العرب في أوراق الكيان الصهيوني

منذ 2012-03-26

مازلنا نحاول معا القراءة في أوراق الكيان الصهيوني لندرك نقاط قوته وضعفه، ونعرف رؤيته وخياراته المختلفة، في محاولة منا لصياغة رؤية واقعية لكيفية التعامل معه..


مازلنا نحاول معا القراءة في أوراق الكيان الصهيوني لندرك نقاط قوته وضعفه، ونعرف رؤيته وخياراته المختلفة، في محاولة منا لصياغة رؤية واقعية لكيفية التعامل معه. وفي هذه المرة نفتح ورقة جديدة ألا وهي رؤية الكيان الصهيوني لكيفية التعامل مع خصومه العرب.

يجب علينا أن ندرك وجود سياستين لاحتلال الأراضي إحداهما هي الاحتلال الاستيطاني الإحلالي حيث يقوم المحتل بقتل المستوطنين الأصليين، تماما كما فعلت الولايات المتحدة مع الهنود الحمر، وفعل الكاثوليك مع المسلمين في الأندلس، والثانية هي احتلال موارد و مقدرات الأمة حيث يقوم المحتل في هذا النوع بالسيطرة الفكرية على الأمة وممارسة ألاعيب سياسية معها ليجعلها خادما مطيعا لأهدافه، تماما كما يحدث الآن في أغلب بقاع الأمة الإسلامية.

فأي السبيلين اتبع الكيان الصهيوني في صراعه مع الأمة الإسلامية؟
أدرك اليهود حقيقة لا جدال فيها وهي أن حجمهم السكاني أقل عددا بكثير من خصومهم العرب خصوصا والمسلمين عموما، فوضعوا نصب أعينهم أهمية حصر المعركة المباشرة مع شعب فلسطين كمرحلة أولى، والقيام بالسيطرة الفكرية على بقية الأمة و جعلها تعمل من خلال خطة العدو لصعوبة المواجهة المباشرة مع مليار مسلم أو على الأقل مع مئات الملايين من العرب.

و ما هي الرؤية العامة المتبعة من قبل الكيان الصهيوني داخل فلسطين وخارجها؟
في الداخل الفلسطيني، قام الكيان الصهيوني بممارسة الاحتلال الاستيطاني في أقسى صوره، و أتوا بكل الفظائع التي يعجز المرء عن وصفها من قتل و تشريد و تجويع و تدمير ومذابح جماعية. كل ذلك بوضوح من أجل تهجير أهل فلسطين وإضعاف روح المقاومة بداخلهم لإخلاء الأرض للمحتل الجديد.

أما عن خارج فلسطين، فلا يمكن للكيان الصهيوني أن يخوض حربا مع مليار مسلم يعتبرون التفريط في فلسطين عموما والمسجد الأقصى خصوصا أمرا غير قابل للنقاش. ولذلك حرص الكيان الصهيوني على أن تفقد قضية فلسطين بعدها الإسلامي. فتم له عزل الأمة بتحويل قضية فلسطين من قضية إسلامية إلى قضية صراع عربي - إسرائيلي، و بذلك يقوم بتحييد ما يقارب من 70 - 80% من المسلمين.

وليس ذلك فحسب، بل هذه الخطوة تضمن له أن قضية فلسطين لم تعد من الثوابت، فعندما تسقط البعد الإسلامي للقضية تصبح أمرا يمكن التفاوض عليه. وما قبلت التفاوض عليه اليوم، سترضى بالتنازل عنه غدا. فالقضية الإسلامية هي قضية حق وباطل لا تقبل التفاوض أو التمييع. كما أنها تبعث الروح في الأمة و تحيي فيها روح الإيمان والتضحية. أما القضية القومية فهي قضية ستنتهي عاجلا أو آجلا، فكم من قوم تركوا أهلهم يظلمون من أجل مصالحهم الشخصية.

وماذا عن التعامل مع المواجهة العربية الصهيونية؟
بعد أن تحولت القضية الإسلامية إلى صراع عربي - إسرائيلي، بدأت إسرائيل تخترق الصف العربي وتخرج الدول من المعادلة، دولة على إثر دولة. ألم أقل لك أن الخسارة الفادحة حقيقة هي خسارة الهوية التي تسمح بعدها بفقدان كل شيء. وما أسهل تمزيق العرب أنفسهم إلى دويلات متناحرة بعد أن شربوا من كأس القومية لبعض الوقت.

هل اكتفى الكيان الصهيوني بالسيطرة على فلسطين وبدأ حياة طبيعية مع دول المنطقة؟
لم تكتفي إسرائيل بخروج أي دولة من الصراع بل بذلت أقصى وسعها في إضعاف خصومها حتى بعد خروجهم من المعادلة. ولنا فيما حدث لمصر أوضح مثال على ذلك، إذ كان مبارك كنزهم الاستراتيجي، ورغم ذلك عملوا على تحطيم مصر زراعيا و اقتصاديا وعسكريا وبنيويا وعلى أن تفقد مصر ريادتها العربية و الإفريقية، بل حتى عملوا على قطع شريان الحياة عن مصر بالسيطرة على منابع النيل. إنها الرغبة في السيطرة على مقدرات الأمة الاقتصادية و تهديد مخازينها الاستراتيجية حتى تجد الدولة نفسها مرغمة على الانقياد للأوامر الصهيونية التي تجعلها تنغمس في الوحل بشكل أكبر.

نصل بذلك إلى حقيقة لا مراء فيها، ألا وهي أن السيطرة على أرض فلسطين هي خطوة مرحلية، يسير معها وبنفس الوتيرة خطة إخراج الدول المجاورة تماما من المعادلة عن طريق إضعافها عقائديا و بنيويا كخطوة أولى في طريق السيطرة على منطقة الشرق أوسط بأكملها وإخضاعها للكيان الصهيوني. ولا يوجد مانع لديهم من بعض التنازلات التكتيكية عن بعض المكاسب في سبيل الوصول إلى هدفهم النهائي (مثلما حدث في بعض معاهدات السلام).

هل من أمثلة عملية تقوم بالتدليل بها على هذه الرؤية؟
• ببساطة لماذا لم تقم إسرائيل بدخول القاهرة مثلا بعد حرب 1967 رغم تدمير الجيش المصري بالكامل، وفي عدم دخول دمشق في أثناء حرب 1973 رغم الفرصة المتاحة في وقتها. لإدراكها أنها في مواجهة هذه الكتلة السكانية الكبيرة ستتعرض لخسارة كبيرة. فالتعامل مع الكتلة السكانية الكبيرة يجب أن يكون له أسلوب آخر من الاحتلال الشديد العنف. وهو ما يعني سقوط الكيان الصهيوني في مستنقع مثل مستنقع الولايات المتحدة في العراق و أفغانستان، وبالنسبة للكيان الصهيوني تكون تلك هي النهاية.
• انسحاب الكيان الصهيوني من غزة عندما أدرك أن كتلتها السكانية أكبر من أن يتم السيطرة عليها، خاصة مع وجود الوعي الإسلامي.

ننهي هذه الورقة ببعض الملاحظات:
• الصراع مع الكيان الصهيوني هو صراع قائم أصلا حتى لأولئك الذين لا يريدونه. إنه صراع بقاء شئناه أم أبيناه. ولكن يبقى أن زمام المبادرة يجب أن يكون بأيدينا لنحدد متى و كيف و أين يكون الصراع، فلا ننساق إلى حرب في غير أوانها.
• الهوية الإسلامية هي ضرورة لهذه الأمة لا يمكنها التنازل عنها بأي حال من الأحوال.
• الكيان الصهيوني لا يريد في المرحلة الحالية حربا شاملة تسعى لاحتلال أراض يصعب السيطرة عليها فهي تخالف استراتيجيته، بل يفضل خوض حملات تأديبية مثل تلك التي قام بها بلبنان وغزة. وهنا يجب تطوير استراتيجية ردع تجعله يحجم عن تلك الخطوة.
• هذا الأسلوب قد يتغير في حالة وجود نوع من المكاسب التي يسهل الحصول عليها أو تغير الطبيعة الديموجرافية الموجودة، فقد يسعى الكيان الصهيوني إلى احتلال بعض الأراضي الجديدة في حالة نموه السكاني. وهنا لنا سؤال منطقي، كيف تترك مصر منطقة بحجم سيناء بدون توفير غطاء سكاني يقضي على المطامع الصهيونية؟

أما بالنسبة للتوازن العسكري القائم، وكيف يمكن تحقيق الردع اللازم، فذلك يحتاج إلى مقال آخر. فإلى لقاء قريب بإذن الله. وصلي اللهم وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه أجمعين.

الفقير إلى عفو ربه،
محمد نصر
الأحد 16/محرم/1433 هـ - الموافق 11/ديسمبر/2011 م
 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
  • 0
  • 0
  • 2,104

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً