا أن أفراداً من عائلته، مثل ابن عمه رامي مخلوف، كانوا يسيطرون على الاقتصاد. 

وفي حين شعر السكان الأقل حظاً في الريف والضواحي بأنهم يتخلفون عن الركب، اعتمد بشار على دعم الأسر التجارية والأقليات الحضرية في سوريا.

ولكن بشار لم يكن أبدا على أرض مريحة، كما تقول لينا الخطيب، زميلة مشاركة في تشاتام هاوس. وتضيف: "كان جنون العظمة الدائم لديه يعني أنه لم يعد يثق في دائرته الخاصة. وقد اتسم حكمه بانهيار الثقة حتى داخل نظامه".

ثم أشعلت موجة الاحتجاجات التي اجتاحت العالم العربي في عام 2011 التوترات الاجتماعية والاقتصادية المتصاعدة في سوريا، والتي أججتها المظالم المتعلقة بالفساد والحكم الاستبدادي للأسد. وتدفق المتظاهرون إلى الشوارع، مطالبين بإسقاط النظام.

كان على بشار أن يختار بين خيارين. فبدلاً من التحرك نحو الإصلاح والمصالحة، اختار سحق التمرد. وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى مقتل أكثر من 300 ألف مدني في العقد الأول من الحرب، وأصبحت الهجمات الكيماوية القاتلة السمة الأكثر فظاعة لهذه الحرب.

وقال بربندي إنه "كان يعيش مع شبح والده، وكان يريد أن يكون أقوى أو أكثر صرامة في التعامل مع السوريين من والده في حماة".

ولم يكن بشار الأسد الوحيد الذي لعب دوراً في سحق الانتفاضة. فقد كان ماهر، شقيقه الأصغر، يتولى إدارة الفرقة الرابعة في الجيش السوري، التي اشتهرت بوحشيتها، في حين يقول الخبراء إنه كان يتحكم في عمليات التهريب، بما في ذلك الأسلحة والنفط ــ مصادر الدخل غير المشروعة التي ساعدت في تمويل المجهود الحربي.

لقد نجح بشار الأسد في تفادي الهزيمة بمساعدة حلفائه حزب الله وإيران وروسيا، وأعلن عن نيته استعادة "كل شبر" من سوريا. ولكن حتى مع تباطؤ القتال واستقرار الخطوط الأمامية في عام 2019، انهار الاقتصاد السوري.

وقال كرم شعار، وهو خبير سوري في الاقتصاد السياسي ومقره نيوزيلندا، إن هذه كانت "لحظة حاسمة". ومع تفاقم مشاكله الاقتصادية بسبب الوباء العالمي، والانهيار المالي في لبنان المجاور والعقوبات الدولية، بدأ الأسد في ابتزاز رجال الأعمال ، وحتى ابن عمه مخلوف .

كما كانت أسماء، زوجة بشار، تسيطر على الغنائم . فقد عززت سيطرتها على قطاع المساعدات، وهو مصدر ضخم ــ ونادر ــ للأموال النظيفة في سوريا، في حين كان حلفاؤها يتلاعبون بمواقع القوة الاقتصادية.

ومع تآكل رواتب القطاع العام بسبب التضخم، وبعد سنوات من الحرب الدموية، أصبح جيش الأسد "ظلاً لنفسه"، كما يقول الشعار. وحتى معقل الأسد العلوي على الساحل أصبح معنوياته منخفضة.

لقد أصبحت الرئاسة التي كانت تتمتع بسلطة مطلقة على حياة شعبها تعتمد على المؤيدين الدوليين. ولكن عندما استغلت قوات المتمردين المسلحة والمنظمة جيداً مشاكل طهران وموسكو، بدا أن داعمي الأسد غير قادرين على مواجهة هجوم المعارضة.

وبينما مزّق المقاتلون صور بشار وجرُّوا تماثيل حافظ بالشاحنات، انهار أخيراً بيت الأسد الورقي.

وسوف يتذكر العالم عائلة الأسد بسبب استخفافها الصارخ بحياة السوريين.

  • -1
  • 0
  • 200
  • عنان عوني العنزي

      منذ
    تدجين وتجنيد! لم تعد هناك حاجة مُلحة إلى تجنيد ميليشيات جديدة لحرب المجاهدين، فقد وصلت أساليب "مكافحة الإرهاب" إلى مرحلة متقدمة يتم فيها احتواء وتدجين "جهاديين سابقين" للقيام بالمهمة، بما يضمن مصالح النظام الدولي الكفري، ويشبع رغبة المفتونين بالحكم، رأينا ذلك في نسخ عديدة أبرزها "حكومة طالبان" وأحدثها "حكومة الإنقاذ" وكلاهما دخل القصور الرئاسية بموافقة الجهات المعنية. وكنا طرحنا قبل سنوات أن سبب عدم سقوط النظام النصيري "رسميا" رغم سقوطه "فعليا"، هو "غياب البديل"! لأن البديل كان آنذاك إما الدولة الإسلامية، أو الفوضى العارمة التي تهدد أيضا حدود اليهود، ولذلك حالت الجهود "الأمريكية اليهودية الروسية الإيرانية" مجتمعة دون إسقاطه، لكن يبدو أنه خلال هذه السنوات وعبر "إستراتيجية التدجين"، تم إنضاج البديل على نار هادئة بعد أن صنع من مقره في "إدلب" نسخة مصغرة لشكل "سوريا المستقبل" وصدّر صورة مقبولة دولية لنظام وطني "غليظ" مع الأكثرية المؤمنة "رقيق" مع "الأقلية" الكافرة. تدجين وترويض هذه الهيئات يتم عبر مسارات طويلة في أقبية مراكز الدراسات والاستخبارات، تمر بعمليات فحص واختبارات عديدة للتأكد من مدى جدية وتفاني هذه الهيئات في محاربة الجهاد وهدم العقيدة!، وتستمر في ذلك السقوط حتى تصل إلى "مرحلة نضج" تمكّنها من استلام التكاليف الحكومية الأمنية أو الإدارية، كما رأينا مؤخرا في سوريا ومن قبل في أفغانستان. وبناء عليه، توالت تصريحات مسؤولين يهود وأمريكيين وروس وإيرانيين وغيرهم حول "فتح قنوات اتصال" مباشرة وغير مباشرة مع "المعارضة السورية!" بعد تسلّمها الحكم خلفا للنظام النصيري، هذه الاتصالات لم تكن وليدة اللحظة الثورية، فلم يستيقظ قادة هذه الدول على أخبار سقوط المدن والبلدات بسرعة الآليات! ليقولوا يا للهول!، لقد سقط الأسد! علينا أن نتصل بقادة المعارضة الآن! وأن ننسق معهم قبل فوات الأوان! ليس هذا ما حدث، إن ما حدث عملية إبدال مدروسة للنظام النصيري بنظام جديد يحارب الشرع بـ"الشرع!". أما عن أسباب إذعان الحركات الجهادية إلى هذا المسار الجاهلي، ولماذا تنكث غزلها وتنقلب على أعقابها؟! فالأسباب والتفسيرات كثيرة طويلة طول مسارات الحرب على الجهاد التي ترعاها قوى الكفر، لكن لعل أبرزها: وصول هؤلاء "الجهاديين المدجنين" إلى نتيجة حاسمة أنه لا جدوى من سلوك سبيل الجهاد في إحداث التغيير المنشود، لأنهم سيصطدمون بكل قوى الكفر العالمي وسيدفعون أثمانا كبيرة لم تطقها قلوبهم المريضة ولا نفوسهم المروّضة فيجنحون إلى مداهنة ومسايرة الجاهلية الدولية بدلا من مصادمتها ومفاصلتها، وصارت تلك عندهم حنكة ونضجا بعد أن كانت ردة وخيانة ونكوصا. ولذلك بعد 13 عاما من "الجهاد الثوري" في الشام، أصبح الولاء والبراء "طائفية" وفُسّرت الثورة بأنها "قتال اضطراري" ضد "أسرة حاكمة" متسلطة رفضت الحوار وتقاسم السلطة! وليست حربا دينية ضد نظام نصيري كافر حتى بدون "صيدانيا" ومشتقاته، ولذلك خلت خطابات "مهووس السُّلطة واللَّقطة" من وصف النظام بــ"النصيري" خشية أن تُحسب عليه! وهو ما لا يقبله رعاة النظام الجديد ولا دستورهم الجاهلي المزمع تفصيله قريبا ليناسب مقاس "سوريا المستقبل" مع قرب أفول حدود "سايكس - بيكو" وبروز حدود "نتنياهو - ترامب". ◽ المصدر: صحيفة النبأ – العدد 473 الخميس 11 جمادى الآخرة 1446هـ مقال: تدجين وتجنيد!
  • عنان عوني العنزي

      منذ
    تدجين وتجنيد! وفي سياق النضج الجاهلي لم يغب عن هؤلاء الوطنيين وهم يشرحون معالم "سوريا المستقبل" أن يُظهروا تمايزهم عن الدولة الإسلامية مع أن هذا التمايز لا تخطئه العين، لكنهم حريصون على تذكير المعنيين بأنهم على منهاج النظام الدولي ومواثيقه الجاهلية! وليسوا بحال على منهاج النبوة الذي يكلفهم الكثير. على النقيض تماما، من سلوك دول الكفر المتلائم مع "الجهاديين المدجنين"؛ تقاطرت نفس هذه الدول الكافرة على إعلان خشيتها وتكرار تحذيراتها من استغلال الدولة الإسلامية للأحداث الجارية، وفي هذا السياق نفسّر سلسلة الغارات الكثيفة التي شنها التحالف الصليبي على مواقع الدولة الإسلامية في "وسط سوريا" قبيل الحدث بأسابيع قليلة، ثم كررها تزامنا مع الحدث رغم بعد "الوسط" عن حدود دويلة يهود. ولأن التحليلات تصيب وتخطىء، ولأن التقلبات والمتغيرات السياسية لا تهدأ؛ فإن من سياسة (النبأ) ربط المسلمين بالعقائد والمناهج فإنها لا تتبدل بمرور الأيام ولا بتغير الأحداث لأن ميزان الشرع ثابت، خلافا لسياسة الحركات والأحزاب الجاهلية ومناهجها المتغيرة. في البعد الإيماني للحدث، ظهر تدبير اللطيف الخبير وحكمته البالغة في دفع هؤلاء الشركاء المتشاكسين بعضهم ببعض، ما نتج عنه فكاك أسارى المسلمين بعد سنوات طويلة من التعذيب في سجون "الأقلية" النصيرية، وإن كانت الصورة التي جرى عليها الحال، لم تحقق للمسلمين شفاء وثأرا تاما من أئمة الكفر وجزاري النظام النصيري، لحكمة قدرها الله تعالى، ولعل شفاء صدور المؤمنين والمؤمنات واكتمال فصول ثأرهم يكون على أيدي الأُسد الغضاب الذين يعاقبون المعتدي بأحكام الشريعة لا أحكام الدستور، فلا تأخذهم في الله لومة لائم سلفهم محمد ﷺ وصحبه {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}. في السياق المنهجي، أظهرت الأحداث الأخيرة مجددا تشوّه مفهوم "التحرير" عند العامة والخاصة، فيوم سقطت المناطق في أيدي المليشيات الكردية قالوا تحررت! ويوم سقطت في أيدي النصيرية قالوا تحررت! ويوم سقطت في أيدي الصحوات التركية أو الأمريكية قالوا تحررت! والقاسم المشترك بين هذه الحالات المتباينة هو انحياز الدولة الإسلامية منها بعد أن حكمتها بالشريعة الإسلامية، فهل "التحرر" عند هؤلاء هو التحرر من حكم الإسلام؟! إن التحرير يعني أن يعلو المكان والإنسان أحكام الشريعة الإسلامية، فتحكم المسلم في أقواله وأفعاله، بل حتى في حبه وبغضه وموالاته ومعاداته، وبالنظر إلى واقع الشام، فلا شك أن التحرير بمفهومه الشرعي ما يزال مفقودا. وعليه، فمن كان خلافه مع الأسد وعائلته وحاشيته وصورته وتمثاله، فقد انتهت ثورته، ومن كان خلافه مع نظام مرتد يقوم على تعطيل الشريعة والاحتكام للمجالس الانتخابية والدساتير الكفرية وحماية المراقد الوثنية وموالاة الكافرين دولا وأقليات، بحجة "العلاقات الدولية" و"التنسيق الوطني"، فإن المشكلة ما زالت قائمة، بل ستتفاقم، ولذلك سيتواصل الجهاد على ثرى الشام لأن غايته سيادة الشريعة ونبذ الشرك، أما الثورة فتتوقف عند حدود صناديق الاقتراع؛ {وَمَنْ كَانَ فِي هَٰذِهِ أَعْمَىٰ فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَىٰ وَأَضَلُّ سَبِيلًا}. ◽ المصدر: صحيفة النبأ – العدد 473 الخميس 11 جمادى الآخرة 1446هـ مقال: تدجين وتجنيد!

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً