النظافة من الإيمان حديث ضعيف ومعنى جليل
رغم حكم العلماء على حديث (النظافة من الإيمان) بالضعف إلا أن اتفاقهم على صحة معناه متواتر.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
رغم حكم العلماء على حديث (النظافة من الإيمان) بالضعف إلا أن اتفاقهم على صحة معناه متواتر.
وقد حث الشرع والفطرة على ضرورة النظافة وأهميتها والنفور من الإهمال فيها مع ما قد يسببه هذا الإهمال من مفاسد وأضرار صحية واجتماعية وقد وردت أحاديث صحيحة كثيرة كلها تحث على النظافة منها ما يلي:
- أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الطهور شطر الإيمان، حيث قال صلى الله عليه وسلم: « الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ» . [أخرجه مسلم (211)، والطهارة معنى كلي يشمل النظافة بلا شك] .
- الأحاديث الكثيرة التي فيها الحث على الاغتسال يوم الجمعة وفي العيدين، كما في البخاري (879) ومسلم (846) من حديث أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: غُسْلُ يَوْمِ الجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ، وكذلك أمره صلى الله عليه وسلم الصحابة الذين كانوا يعملون فتخرج منهم بعض الرائحة فأمرهم بالغسل، ففي صحيح البخاري (903)، ومسلم (847) عن عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: « " كَانَ النَّاسُ مَهَنَةَ أَنْفُسِهِمْ، وَكَانُوا إِذَا رَاحُوا إِلَى الجُمُعَةِ، رَاحُوا فِي هَيْئَتِهِمْ فَقِيلَ لَهُمْ: لَوِ اغْتَسَلْتُمْ» .
- حث النبي صلى الله عليه وسلم على تنظيف الفم واستعمال السواك، حيث قال صلى الله عليه وسلم: «السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ، مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ» . [أخرجه النسائي في "سننه" (5)، وصححه الشيخ الألباني في "إرواء الغليل" (66).]
- حث النبي صلى الله عليه وسلم على غسل الثياب وتنظيفها، فعند أبي داود في سننه (4062) عن جابرِ بنِ عبدِ الله، قال: « أتانا - رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلم - فرأى رجُلاً شعِثاً قد تفرَّقَ شَعرُهُ، فقال: أما كان هذا يَجدُ ما يُسَكِّنُ به شَعْرَهَ؟ ورأى رجُلاً آخر عليه ثيابٌ وسِخَة فقال: أَما كان هذا يجدُ ما يَغسِلُ به ثوبَهُ؟» . [والحديث صححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة (493)] .
- ترغيب النبي صلى الله عليه وسلم أمته ببناء المساجد في البيوت، مع تنظيفها وتطييبها، فعن عائشة رضي الله عنها قَالَتْ:" « أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وسلم ببنيان المساجد في الدور، وأمر أن تنظف وتطيب » ". [أخرجه أحمد في "المسند" (26386)، وصححه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2724)] .
- حث النبي صلى الله عليه وسلم أمته على تنظيف أفنية البيوت وتطهيرها، حيث قال صلى الله عليه وسلم: «طَهِّرُوا أَفْنِيَتَكُمْ، فَإِنَّ الْيَهُودَ لَا تُطَهِّرُ أَفْنِيَتَهَا» . [أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (4057)، وحسنه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (236] ).
قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله في صيد الخاطر:
تلمحت على خلق كثير من الناس إهمال أبدانهم، فمنهم من لا ينظف فمه بالخلال بعد الأكل.
ومنهم من لا ينقي يديه في غسلها من الزهم، ومنهم من لا يكاد يستاك، وفيهم من لا يكتحل، وفيهم من لا يراعي الإبط إلى غير ذلك، فيعود هذا الإهمال بالخلل في الدين والدنيا.
أما الدين إنه قد أمر المؤمن بالتنظف والاغتسال للجمعة لأجل اجتماعه بالناس، ونهى عن دخول المسجد إذا أكل الثوم، وأمر الشرع بتنقية البراجم، وقص الأظفار، والسواك، والاستحداد. وغير ذلك من الآداب.
فإذا أهمل ذلك ترك مسنون الشرع، وربما تعدى بعض ذلك إلى فساد العبادة، مثل أن يهمل أظفاره فيجمع تحته الوسخ المانع للماء في الوضوء أن يصل.
وأما الدنيا فإني رأيت جماعة من المهملين أنفسهم، يتقدمون إلى السرار.
والغفلة التي أوجبت إهمالهم أنفسهم، أوجبت جهلهم بالأذى الحادث عنهم.
فإذ أخذوا في مناجاة السر، لم يمكن أن أصدف عنهم، لأنهم يقصدون السر، فألقى الشدائد من ريح أفواههم.
ولعل أكثرهم من وقت انتباههم ما أمر أصبعه على أسنانه.
ثم يوجب مثل هذا نفور المرأة، وقد لا تستحسن ذكر ذلك للرجل، فيثمر ذلك التفاتها عنه.
وقد كان ابن عباس رضي الله عنهما يقول: إني لأحب أن أتزين للمرأة، كما أحب أن تتزين لي.
وفي الناس من يقول: هذا تصنع.
وليس بشيء، فإن الله تعالى: " زيَّنَنَا لَمّا خَلَقَنَا " . لأن العين حظاً في النظر.
ومن تأمل أهداب العين والحاجبين. وحسن ترتيب الخلقة، علم أن الله زين الآدمي.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أنظف الناس وأطيب الناس، وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم يرفع يديه حتى تبين عفرة إبطيه، وكان ساقه ربما انكشفت فكأنها جمارة.
وكان لا يفارقه السواك، وكان يكره أن يشم منه ريح ليست طيبة.
وفي حديث أنس الصحيح: ما شانه الله بيضاء.
وقد قالت الحكماء: من نظف ثوبه قل همه، ومن طاب ريحه زاد عقله.
وقال عليه الصلاة والسلام لأصحابه: ما لكم تدخلون علي قلحاً، استاكوا.
وقد فضلت الصلاة بالسواك، على الصلاة بغير سواك، فالمتنظف ينعم نفسه، ويرفع منها قدرها.
وقد قال الحكماء: من طال ظفره قصرت يده، ثم إنه يقرب من قلوب الخلق وتحبه النفوس، لنظافته وطيبه.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب الطيب.
ثم إنه يؤنس الزوجة بتلك الحال. فإن النساء شقائق الرجال، فكما أنه يكره الشيء منها فكذلك هي تكرهه، وربما صبر هو على ما يكره وهي لا تصبر.
وقد رأيت جماعة يزعمون أنهم زهاد وهم من أقذر الناس، وذلك أنهم ما قومهم العلم.
وأما ما يحكى عن داود الطائي: أنه قيل له لو سرحت لحيتك، فقال: إني عنها مشغول، فهذا معتذر عن العمل بالسنة، والإخبار عن غيبته عن نفسه بشدة خوفه من الآخرة، ولو كان مفيقاً لذلك لم يتركه، فلا يحتج بحال المغلوبين.
ومن تأمل خصائص الرسول الله صلى الله عليه وسلم رأى كاملاً في العلم والعمل، فيه يكون الاقتداء وهو الحجة على الخلق. أ هـ
أبو الهيثم
أبو الهيثم محمد درويش
دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.
- التصنيف: