أيامًا معدودات (دعوة للتخطيط)

منذ 5 ساعات

ها هو الهلال يلوح في الأفق، معلنًا قدوم شهر رمضان، ذاك الضيف العزيز الذي ننتظره عامًا بعد عام، نرقب هلاله بقلوب خاشعة وأعين دامعة

 

ها هو الهلال يلوح في الأفق، معلنًا قدوم شهر رمضان، ذاك الضيف العزيز الذي ننتظره عامًا بعد عام، نرقب هلاله بقلوب خاشعة وأعين دامعة، نفرح بقدومه كما يفرح المسافر بالوصول إلى دياره، وكما يفرح العبد إذا كُتبت له فرصة جديدة للعفو والغفران، ولكن سرعان ما يمر، وكأنما هو ضيف على عجل، فكم من رمضان مرَّ والكثير منا في غفلة، وكم من شهر تسابقنا فيه إلى موائد الطعام وغفلنا عن موائد الرحمة والغفران! فكيف نحسن استقباله هذا العام؟ وكيف نكون من الفائزين فيه لا من النادمين بعد انقضائه؟ إنه شهر لا يُقبل إلا من أقبل عليه بقلب تائب، وهمّة عالية، وعزيمة لا تلين، فهو فرصة العمر التي قد لا تتكرر، فمن أراد أن يغتنمها فلا بد أن يُعد لها العدة، ويخطط لاستغلال لحظاته بأفضل طريقة، وإلا انقضت الأيام المعدودات وهو لا يدري كيف مضت!

رمضان! تلك النعمة الكبرى، والمنحة العظمى التي يمنّ الله بها على عباده كل عام، فيفتح لهم أبواب رحمته، ويغدق عليهم من فيض كرمه، ويهيئ لهم من أسباب المغفرة ما لا يتوفر في غيره من الأيام. ولكنه مع ذلك أيام معدودات، سرعان ما تنقضي، وتنطوي صفحاته كما تطوى أوراق الخريف، فمن لم يغتنمها كما ينبغي، وجد نفسه بعد العيد حسرانًا نادمًا، كالتاجر الذي دخل السوق بماله ثم خرج صفر اليدين.

فكيف نغتنم هذه الأيام المعدودات؟ كيف نحسن استقبال هذا الضيف الكريم ونكرمه كما ينبغي؟

إن من عظيم المنة الإلهية أن جعل النفوس تنشط عند بداية كل أمر، ولكن القليل من الناس من يحسن استدامة النشاط حتى النهاية. كم من عبد قام أول ليلة من رمضان، فتهجد في محرابه، ثم ما لبث أن فترت همته بعد أيام؟ وكم من صائم شد العزم أن يختم القرآن مرات عديدة، ثم لم يكد ينتصف الشهر حتى تراخى؟ لهذا كان لا بد من التخطيط، فهو المفتاح إلى حسن الاستغلال، وهو الوسيلة إلى الوصول إلى المأمول.

وليس المقصود من التخطيط تلك الخطط الجامدة التي يرهق بها الإنسان نفسه حتى تنقلب إلى قيود تمنعه من لذة العبادة، وإنما هو تنظيمٌ مرنٌ يراعي حال النفس ويأخذ بعين الاعتبار اختلاف الأيام وما يعرض فيها من مشاغل وأحوال. فالإسلام لم يجعل العبادات قيودًا، بل جعلها محطات نور، نصل بها إلى مقامات الصفاء والطهر.

وهنا نقاط عملية لعلها تسامهم للتخطيط لرمضانك:

  1. تحديد الهدف الأسمى: لا بد أن يكون الهدف واضحًا: تحقيق العبودية لله عز وجل والفوز بالمغفرة والعتق من النار، فمن كانت هذا هجفه سهل عليه رسم طريقه وتحفز لبلوغ غايته.
  2. وضع جدول متوازن: يشمل القرآن، والصلاة، والذكر، وصلة الرحم، وأعمال الخير، بحيث يكون واقعيًا وقابلًا للتطبيق.
  3. تقليل الملهيات: التلفاز، والجوال ووسائل التواصل، وكل ما يسرق الوقت دون فائدة ينبغي ضبطه.
  4. التدرج في العبادات: فلا يحمل المرء نفسه فوق طاقتها منذ البداية، بل يزيدها شيئًا فشيئًا حتى لا تفتر.
  5. المحاسبة اليومية: يسأل نفسه: ماذا أنجزت اليوم؟ وماذا قصرت فيه؟ فيعزم على تعويضه في الغد.
  6. الدعاء الدائم: فالموفق هو من وفقه الله، ولن يصيب العبد الخير إلا إذا سأله من بيده الخير.
  7. الإكثار من الصدقات: رمضان شهر الجود، والصدقة فيه مضاعفة الأجر، فليجعل المرء له نصيبًا منها كل يوم ولو بالقليل.
  8. إشراك الأهل في الخير: فإن رمضان فرصة لصناعة جو إيماني داخل الأسرة، كالتسابق في تلاوة القرآن أو صلاة الجماعة.
  9. التقليل من الإسراف في الطعام: فليس من الحكمة أن يقضي الصائم يومه في إعداد الأطباق المتنوعة بدلًا من استغلال الوقت في الطاعات.
  10. مجاهدة النفس على الاستمرار بعد رمضان: فلا يكون رمضان محطةً عابرة، بل بدايةً لانطلاقة جديدة في الطاعة.

فيا أيها الأحبة، إن رمضان ليس مجرد شهر، بل هو امتحان، هو ميدان سباق، هو فرصة تتنزل فيها الرحمات، وتعتق فيها الرقاب، فكيف نرضى أن نضيعه في غفلة ولهو؟ أما آن لنا أن نصحو من سبات الكسل، وأن نرفع أكفنا إلى الغفور الوهاب، وأن ننادي بقلوب صادقة: "اللهم اجعلنا من المقبولين"؟ فها هي أبواب الجنة قد فُتحت، وها هي ليلة القدر تلوح في الأفق، وها هو نداء الحق يدعونا إلى المغفرة والفوز العظيم، فأين المتسابقون؟ أين المشمرون؟ لا تدعوا رمضان يمر دون أن تخرجوا منه بزاد، فالعمر قصير، والفرص قليلة، والموت يأتي بغتة، فهلموا إلى الطاعات، وجدوا السير، واسألوا الله القبول، فرب صيامٍ بلا أجر، ورب قيامٍ بلا روح، وإنما يتقبل الله من المتقين! اللهم اجعلنا من المقبولين في هذا الشهر الكريم، واكتب لنا فيه الرحمة والمغفرة والعتق من النيران!

 

  • 0
  • 0
  • 39

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً