رسائل إلى أرض الشام

منذ 2012-03-24

أرض الشام، تلك الأرض المباركة التي شرفها الله بمجموعة من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وبها ثالث المسجدين الشريفين المسجد الأقصى فك الله أسره...


أرض الشام، تلك الأرض المباركة التي شرفها الله بمجموعة من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وبها ثالث المسجدين الشريفين المسجد الأقصى فك الله أسره؛ قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه: «صفوة الله من أرضه الشام، وفيها صفوته من خلقه وعباده، ولتدخلن الجنة من أمتي ثلة لا حساب عليهم ولا عذاب» [أخرجه الطبراني وصححه الألباني].

الشام الآن تنزف وتئن على أولادها وشبابها الذين يقتلون ظلماً وعدواناً صباح مساء؛ تيتم أطفالهم ورملت نساؤهم، وحرموا من المطعم والمشرب والمأمن، وغرقوا، واستبيحت دماؤهم، وانتهكت أعراضهم، والأمة تشاهد أهل الشام يفعل بهم كل ذلك في الوقت الذي قال عنهم رسول الله صلى الله عله وسلم عن قرة بن إياس: «إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم، لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة» [أخرجه أحمد والترمذي].

فأنتم على حق يا أهلنا في الشام وفي رباط، والله عز وجل تكفل بكم وبأرضكم الشام، فاصبروا فإنه من يرد الله به خيرا يصب منه، وهذا بلاء عظيم..

أعلم أنه طالت عليكم هذه المصائب، وطال علينا كذلك بغمنا وأنيننا عليكم، ولكن حسبنا قول الله تعالى: {إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 111].

لقد جاءت فرصة الجهاد إليكم يا أهلنا في سوريا الحبيبة فلا تضيعوها مثلما أضاعتها وسائل الإعلام المغيبة، فرصة جهادية تستلزم عليكم تطهير أنفسكم والتوبة إلى الله والعمل الصالح والجهاد كل على استطاعته.

إني ليحزنني اشتداد كربكم ودورة الدوائر بكم، وكثرة نزفكم، ولكن بشراكم، فإن الله يحب أن يزين جنته بالشهداء؛ كي لا تغيب البسمة التي عهدناها على وجوه ضحاياكم الأبرار، إنها بسمة البشرى القادمة، بسمة الصدق الكامل والإخلاص العميم، تترك بيننا من آثارهم الكريمة نبراسا يحتذى، وسبيلا يقتدى.

لقد ابتليت أمتنا لعقود متتابعة بأنظمة جائرة حبستها وعذبتها، حتى لم تترك لعالم ولا صالح مكانا، بل كتمت في صدورهم صرخات الإصلاح والنهوض، فصارت شعوبنا أيدٍ مكبلة، وقلب يغلي، وصارت إرادة مهزومة، وعزيمة مثبطة، لكن هناك دوما بصيص نور من بعيد، وأراه يأتينا الآن في سوريا من هذه البسمة البيضاء على شفاة الشهيد.


إن ابتلاءكم يا أهل سوريا يدعوكم ويدعو كل صادق أن يقدم ما استطاع من خير، باذلا معطاء، فلا خير فيمن يوك أو يدخر، ولا خير فيمن يمنع ويحبس، ولا خير فيمن يتباطأ أو يتخاذل.. إنها ساعة البدار ولحظة العطاء.

ويا أختي الغالية الثكلى المكروبة، يا كل أم فقدت وليدها، لقد أعظم الله لك الأجر، ورفع القدر، وأعلى لك المكانة.

إن الراحة يا أختاه والهناءة الحقيقة إنما هي في المستقر الأعلى، والخلد الأسمى، لذلك أمرنا هاهنا أن نصبر، وأمرنا أن نرضى بالقضاء وأن نحمد ونسأل الله العفو والعافية والمعافاة في كل حال، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وما أعطى أحد عطاءً خيراً ولا أوسع من الصبر» [أخرجه مسلم].

إن ثقلت بك الهموم يا أختاه فتذكري أم الشهيد في فلسطين، ومصر، وليبيا وتونس، وكل بقعة من بقاع الإسلام، لقد سبقوك في الاختبار، وانتظروا أن يحفكم جميعا تاج الوقار.

اصبري فإن الألم قصير، والفرحة أبدية، وهي من عند الله، والصبر إيمان بالقضاء والقدر، والفتنة لم تقدر عليك أيتها الكريمة لتهلكك، ولا لتعذبك، بل لتبتليك وتختبرك، وليمتحن إيمانك، وليعلم المسلم أن الدنيا دار أكدار وأحزان ليس فيها لذة على الحقيقة.


إن المحن رحم المنح، والمصائب مقدمة الانتصار، والاختبارات مدخل للقربى وبداية للإصلاح وتبدل الأحوال، والمصائب إذا صبر الإنسان عليها تقرب من الله أكثر وأكثر، وتبدل حاله للصلاح، واستعد للقاء الله بصالح الأعمال، وذكر الله تعالى، وكثرة الاستغفار فهو سبحانه فك كرب كل مكروب، ومعين كل طالب صابر.

ورسالة أخرى إلى الجيش الحر، جيش الأحرار، لقد بصركم الله بالانشقاق على جيش السفاح العلوي النصيري، ونحسب أنكم أهل لهذا الاصطفاء والله حسيبكم، فكونوا في مرضاة الله وقووا عزائمكم بكتاب الله، واجعلوه شعاركم قول الله تعالى: {مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً} [الأحزاب: ٢٣].

يكفيكم أنكم من المجاهدين المرابطين في سبيل الله ممن ذكرهم الله جل وعلا بالخير والأجر الكبير.


ولقد حكت لنا كتب السنة المشرفة وكتب السير كثيراً عن أجدادنا المجاهدين ممن سبقونا إلى الله، وعن حياتهم وجهادهم في سبيل الله، وكيف أن منهم كثيراً ممن وجدوا رائحة الجنة قبل أن يموت، وأخبر أصحابه بها، ومنهم من رأى الرضوان والهناء، فلا ترضوا بأقل من العلا الذي أراده الله لكم، ففي الحديث الصحيح: «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله»، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة» [أخرجه البخاري]، فلتكن رايتكم هي إعلاء كلمة الله كي تنقوا أنفسكم من كل شائبة من شوائب الدنيا ومناصبها وزلاتها.

أما بشار فرسالة إليه أيضا، فقد حكم ولم يعدل وهتك ولم يستر، وكسر ولم يجبر؛ وأثبت أنه لا يرى ولا يسمع ولا يفقه وأنه أضل من الثور الهائج.

انظر كيف أضاع دنياه وأخراه، مثلما فعل أبوه، أباد شعبه مقابل نفسه، حقا إنها ذرية بعضها من بعض..


لقد استرعاك الله رعية هم في رقبتك، فلم تحكم فيهم بما يرضى الله عز وجل، ولم تتعلم في الأساس واجبات الحاكم فلا يجدي معك تذكيرك بأداء أحد من الصالحين ممن حكموا المسلمين..

ثم رسالة إلى العمائم الجالسة بجوار النظام السفاح، أي علم لديهم هذا وأي فقه، بل أكاد أقول وأي ملة تنتمون إليها وأنتم ترون بني جلدتكم يبادون بمباركتكم وصمتكم، لقد فقتم يا علماء السلطان الجهال والحمقى فهم تلاميذ صغار بالنسبة لجبروتكم وافترائكم.


كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه: «اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فشق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به»، فاللهم اشقق على السفاح بشار بما يستحق من الشقاء والضيق، لا عاش ولا عاش اسمه ولا عاش ذكره.

ثم رسالة إلى كل المسلمين في كل البقاع أذكرهم فيها بواجبهم تجاه إخوانهم، فلا تنسوهم بالتضرع بالدعاء إلى الله أن يفرج همهم ويرفع البلاء عنهم، وألا تبخلوا عليهم بتقديم المساعدات المادية والعينية من مال وغذاء ودواء وفرش وكساء، ابذلوا لهم وشاركوهم آلامهم، وضمدوا جراحهم، واحنوا على يتيمهم وثكلاهم، وانصروهم لعل الله ينصركم بهم..


هبة الله شتا - 25/4/1433 هـ
 

  • 7
  • 0
  • 3,102

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً