إعلاء قيمة السعي والعمل

منذ 8 ساعات

إن العمل في الإسلام عبادة لله والقيام به على أكمل وجه علامةٌ من علامات الإيمان وأداء حقوقه والالتزام بآدابه براءة من المسئولية يوم القيامة بين يدي الواحد الديان..

إن العمل في الإسلام عبادة لله والقيام به على أكمل وجه علامةٌ من علامات الإيمان وأداء حقوقه والالتزام بآدابه براءة من المسئولية يوم القيامة بين يدي الواحد الديان، فلقد جعل الله الأرض مستقر حياة الإنسان ومعاشه في هذه الدنيا وأوجد فيها الكثير من النعم وسخر جميع المخلوقات لخدمته ونوع له أبواب الرزق وطرقه وذلل له سبل الوصول إليه قال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ. وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ. وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ} [يس: ٧١ـ٧٣]،
 
والمطلوب أن ينزل المسلم في ميادين الحياة مكافحًا، وإلى أبواب الرزق ساعيًا، ولكن يكون قلبه معلقًا بالله، وفكره لا يغيب عن مراقبة الله وخشيته، والالتزام بحدوده والتقيد بأوامره قال تعالى: {رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ الله وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} [النور: ٣٧].

والعاقل لا يرضى لنفسه أن يكون كَلا على غيره، وهو يعلم أن الرزق منوط بالسعي، وأن مصالح الحياة لا تتم إلا باشتراك الأفراد حتى يقوم كل واحد بعمل خاص له، وهناك تتبادل المنافع، وتدور رحى الأعمال، ويتم النظام على الوجه الأكمل قال تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ الله وَاذْكُرُوا الله كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الجمعة: ١٠]، 

الحض على الأكل من عمل اليد:
وقال رسول الله ﷺ: «ما أكل أحد طعاما قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده» (رواه البخاري)
 وقال ابن عباس رضي الله عنه: كان آدم عليه السلام حراثًا، ونوح نجارًا، وإدريس خياطًا، وإبراهيم ولوط كانا يعملان في الزراعة، وصالح تاجرًا، وداود حدادًا، وموسى وشعيب ومحمد صلوات الله تعالى عليهم رعاة للأغنام، وعمل ﷺ أيضًا في التجارة.


 وقال لقمان الحكيم لابنه يومًا: يا بني استعن بالكسب الحلال فإنه ما افتقر أحد قــط إلا أصابه ثلاث خصــال: رقة في دينه، وضعف في عقله، وذهاب مروءته وأعظم من هذه الخصــال استخفاف الناس به.

ولقد عظم الإسلام من شأن العمل مهما كان هذا العمل... حتى عمل المرأة في بيتها لزوجها وأولادها فإنها تؤجر عليه.. فعلى قدر عمل الإنسان يكون جزاؤه، قال الله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [النحل: ٩٧]..

بل لقد جعل الإسلام العمل نوعًا من أنواع الجهاد في الإسـلام وما ذلك إلا لأهميته وفضله وثمرته، فعن أنس رضي الله عنه قال: مرّ بالنبي ﷺ رجل، فرأى أصحاب النبي من جَلَده ونشاطه فقالوا: يا رسول الله، لو كان هذا ـ يعنون النشاط والقوة ـ في سبيل الله؟ فقال رسول الله ﷺ: «إن كان يسعى على ولده صغارًا فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفّها فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى رياء ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان» (رواه الطبراني والبيهقي وصححه الألباني في صحيح الترغيب ١٦٩٢).

وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: والله ما أحب أن يأتيني الموت إلا على أحد شكلين؛ إما مجاهدًا في سبيل الله أو ساعيًا لطلب الرزق.

آداب العمل:
إن من الآداب والواجبات التي ينبغي لكل مسلم أن يلتزم بها وهو يقوم بأي عمل من الأعمال أن يتقن في عمله، وتلك صفة عظيمة في حياة المؤمن لذلك كانت مطالبة الرسول ﷺ إلى الإتقان في الأعمال فقد قال: «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه»

إن الإتقان سمة أساسية في الشخصية المسلمة يربيها الإسلام فيه منذ أن يدخل فيه، وهي التي تحدث التغيير في سلوكه ونشاطه، فالمسلم مطالب بالإتقان في كل عمل تعبدي أو سلوكي أو معاشي؛ لأن كل عمل يقوم به المسلم بنيّة العبادة هو عمل مقبول عند الله يُجازى عليه سواء كان عمل دنيا أم آخرة. قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام: ١٦٢-١٦٣].

وإتقان عمل واحد والتميز به والنجاح فيه أفضل من القيام بمجموعة من الأعمال، والفشل في أدائها
وإتقان العمل في الإسلام يعتبر من شعائره وعلاماته المميزة، ويكفي أن الله جلا وعلا جعله من صفاته فقال: {صُنع الله الذي أتقن كل شىءٍ} [النمل ٨٨]

وهو من المحبوب إلى الله تعالى، يقول النبي ﷺ: «إن الله يحب إذا عمِل أحدُكم عملًا أن يتقنه»
وقد حثت الشريعة على الإتقان؛ لأن إتقان العمل من الأمانة التي أمر اللَّهَْ أَنْ تُؤَدّى إلى أهلها.

والإتقان ليس مجرد أداءٌ للعمل بل تجويده وتحسينه، وهذا التجويد والتحسين يُضفي الجمال على العمل، ويشيعه -الجمال- في الكون كله، تحدث المولى عز وجل عن خلق السموات والأرض والنجوم فقال عن السماء: {وزيّناها للناظرين}، {ولقد زيّنا السماء الدنيا بمصابيح} [الملك]  
وقال عن الأرض: {وأنبتنا فيها من كل زوجٍ بهيجٍ} [ق]
وبعد أن تحدث سبحانه وتعالى عن خلق السموات والأرض والأنعام في أول سورة النحل قال: {ولكم فيها جمالٌ}

 

إنه لا يَكفِي الفَردَ أَن يُؤَدِّيَ العَمَلَ صَحِيحًا، بَل لا بُدَّ أَن يَكُونَ مَعَ صِحَّتِهِ مُتقَنًا، فإتقان العمل يكون: بإحكام الشيء وضبطه على أحسن وجه، وإكماله وعدم تركه ناقصًا. قال -عليه الصلاة والسلام-: «مَثَلِي وَمَثَلُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي، كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بُنْيَانًا فَأَحْسَنَهُ وَأَجْمَلَهُ، إِلَّا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ مِنْ زَوَايَاهُ.فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ بِهِ وَيَعْجَبُونَ لَهُ، وَيَقُولُونَ: مَا رَأَيْنَا بُنْيَانًا أَحْسَنَ مِنْ هَذَا إِلَّا هَذِهِ اللَّبِنَةَ، هَلَّا وُضِعَتْ هَذِهِ اللَّبِنَةُ، فَأَنَا اللَّبِنَةُ وَأَنَا خَاتَمُ النَّبِيِّين» (متفق عليه).
نهى الإسلام أن يجلس الرجل بدون عمل، ثم يمد يده للناس يسألهم المال، فالذي يطلب المال من الناس مع قدرته على العمل ظالم لنفسه؛ لأنه يُعرِّضها لذل السؤال، وقد حذَّر النبي ﷺ من المسألة، وبالغ في النهي عنها والتنفير منها، فقال ﷺ: «اليد العُلْيَا خير من اليد السُّفْلَى، وابدأ بمن تعول، وخير الصدقة عن ظهر غنى، ومن يستعفف يعِفَّه الله، ومن يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ الله» (متفق عليه).
 وقال ﷺ: «لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره خير له من أن يأتي رجلا فيسأله أعطاه أو منعه» (رواه البخاري).

ويقول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: لا يقعدن أحدكم عن طلب الرزق، ويقول: اللهم ارزقني، وقد علم أن السماء لا تمطر ذهبًا ولا فضة، ويقول أيضًا: رضي الله عنه: إني لأرى الرجل فيعجبني فأقول أله حرفة؟ فإن قالوا: لا، سقط من عيني.. فعلى المسلم أن يعمل ويجتهد حتى تتحقق قيمته في الحياة.

ومن آداب العمل في الإسلام أن يكون العامل قويًّا أمينًا والقوة تتحقق بأن يكون عالمًا بالعمل الذي يسند إليه، وقادرًا على القيام به، وأن يكون أمينًا على ما تحت يده، قال الله تعالى {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} [القصص: ٢٦].
 وأن يكون العامل بعيدًا عن الغش والتحايل فالغش ليس من صفات المؤمنين، يقول النبي ﷺ: «من غش فليس مني» (مسلم وأبو داود والترمذي)، وقد مر رسول الله ﷺ برجل يبيع طعامًا حبوبا فأعجبه، فأدخل يده فيه فرأى بللاً، فقال: ما هذا يا صاحب الطعام، قال: أصابته السماء أي المطر فقال عليه الصلاة والسلام: «فهلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس»، «من غشنا ليس منا» (رواه مسلم).

ومن الآداب والواجبات على العامل المسلم الالتزام بالمواعيد والنصح لصاحب العمل وتحري الحلال والبعد عن الأعمال المحرمة ويجب على العامل أن يحفظ أسرار عمله، فلا يتحدث إلى أحد -خارج عمله- عن أمورٍ تعتبر من أسرار العمل وعلبه أن يلتزم بقوانين العمل ويجب على العامل  أيضًا أن يحافظ على أداء الصلوات وإيتاء الزكاة، والقيام بسائر العبادات على أكمل وأحسن وجه، بل إن ذلك من أسباب الحصول على الرزق والتوسعة فيه، قال تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طـه: ١٣٢]
 وقال ﷺ: «ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم تؤت كبيرة، وذلك الدهر كله» (رواه مسلم).

ومن هذه الآداب عدم استغلال العمل والمنصب لأجل تحقيق مصلحة شخصية (لنفسه أو قرابته) دون وجه حق شرعي أو قانوني. قال رسول الله ﷺ: «من استعملناه على عمل فرزقناه رزقا فما أخذ بعد ذلك فهو غلول» (رواه أبو داود)..

ومن هذه الآداب الالتزام بمواعيد العمل والتبكير إليه؛ حيث يكون النشاط موفورًا، وتتحقق البركة، قال ﷺ: «اللهم بارك لأمتي في بكورها» (الترمذي وابن ماجه) هذه آداب العمل وواجبات العامل في الإسلام وغيرها كثير... فيها الراحة والسعادة والأمن والأمان للفرد والمجتمع وفيها رضا الله وسعة رزقه وتتابع بره وحلول بركته.


بهذه القيم والآداب وبهذه الأخلاق كان العامل المسلم في أي مجال من مجالات العمل يستشعر هده المسئولية وهذه الأمانة ويقوم بواجبه على أكمل وجه لا تغره المناصب ولا تستهويه وتفسده الأموال.

___________________________________________
الكاتب: إعداد الشيخ/ أحمد عزت حسن 

  • 1
  • 0
  • 70

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً