علق قلبك بالله.. واطمئن

فاطمة الأمير

كم مرة خِفنا من فقدان شيء نملكه، ونسينا أن المالك الحقيقيَّ هو الله، وأنه وحده الذي يقدِّر أرزاقنا وأقدارنا!

  • التصنيفات: تزكية النفس - أعمال القلوب -

الحمد لله {الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} [الفرقان: 2].

 

حين تتأمل في ملك الله، تدرك أن كل شيء بيده، وأنه وحده من يدبر الأمر من السماء إلى الأرض، فلا شيء يفوته، ولا ذرة تتحرك إلا بإذنه، {الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}؛ ملكٌ مطلق ليس كملك البشر الناقص، بل ملك شامل لكل شيء، يحيط بصغير الأمور وكبيرها، فلا رزق يُنتزع منك إلا بإذنه، ولا نعمة تُمنح إلا بأمره.

 

كم مرة شغلتنا الدنيا، ونسِينا أن كل ما فيها بيد الله!

 

كم مرة خِفنا من فقدان شيء نملكه، ونسينا أن المالك الحقيقيَّ هو الله، وأنه وحده الذي يقدِّر أرزاقنا وأقدارنا!

 

كم من عدوٍّ خشينا بطشه، ونسينا أن الله المالك هو القادر أن يَقِيَ نفسك شرور الناس وبطشهم!

 

وكلما ضعُف اليقين بهذه الحقيقة، بدأ القلب يبحث عن الأمن والطمأنينة في غير موضعها، فتراه يتعلق بالبشر، يرجو منهم ما لا يقدر عليه إلا الله.

 

لا تُعلِّق قلبك بغير الله، فتشقى؛ لأن القلب إذا غفل عن أن الله هو المالك لكل شيء، بدأ بالتعلق بالبشر، يظن أن رزقه بيد أحدٍ، أو أن نجاته ستأتي من مخلوق ضعيف مثله، أو أن سعادته مرهونة بشيء من الدنيا.

 

لكنه سرعان ما يكتشف أن كل ما في الدنيا زائلٌ، وكل من فيها ضعيف، لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًّا إلا بما شاء الله.

 

كم من قلب انهار لأن مَن تعلق به خذله!

 

وكم من روح هامت خلف الدنيا، حتى إذا أمسكت بشيء منها، وجدته سرابًا لا يروي عطش القلب!

 {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ}؛ فلا تجعل في قلبك شريكًا له، لا في الحب، ولا في الرجاء، ولا في التوكل، علِّقه بمالك الملك، بمن لا يخذلك، ولا يغيب عنك، ولا يُعجزه شيء.

 

فهلَّا جعلت يقينك كله بالله، بدلًا من أن تفرقه بين يدي من لا يملكون لأنفسهم شيئًا؟

 

ثم تأتي هذه الآية لتُزيل كل مخاوفنا: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} [الفرقان: 2]، فما من شيء في هذا الكون إلا وهو خاضع لحكمة الله، مُقدَّر بميزان دقيق لا يختل.

 

تذكر أن عدوك الذي تخشاه هو مجرد مخلوق في هذا الكون، ضعيف أمام قدرة الله، محدود في تدبيره، لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًّا إلا بما شاء الله، فكيف تخشاه وتنسى أن الذي خلقه هو الذي قدَّر كلَّ شيء؟

 

فعندما ترهقك الدنيا، وتعاني من تسلُّط وتجبُّر العباد فيها، هَرْوِلْ إلى الله وحده الذي بيده إزالة ما تخشاه.

 

هذه الآية درسٌ في التوكل والثقة، في أن تسلِّم قلبك للخالق، وتدرك أن كل ما يحدث لك ليس صدفة أو ليس له معنى، بل هو على وَفْقِ تدبير مُحكَم، من ملك حكيم عليم لا يغفُل عن شيء.

 

حينها فقط يهدأ قلبك، وتسكن روحك، وتمضي في الحياة مطمئنًّا؛ لأنك في كنفِ مَن لا تضيع عنده الأقدار.

 

فثبِّت قلبك بالله، وعلِّق رجاءك به، وامضِ متيقنًا أن ما كتبه لك لن يخطئك، وما قدره عليك لم يكن ليُصيب غيرك.