الآيات العاصمة من شبهات شياطين الإنس والجن
هذه الآيات الكريمة من فهم تفسيرها سلم بتوفيق الله من شبهات شياطين الإنس والجن الذين يفتنون الناس ليصرفوهم عن الفهم الصحيح للقرآن والسنة:
هذه الآيات الكريمة من فهم تفسيرها سلم بتوفيق الله من شبهات شياطين الإنس والجن الذين يفتنون الناس ليصرفوهم عن الفهم الصحيح للقرآن والسنة:
قال الله تعالى: {{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ * وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}} [الحج: 52 - 54]
معنى الآيات:
أي: وما أرسلنا من قبلك - يا محمد - من رسول ولا نبي إلا إذا تلا كتاب الله ألقى أحد شياطين الإنس أو الجن في مسامع الناس باطلا فتنة للناس واختبارا، فيُذهب الله ويزيل ما يلقيه الشيطان من الباطل، ويتبين للمؤمنين بطلانه، ثم يخلص الله آيات كتابه من الباطل الذي قذفه الشيطان بوساوسه، وتبقى آيات القرآن واضحة للمؤمنين، والله عليم بخلقه وبما يوحي إلى نبيه، حكيم في شرعه وفي تدبير خلقه.
وقدَّر الله ذلك ليجعل ما يلقيه الشيطان في الوحي من الباطل والوسوسة فتنة للذين في قلوبهم شك ونفاق ولقساة القلوب؛ فيضلوا عن اتباع الحق بسبب ما يلقيه الشياطين. وإن المنافقين والكافرين لفي مشاقة لله ولرسوله وعناد وخلاف شديد بعيد من الحق.
وليعلم الذين آتاهم الله العلم النافع الديني أنَّ ما أنزله الله وجاء به رسوله هو الحق، فيصدقوا بالوحي ويعملوا به. فتخضع قلوبهم وتطمئن للحق الذي جاء من عند الله. وإن الله يرشد المؤمنين إلى طريق الإسلام المستقيم الصحيح ويوفقهم لاتباع الحق واجتناب الباطل.
وينظر في تفسير الآية: تفسير التحرير والتنوير لابن عاشور (17/ 298 - 302)، وأضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشنقيطي (5/ 288 - 290).
واعلم - أيها المسلم - أن الشيطان يطلق على شياطين الإنس والجن، كما قال تعالى: { {شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ * وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ} } [الأنعام: 112، 113]، وقال سبحانه: {{وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ}} [الأنعام: 121].
واعلم - رحمك الله - أن الشبهات التي يلقيها شياطين الإنس أو الجن لا تقتصر على معارضة القرآن، بل يلقون أيضا شبهات لمعارضة السنة النبوية، وقد روى ابن جرير في تفسير هذه الآيات (16/ 609) عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} قال: (إذا حدَّث ألقى الشيطان في حديثه).
وروى ابن جرير أيضا في تفسيره (16/ 607) عن مجاهد في قوله: {إِذَا تَمَنَّى} قال: (إذا قال).
وقد ذكر إمام المفسرين ابن جرير الطبري رحمه الله أن هذه الآية تعم ما يتلوه النبي من كتاب الله أو يحدث به من سنته، قال ابن جرير رحمه الله: تأويل الكلام: وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تلا كتاب الله وقرأ، أو حدث وتكلم، ألقى الشيطان في كتاب الله الذي تلاه وقرأه أو في حديثه الذي حدَّث وتكلم. انتهى من تفسير الطبري (16/ 610، 611).
فهذه الآيات الكريمة من سورة الحج تحذر المسلم من شياطين الإنس والجن الذين يلقون الشبهات لصرف الناس عن الحق الذي جاء في القرآن والسنة، وقد ذكر الله في أول سورة الحج أن من استمع لأحد شياطين الإنس أو الجن وتولاه وأحبه فأنه يضله عن الحق ولا بد، فقال سبحانه: { {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ * كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ}} [الحج: 3، 4].
وما أكثر هؤلاء الشياطين في هذا الزمان، ولا نعجب من ذلك، فقد أخبرنا بهم نبينا وحذرنا منهم، فروى الإمام مسلم في مقدمة صحيحه (6) عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «سيكون في آخر أمتي أناس يحدثونكم ما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم، فإياكم وإياهم» .
تنبيه: ورد في أسباب النزول أنه لما نزلت هذه الآية: {{أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى} } [النجم: 19] قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لتُرتجى». فسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال المشركون: إنه لم يذكر آلهتكم قبل اليوم بخير، فسجد المشركون معه، فأنزل الله: {{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ}} .
رواه ابن جرير في تفسيره (16/ 607) عن سعيد بن جبير مرسلا، وله طرق كلها مرسلة.
قال العلامة الشوكاني رحمه الله: "لم يصح شيء من هذا، ولا ثبت بوجه من الوجوه، ومع عدم صحته بل بطلانه فقد دفعه المحققون بكتاب الله سبحانه، قال الله: { {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ}} [الحاقة: 44 - 46]، وقوله: {{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى}} [النجم: 3]، وقوله: {{وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ}} [الإسراء: 74]، فنفى المقاربة للركون فضلا عن الركون. قال البزار: هذا حديث لا نعلمه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد متصل. وقال البيهقي: هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل، ثم أخذ يتكلم أن رواة هذه القصة مطعون فيهم. وقال إمام الأئمة ابن خزيمة: إن هذه القصة من وضع الزنادقة. قال القاضي عياض في الشفا: إن الأمة أجمعت فيما طريقه البلاغ أنه معصوم فيه من الإخبار عن شيء بخلاف ما هو عليه، لا قصدا ولا عمدا ولا سهوا ولا غلطا. قال ابن كثير: قد ذكر كثير من المفسرين هاهنا قصة الغرانيق، وما كان من رجوع كثير من المهاجرين إلى أرض الحبشة ظنا منهم أن مشركي قريش قد أسلموا، ولكنها من طرق كلها مرسلة، ولم أرها مسندة من وجه صحيح" انتهى من فتح القدير (3/ 546).
وينظر: التفسير الكبير للرازي (23/ 237)، ونصب المجانيق لنسف قصة الغرانيق للألباني.
- التصنيف: