الصيام وسعة الرزق
لقد نوع الإسلام في عباداته فمنها ما يتمثل في القول كالدعاء وذكر الله والدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتعليم الجاهل وإرشاد الضال وما يدور في هذا الفلك
أشرف شعبان أبو أحمد
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
لقد نوع الإسلام في عباداته فمنها ما يتمثل في القول كالدعاء وذكر الله والدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتعليم الجاهل وإرشاد الضال وما يدور في هذا الفلك، ومنها ما يتجلى في الفعل بدنيا كالصلاة أو ماليا كالزكاة أو جامعا بينهما كالحج والجهاد في سبيل الله، ومنها ما ليس قولا ولا فعلا ولكنه كف وامتناع فقط وذلك كالصوم الذي هو امتناع عن الأكل والشرب ومباشرة النساء من طلوع الفجر إلى غروب الشمس...(1) وقد شرع الله الصوم إيقاظا للروح وتصحيحا للجسد وتقوية للإرادة وتعويدا على الصبر وتعريفا بالنعمة وتربية لمشاعر الرحمة وتدريبا على كمال التسليم لله رب العالمين...(2) وإذا كان الصيام هكذا إلا أنه إذا أدي كما شرع الله يجني الصائمون من بين ثماره سعة في أرزاقهم وفي أرزاق فقرائهم وفقراء أهل ذمتهم أيضا
وسبل سعة الرزق بالصيام هي:
بالصيام تقضى الحاجات وتستجاب الدعوات...(3) فقد جاءت آية الدعاء في القرآن الكريم وهي قول تعالى في سورة البقرة آية 186 ( {وإذا سألك عبادي عني فأني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون } ) بين ثنايا آيات الصيام والتي ورد ذكرها في نفس السورة الآيات من 183 إلى 187 قال ابن كثير: وفي ذكره تعالى هذه الآية الباعثة على الدعاء متخللة بين أحكام الصيام إرشاد إلى الاجتهاد في الدعاء عند إكمال العدة بل وعند كل فطر، وفي مسند الأمام أحمد وسنن الترمذي والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( «ثلاثة لا ترد دعوتهم الأمام العادل والصائم حين يفطر ودعوة المظلوم يرفعها الله دون الغمام يوم القيامة وتفتح لها أبواب السماء ويقول بعزتي لأنصرنك ولو بعد حين» ) كما روى الأمام أبو داود عن عبد الله ابن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( «للصائم عند إفطاره دعوة مستجابة» ) وروى ابن ماجه عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( «إن للصائم عند فطره دعوة ما ترد» )... (4)
والصيام من سبل التقوى وتلك التقوى وهي الغاية التي ينبغي أن ترجى من الصيام وهي الثمرة التي جعلها القرآن مرجوة بحصوله وهي الحكمة التي يفسر بها لماذا فرضه الله علينا وعلى الذين من قبلنا كما في قوله تعالى في سورة البقرة آية 183 ( {يا أيها الذين أمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون} )...(5) إذا تحققت في نفس الصائم وتحلى بها واصطبغت حياته بها قلبا وقالبا قولا وفعلا ما ظهر منها وما بطن تعود آثارها عليه رزقا ومن ثم على من حوله سعة في الأنفاق كما تعود عليهم بالعدل والإحسان في معاملته لهم
ولما كان لأعمال الفرد سواء كانت خيرا أو شرا جملة أثار تعود عليه ويجني ثمارها في الدنيا قبل الآخرة فإن كانت من الحسنات أثرت في الرزق بالسعة وإن كانت من السيئات أثرت في الرزق بالنقص قال ابن عباس أن للحسنة ضياء في الوجه ونورا في القلب وقوة في البدن وسعة في الرزق ومحبة في قلوب الخلق وأن للسيئة سوادا في الوجه وظلمة في القلب ووهنا في البدن ونقصا في الرزق وبغضة في قلوب الخلق...(6) فما بالنا بالصيام الذي يتجاوز ثوابه قانون التقدير والحساب فمن المعلوم إن كل حسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصيام فالله يجازي به كيفما شاء إذ قال الله تعالى فيما حكاه عنه نبيه صلى الله عليه وسلم ( «كل حسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به » ) من حديث أبي هريرة...(7)
وفي شهر رمضان المادية يزداد رزق المؤمن وإلى ذلك أشار رسول الله صلى الله عليه في خطبته عندما حضر رمضان فقال ( يا أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم مبارك شهر فيه ليلة خير من ألف شهر جعل الله صيامه فريضة وقيام ليله تطوعا من تقرب فيه بخصلة كان كمن أدي فريضة فيما سواه ومن أدي فريضة فيه كان كمن أدي سبعين فريضة فيما سواه وهو شهر الصبر والصبر ثوابه الجنة وشهر المواساة وشهر يزاد في رزق المؤمن فيه من فطر فيه صائما كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شئ ) قالوا يا رسول الله ليس كلنا يجد ما يفطر الصائم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يعطي الله هذا الثواب من فطر صائما على تمرة أو شربة ماء أو مذقة لبن وهو شهر أوله رحمه وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار من خفف عن مملوكه فيه غفر الله له وأعتقه من النار فاستكثروا فيه من أربع خصال خصلتين ترضون بهما ربكم وخصلتين لا غناء بكم عنهما فأما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم فشهادة أن لا اله إلا الله وتستغفرونه وأما الخصلتان اللتان لا غناء بكم عنهما فتسألون الله الجنة وتعوذون به من النار ومن سقى صائما سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ حتى يدخله الجنة ) رواه ابن خزيمة في صحيحه والبيهقي وأبو الشيخ في الثواب مختصرا ونقله الحافظ ابن المنذر في الترغيب والترهيب. وزيادة الرزق هنا أما معنوية بجعل القليل كثيرا وأما بزيادة حسية بأن يفتح الله تعالى على المؤمن في هذا الشهر من أبواب الرزق ما لم يخطر له على بال وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ومن المشاهد أننا نرى الزيادة الحسية المادية ظاهرة في شهر رمضان عن غيره من الشهور وهذه من بركة الشهر الكريم...(8)
وشهر رمضان هو شهر الإكثار من الصدقات والإحسان وكافة أنواع القربات، روى صدقة بن موسى عن ثابت عن أنس قال قيل يا رسول الله أي الصدقة أفضل؟ قال ( صدقة في رمضان )...(9) وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود ما يكون في رمضان خصوصا عند لقاء جبريل فقد ورد عن ابن عباس رضى الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة رواه البخاري، وعن أنس خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم عند السحور ( يا أنس إني أريد الصيام فأطعمني شيئا ) فأتيته بتمر وأناء فيه ماء وذلك قبل الفجر بيسير فقال لي ( يا أنس : انظر رجلا يأكل معي ) فدعوت زيد بن ثابت فدخل وتسحر معه ثم قام فصلى ركعتين ثم خرج إلى الصلاة أخرجه النسائي، وكذلك كان أصحابه الأجلاء عليهم جميعا رضوان الله يواسون الفقراء من إفطارهم أو يؤثرون على أنفسهم ويطوون هم على الجوع فقد روى أن ابن عمر رضى الله عنهما كان يصوم ولا يفطر إلا مع المساكين فإذا لم يجد أو منعه أهله عنهم لم يتعش تلك الليلة وكان إذا جاءه سائل وهو على طعامه أخذ نصيبه من الطعام وقام فأعطاه للسائل فربما رجع فوجد أهله قد أكلوا ما بقى من الطعام فيصبح صائما وما أكل شيئا، يقول الشافعي رضي الله عنه أحب للصائم الزيادة بالجود في شهر رمضان اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم وحسبك قول الرسول صلى الله عليه وسلم (...من فطر فيه صائما كان مغفرة لذنوبه وعتقا لرقبته من النار وكان له مثل أجره من غير إن ينقص من أجر الصائم شيء ) قالوا يا رسول الله ليس كلنا يجد ما يفطر الصائم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يعطي الله هذا الثواب من فطر صائما على تمرة أو شربة ماء أو مذقة لبن ) كما قال ( من سقى صائما سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ بعده حتى يدخل الجنة )... (10) وتنتشر في شهر رمضان موائد الرحمن في جميع إنحاء الدول الإسلامية من أشدها فقرا إلى أكثرها غني يؤمها جموع غفيرة من الصائمين ميسورين الحال أو محتاجين كلا دفعته حاجته إليها فمنهم من دفعه العوز والحاجة الشديدة إلى طعام يشبع جوعه وشرب يسقي ظمئه ومنهم من دفعه قصد توفير نفقات الطعام وتوجيها للأنفاق على أشياء أخرى أو توفيرها إلى شهر أخر ومنهم من دفعه تواجده خارج المنزل لقضاء بعض منافعه وحاجاته أو لسفرا فأذن للمغرب وهو في طريقه فقصد موائد الرحمن ومنهم من دفعه حب لقاء الأخوة وبركة التقاءهم
على الفطور معا ومنهم كما نرى في الحرمين الشريفين حيث يجتمع الألوف المألوفة لأداء صلاة المغرب وحتى ميعاد إقامة الصلاة يتناول الصائمون وجبة الإفطار.
وفي شهر رمضان تشهد الأسواق التجارية بمختلف أنواعها انتعاش اقتصادي ملحوظ حيث يقبل الصائمون في أوله على شراء ما لذ وطاب من الأطعمة حيث تختص بعض الأطعمة بالإقبال عليها في هذا الشهر فقط دون غيره من الشهور كما تشهد بعض المأكولات زيادة الطلب عليها أكثر من أي شهر أخر ومن يقتصر في صيامه على وجبتي الإفطار والسحور دون تبذير ولا إسراف سيؤدي ذلك حتما إلى خفض الاستهلاك مما سيكون له تأثير إيجابي على ميزانية الأسرة وستصبح أيام الصيام أيام توفير وادخار، وفي أخر الشهر الكريم يحرص الصائمون على اقتناء الملابس الجديدة ما قل سعرها وما علا استعدادا لعيد الفطر المبارك.
ومن بين المنافع المادية لفريضة الصيام وتعتبر مصدر رزق للمنتفع بها، فدية الإفطار، حيث يرخص للشيخ الكبير، والمرأة العجوز، والمريض الذي لا يرجى برؤه، والحبلى والمرضع إذا خافتا على أنفسهما أو أولادهما، والذين يسترزقون من ممارسة أعمال شاقة وليس لديهم مصدر للرزق غيرها، يرخص لهؤلاء جميعا في الفطر إذا كان الصيام يجهدهم ويشق عليهم مشقة شديدة طوال أيام السنة. ويجب على كل منهم فدية إطعام مسكينا عن كل يوم قال تعالى في سورة البقرة آية 184 ( وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ) قال ابن عباس رخص للشيخ الكبير أن يفطر ويطعم عن كل يوم مسكينا ولا قضاء عليه رواه الدارقطني والحاكم وصححاه. وروى أبو داود عن عكرمة قول ابن عباس رخصة للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة وهما يطيقان الصيام أن يفطرا ويطعما مكان كل يوم مسكينا، والحبلى والمرضع إذا خافتا "يعني على أولادهما" أفطرتا وأطعمتا رواه البزار، وزاد في آخره: وكان ابن عباس يقول لأم ولد له حبلى: أنت بمنزلة الذي لا يطيقه فعليك الفداء ولا قضاء عليك وصحح الدارقطني إسناده. وعن نافع أن ابن عمر سئل عن المرأة الحامل إذا خافت على ولدها فقال: تفطر وتطعم مكان كل يوم مسكينا مدا من حنطة رواه مالك والبيهقي. فالحبلى والمرضع إذا خافتا على أنفسهما أو أولادهما أفطرتا، وعليهما الفدية، ولا قضاء عليهما، عند ابن عمر وابن عباس. وفي الحديث ( إن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة وعن الحبلى والمرضع الصوم ) وعند الأحناف وأبي عبيد وأبي ثور أنهما يقضيان فقط ولا إطعام عليهما. وعند أحمد والشافعي أنهما إن خافتا على الولد فقط وأفطرتا فعليهما القضاء والفدية وإن خافتا على أنفسهما فقط أو على أنفسهما وعلى ولدهما فعليهما القضاء لا غير. والمريض الذي لا يرجى برؤه ويجهده الصوم مثل الشيخ الكبير ولا فرق وكذلك العمال الذين يضطلعون بمشاق الأعمال. قال الشيخ محمد عبده: فالمراد بمن ( يطيقونه ) في الآية الشيوخ الضعفاء والزمنى ونحوهم كالفعلة الذين جعل الله معاشهم الدائم بالأشغال الشاقة كاستخراج الفحم الحجري من مناجمه0 ومنهم المجرمون الذين يحكم عليهم بالأشغال الشاقة المؤبدة إذا شق الصيام عليهم بالفعل وكانوا يملكون الفدية...(11)
ومن بين هذه المنافع أيضا وتعتبر هي الأخرى مصدر للرزق، الكفارة، فللصيام شروط وجوب وشروط صحة، وأمور يستحب للصائم فعلها وأخرى يكره له القيام بها ولابد له من اجتنابها، كما له مفسدات أو مبطلات منها ما يبطله ويوجب قضاء أيام أخري بدلا من تلك التي بطل الصيام فيها ومنها ما يبطله ويوجب الكفارة مع القضاء. وقد أجمع الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة على أن ما يبطل الصيام ويوجب القضاء والكفارة هو الجماع وزاد الحنابلة عليه المساحقة، بينما زاد الحنفية تناول غذاء أو ما في معناه مما يميل إليه الطبع وتنقضي به شهوة البطن، وأكل الطين الأرمني وقليل الملح وابتلاع حبة حنطة أو سمسة من خارج الفم أو ابتلاع ريق الزوجة للتلذذ به، وشرب الدخان وتناول الأفيون والحشيش وما نحو ذلك، وزاد المالكية كل مفسدات الصيام من القيء بدون علة، وصول أي شئ إلى المعدة
سواء كان قيئا أو مائعا أو غيرهما، وصول مائع إلى الحلق من فم أو أذن أو عين أو أنف سواء كان المائع ماء أو غيره وفي حكم المائع الدخان الذي اعتاد الناس شربه ،استعمال الكحل والحناء ودهن الشعر ووصولهم إلى الحلق أو وجود طعمهم فيه بشروط معينة هي: أن تقع أي من هذه المبطلات نهارا في صوم رمضان أداء بخصوصه لا في أي صوم أخر سواء كان هذا الصوم نفل أو صوم كفارة أو في صوم قضاء أو صوم منذور باتفاق الشافعية والحنفية والحنابلة والمالكية، أن يكون الصائم مبيتا لنية الصوم من الليل فلو لم يبيت النية للصيام لا تجب عليه الكفارة عند الحنفية والشافعية أما الحنابلة فقالوا بوجوب الكفارة في الجماع سواء كان الفاعل مبيت لنية الصيام أم لا، وعند المالكية رفع النية ورفضها نهارا أو رفعها ليلا واستمرار رافعها حتى طلوع الفجر من الأمور التي تبطل الصوم وتوجب القضاء والكفارة سواء ارتكب مفسدا أم لا. أن يكون الصائم مكلفا بالغا عاقلا عند الحنفية والشافعية والمالكية. وأن يكون متعمدا لا ناسيا أو مخطئا طائعا مختارا لا مكرها عند الحنفية والشافعية والمالكية، وزاد الشافعية والمالكية أن يكون عالما بالتحريم أما الحنابلة فقالوا بوجوب الكفارة سواء كان الفاعل متعمدا أو ناسيا عالما أو جاهلا مختارا أو مكرها أو مخطئا0 أن لا يكون هناك عذر شرعي يبيح الفطر فمن ارتكب أي من المبطلات السابق الإشارة إليها وهو على رخصة للفطر فلا كفارة عليه عند الشافعية والمالكية والحنفية. أن يكون معتقدا صحة صومه فإذا أكل أو جامع زوجته ناسيا أو مكرها فظن أن هذا مفطر ثم جامعها أو أكل بعد التذكر أو زوال الإكراه عمدا فلا كفارة عليه عند الحنفية والشافعية والمالكية، أما عند الحنابلة فالكفارة واجبة سواء كان الفاعل صائما حقيقيا أو ممسكا إمساكا واجبا والممسك هو الذي أفطر ناسيا مثلا أو مكرها ثم تذكر أو زال الإكراه فعليه إمساك بقية يومه وعند المالكية أيضا من سافر مسافة أقل من القصر فظن أن الفطر مباح له فنوى الفطر من الليل وأصبح مفطرا فلا كفارة عليه ومن رأى هلال شوال نهار الثلاثين من رمضان فظن أنه يوم عيد وأن الفطر مباح فأفطر فلا كفارة عليه وهذا هو المساند في فطره لأمر موجود، بينما إذا تعمد إن يفطر بعد قيامه بأعمال ظنا منه أنها تفطره كالغيبة والحجامة أو المس أو القبلة بشهوة من غير إنزال لزمته الكفارة لأن هذه الأشياء لا تفطر وهذه الشبهة لا قيمة لها عند الحنفية، وكذلك بالنسبة للغيبة عند المالكية وعندهم أيضا إذا اعتادت المرأة الحيض في يوم معين فبيتت نية الفطر لظنها إباحته في ذلك اليوم لمجيء الحيض فيه ثم أصبحت مفطرة فعليها الكفارة ولو جاء الحيض في ذلك اليوم حيث نوت الفطر قبل مجيئه وهذا هو المستند في فطره إلى أمر غير موجود فعليه الكفارة 0أن يكون الجماع مستقلا وحده في إفساد الصوم عند الشافعية. وأن تنقضي شهوة الفرج كاملة بوطء آدميا حيا يشتهى عند الحنفية وأما وطء البهيمة والميت والصغيرة التي لا تشتهى فانه لا يوجب الكفارة ويوجب القضاء بالإنزال، أما عند الحنابلة فتجب الكفارة ولو كان المفعول به حيا أو ميتة عاقلا أو غيره ولو بهيمة، وسواء كان الجماع في القبل أو الدبر عند الحنفية والحنابلة، وكذلك عند الشافعية وزادوا الشافعية ولو لم ينزل،وعند المالكية أن يكون جماعا يوجب الغسل وإذا جامع بالغ صغيرة لا تطيقه فإن صومه لا يفسد إلا بالإنزال وعندهم كذلك خروج المنى من غير جماع يوجب الكفارة إذا كان بنظر أو بفكر بشرط أن يديم النظر والفكر وأن تكون عادته الإنزال عند استدامة النظر 0وتجب الكفارة بمجرد لقاء الختانين وإن لم ينزل عند الحنفية، وعند الشافعية أن يكون الجماع بإدخال الحشفة أو قدرها من مقطوعها ونحوه. هذا والنزع جماع فمن طلع عليه الفجر وهو يجامع فنزع وجب عليه القضاء والكفارة عند الحنابلة أما عند الشافعية والحنفية إذا طلع الفجر وهو يأتي زوجه فإن نزع حالا صح صومه وإن استمر ولو قليلا بعد ذلك فعليه القضاء والكفارة إن علم بالفجر وقت طلوعه. هذا وإذا جامع وهو في حال صحته ثم عرض له مرض لم تسقط الكفارة عنه بذلك ومثل ذلك إذا جامع وهو طليق ثم حبس أو جامع وهو مقيم ثم سافر أو جومعت المرأة وهى غير حائض ثم حاضت فإن الكفارة لا تسقط بشيء من ذلك عند الحنابلة أما عند
الشافعية إذا أصابه جنون مثلا بعد الجماع وقبل الغروب فلا كفارة عليه. وتجب الكفارة على الفاعل دون المفعول به مطلقا عند الشافعية ولو أتى أنثى أو غيرها، وعلى الفاعل والمفعول به عند المالكية والحنفية وكذلك عند الحنابلة على أن يكون الموطوء عالما بالحكم غير ناس للصوم، وعند المالكية من أتى امرأة نائمة في نهار رمضان وجب عليه أن يكفر عنها كما تجب الكفارة على من صب شيئا عمدا في حلق شخص آخر وهو نائم ووصل لمعدته وعليها وعلى المصبوب في حلقه القضاء لأنه لا يقبل النيابة، وعند الحنفية إذا مكنت امرأة صغيرا أو مجنونا من نفسها فعليها الكفارة، وعند الحنابلة إذا باشرت امرأة أخرى وأنزلت إحداهما وجبت عليها الكفارة... (12) وإن لم تتحقق في هذه المبطلات أي من شروط وجوب الكفارة السابق ذكرها تصير مما توجب القضاء دون الكفارة.
والكفارة الواجبة هي إعتاق رقبة مؤمنة فإن لم يجدها فصيام شهرين متتابعين بحيث لو أفسد يوما في أثنائها ولو بعذر شرعي كسفر صار ما صامه نفلا ووجب عليه استئنافها لانقطاع التتابع الواجب فيها باتفاق الحنفية والشافعية والمالكية وخالف الحنابلة فقالوا الفطر لعذر شرعي كالفطر للسفر لا يقطع التتابع، فإن لم يستطع الصوم لمشقة شديدة ونحوها فإطعام ستين مسكينا من أوسط ما يطعم أهله فهي واجبة على الترتيب المذكور باتفاق الحنفية والشافعية والحنابلة وخالف المالكية فقالوا كفارة رمضان على التخيير بين الإعتاق والإطعام وصوم الشهرين وأفضلهما الإطعام، وقد استدل الثلاثة بخبر الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هلكت. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وما أهلكك؟ ) قال: واقعت امرأتي في نهار رمضان. قال الرسول صلى الله عليه وسلم ( هل تجد ما تعتق رقبة؟ ) قال: لا. قال الرسول صلى الله عليه وسلم ( فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ ) قال: لا. قال الرسول صلى الله عليه وسلم ( فهل تجد ما تطعم ستين مسكينا؟ ) قال: لا. ثم جلس السائل فأتى النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر فقال ( تصدق بهذا ) فقال: على أفقر منا يا رسول الله فو الله ما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه منا. فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه ثم قال ( اذهب فأطعمه أهلك ) وما جاء في هذا الحديث من أجراء صرف الكفارة لأهل المكفر وفيهم من تجب عليه نفقته فهو خصوصية لذلك الرجل لأن المفروض في الكفارة إنما هو إطعام ستين مسكينا لغير أهله بحيث يعطي كل واحد منهم مقدار مخصوصا.
وتتعدد الكفارة بتعدد الأيام التي حصل فيها ما يقتضي الكفارة عند الشافعية والمالكية، أما إذا تعدد المقتضى في اليوم الواحد فلا تتعدد الكفارة ولو حصل الموجب الثاني بعد أدائها عن الأول فلو وطئ في اليوم الواحد عدة مرات فعليه كفارة واحدة ولو كفر بالعتق أو بالإطعام عقب الوطء الأول فلا يلزمه شئ لما بعده وإن كان آثما لعدم الإمساك الواجب، وقالوا الحنابلة إذا تعدد المقتضي للكفارة في يوم واحد فإن كفر عن الأول لزمته كفارة ثانية للموجب الذي وقع بعده وإن لم يكفر عن السابق كفته كفارة واحدة عن الجميع. وقالوا الحنفية لا تتعدد الكفارة بتعدد ما يقتضيها مطلقا سواء كان التعدد في يوم واحد أو في أيام متعددة وسواء كان في رمضان واحد أو في متعدد من سنين مختلفة إلا أنه لو فعل ما يوجب الكفارة ثم كفر عنه ثم فعل ما يوجبها ثانيا فإن كان هذا التكرار في يوم واحد كفت كفارة واحدة وإن كان التكرار في أيام مختلفة كفر عما بعد الأول الذي كفر عنه بكفارة جديدة وظاهر الرواية يقتضي التفصيل وهو إن وجبت بسبب الجماع تتعدد وإلا فلا. وإن عجز فرد عن جميع أنواع الكفارات استقرت في ذمته وأصبحت دينا عليه إلى الميسرة فلا تسقط الكفارة بالإعسار باتفاق الحنفية والشافعية والمالكية وخالف الحنابلة وقالوا إذا عجز في وقت وجوبها عن جميع أنواعها سقطت عنه ولو أيسر بعد ذلك.
لإطعام المساكين مصادر أخرى من جراء فريضة الصيام فيستحب لمن عليه قضاء أيام من رمضان أن يبادر بقضائها فإذا أخر القضاء حتى دخل رمضان الثاني وجبت عليه الفدية زيادة عن القضاء وهي إطعام مسكين عن كل يوم من أيام القضاء، ومقدارها هو ما تعطى لمسكين واحد في الكفارة باتفاق المالكية والشافعية والحنابلة وخالف الحنفية فقالوا لا دية على من أخر قضاء رمضان حتى دخل رمضان الثاني سواء كان التأخير بعذر أو بغير عذر وإنما تجب الفدية إذا كان متمكنا من القضاء قبل دخول رمضان الثاني وإلا فلا فدية عليه ولا تتكرر الفدية بتكرر الأعوام بدون قضاء باتفاق الحنفية والحنابلة والمالكية وقال الشافعية بل تتكرر الفدية بتكرر الأعوام... (13) كما ذهب جمهور العلماء منهم أبو حنيفة ومالك والمشهور عن الشافعي إلى أن من مات وعليه صيام لا يصوم وليه عنه بل يطعم عنه مدا عن كل يوم...(14)
وإذا كانت كفارة الفطر تجب فقط على من فسد صومه من المسلمين فإن صدقة الفطر وهي الزكاة التي تجب بالفطر من رمضان...(15) تجب على كل المسلمين فهي واجبة على كل فرد منهم حر أو عبد، ذكر أو أنثى، صغير أو كبير، فقير أو غني، وهذا من كلام أبي هريرة، ولذا فهي تعتبر هي الأخرى مصدر وفير لرزق المنتفعين بها، روى الجماعة عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر من رمضان صاعا من تمر أو صاعا من شعير على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين، وروى البخاري عنه قال فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين...(16) حتى الجنين في بطن أمه إذا أكمل مائة وعشرين يوما قبل انصداع الفجر من ليلة الفطر وجب أن تؤدى عنه صدقة الفطر وبهذا قال ابن حزم، كما روى ابن حزم عن عثمان بن عفان أنه كان يعطي زكاة الفطر عن الصغير والكبير والحمل0 وعن أبي قلابة قال كان يعجبهم أن يعطوا زكاة الفطر عن الصغير والكبير حتى عن الحمل في بطن أمه، وعن سليمان بن يسار أنه سئل عن الحمل أيزكى عنه قال نعم قال ولا يعرف لعثمان في هذا مخالف من الصحابة، وقد ذهب جمهور الفقهاء على أن زكاة الفطر لا تجب عن الجنين، كما ذكر الشوكاني أن ابن المنذر نقل الأجماع على أنها لا تجب عن الجنين وكان أحمد يستحبه ولا يوجبه...(17) ويخرجها المسلم عن نفسه وعمن تلزمه نفقته كزوجته وأبنائه وخدمه المسلمين الذين يتولى أمورهم ويقوم بالإنفاق عليهم ويخرجها أيضا عن كل قريب له هو في نفقته أي تجب عليه نفقته من الآباء والأمهات والأولاد قال الرسول صلى الله عليه وسلم ( « أدوا صدقة الفطر عمن تمونون » ) أخرجه الدارقطني والبيهقي من حديث ابن عمر...(18) ولا يشترط لإخراجها اليسار وملك النصاب، عند الجمهور خلافا لأبي حنيفة...(19) فهي واجبة على كل مسلم فضل عن قوته وقوت من يقوته يوم الفطر وليلته صاع مما يقتات بصاع رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرجه من جنس قوته أو من أفضل منه...(20) والقدر الواجب في صدقة الفطر صاع "قدحا وثلث قدح" من القمح أو الشعير أو التمر أو الزبيب أو الأقط " أي لبن جاف لم ينزع زبده" أو الأرز أو الذرة أو نحو ذلك مما يعتبر قوتا. قال أبو سعيد الخدري كنا إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم نخرج زكاة الفطر عن كل صغير وكبير حر ومملوك صاعا من طعام أو صاعا من أقط أو صاعا من شعير أو صاعا من تمر أو صاعا من زبيب فلم نزل نخرجه حتى قدم معاوية حاجا أو معتمرا فكلم الناس على المنبر فكان فيما كلم به الناس أن قال إني أرى أن مدين "المدان نصف صاع" من سمراء "قمح" الشام تعدل صاعا من تمر فأخذ الناس بذلك قال أبو سعيد فأما أنا فلا أزال أخرجه أبدا ما عشت، رواه الجماعة، قال الترمذي والعمل على هذا عند بعض أهل العلم يرون من كل شيء صاعا وهو قول الشافعي وإسحاق0 وقال بعض أهل العلم من كل شئ صاع إلا البر فإنه يجزئ نصف صاع وهو قول سفيان وابن المبارك وأهل الكوفة...(21) والذي يبدو أن تحديد الأصناف المذكورة يرجع لأنها كانت هي الأقوات المتداولة في البيئة العربية عندئذ فلو أن قوما يعيشون على الأرز كما في اليابان مثلا لكانت فطرتهم مما يتقوتون به ولو كان قوم يعيشون على الأذرة كما في الريف المصري لكان واجبهم هو الأذرة فلهذا من الأرجح أن يخرج المرء فطرته من غالب قوت بلده أو من غالب قوته إذا كان أفضل من قوت البلد...(22) وقد أجاز أبو حنيفة وأصحابه إخراج قيمة الصاع من القمح أو الشعير أو التمر ونحوه نقودا إذا كانت النقود انفع للفقير ولم يجز الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وابن حنبل إخراج القيمة والأولي ما ذهب إليه أبو حنيفة وأصحابه لأن الغرض من الزكاة هو رعاية مصلحة الفقير وسد حاجته فإذا كانت مصلحته في النقود كان إخراج النقود أولى...(23) ومصرف صدقة الفطر هو نفسه مصرف الزكاة أي أنها توزع على الأصناف الثمانية المذكورة في الآية رقم 60 من سورة التوبة قال تعالى ( {إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم } ) والفقراء هم أولى الأصناف بها...(24) والمقصود الأهم منها إغنائهم بها في ذلك اليوم خاصة، فيجب تقديمهم على غيرهم إن وجدوا، وهذا لا يمنع أن تصرف في المصارف الأخرى حسب الحاجة والمصلحة...(25) وفقراء البلد أحق من غيرهم وأولى ممن سواهم بصدقة من يقيم معهم فإن لم يكن في البلد من هو في حاجة إليها جاز نقلها إلى بلد أخر يكون فيها من هو مستحق لها...(26) وفي لفتة إنسانية كريمة تنبئ عن روح الإسلام السمح الذي لا ينهى عن البر بمخالفيه الذين لم يقاتلوا أهله فقد أجاز الزهري وأبو حنيفة ومحمد وابن شبرمة إعطاء الذمي من زكاة الفطر لقول الله تعالى في سورة الممتحنة آية 8 ( { لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين } )...(27) على أن هذا إنما يكون بعد أن يستغني فقراء المسلمين أولا
وأول وقت وجوب صدقة الفطر هو غروب شمس ليلة عيد الفطر ويسن إخراجها بعد صلاة فجر العيد وقبل صلاة العيد ويجوز إخراجها قبل ذلك ويحرم تأخير إخراجها عن يوم العيد إلا لعذر...(28) ولا تسقط صدقة الفطر بالتأخير باتفاق الأئمة بل تصير دينا في ذمة من لزمته حتى تؤدى ولو في آخر عمره، ليسقط بذلك حقهم فيها ويبقى حق الله في تضيعه الوقت ولا يقدر على جبره إلا بالاستغفار والندامة، وأما تقديمها وتعجيلها فجمهور الفقهاء على أنه يجوز تعجيل صدقة الفطر قبل العيد بيوم أو بيومين قال ابن عمر رضي الله عنها أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بزكاة الفطر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة. قال نافع وكان ابن عمر يؤديها قبل ذلك باليوم أو اليومين واختلفوا فيما زاد على ذلك فعند أبي حنيفة يجوز تقديمها على شهر رمضان. وقال الشافعي يجوز التقديم من أول الشهر وقال مالك ومشهور مذهب أحمد يجوز تقديمها يوما أو يومين...(29) وقال بعض الحنابلة بجواز إخراجها من بعد نصف الشهر وهذا أيسر على الناس وخاصة إذا كانت الدولة هي التي تتولى جمع زكاة الفطر فقد تحتاج إلى زمن لتنظيم جبايتها وتوزيعها على المستحقين بحيث تشرق شمس العيد وقد وصل إليهم حقهم فشعروا بفرحة العيد وبهجته كما يشعر سائر الناس ومثل ذلك إذا تولت زكاة الفطر مؤسسة أو جمعية إسلامية...(30)
وقد فرضت صدقة الفطر في السنة الثانية من الهجرة وهي السنة التي فرض فيها صيام رمضان لحكمة في إيجابها فقد روى أبو داود وابن ماجه والدارقطني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات، فهذه الحكمة مركبة من أمرين: الأمر الأول يتعلق بالصائمين في شهر رمضان وما عسى أن يكون قد شاب صيامهم من لغو القول ورفث الكلام، والصيام الكامل هو الذي يصوم فيه اللسان والجوارح كما يصوم البطن والفرج فلا يسمح الصائم للسانه ولا لأذنه ولا لعينه ولا ليده أو رجله أن تتلوث بما نهى الله ورسوله عنه من قول أو فعل، وقلما يسلم صائم من مقارفة شيء من ذلك بحكم الضعف البشري الغالب فجاءت هذه الزكاة في ختام الشهر بمثابة غسل أو حمام يتطهر به من أوضار ما شاب نفسه أو كدر صومه وتجبر ما فيه من قصور فإن الحسنات يذهبن السيئات، كما جعل الشارع السنن الرواتب مع الصلوات الخمس جبرا لما قد يحدث فيها من غفلة أو خلل أو إخلال ببعض الآداب، وشبهها بعض الأئمة بسجود السهو قال وكيع بن الجراح زكاة الفطر لشهر رمضان كسجدة السهو للصلاة تجبر نقصان الصوم كما يجبر السجود نقصان الصلاة.
وأما الأمر الثاني فيتعلق بالمجتمع وإشاعة المحبة والمسرة في جميع أنحائه وخاصة المساكين وأهل الحاجة فيه فالعيد يوم فرح وسرور عام فينبغي تعميم السرور على كل أبناء المجتمع المسلم ولن يفرح المساكين ويسروا إذا رأوا الموسرين والقادرين يأكلون ما لذ وطاب وهم لا يجدون قوت يومهم في يوم عيد المسلمين...(31) فاقتضت حكمة الشارع للتوسعة عليهم وسد حاجتهم ولأشعارهم في يوم العيد بالفرحة تدخل ديارهم وإزالة الضوائق التي تلاحقهم وارتسام البسمة على شفاهم بإشباعهم وإغنائهم وسد جوعهم ومحو مسغبتهم، أن يفرض لهم في هذا اليوم ما يغنيهم عن الحاجة وذل السؤال ويشعرهم بأن المجتمع لم يهمل أمرهم ولم ينساهم في أيام سروره وبهجته، ولهذا ورد فيما رواه البيهقي عن ابن عمر ( أغنوهم عن طواف هذا اليوم ) وفي رواية أخرى ( أغنوهم في هذا اليوم ) فهي سبب لجلب الرزق للفقير ففي حديث عبد الله بن ثعلبة بن أبي صغير عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( «أدوا صاعا من قمح أو بر عن كل اثنين صغير أو كبير ذكر أو أنثي حر أو مملوك غني أو فقير أما غنيكم فيزكيه الله وأما فقيركم فيرد الله عليه أكثر مما يعطي» «» ) أخرجه أحمد والبيهقي فهذا الحديث كما يقول صاحب كتاب الفقه الواضح بعد ذلك يفيد وجوب الزكاة على الفقير كما هى واجبة على الغني ويفيد أنها تزكية للغني أي تطهير لماله ونفسه وأنها سبب في جلب الرزق إلى الفقير إذ يعوضه الله عما اخرج أضعاف ما أخرج والله واسع عليم ولا يخفي ما في هذا التشريع الحكيم من إشعار الفقير بكيانه بين الناس إذ يصبح من المزكين وبذلك ترتفع روحه المعنوية ويزداد ثقة في نفسه وينفض عنه غبار البخل بقدر ما أتاح الله له من الصدقة...(32) ولا زالت هذه الزكاة مما يحرص المسلمون في شتى بقاع الأرض على أدائها لتجبر ما نقصه اللغو والرفث من صيامهم ولتكونا عونا للفقراء والمعوزين وعليهم أن يجتنبوا التقصير في دفعها فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( « صوم رمضان معلق بين السماء والأرض ولا يرفع إلا بزكاة الفطر » ) وصدق الله إذ يقول ( {وما أنفقتم من شئ فهو يخلفه وهو خير الرازقين } ) سورة سبأ آية 39
وأخيرا بالصيام يستفيد الصائم من ثواب الصيام ومنافعه في الدنيا والآخرة ويستفيد فقراء المسلمين ومساكينهم من صدقة الفطر، ومن لم يصم لأي من الأمور التي توجب الفدية أو القضاء أو الكفارة والقضاء وأدى ما عليه من فدية أو كفارة استفاد فقراء المسلمين ومساكينهم أيضا واستفاد هو ثواب وأجر طاعته لله ورسوله، وإن لم يفعل هذا ولا ذاك اضر بنفسه وبالمسلمين.
المراجع
(1) العبادة في الإسلام يوسف القرضاوي ص 286
(2) العبادة في الإسلام يوسف القرضاوي ص 294
(3) عقيدة المؤمن أبو بكر جابر الجزائري ص 103
(4) البركة في القرآن محمد أحمد طه ص 159 و 160
(5) مجلة الهداية العدد 271 السنة الثالثة والعشرون رمضان 1420هـ يناير 2000م ص 19 مقال بعنوان ( لماذا نصوم؟ )
(6) الوابل الصيب والكلم الطيب لابن قيم الجوزية ص69
(7) إحياء علوم الدين أبى حامد الغزالي ج1 ص 205
(8) البركة في القرآن محمد أحمد طه ص 163
(9) شعب الإيمان أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي ج3 ص 312
(10) من وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم طه عبد الله العفيفي ج1 من ص 301 - ص 306
(11) فقه السنة السيد سابق ج1 من ص 439 إلى ص 441
(12) الفقه على المذاهب الأربعة عبد الرحمن الجزيري ج1 من ص 560 إلى ص 565
(13) الفقه على المذاهب الأربعة عبد الرحمن الجزيري ج1 من ص 578 إلى ص 581
(14) فقه السنة السيد سابق ج1 ص 471
(15) فقه السنة السيد سابق ج1 ص 412
(16) فقه الزكاة دراسة مقارنة لأحكامها وفلسفتها في ضوء القرآن والسنة يوسف القرضاوي ج2 ص924
(17) فقه الزكاة دراسة مقارنة لأحكامها وفلسفتها في ضوء القرآن والسنة يوسف القرضاوي ج2 ص927
(18) فقه السنة السيد سابق ج1 ص 412 & إحياء علوم الدين أبي حامد الغزالي ج1 ص188
(19) الحقوق الإسلامية طه عبد الله العفيفي ص 647
(20) إحياء علوم الدين أبي حامد الغزالي ج1 ص188
(21) فقه السنة السيد سابق ج1 ص 413
(22) فقه الزكاة دراسة مقارنة لأحكامها وفلسفتها في ضوء القرآن والسنة يوسف القرضاوي ج2 ص946
(23) الحقوق الإسلامية طه عبد الله العفيفي ص 650
(24) فقه السنة السيد سابق ج1 ص 415
(25) فقه الزكاة دراسة مقارنة لأحكامها وفلسفتها في ضوء القرآن والسنة يوسف القرضاوي ج2 ص958
(26) الحقوق الإسلامية طه عبد الله العفيفي ص 650
(27) فقه السنة السيد سابق ج1 ص 415
(28) الإسلام وأركانه ياسين رشدي ص 136
(29) فقه السنة السيد سابق ج1 ص 414
(30) فقه الزكاة دراسة مقارنة لأحكامها وفلسفتها في ضوء القرآن والسنة يوسف القرضاوي ج2 ص955
(31) فقه الزكاة دراسة مقارنة لأحكامها وفلسفتها في ضوء القرآن والسنة يوسف القرضاوي ج2 من ص 921 إلى ص 923
(32) الحقوق الإسلامية طه عبد الله العفيفي ص 647 - ص 648
- التصنيف: