هل يؤمن د.علي جمعة بموت النبي ؟.. وهل حقًّا أن النبي (يظهر في كنائس)؟!

منذ 2012-03-19

نشر موقع (اليوم السابع) [1] على شبكة (الإنترنت) (يوم الجمعة 20 يناير 2012م) خبرًا تحت عنوان: (مفتى الجمهورية: التصوف هو الدين رغم أنف المنكرين) ..



الحمدُ لله رَبِّ العالمين، وصلَّى الله وسلَّم على المبعوث رحمة للعالمين، ورضي الله عن آله وصَحْبِه أجمعين، ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يومِ الدِّين.
أما بعد:

فقد نشر موقع (اليوم السابع) [1] على شبكة (الإنترنت) (يوم الجمعة 20 يناير 2012م) خبرًا تحت عنوان: (مفتى الجمهورية: التصوف هو الدين رغم أنف المنكرين)، وفي الخبر: (قال الدكتور على جمعة، مفتى الجمهورية: إن من أنكر التصوف هو مادى أراد قتل الإسلام، مشيرًا إلى أن التصوف هو الفهم الصحيح للإسلام، مطالبا بالعودة مرة أخرى للحقائق كما تركها الرسول صلى الله عليه وسلم، بعد ما لحقها منتدليس وقلب للحقائق. جاء ذلك خلال لقائه فى برنامج “كلمة حق” الذى يذاع على التلفزيون المصرى وكانت الحلقة بعنوان “الصوفية والتصوف”، وبحضور الدكتور أحمد عمر هاشم رئيس جامعة الأزهر السابق وعضو المجلس الأعلى للطرق الصوفية. وأضاف المفتى أن على الجميع أن يفهموا أن التصوف هو الدين رغم أنف جميع المنكرين، وأنه ليس منهجًا دمويًا بل هو الدين، كما عدد المفتى فضائل التصوف من الزهد والورع وتحدث عن أشهر علماء التصوف) أهـ.

والحقيقة أن قول الدكتور مصادمٌ لحقائق العلم ووثائقه التي تدين التصوف، وتنفي صلته بالنبع الصافي الذي ترك النبي صلى الله عليه وسلم الأمةَ عليه.
ولنجعل مِن كلام الدكتور في بعض كتبه مثالًا على هذا؛ ولنأخذ كتابه “البيان القويم” الذي جعله الدكتور في (20) عشرين سؤالا.

حيثُ ذهب الدكتور في كتابه هذا إلى ما يصادم القرآن مصادمة صريحة في قضية موت النبي صلى الله عليه وسلم، فذهب مذهب الصوفيين القائلين بمجرَّد الانتقال.

نعم؛ فهناك مَن لا يؤمن بموت النبي صلى الله عليه وسلم وإنما يؤمن بمجرَّد انتقاله صلى الله عليه وسلم، مِن حياة إلى حياة، وبداية نحن لا نُنكر أبدًا حياة الأنبياء صلوات الله عليهم في قبورهم، لكننا نُفَرِّق (تبعًا للأدلة) بين حياتهم صلوات الله عليهم في الدنيا، وبين حياتهم في قبورهم، ولفظ “الحياة” مشتركٌ لفظيٌّ، يُطلق على حياة الدنيا، كما يُطلق على حياة البرزخ، رغم الاختلاف بينهما في الخصائص، تمامًا مثلما يُطلق لفظ “العين” على عين الإنسان وعلى عين الماء مثلا، مع الاختلاف بينهم [2] ا.

غير أنَّ هناك مَن يُسَوِّي بين الحياتين، كما لو كانا شيئًا واحدًا لا اختلاف بينهما، فيرى النبي صلى الله عليه وسلم قد انتقل مجرد انتقال مِن حياة إلى مثلها، فكل ما تركه (في نظر هؤلاء) فهو باقٍ على مِلْكِهِ كما كان في حياته الدنيا، فالمسألة عندهم لا تتجاوز مجرد الانتقال مِن مكانٍ إلى مكانٍ آخر مع استمرار الحياة في المكانين بلا اختلافٍ!

بل ذهب بعض المتصوفة إلى أنه صلى الله عليه وسلم في قبره يجامع زوجاته كما كان في الدنيا، ويتصرَّف في الملكوت كما كان يتصرَّف في الدنيا [3].
وقد امتدتْ هذه الأباطيل لتورِّطَ بعض المنتسبين للعلم كالجويني؛ الذي حُكِي عنه الجزم بأَنَّ “ما خَلَّفَهُ النبي صلى الله عليه وسلم باقٍ على مِلْكِهِ كما كان في حياتِهِ فإِنَّ الأنبياءَ أحياء”؛ كذا ذكرَ الجوينيُّ، وقد ردَّ عليه الإمام المقريزيُّ واستدلَّ بأن القرآن ناطقٌ بموته صلى الله عليه وسلم وغير ذلك [4].

ثم جاء الدكتور علي جمعة في كتابه المشار إليه سابقًا “البيان القويم” ليقول (ص/5) ما نصه: “فإذا كان المقصود في حياة النبي صلى الله عليه وسلم في قبره بأنه صلى الله عليه وسلم لم ينتقل من حياتنا الدنيا ولم يقبضه الله إليه فذلك باطلٌ بنص القرآن الكريم، قال تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الخَالِدُونَ} [الأنبياء: 34] {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ} [الزُّمَر: 30]. فالنبي صلى الله عليه وسلم انتقل مِن هذه الحياة الدنيا، ولكن بانتقاله هذا لم ينقطع عنا صلى الله عليه وسلم وله حياة أخرى هي حياة الأنبياء، وهي التي تسمى الحياة بعد الموت، أو الممات كما سماها صلى الله عليه وسلم حيثُ قال: “حياتي خيرٌ لكم تحدثون ويَحْدُث لكم. ومماتي خيرٌ لكم” أهــ إلى أنْ قال الدكتور ما نصه: “وحياة النبي صلى الله عليه وسلم بعد انتقاله ليست كحياة باقي الناس بعد الانتقال” أهــ قال الدكتور: “ولكن الأنبياء في حياة هي أكمل مِن حياتهم قبل الانتقال وأكمل من حياة باقي الخلق بعد الانتقال” أهــ قال الدكتور: “فهم أحياء في قبورهم حياة حقيقة كحياتهم قبل انتقالهم منها” أهــ قال الدكتور: “فمَنْ كذَّب بحياة النبي صلى الله عليه وسلم في قبره بعد انتقاله، فقد كذبه صلى الله عليه وسلم فيما ذكرنا من الأحاديث” أهــ قال الدكتور: “ومن كذَّب أنه انتقل من حياتنا الدنيا، فقد كذَّب ما ذكرنا من القرآن، والصواب هو أن تثبت انتقاله صلى الله عليه وسلم من الحياة الدنيا، وتثبت حياته صلى الله عليه وسلم في قبره” انتهى بحروفه.
ولاشك أنَّ الجميع يُذعن ويُقرّ بانتقال النبي صلى الله عليه وسلم مِن الحياة الدنيا؛ لكن هل انتقل بالموت؟ أم هو مجرد انتقال مِن حياة لمثلها؟!.

يرى الدكتور ــ فيما نقلناه عنه سابقًا بحروفه عندما قال عن الأنبياء ــ ما نصه: “فهم أحياء في قبورهم حياة حقيقية كحياتهم قبل انتقالهم منها” انتهى كلامه الواضح بحروفه، الصريح بعبارته وألفاظه؛ وضوح الشمس في تسوية الدكتور بين الحياتين، الدنيوية والبرزخية، لا موتَ هنا، ولا فرق هناك، وإنما هو مجرد انتقال مِن حياة لأخرى “حقيقية كحياتهم قبل انتقالهم”، مِن مكانٍ إلى مكانٍ، بلا فرق.

ولم ينصَّ الدكتور هنا على موت النبي صلى الله عليه وسلم صراحة، وإنما أَكْثَرَ مِن تكرار التأكيد على انتقاله صلى الله عليه وسلم، وتأَوَّلَ نصوص القرآن الكريم على غير ظاهرها وحقيقة لفظها، فذكر الآيات القاطعة بموت النبي صلى الله عليه وسلم والتي عَبَّر الله عز وجل فيها بقوله لنبيه صلى الله عليه وسلم: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الخَالِدُونَ} [الأنبياء: 34] {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ} [الزُّمَر: 30]، ومع صراحة قوله سبحانه وتعالى: {أَفَإِن مِّتَّ} وقوله: {إِنَّكَ مَيِّتٌ}؛ فقد ترك الدكتور “الموت” الذي نصَّ عليه القرآن الكريم صراحةً، واختار “الانتقال” الذي لم تذكره الآيات، ولا أرادته أصلا، ولو أرادَ الله عز وجل مجرّد الانتقال لما أعجزه التعبير عنه بلفظٍ فصيحٍ، ومعلومٌ أَنَّ صَرْفَ النصّ عن ظاهره لا يجوز بغير قرينةٍ، وظاهر النص القرآني هنا إثبات الموت لا مجرَّد الانتقال، ولا صارف له عن هذا.
ثم إِنَّ التأويل المذكور للدكتور محضُ رأيٍ بعيدٍ عن ظاهر الآية الكريمة، ولا مجال هنا للخروج عن ظاهر النص وحقيقته إلى معنًى مجازيٍّ؛ لأنَّ الأصل في الكلام الحقيقة لا المجاز؛ إلا لقرينة، ولا يوجد هنا ما يصرف الآيات عن إرادة الحقيقة (الموت) إلى إرادة المجاز (الانتقال المجرَّد).

وفي الحديث: “الأنبياءُ أحياءٌ في قبورهم يُصَلُّون” [5] ، وهي حياةٌ خاصة غير التي نعرفها في الدنيا، وقد قُيِّدت بخصائص ومواضع الحياة البرزخية التي تختلف عن الحياة الدنيا، كالشهداء الذين ثبتت لهم الحياة والرزق عند ربهم بنص القرآن الكريم، لكنها حياةٌ برزخية تختلف عن حياتنا الدنيا، كما قال تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران:169]. فهؤلاء الشهداء قُتِلُوا في سبيل الله عز وجل، وماتوا في الدنيا ودُفِنُوا، لكنهم هناك عند ربهم في حياة أخرى برزخية تختلف عن حياتنا، فلا هم يخرجون للدنيا فيراهم الناس يقظة، ولا هم يملكون مِن أمر دنياهم التي فاتوها شيئًا، فكذلك الحال في الحياة البرزخية الخاصة بالأنبياء مِن حيثُ اختلافها عن حياتنا الدنيا.
فالأمر هنا موتٌ بين حياتين مختلفتين، الأولى: هي الدنيا، والثانية: هي البرزخية، ويمرُّ الإنسان مِن الأولى للثانية عبر بوابة الموت، لا مجرّد الانتقال كما تزعم الصوفية.

وقد علَّق الدكتور على حديث حياة الأنبياء في قبورهم بقوله (ص/7): “ويدل هذا الحديث على أنهم أحياء بأجسادهم وأرواحهم لذِكْر المكان حيثُ قال: (في قبورهم) ولو كانت الحياة للأرواح فقط لما ذَكَر مكان حياتهم، فهم أحياء في قبورهم” انتهى. ولم يستفد الدكتور مِن اطلاعه على تقييد الحديث لهذه الحياة بقوله: “في قبورهم”؛ فأطْلَق الدكتور المقصود بالحياة ، وجعل الحياة في قبورهم “حقيقية كحياتهم قبل انتقالهم” حسب تعبيره هو سابقًا، نعم؛ هي حياة لكن ليست كحياتهم قبل موتهم؛ وإنما هي حياة أخرى قد جاءت الأدلة الشرعية بإثباتها لكن لم تأتِ الأدلة بصفاتها وأشكالها، فما جاءت به الأدلة هو إثبات الحياة، فنؤمن بهذا ولا ننفيه، ولا يُزاد عليه شيءٌ لم ترد به الأدلة، ولا تُقاس الحياة البرزخية على الحياة الدنيا؛ للاختلاف الحاصل بين الحياتين، فهذه دنيا والأخرى برزخية، والدنيا معلومة معروفة، والبرزخية غيبٌ لا يُعلم بغير دليل من الكتاب أو السنة.
وقد كانت جميع هذه النصوص أمام نظر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأفضل الأمة، وأعلمها، بعده صلى الله عليه وسلم، ولم يفهم منها أحدٌ ما تزعمه الصوفية وتدَّعيه، بل ومات النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه، فاعتقدوا موته صلى الله عليه وسلم، وصرَّحوا بهذا قبل أن تنشأ الصوفية فتناقض الشرع والواقع وتزعم أنه لم يمت وإنما انتقل مِن حياة لمثلها!.

وفي الحديث: عن أم المؤمنين عائشةَ رضي الله عنها، زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، مَاتَ وَأَبُو بَكْرٍ بِالسُّنْحِ، ــ قَالَ إِسْمَاعِيلُ [6]: يَعْنِي: بِالعَالِيَةِ ــ فَقَامَ عُمَرُ يَقُولُ: وَاللَّهِ مَا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: وَقَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ مَا كَانَ يَقَعُ فِي نَفْسِي إِلَّا ذَاكَ، وَلَيَبْعَثَنَّهُ اللَّهُ، فَلَيَقْطَعَنَّ أَيْدِيَ رِجَالٍ وَأَرْجُلَهُمْ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ “ فَكَشَفَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَبَّلَهُ، قَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، طِبْتَ حَيًّا وَمَيِّتًا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ يُذِيقُكَ اللَّهُ المَوْتَتَيْنِ أَبَدًا، ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ: أَيُّهَا الحَالِفُ عَلَى رِسْلِكَ، فَلَمَّا تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ جَلَسَ عُمَرُ، فَحَمِدَ اللَّهَ أَبُو بَكْرٍ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: أَلا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لاَ يَمُوتُ، وَقَالَ: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر:30]، وَقَالَ: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران:144]، قَالَ: فَنَشَجَ النَّاسُ يَبْكُونَ” زاد في رواية: “ثُمَّ لَقَدْ بَصَّرَ أَبُو بَكْرٍ النَّاسَ الهُدَى، وَعَرَّفَهُمُ الحَقَّ الَّذِي عَلَيْهِمْ وَخَرَجُوا بِهِ، يَتْلُونَ {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ، قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} [آل عمران: 144] {إِلَى الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144]” [7].

وقد تناقلت الأمة هذا الحديث (وما يجري مجراه) جيلا بعد جيل، كلهم يُؤمن بموت النبي صلى الله عليه وسلم، حقيقة، لا خلاف بين أحدٍ من أهل الفضل والعلم في ذلك، وعلى هذا أجمعت الأمة من زمن الصحابة منذ مات النبي صلى الله عليه وسلم بينهم، ودفنوه بأيديهم، صلى الله عليه وسلم، وإلى عصرنا هذا، لم يشذّ إلا الصوفية ومَن ورَّطته في ورطتها تلك القائلة بمجرَّد انتقال النبي صلى الله عليه وسلم مِن حياة لمثلها بلا اختلاف، فهو بنظرهم لا يزال على اتصاله بأمته صلى الله عليه وسلم كما كان قبل انتقاله، وما تركه (في نظرهم) فهو باقٍ على مِلْكِه.

ثم إن الدكتور قد وضع موضوع “حياة الأنبياء” في كتابه (ص/5 ــ 8) ليكون تمهيدًا وتوطئةً للموضوع الذي ذَكَرَهُ بعده (ص/8) في ادِّعائه جواز رؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظة؛ إِذ الثاني كالفَرْعِ بالنسبةِ للأول ومُرَتَّبٌ عليه؛ ولهذا رأينا الدكتور حين تكلم عن حياة النبي صلى الله عليه وسلم في قَبْرِه أضاف إلى السؤال (ص/5) ما نصه: “وما مدى أثر تلك الحياة علينا في حياتنا الدنيا؟” أهـ . وهذه الإضافة هي في الحقيقة غرض الدكتور مِن هذا الموضوع كله، بدليل أَنَّنا رأيناه (ص/7) يقرر أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم حيٌّ في قبرِه إلى أنْ يقول: “متصلاً بأمتِه، يستغفر لهم، ويشفع لهم عند الله، ويرد عليهم السلام، وغير ذلك الكثير” انتهى كلام الدكتور.

وهو بهذا يهتبل (يغتنم) بعض ما وردَ في الروايات، وما ثبتَ مِن حياة النبي صلى الله عليه وسلم في قبره حياةً برزخية ليضيف إليها ما لا يثبت ولم ترد به النصوص الشرعية، بل ولم يذكر هو نفسه له دليلا، وختم كلامه بقوله: “وغير ذلك الكثير” أهـ ليتسنى لأيِّ أحدٍ إضافة المزيد والمزيد متى وكيف شاء بناءً على هذا التأصيل المنقوض لعدم وجود الأدلة عليه.

ويعود الدكتور ليؤكِّد ويُصِرّ على استبعاد التعبير القرآني بالموت، ومخالفة النصوص الصريحة، في ذلك، حيثُ يقول في كتابه (ص/26): “س6: هل يجوز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلمفي الدعاء بعد انتقاله؟” أهـ. ويقول الدكتور في (ص/27) التعبير الآتي: “..حياته صلى الله عليه وسلموانتقاله الشريف صلى الله عليه وسلم” أهـ. وفي السطر الذي يليه مرة أخرى يقول الدكتور: “في حياته وبعد انتقاله صلى الله عليه وسلم” أهـ. وبعده بقليل يقول الدكتور مرة أخرى: “أم انتهت بانتقال النبي صلى الله عليه وسلم” أهـ. وفي (ص/29) في إجابته على نفس السؤال يقول الدكتور: “بعد انتقال النبي صلى الله عليه وسلم” أهـ. وفي (ص/35) من نفس الإجابة يقول الدكتور: “والدعاء بعد انتقاله الشريف صلى الله عليه وسلم” أهـ. وكما بدأ السؤال بهذا التعبير يُنْهِي الدكتور الإجابة عليه بالتعبير نفسه فيقول (ص/36) في أثناء الفقرة الأخيرة من إجابته على السؤال المذكور: “في حياته وبعد انتقاله صلى الله عليه وسلم” أهـ.

فهذه سبعة مواطن في إجابة سؤال واحد فقط، استخدم فيها الدكتور التعبير (المخترع) بالانتقال، في الوقت الذي لم يستخدم فيه التعبير القرآني ولو مرة واحدة من بين هذه المواطن السبعة!.
وخلاصة الأمر أن الدكتور علي جمعة (من خلال كلامه السابق) لا يعترف بموت النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما يرى أن المسألة مجرد انتقال من حياة إلى حياة أخرى، وهي حسب تعبيره: “حقيقية كحياتهم قبل انتقالهم منها”، ويُؤكد الدكتور على مذهبه هذا بتصريحه باتصال النبي صلى الله عليه وسلم بأمته وهو في قبره حسب قوله السابق بما نصه: “متصلاً بأمتِه، يستغفر لهم، ويشفع لهم عند الله، ويرد عليهم السلام، وغير ذلك الكثير” أهـ. والتعبير بالاتصال هنا ليس جزافًا وإنما يشي بكثيرٍ مِن المعاني، خاصة إذا وضعناه بجوار قوله: “وغير ذلك الكثير”، وقوله: “فهم أحياء في قبورهم حياة حقيقة كحياتهم قبل انتقالهم منها” أهــ.

فهناك انتقال من الدنيا، بعده اتصال بالأمة، وحياة كحياتهم الدنيا، فهي حياة واحدة فيها اتصال “وغير ذلك الكثير”، وكلها تأكيدات واضحة الدلالة على أن الدكتور لا يؤمن بموت النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه لا يُفرّق بين حياته صلى الله عليه وسلم في الدنيا، وحياته في قبره بعد موته صلى الله عليه وسلم.
وهي حياة للجسد والروح معًا حسبما سبق في كلام الدكتور حين قال بأنهم “أحياء بأجسادهم وأرواحهم” أهـ.
فنحن لم نفقد من الرسول صلى الله عليه وسلم سوى الجسد فقط، وكل شيءٍ آخر فهو على ما هو عليه؛ أو كما يقول الدكتور في كتابه عن “النبي صلى الله عليه وسلم” [8]: “فلْنُسَلِّ أنفسنا بفقدنا لرسول الله جسدًا؛ إنما تشريعه وروحه وبقاؤه يستغفر للأمة فهو باقٍ إلى يوم القيامة والحمد لله رب العالمين،{وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَآءُوكَ} [النساء: 64] جاءوك بالصلاة عليك، أو جاءوك في عالم الأشياء بالإتيان إليك {فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا}” أهـ.
فانظر إليه يقول: “بفقدنا لرسول الله جسدًا؛ إنما تشريعه وروحه وبقاؤه يستغفر للأمة فهو باقٍ إلى يوم القيامة” أهـ.
فالدكتور يقرر حياة الجسد، ويقرر في الوقت نفسه أننا فقدناه، كما يقرر في الوقت نفسه جواز رؤيته صلى الله عليه وسلم يقظة، وهنا يأتي السؤال: ما دمنا فقدنا الجسد الشريف بالانتقال حسب نظرية الصوفية التي يتبناها الدكتور، فكيف سيظهر لنا النبي صلى الله عليه وسلم يقظة؟ والإجابة هنا مريرة لأنها باختصار: سيظهر بأي صورةٍ وبأي جسدٍ كان، مما يفتح الباب واسعًا أمام كل مَن أراد ادِّعاء رؤيته صلى الله عليه وسلم يقظة، وفي أي شكلٍ مِن الأشكال.

وقد وجدنا الدكتور يقرر قضية الانتقال في كلامه على السؤال المشار إليه آنفًا، ثم ذكرَ بعده الكلام في جواز رؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظةً!، فكان الأول بمثابة التمهيد للثاني؛ أي مجرد الانتقال بمثابة جواز الرؤية يقظة؛ لأن المسألة هنا مجرَّد انتقال، فما الذي يمنع الرؤية يقظة؟! لأنَّ الذي انتقل مِن مكانٍ يمكنه الرجوع إليه متى أراد؛ فيمكن للنبي صلى الله عليه وسلم حسب النظرية الصوفية العودة للدنيا والظهور لأهلها ثانية، يقظة لا منامًا فقط، ويسمع كلامهم ويكلمهم، كما هو شأن الأحياء، وللصوفية في هذا حكايات موحشة لم يقل بها قط واحدٌ مِن الصحابة الكرام، أو أئمة الإسلام المعتبرين أمثال أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد والليث بن سعد وابن حزم وابن عبد البر والبيهقي وغيرهم.

نعم؛ ففي الصوفية مَن يرى النبي صلى الله عليه وسلم هو القطب الذي تدور عليه أفلاكُ الوجود مِن أوله إلى آخره، وهو واحد منذ كان الوجود إلى أبد الآبدين، له تنوُّعٌ في ملابس ويظهر في كنائس!، فيُسمَّى به باعتبار لباس، ولا يُسمَّى به باعتبار لباس آخر، فاسمه الأصلي الذي هو له محمد، وكنيته أبو القاسم، ووصفه عبد الله، ولقبه شمس الدين، ثم له باعتبار ملابس أخرى أسام، وله في كل زمان اسمٌ ما يليق بلباسه في ذلك الزمان.
فالنبي صلى الله عليه وسلم حسْب هذه النظرية الصوفية ليس واحدًا في صورته، وإنما هو جميع البشر، مسلمهم وغير مسلمهم، فله أسماء كثيرة بعدد أسماء الإنسان، وله صور كثيرة بعدد صور الناس كلهم، وإِنْ كان اسمه الأصلي هو محمد.

وخلاصة النظرية باختصار: ظهور النبي صلى الله عليه وسلم يقظة في أي شكلٍ أو اسمٍ كان، وبأي صورة كانت!.
ولم يبتعد الدكتور عن هذه النظرية الصوفية أيضًا؛ حيثُ أكَّدَ رؤيته للنبي صلى الله عليه وسلم يقظةً في أكثر مِن مناسبة، ورأيتُ له “فيديو” منشور على “الإنترنت” في هذا الصدد، وكذا قال في حواره مع “شبكة إسلام أون لاين”، ما نصه: “قد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في اليقظة، فما الذي يريدونه.. أن أكذب؛ أقول إنني لم أر النبي صلى الله عليه وسلم في اليقظة وقد رأيته؟.. لن أكذب” أهـ إلى أن قال الدكتور: “ونحن لا نتبع الغوغاء، وإنما نتبع العلماء، والعلماء أقروا برؤية النبي يقظة، وقد بينت هذا في كتاب (البيان) ووسعت النقولات عن العلماء فيه؛ لكنهم لا يقرءون ولا يريدون أن يقرءوا” انتهى بحروفه [9].

وفي “المصري اليوم” بتاريخ 16/ 5/ 2007 خبرًا تحت عنوان: “انتقادات لكتاب (الفتاوي العصرية) لجمعة ومناشدة الأزهر إعادة فحصه ومراجعته”، وجاء في هذه الانتقادات للكتاب المذكور: “وفي صفحة 174 أكد جمعة أنه رأي رسول الله صلي الله عليه وسلم في اليقظة وقال: كنت منشغلا بقراءة السيرة النبوية العطرة، وقرأت كثيرا جدا حوالي أربعين كتابًا متتاليًا فكأني عشت في جو الرسول فرأيته في المنام ثم رأيته في اليقظة داخلا عَلَيَّ مرتديا عباءة، وقد قال صلي الله عليه وسلم [10]: “من رآني في المنام فسيراني في اليقظة”، وقال أيضًا: “من رآني فقد رآني حقا فإن الشيطان لا يتمثل بي”، وأنا رأيته في المنام وفي اليقظة” انتهى بحروفه([11]).
وقد تعرَّضَ الدكتور لهذه المسألة في كتابه “البيان القويم لتصحيح بعض المفاهيم” (ص/8 ــ 13 س3) فقَرَّرَ جواز رؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظةً.
وكان الدكتور قد قال في كتابه “البيان” (ص/4) عن النبي صلى الله عليه وسلم، ما نصه: “وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هو عنوان الإنسانية، بل هو الإنسان الكامل” أهـ.

وحتى نفهم كلام الدكتور، فهمًا دقيقًا؛ كان لابد من العودة إلى مصطلحات الصوفية التي ينتمي إليها الدكتور، لنعرف مراده بالإنسان الكامل، ونرى هل هي مجرد إطلاقات لفظية لا يقصد من ورائها شيئًا؟ أم أنها اشتملتْ على معانٍ صوفيةٍ معينة؛ وما هي هذه المعاني؟ لأنه يلزم لفهم أي إنسانٍ أن نذهب لطائفته التي ينتمي إليها، ومحيطه الذي يسير بداخله، ثم نربط ذلك بتصرُّفاته وأقواله العلمية.
وقد ذهبنا إلى الصوفية التي ينتمي إليها الدكتور ويدافع عنها، فوجدنا تفسير هذا المصطلح عند أئمتهم، بل أَلَّفَ الجيلي ــ وهو أحد أئمة الصوفية المعروفين ــ كتابًا سمَّاه بهذا الاسم: “الإنسان الكامل”، وفسَّر الجيلي هذا المصطلح الصوفي بما نصه: “اعلم حفظك الله أَنَّ الإنسان الكامل هو القطب الذي تدور عليه أفلاكُ الوجود مِن أوله إلى آخره، وهو واحد منذ كان الوجود إلى أبد الآبدين، ثم له تنوُّعٌ في ملابس ويظهر في كنائس!، فيُسمَّى به باعتبار لباس، ولا يُسمَّى به باعتبار لباس آخر، فاسمه الأصلي الذي هو له محمد، وكنيته أبو القاسم، ووصفه عبد الله، ولقبه شمس الدين، ثم له باعتبار ملابس أخرى أسام، وله في كل زمان اسمٌ ما يليق بلباسه في ذلك الزمان، فقد اجتمعتُ به صلى الله عليه وسلم وهو في صورة شيخي الشيخ شرف الدين إسماعيل الجبرتي، ولستُ أَعْلَم أنه النبي صلى الله عليه وسلم، وكنتُ أَعْلَم أنه الشيخ، وهذا مِن جملة مشاهد شاهدتُه فيها بزبيد سنة ستٍّ وتسعين وسبعمائة، وسرُّ هذا الأمر: تمكُّنه صلى الله عليه وسلم مِن التصوِّر بكل صورةٍ” انتهى بحروفه من كتاب “الإنسان الكامل” للجيلي([12]).

فالإنسان الكامل عندهم هو نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم، وهو في الوقت نفسه كل الإنسان منذ كان الوجود وإلى أبد الآبدين، فالنبي صلى الله عليه وسلم هو جميع الإنسان، له صورٌ عديدةٌ، وأسماء مختلفة، وله في كلِّ زمانٍ اسمٌ يليق بلباسه في ذلك الزمان حسبما ترى الصوفية، فيمكن على هذا أَنْ يراه الإنسان في صورة أخيه أو أبيه أو ولده أو غيرهم مِن بني الإنسان، سواء أكانوا من أقاربه أم من مشايخه أو غيرهم مِن الناس، كما يمكن أن يظهر في كنائس كما قال الجيلي الصوفي، وبناءً على كلامهم في اختلاف الأسماء باعتبار لباس أخرى يمكن لهم ادعاء رؤيته يلبس عباءة، أو غيرها من أنواع اللباس وأشكاله المعروفة في هذا العصر.
فهذا هو الإنسان الكامل في عُرْف الصوفية، فأينما نظرتَ فلن تجد سوى النبي صلى الله عليه وسلم، وأينما اتجهتَ فلن تكلِّم سواه، وبهذا فمن الضروري عندهم أن تحصل رؤيته صلى الله عليه وسلم يقظةً؛ بل قال الصوفي المعروف أبو الحسن الشاذلي: “لو حُجب عني النبي صلى الله عليه وسلم طرفة عين ما عددت نفسي من المسلمين” أهـ.

وقال السيوطي: “إنَّ جماعة من أئمة الشريعة مضوا على أَنَّ مِن كرامة الولي أنه يرى النبي صلى الله عليه وسلم ويجتمع به في اليقظة ويأخذ ما قسم له مِن معارف ومواهب” أهـ [13]. ونَسَبَ السيوطي هذا القول لجماعةٍ ذكرهم عنده.
وقد استفزَّتْ أمثال هذه العقائد عددًا مِن أهل العلم والفضل، الذين كتبوا في إبطالها، وأغلظ بعضهم القول فيها، حتى قال الإمام الصنعاني: “فإِنْ لم يكن هذا القول مِن أقوال أهل الجنون وإِلَّا فلا جنون في الأكوان” أهـ إلى أن قال: “والحاصل أنَّ هذا كلامٌ لا يجري [14] به أقلامُ مَن لهم عقول، فضلا عمَّن يعرف أثارة مِن علمِ معقولٍ أو منقول”أهـ [15]. “
وقولُ الإمام الصنعاني هذا يدلك على شناعة الرأي الصوفي المشار إليه حول النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنّ مذهبهم قد تجاوز كل الحدود العلمية والعقلية، ودخل في محيط ما لا تجري به أقلام مَن لهم عقول حسبما يرى الإمام الصنعاني.

وعلى هذه النظرية: فقد صار الناس كلهم أنبياء في نظر الصوفية، مسلمهم وكافرهم، فكلهم صور مِن صور النبي صلى الله عليه وسلم ، فيظهر في المسلمين كما يمكن أن يظهر في كنائس!، يعني أنك قد تتفاجأ بأحد النصارى يدعي أنه نبيك، فيكون مُحقًّا في دعواه حسب وجهة نظر الصوفية التي ترى جميع الإنسان مجرد صور للنبي صلى الله عليه وسلم، بما فيهم غير المسلمين.
ولعل القارئ الآن قد عرف سرًّا مِن أسرار إعجاب الغرب بالصوفية وتشجيعهم لها! ولم لا؛ وقد جعلتهم جميعًا أنبياء حسب نظرية “الإنسان الكامل” الصوفية؟!.

ولا يشك أحدٌ في عصمة النبي صلى الله عليه وسلم ؛ وكماله دينًا وعقلا وخُلقًا وفي كل شيء، صلوات الله وسلامه عليه؛ لكن للصوفية تفسيرها الخاص للكمال، أو للإنسان الكامل، فالإنسان الكامل عندها يختلف عنه عند غيرها، فماذا لو كانت الصوفية هي التي يصرح الدكتور مرارًا بانتمائه إليها، ودفاعه عنها؟!.
وهل بعد كل هذا يصح قول الدكتور: “التصوف هو الدين رغم أنف المنكرين”؟ أم يفرح القراء بعدما صاروا جميعًا أنبياء حسب النظرية الصوفية؟.
فاللهم عفوك ورضاك، لا رب لنا سواك، أنت مولانا وحسبنا ونعم الوكيل.


----------------------------------------------------
[1] عنوان الخبر على موقع “اليوم السابع”:
http://www1.youm7.com/News.asp?NewsID=582635&SecID=97
[2] والمشترك اللفظي: هو اللفظ الدال على أكثر من معنًى، وينظر له: “الإحكام” لابن حزم (3/3)، “المستصفى” للغزالي (240)، “أصول السرخسي” (1/126)، “المحصول” لابن العربي (76)، “أصول الفقه” للزحيلي (1/283).
[3] انظر: ما حكاه الشيخ الألباني رحمه الله في “سلسلة الأحاديث الصحيحة” (2: 187 رقم 621). ويتفق معهم السبكي في الحياة ويناقضهم في صفات الأجسام؛ فيقول السيوطي في “الحاوي” (2/152): “حياة الأنبياء والشهداء في القبر كحياتهم في الدنيا، ويشهد له صلاة موسى في قبره؛ فإنّ الصلاة تستدعي جسدًا حيًّا، وكذلك الصفات المذكورة في الأنبياء ليلة الإسراء كلها صفات الأجسام، ولا يلزم من كونها حياة حقيقة أن تكون الأبدان معها كما كانت في الدنيا من الاحتياج إلى الطعام والشراب، وأما الإدراكات كالعلم والسماع فلا شك أن ذلك ثابتٌ لهم ولسائر الموتى انتهى” أهـ. وما يلزم في نظر السبكي ليس بلازمٍ حقيقة؛ كوننا لا نتكلم عن الحياة المعهودة في الدنيا، وإنما الكلام عن الحياة البرزخية، بخصائصها وأشكالها التي لا يُتَوَصَّل إليها بغير دليل من الكتاب والسنة؛ فهي غيبٌ لا يمكن الوصول إليه بغير الدليل، ولو أجرينا إلزامه وكلامه بإطلاق لقلنا: يلزم حاجة الأجسام للأكل والشرب خلافًا لما قرَّره هو؛ وإلا ضعفت الأجسام عن القيام بعد فترة؛ ولا فرق بين هذا وغيره من الصفات التي ذكرها السبكي أو غيره، وقد صرَّح بعض الصوفية بما هو أكثر وأشنع من هذا، كما نقلناه وننقله بعدُ، ولو جاريناهم على هذا فمن أين سيأتي الطعام والشراب؟ إن قالوا: من خارج الحياة البرزخية شابهوا النصارى الذين يقولون بقيام المسيح عليه السلام، وعودته للدنيا مرة أخرى، وإن قالوا بالفرق بين الدنيا والبرزخ؛ قلنا: يلزمكم التفريق في الكلِّ، وكذلك نقول: بأن للدنيا خصائصها وللبرزخ خصائصه، والنقل والعقل يؤكدان افتراق الحياتين فيما بينهما، وأما صلاة موسى عليه السلام في قبره، وغير ذلك مما رآه النبي صلى الله عليه وسلم في رحلة الإسراء والمعراج؛ فهي معجزات أقامها الله عز وجل، تأييدًا له، فهي من خصائصه ومعجزاته صلوات الله عليه، ومعلومٌ أن القبر على حالته المعهودة في الدنيا لا يتسع لصلاة موسى عليه السلام فيه قائمًا، لكننا نؤمن بذلك لورود النصّ به في (صحيح مسلم) (172)، وهذا قطعًا يختلف عن المعهود في الدنيا، لكنها لم تقع في الدنيا فلا مجال لقياس الحاضر على الغيب، والمعهود المشهود على الغائب غير المنظور.
[4] “فيض القدير” للمناوي (3/400).
[5] رواه أبو يعلى (3425)، والبزار (6888)، والبيهقي في كتاب “حياة الأنبياء في قبورهم” (ص/69).
[6] شيخ البخاري.
[7] رواه البخاري (3667 ـ 3670).
[8] كتاب “النبي صلى الله عليه وسلم” (ص/18) ط: شركة الوابل الصيب، الطبعة الثانية، 1430 ـ 2009م. وهو مجموعة خطب للدكتور.
[9] موقع إسلام أون لاين.
[10] وقد رددتُ في غير هذا الموضع على الاستدلال بهذا الحديث، وبينتُ معناه الصحيح بما يغني عن إعادته هنا الآن حتى لا نخرج عن الموضوع.
[11] موقع جريدة “المصري اليوم”.
[12] “الإنسان الكامل في معرفة الأوائل والأواخر” تأليف عبد الكريم بن إبراهيم الجيلي 767 – 805هـ (2/74) طبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، الطبعة الرابعة سنة 1404هـ - 1981م.
[13] انظر: “نزول عيسى بن مريم آخر الزمان” للسيوطي (ص:44) تحقيق: محمد عبد القادر عطا، الناشر: دار الكتب العلمية بيروت لبنان. وانظر: “الإنصاف في حقيقة الأولياء” للصنعاني (ص/125).
[14] كذا في مطبوع “الإنصاف”، والأشبه: “تجري”.
[15] “الإنصاف في حقيقة الأولياء وما لهم من الكرامات والألطاف” للصنعاني (ص/124، 126) تحقيق عبدالرزاق البدر، الناشر: دار ابن عفان.

 

المصدر: جريدة الشعب الإلكترونية
  • 3
  • 3
  • 27,219

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً